شاركت حسابات شخصية وصفحات معروفة على “فيسبوك” في الوسوم المناهضة لوجود السودانيين في مصر، فيما كشفت طبيعة التفاعلات عن جهد منظم ومنسق لزيادة النشاط غير العفوي بهدف تقديم صورة سلبية مصطنعة عن السودانيين.
دفع اندلاع أعمال القتال في السودان إلى تدفق عشرات الآلاف من الفارين من الحرب إلى البلاد المجاورة، فيما ظهرت ردود فعل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مُرحبة وأخرى رافضة لنزوح السودانيين إلى مصر.
حتى يوم 4 أيار/ مايو، وصل إلى مصر أكثر من 56 ألف شخص من السودان، من بينهم على الأقل 52 ألفاً و500 سوداني و3950 من جنسيات أخرى، بحسب تقديرات وزارة الخارجية المصرية.
وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إنها تتوقع تدفق 860 ألف لاجئ وعائد من السودان في الشهور المقبلة، فأكثر من 100 ألف قد غادروا البلاد بالفعل إلى البلدان المجاورة، مثل مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.
في هذه الأثناء، بينما أعرب مصريون عن ترحيبهم بالسودانيين، كان هناك نشاط منسق يدعو إلى غلق الحدود وإلغاء تأشيرات دخولهم إلى الأراضي المصرية.
عام 2004، وقعت مصر والسودان اتفاقية “الحريات الأربعة”، التي تشمل حرية التنقل وتسهيل حركة مواطني البلدين.
“يوجد بالفعل ملايين السودانيين فى مصر، لكننا لا نشير إليهم كلاجئين، بل ضيوف، وهناك ما بين 8 و9 ملايين ضيف من ليبيا وسوريا واليمن ودول أفريقية أخرى”، تصريحات أطلقها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في حواره مع صحيفة “أساهي” اليابانية في مطلع أيار 2023.
الإحصاءات التي ذكرها الرئيس المصري تأتي متسقة مع تقديرات منظمة الهجرة الدولية حول أن مصر تستضيف 9 ملايين شخص، ليسوا لاجئين فقط، وإنما تتنوع صفاتهم ما بين مهاجرين ومقيمين وزائرين.
في حديثه مع الصحيفة اليابانية، عبّر السيسي عن آماله باستقرار الأوضاع، قائلاً: “بمجرد استقرار الوضع، سيعود أولئك الذين فروا من بلدانهم إلى ديارهم، لأن مصر لا يمكنها تحمل هذا العبء”.
تزامنت تصريحات السيسي مع انفجار الأوضاع في السودان وتدفق السودانيين الفارين من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي).
في وقت لاحق، قال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال تصريحات مماثلة مع الإعلامي أحمد موسى، إن مصر لا يمكن أن تتحمل الأعباء، من دون أن تتحمل أوروبا مسؤولياتها، بما لديها من موارد تفوق مواردنا. وقال إنه لا بد أن تلتزم أوروبا بتعهداتها الدولية وإطارها الإنساني بشأن اللاجئين والنازحين.
حفزّت هذه التطورات تكتكلات افتراضية مؤيدة للرئيس المصري، وأخرى قومية مناهضة اللاجئين وكارهة لوجود الأجانب في مصر، على النهوض وإطلاق حملات منسقة جديدة، رأت في تصريحات شكري والسيسي “تغير في النبرة” أو الموقف من اللاجئين.
يشار إلى أن انتشار خطاب الكراهية ضد اللاجئين في مصر عبر مواقع التواصل الاجتماعي يعود إلى سنوات مضت، وكان موجهاً في بداية الأمر إلى السوريين الهاربين من الحرب الأهلية، مصحوباً بحملات متواصلة إلى اليوم تصفهم بـ”الهكسوس”، نسبة إلى قبائل الرعاة القادمين من بلاد الشام، التي حكمت أجزاءً من مصر لفترة من الوقت إبان الحقبة الفرعونية.
في هذه الأثناء، نشط طيف من الهاشتاغات الرافضة لقدوم السودانيين إلى مصر، لتجذب شرائح مؤيدة لهذه النوعية من الخطاب. ورغم الصخب المرتبط بهذه النوعية من الخطاب عبر الشبكات الاجتماعية، وما يحمله من مخاوف من ترجمته إلى أعمال عنف ضد اللاجئين على الأرض، إلا أن انعاكسات هذا الخطاب لا تزال محدودة إلى الآن.
نشطت هذه الوسوم في العديد من المنصات الاجتماعية، مولِدة آلاف التدوينات والتغريدات، وما يكافئها من التفاعلات، في محاولة لتضخيم تيار رفض اللاجئين والإيحاء بأنه “مطلب شعبي”.
كانت الوسوم تدعو إلى إغلاق الحدود أمام السودانيين وإلغاء تأشيرات دخولهم وطردهم من مصر، وإغلاق مقر المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
على سبيل المثال، كانت هناك عشرة هاشتاغات نشطة حول هذا الموضوع في “فيسبوك”. وهي: #كفاية_لاجئين، #كفاية_لاجيين_في_مصر_قرفنا، #طرد_السودانيين_من_مصر، #غير_مرحب_بالسودانين_في_مصر، #اقفلوا_الحدود، #اللاجئيين_خطر_على_مصر، #غلق_المفوضية_وطرد_اللاجئين، #قفل_الحدود_مطلب_شعبي، #لا_لإلغاء_التأشيرات_لمصر، #لا_لإلغاء_تأشيرات_الدخول_لمصر”.
لقطة شاشة لجانب من تدوينات هاشتاغ #كفاية_لاجئين عبر فيسبوك – أداة Crowd Tangle
شاركت حسابات شخصية وصفحات معروفة على “فيسبوك” في الوسوم المناهضة لوجود السودانيين في مصر، فيما كشفت طبيعة التفاعلات عن جهد منظم ومنسق لزيادة النشاط غير العفوي بهدف تقديم صورة سلبية مصطنعة عن السودانيين.
يكشف التدقيق في مصدر التدوينات المنشورة على الوسوم والتفاعلات معها، عن دور فاعل لمجموعات كانت منخرطة في حملات إلكترونية تدافع عن سياسات الحكومة وتهاجم منتقديها، وتجمل ما يطلقه الرئيس من تصريحات وتشوه معارضيه، مع نشاطها لخلق مناخ معادي للاجئين والأجانب عامة في مصر.
من بين هذه المجموعات ما يسمى بـ”التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا”، وهي مجموعة أو جروب على فيسبوك تأسس في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، ويضم أكثر من 27 ألف عضو.
احتوى الجروب على العديد من تدوينات أعضائه عن تدفق اللاجئين إلى مصر، والبحث في أرشيف المغردين السودانيين في السنوات الماضية لإظهارهم بشكل سلبي.
تبدو فكرة تشكيل التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا كرديف إعلامي أو افتراضي غير رسمي للدفاع عن الحكومة. يضم جروب التحالف صحفيين وأشخاص يحصل بعضهم على هامش للظهور باعتبارهم محللون في القنوات المصرية.
إلى جانب عضوية صفحات وتكتلات أخرى تتبنى نفس الخطاب، مثل جروب اتحاد مؤيدي الدولة (94 ألف عضو) لمؤسسه إبراهيم الجارحي، الذي عُرف عنه قيادته لحملات إلكترونية مدافعة عن الحكومة ومهاجمة المعارضين طوال السنوات الماضية، قبل أن يصبح مقدمًا للبرامج في قنوات تليفزيونية تملكها أجهزة سيادية مصرية.
ويدور في فلك التحالف أشخاص مرتبطون بشكل ما بالدوائر الرسمية. فمؤسس الجروب إسلام عباس، سبق له حضور فعاليات رسمية، حيث تمت دعوته وقادة التحالف إلى مائدة “إفطار الأسرة المصرية” السنوي في شهر رمضان، و”منتدى شباب العالم”، وكلاهما حدثان يحضرهما الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو ما سبق لنا توضيحه في تحليلنا السابق عن الحملة المنظمة ضد إطلاق سراح الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، التي ظهرت إبان إضرابه عن الطعام بالتزامن مع قمة المناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وينظم أعضاء التحالف خارج مصر وقفات احتجاجية، إحداها كانت أمام البرلمان الأوروبي لانتقاد موقفه من أوضاع حقوق الإنسان في مصر.
وكان التحالف من التكتلات المنشطة للحملات الإلكترونية اللاذعة المنتقدة للدوحة إبان سنوات الخلاف بين دول خليجية – إضافة إلى مصر – مع قطر.
المفارقة أن منسق التحالف، إسلام عباس، سبق أن زار قطر والإمارات العربية المتحدة، والعيش في المملكة العربية السعودية لبعض الوقت، لا سيما في عام 2011، حيث يحظى حسابه بالعديد من الصور من هذه البلدان.
كانت صفحة “وعي مصر”، وهي واحدة من أكبر 10 صفحات قومية على الأقل تشكل تحالفاً في ما بينها، من أبرز الكيانات المنشطة للوسوم الرافضة لقدوم السودانيين إلى مصر.
يتابع الصفحة 94 ألف شخص، ولها خطاب قومي متطرف معادي للأجانب واللاجئين، واعتادت إطلاق حملات مناهضة للاجئين ورفض “تسويد أصل مصر”، للتعبير عن رفض أن يكون الأفارقة أو السود جزء من الهوية المصرية.
تُظهر منشورات الصفحة واهتمامها بطريقة تصميمها عن جهد منظم ومنسق مركز على توسيع نطاق المناخ المعادي لللاجئين في البلاد.
مع تدفق السودانيين إلى مصر، استعانت الصفحة بتصريحات الرئيس المصري ووزير خارجيته للاستناد إليها في الدفع باتجاه رفض اللاجئين. واستخدمت الصفحة هاشتاغ #كفاية_لاجئين، التي يقدر “فيسبوك” أنه احتوى أقل من 1000 منشور.
كانت هناك مفارقة أخرى، لاحظنا أن صفحة “وعي مصر” قد انضمت إلى “التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا”، وفقاً لمنشور في 2 أيار، كتبته أماني عبدالعزيز، إحدى قادة التحالف ومديري المجموعة الخاصة بها على “فيسبوك”. وسبق لأماني أن حضرت فعاليات رسمية للدولة رفقة منسق التحالف إسلام عباس.
مستندة إلى أكثر من 400 ألف متابع، استخدمت أمل عبدالله أو “مولي – وزيرة السعادة” صفحتها عبر فيسبوك في زيادة الزخم على وسم #كفاية_لاجئين، مُعتبرة أنه “كفاية طبطبة” في التعامل مع قضية اللاجئين. ودعت إلى نشر الهاشتاغ إضافة إلى وسمي #لا_لإلغاء_التأشيرات_لمصر، #لا_لإلغاء_تأشيرات_الدخول_لمصر”. ولها حساب شخصي على تويتر بنفس الهاندل، نشطت من خلال نفس الوسوم.
يدير صفحة “أمل” 10 أشخاص على الأقل على “فيسبوك”، كما تظهر خاصية الشفافية التابعة للشبكة. ولديها حسابات أخرى على “تيك توك” و”انستغرام” و”تويتر”.
تنشط أمل منذ سنوات عبر الشبكات الاجتماعية، وسبق أن ساهمت في تضخيم الكثير من الهاشتاغات المؤيدة للرئيس المصري والترويج والتبرير لسياساته، وشن حملات هدفت في كثير من الأحيان إلى التحرش الإلكتروني والتصيد وتشويه المعارضين.
لا يظهر النشاط الافتراضي حضور أمل فعاليات رسمية، إلا أنه تم إدراجها في منشورات مشتركة مع أشخاص ومؤثرين وصفحات قريبة من الدوائر الرسمية وتعبر عن موقفها بنشاطها عبر الشبكات الاجتماعية، كما “التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا”.
احتوت بعض التدوينات المنشورة على الهاشتاغات المناهضة للاجئين السودانيين عبارات مسيئة قد ترقى إلى خطابات الكراهية.
“البلد مستنقع للاجئين، اللاجئين خطر على مصر، (السودانيون) أغلبهم مختلون، انتظروا الإيدز والكوليرا، طوفان من السودانيين معهم أمراض وأوبئة ستفتك بمصر”.
هامش من هذه التعليقات جاء تعقيباً على خبر نشره موقع “24” الإماراتي، يقول إن “مصر تستعد لاحتمال انتشار الأوبئة عبر القادمين من السودان”.
يحظى قائد قوات الدعم السريع بدعم ضخم من الإمارات، إضافة إلى قوى عالمية كما روسيا، في مقابل دعم مصري للجيش السوداني وقائده عبد الفتاح البرهان.
على الرغم من أن عنوان الخبر يتحدث عن “احتمال”، إلا أنه أثار ضجة وجدلاً، لا سيما بين الرافضين ومن يبحثون عما يستندون إليه للترويج لفكرة رفض دخول السودانيين إلى البلاد.
في حين أنه في داخل القصة يقول أستاذ علم انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، الدكتور إسلام عنان، إن رفع وزارة الصحة المصرية درجة الاستعداد الصحي، عبر المنافذ الحدودية، وتوقيع الفحص الطبي على القادمين من السودان إلى مصر، أمر طبيعي تطبيقاً لقواعد الصحة التي تضعها الأمم المتحدة في التعامل مع اللاجئين بين الدول في أي مكان بالعالم.
وأضاف عنان في تصريحاته لـ24: “الأمر ليس مقتصراً على أشقائنا في السودان فقط، لكنه عرف متبع عالمياً في دخول اللاجئين إلى أي دولة، وهذا ما حدث أيضاً مع أشقائنا السوريين واليمنيين، وقت دخولهم إلى مصر، فهذا يعود إلى التنسيق العالمي للاجئين حول العالم”.
كما نشطت صفحات وحسابات أخرى في السياق نفسه، سواء من مؤيدي الرئيس أو “أبناء كيميت”، من أجل زيادة الحشد للتغريد على الهاشتاغات المعادية للاجئين السودانيين.
وذهبت بعض الحسابات لأن تروج إلى أن تدفق المهاجرين واللاجئين الأفارقة جزء من مؤامرة لإغراق دول شمال أفريقيا، مستندة إلى مقاطع فيديو من دول أخرى.
في هذه الأثناء، أخفى “فيسبوك” التدوينات المنشورة في بعض الهاشتاغات ونتائج البحث المرتبطة بها تماماً، وهو ما اتضح لنا عندما حاولت البحث عن ما نشره المشاركون في حملة التدوين.
في المقابل، نشط هاشتاغ #إلغاء_تأشيرة_دخول_السودانيين_لمصر عبر “فيسبوك” و”تويتر”، أطلقه مصريون للإعراب عن ترحيبهم بالقادمين من السودان.
في الهاشتاغ، أكد مصريون على الروابط التاريخية بين شعبي البلدين، ودعوا السلطات المصرية إلى تسهيل دخول السودانيين وتقديم الدعم لهم.
في بداية الأمر، أثار الهاشتاغ استياء السودانيين لاعتقادهم أن الهاشتاغ يدعو إلى عرقلة دخولهم إلى مصر، إلا أنهم أعربوا عن شكرهم لمصر عندما تبين لهم العكس.
– أكثر من 10 هاشتاغات نشطت عبر مجموعات إلكترونية مختلفة تزامنا مع بدء تدفق المواطنين السودانيين الفارين من الحرب في بلادهم.
– انخرطت مجموعات مؤيدة للحكومة وأخرى معروفة بعدائها للمهاجرين والأجانب في الحملة المناهضة لوصول اللاجئين إلى مصر.
– بعض هذه المجموعات حضر قادتها فعاليات رسمية بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، مثل إفطار الأسرة المصرية ومنتدى شباب العالم.
– ظهور خطاب كراهية خلال موجة التغريد ضد اللاجئين والسودانيين الوافدين إلى مصر.
– الاستناد إلى تصريحات رسمية جديدة، بداية من الرئيس ووزير الخارجية، في تعزيز وتضخيم الخطاب المعادي للاجئين في مصر.
الأدوات المستخدمة:
– Twitter Search
– Crowd Tangle