أشعلت وفاة “عدن”، الفتاة السعودية العابرة جنسياً، هجوماً على منتقدي الحكومة السعودية خارج المملكة، مصحوباً بصراع متبادل على ترويج “الرواية الحقيقية” للحادثة.
تقول الرواية السائدة، المدعومة بهاشتاغات تضامنية، إن الفتاة انتحرت بعد تعرضها للتضييق من جانب أسرتها صاحبة النفوذ في المملكة، بينما كانت هناك محاولات لدفع وتضخيم رواية معاكسة منسوبة لأشخاص قريبين جداً من الأسرة، عبر تطبيق “تيك توك”.
ونُظمت وقفات احتجاجية أمام سفارات سعودية، شهدت وقوع ما اعُتبر مُسيئاً للمملكة والعلم السعودي، بعد تعرضه للدهس من جانب المشاركين والمشاركات في هذه الفعاليات.
أدى تداول لقطات الوقائع المسيئة، ظهور حملة تغريد مضادة عبر موقع “تويتر”، تحولت إلى هجوم على المعارضة، لا سيما حزب التجمع الوطني، الذي أسسه ناشطون سعوديون يعيشون في دول غربية، في أيلول/ سبتمبر 2020.
جاء الهجوم بعد أيام من انفجار “تويتر” بشأن ضجة خروج الداعية السعودي عماد المبيض وآخرين من المملكة في الآونة الأخيرة، اعتراضاً على سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
في منشور عبر “تويتر” في 12 آذار/ مارس الماضي، أعلن حساب “عدن”، فتاة سعودية متحولة جنسياً عمرها 23 عاماً، انتحارها، جاء في المنشور أن والديها استأجرا “وسطاء” أميركيين ومحامياً سعودياً في واشنطن العاصمة لإعادتها إلى المملكة، وأنها مُنعت من الحصول على العلاج الهرموني الخاص بها، والذي تتناوله لإكمال رحلة تحوّلها من شاب إلى فتاة.
في اليوم التالي، أعلنت عائلة الشثري المعروفة في السعودية، أن ابنها “الشاب نواف” الذي يحمل الاسم القانوني نفسه لـ”عدن” قد توفي. لاحقاً، أغلقت العائلة إمكان النفاذ إلى محتوى الحساب على “تويتر” بعد إعلان تفاصيل مراسم الجنازة. فيما أعطى حساب مستخدم آخر عرّف نفسه بأنه عم المتوفى الاسم نفسه، “نواف” فهد بن إبراهيم الشثري.
مع تناقل خبر وفاة “عدن”، ظهرت دعوات للتظاهر أمام مقار عدد من السفارات السعودية، منها دعوة الناشطة وعد الحربي، العضوة السابقة في حزب التجمع الوطني، لتنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة في لندن، “للمطالبة بالعدالة لعدن والاقتصاص من المتسببين بمقتلها واستدراجها”.
خلال وقفة لندن، ظهرت وعد الحربي وأخريات وهن يقفن على العلم السعودي، ما أثار حالة استياء بين المغردين السعوديين، بينما قالت الناشطة: “تمثّل الأعلام كيانات الدول وحدودها السياسيّة، الأمر ليست له علاقة بالإسلام والمسلمين”، حسب قولها في تغريدة عبر “تويتر”.
في هذه الأثناء، نشطت وسوم عدة لانتقاد الفعاليات ودهس العلم السعودي، من أبرزها #حزب_التجمع_اللوطي و #المعارضه_تدنس_لفظ_الجلاله.
في الفترة من 20 آذار إلى 6نيسان/ أبريل، حصد الهاشتاغان 5288 تغريدة، غالبيتها عبارة عن “ريتويت”، بينما كانت هناك 679 تغريدة فقط أصيلة. إلى جانب 9479 حالة إعجاب (لايك).
يشار إلى أن أول ظهور لهاشتاغ #حزب_التجمع_اللوطي كان في مساء يوم 24 أيلول 2020، على يد الحساب السعودي EcH3P@ الذي اعتاد نشر ومشاركة التغريدات ذات الخطاب القومي المدافع عن المملكة. آنذاك، نشر الحساب مقطع فيديو قصيراً منسوباً الى الناشط السعودي المقيم في كندا، عمر عبدالعزيز، وذلك في اليوم التالي لظهور الناشط في فيديو يعلن خلاله تأسيس حزب التجمع الوطني.
في حين ظهر وسم #المعارضه_تدنس_لفظ_الجلاله في يوم الوقفة الاحتجاجية أمام السفارة السعودية. دشنه الحساب R82DB@ في 24 آذار، داعياً في تغريدة (إلى اليسار أدناه) “شاركوا في التاق لفضحهم”.
شارك 483 حساباً في تنشيط الوسمين، عدد لا بأس به شارك في حملات سابقة ضد المعارضة، إضافة إلى الانغماس في الحملات ذات الخطاب القومي، وتلك المرتبطة بالدفاع أو دعم سياسات الحكومة.
كانت هناك محاولات تضخيم عبر حسابات سعودية لها مسيرة طويلة في حملات إلكترونية عبر الشبكات الاجتماعية، منها حساب دلال السبر dalal_sa23@، أحد أبرز الحسابات المشاركة في الهاشتاغين موضع التحليل برصيد 15 تغريدة.
يحظى حساب دلال بمتابعة مغردين سعوديين معروفين، مثل الكاتب تركي الحمد، وسكينة المشخيص وسعاد الشمري، والمغرد السعودي المهتم بالشؤون العسكرية سليمان الدوسري.
حسب أرشيف محتوى حساب دلال، ظهر أول حساب لها في فضاء “تويتر” في عام 2015، قبل أن يغلقه “تويتر” في عام 2017، وسبق أن تعطل حساباً آخر (dalal_sa21@) لها في عامي 2019 و2020، قبل أن تفقده تماماً في 2021. إلى جانب وقف حساب ثالث لها Dalal_sa22@ في عام 2020. جميع الحسابات كان محتواها “سياسياً”، وفقاً لدلال.
يوفر سكرين شوت أخذه أحد مغردي “تويتر”، لمحة نادرة للصورة التعريفية الخاصة بحساب دلال صاحب الهاندل dalal_sa21@. كان السكرين شوت لتغريدة قديمة من حسابها المغلق، كانت تهدد فيه إحدى المغردات بنشر صورتها.
ارتبطت وقائع وقف وإغلاق “تويتر” عدداً من حسابات دلال بخوضها معارك إلكترونية، لا سيما مع حسابات فلسطينية، كانت تصف دلال بأنها “وطنجية”، حسب تعبيرها.
في المقابل، حاول ناشطون سعوديون يعيشون خارج المملكة، ركوب موجة التغريد عن طريق استخدام الهاشتاغين المهاجمين للمعارضة (#حزب_التجمع_اللوطي و#المعارضة_تدنس_لفظ_الجلاله)، وذلك في بث تغريدات تنتقد الحكومة للاستفادة من الانتشار اللافت للوسمين آنذاك.
على سبيل المثال، كان حساب hudda_22@، الذي يعرّف نفسه بأنه “ناشطة نسوية وكاتبة وصانعة أفلام من أرض الحجاز”، هو صاحب الصدارة من حيث عدد التغريدات المنشورة (26 تغريدة) على هاشتاغ #المعارضه_تدنس_لفظ_الجلاله.
مثلها، كان حساب طالب عبدالمحسن، يعرف نفسه بأنه مسلم سعودي سابق، بين أبرز الحسابات النشطة على وسم #المعارضة_تدنس_لفظ_الجلاله، بعد نشره 12 تغريدة تشيد بدهس العلم السعودي.
يقول الحساب إنه طبيب نفسي يعيش في ألمانيا، ويضع علم إسرائيل في المساحة التعريفية لحسابه. واعتاد نشر تغريدات تهاجم الإسلام وتشيد بالإلحاد، إلى جانب تقديم إرشادات لمن يريد الفرار من السعودية إلى أوروبا.
منذ انتشار نبأ انتحار الفتاة السعودية العابرة جنسياً (عدن)، ظهرت هاشتاغات تطالب بتحقيق العدالة من أجلها. وشارك في نشر الوسوم متضامنون أجانب مع قضية “عدن”، إلى جانب الناشطين السعوديين كما وعد الحربي ولورا الحارثي، فضلاً عن مجتمع الناشطات النسويات المهتمات بأوضاع النساء من خارج المملكة.
من أبرز الوسوم الرائجة المرتبطة بمسألة عدن: ” HerNameWasEden# #العدالة_لعدن JusticeForEden# #المجرم_فهد_إبراهيم_الشثري”.
بشكل إجمالي، حصدت الوسوم الأربعة 47204 تغريدات، منها 4124 تغريدة أصلية والبقية جاءت في صورة ريتويت، مع 254972 حالة إعجاب (لايك). شارك في موجة التغريد 3335 حساباً في تنشيط الوسوم، التي كُتبت أيضاً على لافتات ظهرت خلال الوقفات الاحتجاجية أمام بعض السفارات السعودية، بخاصة في لندن ودبلن.
لعبت الحسابات الأجنبية دوراً بارزاً في زيادة انتشار قصة عدن، لا سيما تلك الناطقة بالإنكليزية، إذ كان لافتاً ذلك السعي الحثيث الى توسيع نطاق المعرفة بمسألة عدن.
بعض الحسابات زعمت قربها وصداقتها من الضحية، مثل حساب punishedmother@، الذي تقول صاحبته إنها كانت صديقة لعدن، وعملت على الحشد لقضيها، ونشر الكثير من التغريدات.
إلى جانب نشر ما سمته “تفاصيل اختطاف عدن”، عبر خدمة “وثائق غوغل”، كانت التغريدة المتضمنة رابط التفاصيل، في نطاق رؤية 4.5 مليون حساب على “تويتر”. كما نالت التغريدة عشرات الآلاف من التفاعلات.
كانت هناك تغريدات على الوسوم نفسها أيضاً صادرة من حسابات عربية وسعودية، بعضها حسابات مدافعة عن العلمانية ومجموعات المناصرة لحقوق العابرين والمثليين جنسياً.
توسعت قاعدة مستخدمي “تيك توك” في المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة. ففي آب/ أغسطس 2022، كشفت دراسة لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مقرها السعودية، وجود 22 مليون مستخدم سعودي للتطبيق في المملكة.
في غضون انتشار رواية المتضامنين مع حالة عدن، التي تلقي باللوم على أسرتها في وفاتها، ظهرت رواية أخرى مغايرة عبر “تيك توك”.
وتم ترويج الرواية من خلال مؤثرين اجتماعيين يحظون بمتابعة مئات الآلاف من الحسابات، فضلاً عن ضخامة التفاعلات مع محتواهم. في 16 آذار، نشر حساب يقولك (@ygolk) البارز على الشبكات الاجتماعية، مقطع فيديو بعنوان “القصة الحقيقية” لما حدث لعدن. أورد صاحب الحساب مزاعم مختلفة عن “القصة الحقيقية”، قال إنه عرفها من امرأة “مقربة جدًا” من عائلة عدن، من دون أن يكشف عن هوية السيدة التي قال روت له ما حدث.
في “التفاصيل”، قال صاحب الحساب إن الشاب “نواف” قبل تحوله إلى “عدن”، كان في بعثة إلى الولايات المتحدة، “وسكن عند عائلة ما هي مظبوطة”، وأنه عندما علم والده بأنه يتناول أدوية لزيادة الهرمونات الأنثوية عنده، أرسل أصدقاء له لإقناعه بالعدول عن ذلك والعودة إلى السعودية، وفقاً لصاحب الحساب.
وأضاف هذا الشخص، الذي اعتاد نشر محتوى خفيف، أن “عدن” اقتنعت بذلك وعادت إلى المملكة، وأن والدها قدم لها العلاج والرعاية حتى تراجعت عن اتجاهها للتحول إلى أنثى واستعادت مظهرها الذكوري على يد أطباء جلبهم والدها، الذي عاملها “بلطف شديد”، مستنداً في ذلك الى تركه يقود سيارته.
كما نشر الحساب صورة منسوبة الى عدن في مظهر شاب خلال أدائه فريضة العمرة. هذا الفيديو، حصل وحده على قرابة 4 ملايين مشاهدة، و3955 تعليقاً و262 ألف لايك.
في يكانون الثاني/ يناير الماضي، قبلت المحكمة العليا ببريطانيا إعادة النظر في قضية خطة وزارة الهجرة وشؤون اللاجئين البريطانية، لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.
تبلغ مدة الخطة 5 سنوات، وتهدف إلى كبح ما تعتبره الحكومة “هجرة غير شرعية” عن طريق ركوب القوارب في القنال الإنكليزي والاختباء في داخل الشاحنات.
على هامش وفاة الفتاة السعودية، استدعى مغردون سعوديون مؤيدون للحكومة الخطة البريطانية للسخرية من المعارضين السعوديين الفارين من المملكة، زاعمين أنه سيتم ترحيلهم إلى رواندا. كما روجوا معلومات غير صحيحة حول أن المثليين والملحدين هم فقط من لن يتم ترحيلهم إلى رواندا.
كان من بين المشاركين في حملة السخرية رافع العمري، منتج محتوى مصور ومراسل سابق لقناة “الإخبارية” السعودية الرسمية.
وتم تزييف بيانات منسوبة إلى الداعية السعودي عماد المبيض، الموجود في بريطانيا، تزعم دعوته إلى الموافقة أو التظاهر بدعم المثلية الجنسية لضمان عدم الترحيل.
في مطلع آذار، أعلن الداعية هروبه من المملكة اعتراضاً على محاولات “طمس هوية الإسلام”، في معرض انتقاده المظاهر الاجتماعية والثقافية الجديدة غير المسبوقة في البلاد، وفقاً لما جاء في مقاطع فيديو في حسابه عبر “تويتر”. آنذاك، ظهر جهد منسق من حسابات سعودية لمهاجمة الداعية، مُولِّدة عشرات الآلاف من التغريدات.
كما تم استخدام برامج تعديل الصور في تشويه ومهاجمة وبث خطاب كراهية ضد المعارضين السعوديين، مثل عبدالله العودة، الأمين العام لحزب التجمع ونجل الداعية سلمان العودة المسجون منذ سنوات في السعودية. واستخدام تعابير مسيئة في وصف المعارضين، مثل “الصراصير الإلكترونية”، الذي أصبح هاشتاغاً لديه أكثر من 5 آلاف تغريدة و8 آلاف لايك.