عاش العراق في حالة جمود سياسي منذ الانتخابات البرلمانية في 2021 حتى نيل حكومة محمد شياع السوداني، مرشح تحالف الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية الموالية لإيران، ثقة البرلمان في تشرين أول/ أكتوبر الماضي. وكان الفضاء الافتراضي ساحة اشتباك بين هذه القوى وتيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الرافض للسوداني.
حافظ مؤيدو الإطار التنسيقي على مهاجمة تيار الصدر، الذي يحظى بقبول شعبي كبير، لكن في مطلع تشرين أول/ أكتوبر، تصاعدت الوتيرة بحملة إلكترونية مضادة قوية.
حاولنا في Arabi Facts Hub تتبع هذا النشاط المنسق الذي تم عبر حسابات لأشخاص طبيعيين مع شبكة من الحسابات الوهمية، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على أبرز العناصر الفاعلة في الحملة، والآليات التي تستخدمها مختلف الفصائل في التعبئة والحشد الافتراضي.
الحملة على تيار مقتدى الصدر، جاءت بعد نزول أنصاره إلى الشوارع في أيلول/ سبتمبر، ضمن جولة من احتجاجات التيار شهدت اقتحام مقار الحكومة ومجلس النواب والقصر الجمهوري في داخل المنطقة الخضراء الحصينة وسط بغداد، خلال الشهور الماضية.
في حزيران/ يونيو الماضي، أعلن الصدر استقالة أعضاء تياره من البرلمان (73 نائبًا)، ما جعل كتلة الإطار التنسيقي هي صاحبة الأغلبية في البرلمان. بينما رفض الصدر مرشح الإطار لقيادة الحكومة.
تأزم الوضع في العراق لمدة عام، مع تصارع القوى الشيعية، في وقت كانت حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، من الناحية الدستورية، لا تملك اتخاذ قرار إعادة تنظيم الانتخابات، إلى أن حدثت الانفراجة بمنح الثقة للسوداني.
شهد العراق تظاهرات في 1 تشرين أول/ أكتوبر، ذكرى اندلاع شرارة الحراك الشبابي العراقي المستقل الذي قاد احتجاجات تشرين أول/ أكتوبر 2019، التي أطاحت برئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، القريب من المجموعات الموالية لإيران. ضمن فورة اعتراض على فساد النخبة الحاكمة وتردي الخدمات والظروف المعيشية.
تزامناً مع التظاهرات في نطاق ساحة التحرير وجسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، التي شارك فيها بعض أعضاء تيار الصدر، ظهرت وسوم يحمل خطابها هجوماً على المشاركين في هذه التظاهرات.
من بين هذه الوسوم، كان هناك هاشتاج #الإصلاح_يهين_القوات_الأمنية الذي احتوى 413 تغريدة و2923 حركة إعادة تغريدة (ريتويت) و4746 حالة إعجاب (لايك). وكانت أعلى فترة ذروة له في يوم 1 أكتوبر.
يقصد بـ”الإصلاح” الذراع السياسية لتيار مقتدى الصدر. أما سرايا السلام فهي الجناح العسكري للتيار.
استخدم المشاركون صورًا ومقاطع مصورة ونصوصاً في التغريد عبر الوسم. تُظهر التدوينات المنشورة محاولة حثيثة لتشويه تيار الصدر بالحديث عن دخوله في مواجهات مع قوات الأمن العراقية على جسر الجمهورية.
إلى جانب تركيز التغريدات على حدوث “اعتداء بالزجاجات والحجارة على قوات مكافحة الشغب”، و”أمور مخلة بالأخلاق والشرف” و”وجود أسلحة” في الاحتجاجات.
كما أثارت هذه الحملة الحديث عن انقسامات بين أنصار الصدر و”جماعة تشرين”.
أيضًا، كان هناك ترويج معلومات مضللة، مثل الحديث عن قلة عدد المشاركين في التظاهرات بغرض التقليل من تأثيرها، وهو ما كشفت زيفه صفحة “صحيح العراق“، المعنية بالتحقق من الأخبار.
ضربة البداية
في صباح 1 تشرين أول/ أكتوبر 2022، افتتح حساب “زينب المقاومة@qd_isn – ” التغريد على وسم #الإصلاح_يهين_القوات_الامنية. احتوت التغريدة مقطع فيديو يظهر مجموعة من الأشخاص يرشقون القوات الأمنية على جسر الجمهورية بالحجارة.
عند فحص محتوى الحساب، لاحظنا مشاركته في هاشتاجات أخرى تهاجم رئيس الحكومة وتروج لمرشح الإطار التنسيقي المرفوض من التيار الصدري آنذاك.
وكان للحساب العديد من التغريدات على وسم #محمد_شياع_امل_العراق، الذي ظهر بعد أيام من الهاشتاج المهاجم لـ”الإصلاح”، وحصد منذ ذلك الحين 284 تغريدة و2324 ريتويت و5466 لايك.
في حين اختلفت خريطة الحسابات الأكثر نشاطًا على الهاشتاج الأول، فكان هناك حساب hussenn31331@ في الصدارة بمجموع 17 تغريدة نشرها على الوسم.
يضع الحساب في صورته التعريفية شعار مليشيا الحشد الشعبي، القريبة من إيران وتشكلت في 2014 للمشاركة في مواجهة اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لأراض العراق.
لدى الحساب تغريدات تحتوى صور المرشد الإيراني علي خامنئي والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، فسبق للحزب اللبناني الانغماس في حملات إلكترونية إقليمية خارج العراق، كما لاحظنا مساهماته في وسمي #ترسيم_الحدود_البحريه و#لبيك_يا_خامنه_اي
ومنذ إنشائه في حزيران/يونيو 2022، بث الحساب أكثر من 6 آلاف تغريدة، وهو مؤشر مهم على وجود نشاط غير طبيعي يتم من خلاله.
لدى الحساب علاقات “صداقة” ومتابعة متبادلة مع 6 حسابات على الأقل كانت بين أبرز الحسابات النشطة على الوسم، وهي: “A__dam1@، najmaa_97@، ali_aldor313@، hrwf_313@، saja_d96@، AlRshfat@”.
رسم توضيحي لأكثر الحسابات النشطة على هاشتاج #الإصلاح_يهين_القوات_الامنية
يشار إلى أن حساب al_asaibi@ من الحسابات البارزة على الهاشتاج قد أوقف تويتر نشاطه خلال عملنا على التحليل، لكن أداة InVID أمكنها حفظ تغريداته. وكان لشخص يحمل اسم مرتضى العصائبي.
بالدقيقة.. اكتشاف سكريبت ما ستنشره شبكة حسابات وهمية
قادنا التدقيق في حساب 20yahia1920@، أحد أنشط الحسابات على هاشتاج #الإصلاح_يهين_القوات_الامنية، إلى اكتشاف شبكة من الحسابات الوهمية تساعد في تضخيم وانتشار الهاشتاجات المؤيدة للإطار التنسيقي.
هذا الحساب عضو في قوائم على تويتر تضم حسابات داعمة لخصوم التيار الصدري.
بداية الأمر كانت عندما كنا نفحص محتوى الحساب، فلاحظنا أنه يستخدم كلمة “حملة” في الإشارة إلى تدشين وسوم ترويجية، مثلما تحدث في تغريدة مطلع أيلول/ سبتمبر عن أنه “إن شاء الله الخامسة مساءً حملة من خدام زوار أربعينية الإمام الحسين ع تنطلق في تويتر”.
وجدنا أن الحساب أطلق تغريدة احتوت هاشتاج #سنحاكم_الكاظمي، الذي وصل قمة ذروته في يوم 9 تشرين أول/ أكتوبر، فيما حصد إجمالي تغريدات بلغت 616، مع 986 ريتويت و1451 لايك.
خلال مطالعتنا محتوى الهاشتاج لاحظنا تغريدات من حساب lwny13720694@ تبين أنها تحتوى سكريبت لمواقيت نشر عبارات معينة على الهاشتاج. كانت التوقيتات مقسمة بدقة شديدة، حيث تختلف العبارات بين دقيقة وأخرى.
ليس معروفاً إن كان نشر هذا السكريبت علانية على تويتر مقصوداً أو نتيجة لخطأ تقني في إدارة الحساب الذي أنشأ في 11 آب/ أغسطس الماضي ويتابعه 9 أشخاص فقط، ولديه أكثر من 400 تغريدة. رغم أن مسألة وجود سكريبتات محددة مسبقاً لتحديد الكيفية التي تعمل بها الحسابات الوهمية تعتبر ممارسة معروفة، لكن نشرها على منصات التواصل الاجتماعي يعد شيئاً نادر الحدوث.
راجعنا الوسم في هذه المواقيت فوجدنا العبارات منشورة في أكثر من حساب في نفس التوقيت المحدد تقريبًا. وهو ما يعطي مؤشرات قويًا على أن هذه الحسابات وهمية تدار آليًا وتنشر تغريدات بموجب سكريبتات محدد محتواها سلفًا.
جاء ظهور هذا الوسم بعد وقت قصير من بيان أصدره أبو علي العسكري، المتحدث باسم مليشيا “حزب الله” العراقي، في قناته عبر تيليجرام في الساعة 09:53 من مساء الجمعة 7 تشرين أول/أكتوبر، لتصدر أول تغريدة، التي تضمنت صورة من البيان، عبر الهاشتاج في تويتر في الساعة 10:22 مساءً.
فيسبوك.. حسابات فردية ضخمة وصفحات تجمع تفاعلات
تردد صدى حملة أنصار الإطار التنسيقي في فيسبوك بشكل متزامن مع ما يُنشر على تويتر. رغم وجود صفحات نشطة مشاركة، إلا أنه كان لافتاً الحضور القوي لحسابات فردية تحظى بعدد أصدقاء ومتابعين عددهم ثلاثة آلاف على الأقل.
نسبة من هذه الحسابات تحمل أسماء فتيات، ولا تضع صوراً شخصية. في قوائم الأصدقاء، يضع بعضهم صوراً تعريفية فيها شعار قوات الحشد الشعبي و”حزب الله” العراقي ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي يقود الإطار التنسيقي.
خلا محتوى هذه الحسابات من أي تدوينات مرتبطة بأمور شخصية، وهو أمر معتاد رؤيته بشكل أكبر في حسابات فيسبوك عن تويتر لطغيان الجانب العاطفي في المنصة عن أي شبكة اجتماعية أخرى، بينما يوجد انغماس تام في مهاجمة حكومة الكاظمي وتيار الصدر، مع الترويج للإطار التنسيقي ومرشحه شياع السوداني.
تكرر المحتوى الهجومي المنشور في هذه الحسابات عن تظاهرات مؤيدي التيار الصدري، حيث تدوينات متشابهة إلى حد كبير.
وجدنا أيضًا محتوى مكرر منسوخ من حسابات وصفحات الحملة الأساسية، حيث كان منشوراً في صفحات أخرى على فيسبوك. نقطة الاختلاف هنا، أن أرشيف محتوى هذه الصفحات يوضح أنها تنشر محتوى يعاد تدويره من صفحات مختلف الفصائل العراقية إلى جانب تدوينات عامة عن الحياة والعواطف. مما عزز دافع الرغبة في الحصول على تفاعل جمهورها على نحو أكثر من اتباع طيف أو ميل سياسي لصالح فصيل على حساب آخر.
كيف ينشط أنصار التيار الصدري على مواقع التواصل؟
كما غالبية القوى والفصائل، يعتمد التيار الصدري على قنوات تليجرام في حشد الأنصار للأحداث على الأرض وفي إطلاق الحملات الإلكترونية إلى بقية الشبكات الاجتماعية. وعادة ما يكون لدى الفصيل الواحد العديد من القنوات.
في إحدى القنوات المرتبطة بتيار الصدر، اسمها “نداء تويتر” ويتابعها أكثر من 24 ألف شخص، يتم إطلاق الدعوات لنشر الهاشتاجات والترويج لها ودعم وتبني مواقف التيار. وهناك أيضاً قناة “واحد ميسان”.
يكاد يكون إطلاق الدعوات للهاشتاجات عبر تيليجرام مثل الماء والهواء بالنسبة لمنشئي هذه المجموعات، فهناك هاشتاجات طوال الوقت. ربما يكون أحد أسباب ذلك الحفاظ على يقظة وتفاعل جمهور المؤيدين وتحقيق المزيد من الرواج وإظهار النفوذ والتأثير.
مع تغير الدفة سياسياً، بات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وظهيره السياسي (الإطار التنسيقي) أكثر عرضة لحملات التصيد والانتقادات من جانب أنصار التيار الصدري.
على مدار شهر نوفمبر، حفلت مجموعات الصدريين على تليجرام بالعديد من الهاشتاجات المناهضة للحكومة. كان موضوع التطبيع مع إسرائيل أحد الموضوعات التي استدعت مهاجمة الإطار والحكومة والاحتفاء بموقف مقتدى الصدر الرافض لإقامة علاقات مع إسرائيل.
ارتبط ذلك بظهور الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد على مسافة قريبة من وزيرة البيئة الإسرائيلية تمار زاندبرج، حيث كان يفصل بينهما رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، وفقا لما أظهرته لقطات مصرية رسمية لإحدى الفعاليات على هامش قمة المناخ (كوب 27) في شرم الشيخ.
في مجموعات تيليجرام، مثل مجموعة “واحد بغداد” القريبة من التيار الصدري وتضم أكثر من 85 ألف شخص، تم الحشد والترويج للعديد من الوسوم المهاجمة لرشيد وحكومة السوداني وتحالف الإطار، وذلك بالتنسيق مع مجموعة “نداء تويتر”.
من بينها: ” #اطار_المقاوله_يطبع، #تطبيع_حكومة_الاطار_لن_يمر، #تطبيع_الاطار_عار_واستهتار، #إرحل_يامطبع، #الاطار_صوت_لرئيس_تطبيعي (في إشارة إلى تصويت الإطار لصالح انتخاب رشيد رئيسا للبلاد)”.
في حين كان آخر ما تم رصده من وسوم لأنصار الصدر على تيليجرام قبل انتقالها إلى تويتر هاشتاج #ايران_تنتهك_السيادة_العراقية للتنديد بالقصف الإيراني المستمر لإقليم كردستان.
كما يستخدم التيار الصدري مجموعات فيسبوك في حشد أنصاره في الفضاء الافتراضي. إحدى المجموعات تحمل اسم وزير مقتدى الصدر، محمد صالح العراقي.
تضم المجموعة قرابة 64 ألف شخص. وتحتوي دعوات للمشاركة في “رفع” هاشتاج إلى قوائم الأكثر تداولا في تويتر. ما يشير إلى أن مجموعة فيسبوك يتم استخدامها كقاعدة انطلاق إلى بقية المنصات الاجتماعية.
وخلال أيلول/ سبتمبر الماضي، نشط وسم #لن_يحكم_فينا_ابن_الدعي على تويتر، في إشارة على ما يبدو إلى مرشح الإطار التنسيقي. في وقت ورد ذكر الوسم عدة مرات في قناة #نداء_تويتر على تيليجرام، وذلك ابتداءً من 7 أيلول/ سبتمبر، وهو اليوم نفسه الذي وصل فيه الهاشتاج إلى حالة الذروة.
وعاود الوسم الظهور بقوة في أيام 26 و27 و28 أيلول/ سبتمبر. وبحسب الرسم التوضيحي أدناه فإن مؤشريّ التغريدات (باللون البرتقالي) وإعادة نشرها أو الريتويت (باللون الأزرق) كانا متقاربان في بعض الأحيان، وهو مؤشر على أن النشاط على الوسم أقرب إلى أن يكون طبيعياً.
وحسب تقديرات أدة InVID، حيث حصد الهاشتاج 1119 تغريدة و676 ريتويت و5617 لايك.
في حين بدا نشاط الحسابات المشاركة عبر الهاشتاج (751 حسابًا) طبيعيًا، كان لافتا أيضًا وجود حسابات متعددة تعرف عن نفسها بأنها لمؤثرين اجتماعيين.
اعتمد أنصار الإطار التنسيقي على الحملات قصيرة المدى دون الاهتمام كثيرًا بمقدار ما ينشر فيه، وذلك بإعطاء الاهتمام لوجود هاشتاج بشكل شبه يومي لدعم أفكار وخطاب الإطار.
استعان أنصار الإطار التنسيقي بشبكة من الحسابات الوهمية بهدف تضخيم بعض الهاشتاجات.
بعض الحسابات المشاركة في حملات الإطار التنسيقي كان جزءً أو شاركت في حملات إلكترونية إقليمية.
يستخدم مؤيدو القوى العراقية الشيعية مجموعات فيسبوك وتطبيق تليغرام في حشد الأنصار للمشاركة في الأحداث على الأرض وأيضاً من أجل الحملات الإلكترونية.
أوقف تويتر أحد الحسابات البارزة في حملة الإطار التنسيقي.