مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

#قسد_عدو_البلد: حسابات موالية للنظام السوري تروّج لخطاب تحريضي بواجهة سيادية

#قسد_عدو_البلد: حسابات موالية للنظام السوري تروّج لخطاب تحريضي بواجهة سيادية

في الأيام التي تلت الإعلان عن تعثّر المفاوضات بين "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) والإدارة السورية الجديدة برئاسة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، تصدّر وسم "#قسد_عدو_البلد" قائمة الأكثر تداولاً في سوريا.

 سرعان ما تحوّل الوسم إلى ساحة مفتوحة لحملات اتهام واسعة، تتراوح بين الطعن في ولاء "قسد" للدولة السورية، واتهامها بالعمالة والتقسيم.


 

يكشف تحليل "مجتمع التحقق العربي" أن خلف انتشار هذا الوسم تقف حسابات مؤيدة للنظام السوري، والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع. 

ويظهر من تحليل الوسم وجود أنماط من التنسيق، وتضخيم متعمد لبعض الروايات، بما يشير إلى وجود نشاط غير أصيل هدفه التأثير في اتجاهات الرأي العام.

 

البداية والتطور

تعثرت المفاوضات التي رعتها واشنطن عبر مبعوثها الخاص توم باراك بين الحكومة السورية و"قوات سورية الديمقراطية"، في التاسع من تموز/يوليو 2025، بعد إصرار الحكومة السورية الجديدة على وحدة الأراضي السورية، وحصر السلاح بيد الدولة السورية، وتفكيك "قسد" كقوة عسكرية، ودمج عناصرها في "الجيش السوري الجديد"، وهو ما رفضته قيادة "قسد"، مطالبة بامتيازات سياسية وإدارية في المناطق التي تسيطر عليها.



 

في أعقاب ذلك، بدأ النشاط على وسم "#قسد_عدو_البلد" بشكل محدود يوم التاسع من تموز/يوليو 2025، على عدد قليل من الحسابات منخفضة المتابعة؛ أبرزها حساب @hussainsyria3. 

ومع حلول العاشر من تموز/يوليو، بدأ الوسم بالانتشار، ليس نتيجة تفاعل عفوي، بل بفعل كثافة منشورات متكررة صادرة عن عدد محدود من الحسابات، ما يُشير إلى انطلاق نشاط منسق.



 

بلغت ذروة النشاط يوم 11 تموز/يوليو، إذ تم تسجيل 4368 منشوراً في هذا اليوم وحده، وهو ما يشكّل نحو 33.5 في المئة من إجمالي حجم التفاعل على الوسوم. لوحظ أن عدداً كبيراً من الحسابات النشطة في هذا اليوم كانت قد نشرت الوسم بمعدلات تتجاوز 50 منشوراً في اليوم، وبعضها وصل إلى أكثر من 250 منشوراً، في نمط نشر مكرر آلياً.



 

أظهر تحليل بنية التفاعل ارتفاعاً غير اعتيادي في نسبة إعادة النشر مقارنة بالتعليقات أو المنشورات الأصلية، إذ لم تتجاوز الأخيرة 11 في المئة من إجمالي التفاعلات، ما يُرجّح وجود نشاط منظم لإعادة النشر والتضخيم.



بحسب بيانات أداة Meltwater، قُدّر الحجم التقريبي لوصول الحملة خلال الفترة بنحو 21.4 مليون مشاهدة. إلا أن هذا الرقم يبدو مضخماً، نظراً لاعتماد المنصة في احتسابه على إجمالي عدد متابعي الحسابات المتفاعلة، من دون الأخذ في الاعتبار التكرار أو مستوى التفاعل الفعلي.

 

حملة هجومية سلبية 

 

عبر تحليل أكثر من ثلاثة عشر ألف منشور، تبيّن سيادة الخطاب السلبي على وسم "#قسد_عدو_البلد" بنسبة 84 في المئة من المنشورات التي شهدت نقداً أو تحريضاً ضد "قسد".

 

 

وتكرر استخدام كلمات؛ مثل: "خيانة" و"تفتيت" و"عمالة" و"تقسيم". وتكرر السؤال "أين ولاء قسد للدولة السورية؟"، في عدة منشورات، ما قد يشير إلى حملة تخوين ضد "قسد".

 

 

وأظهرت البيانات المستخلصة من منصة Meltwater أن التفاعل مع وسم "#قسد_عدو_البلد" لم يكن محصوراً في سوريا فحسب، بل جاء موزعاً على نطاق إقليمي أوسع. 

 

وتصدرت سوريا قائمة الدول من حيث عدد المنشورات المرتبطة بالوسم، تلتها السعودية، ثم العراق، وتركيا، والإمارات.



 

أظهرت البيانات الجغرافية المعلنة أن أكثر من 48 في المئة من المنشورات نُشرت من خارج سوريا، ما يعزز احتمال وجود شبكات تضخيم منظمة تهدف إلى توسيع نطاق الحملة على المستوى الإقليمي.

واتخذت المشاركة على الوسوم من السعودية والإمارات طابعاً هجومياً على "قسد"، متهمة إياها بمحاولة "تفتيت سوريا" كما وُصفت الإدارة الذاتية في شمالي شرق سوريا بـ "مشروع الانفصال الكردي". 

على النهج ذاته، سارت المنشورات الصادرة من العراق، والتي عبّرت عن معارضة للنفوذ الكردي في شمال البلاد وامتداد هذا النفوذ داخل الأراضي السورية.

كما تماهت بعض المنشورات الصادرة من حسابات تُظهر مواقع جغرافية في تركيا مع السرديات المتداولة التي تهاجم "قسد" والأكراد بشكل عام.

 

التحليل الشبكي: لعبة المحور والأذرع 

أظهر تحليل الشبكة الرقمية المرتبطة بوسم "#قسد_عدو_البلد" وجود بنية اتصال تتسم بالتركيز حول عدد محدود من الحسابات المحورية، وهو ما يُعد أحد أبرز مؤشرات الحملات المنسقة أو المدارة مركزياً.

تظهر الشبكة بوضوح نمطاً هرمياً يتوزع فيه النشر من ثلاثة حسابات مركزية إلى مجموعة واسعة من الحسابات التي تضخم التفاعل على المحتوى.

 

 

من خلال رسم شبكة إعادة النشر، تبين أن الحسابات الثلاثة الأكثر تأثيرًا؛ هي: @marianarut680 و @nayef_alsaleemو @pataklismo01. 

وتمثل هذه الحسابات المحاور المركزية التي تضخ المحتوى بشكل مكثف ومنتظم. هذه الحسابات لا تكتفي بالنشر بل تعمل كمضخات لمحتوى موحد، يتم تضخيمه لاحقاً عبر شبكة من الحسابات التابعة أو شبه الآلية.

كما لعبت حسابات؛ مثل: @husayenhamza و@sy3rie دور "الأذرع" من خلال تكرار وإعادة توزيع محتوى الحسابات المركزية.



   

 

سجّلت المنشورات على الحسابين ذروةً متقاربة زمنياً، بمعدل نشر يتراوح بين كل 3 إلى 5 دقائق خلال الفترة بين الساعة 05:00 و08:00 بالتوقيت العالمي في أيام الذروة، ما يُضعف احتمال أن يكون الاستخدام طبيعياً أو بشرياً يومياً، ويعزز فرضية وجود جدولة مسبقة.

 

   

   

 

تعكس منشورات الحسابين السردية ذاتها، المتمثلة في الدفاع عن "سيادة الدولة السورية" تحت راية النظام الجديد، وربط "قسد" بمخططات انفصالية أو بالتعاون مع إسرائيل.

 

 

كل هذه المعطيات تضع حسابَي @husayenhamza و@sy3rie في خانة الحسابات الوهمية المنسقة؛ فهما يكرران الرسائل نفسها، وخاضعين لتوقيتٍ وجداول مسبّقة.

بالتعمق أكثر في التحليل الشبكي أظهرت خوارزمية Louvain لتحليل المجتمعات الشبكية تشكّل ثلاث كتل رئيسية شديدة الترابط داخلياً وضعيفة الاتصال مع الكُتل الأخرى، ما يعكس وجود مجموعات من الحسابات التي تتعاون ضمن مجموعات مغلقة، وقد تشير إلى "غرف تحكم" رقمية مستقلة في إدارة كل كتلة.

 

 

من خلال تحليل درجة الاتصال لعدد الإعجابات وإعادة النشر، أمكن الكشف عن نشاط غير متوازن يستند إلى التضخيم من طرف واحد، لا إلى تفاعل طبيعي بين المستخدمين.

 

تحليل الحسابات المؤثرة

يُشكّل الثلاثي @marianarut680 و@NAYEF_ALSALEEM و@pataklismo01 العمود الفقري للحملة ضدّ "قسد". 

ورغم التباين الظاهري في السير الذاتية، تجمع هذه الحسابات خلفية أيديولوجية مشتركة تتمثل في تبنّي خطاب مؤيد للنظام السوري الجديد، ويدعو إلى اجتثاث ما يُوصَف بأنها مشاريع طائفية وانفصالية في الشمال الشرقي والجنوب السوري.



 

وبتحليل الحساب، يتضح أن حساب عامر الطائي القحطاني (@pataklismo01) يكاد يخلو من محتوى أصلي، ودأب على إعادة تدوير صور وفيديوهات دمويّة من الحسكة والسويداء، ويضعها في إطار سرديّ واحد: "قسد تختطف خيرات البلاد وتُمعن في انتهاكات العرب". 

وفي غالبية منشوراته يربط بين "احتلال قسد" و"تآمر إسرائيلي". ويضخّ هذا الحساب منشورات كل ثلاث دقائق تقريباً، في نظام نشر لا يتحمّله مستخدم بشري من دون أدوات جدولة.

 

 

يبرز نايف السليم (@NAYEF_ALSALEEM) كأحد الوجوه البارزة في الحملة، إذ يروّج لدعاية الجيش السوري تحت شعارات مثل "درع الجيش"، ويهاجم دائماً قسد والدروز، واصفاً مشروعهما بـ "الصهيونية الداخلية".

 

 

أما حساب @marianarut680 الذي أُوقفته أخيراً منصة "إكس" كان ينشر ما يفوق 500 منشور في أسبوع، بنسبة إعادة تغريد تقارب 98 في المئة، ما يدل على نمط نشر آلي رصدته المنصة وأوقفته.

تنسجم خطابات الحسابات الثلاثة مع رؤية النظام السوري الجديد سياسية، ودائماً ما يتم الدعاية عليها للرئيس الانتقالي أحمد الشرع.

 

ممارسة تضليلية مألوفة 

 

ولم يكتف حساب نايف السليم بشن حملة منسقة ضد "قسد"، بل وظف المعلومات المضللة في منشوراته، ففي 11 تموز/يوليو 2025، نشر حساب أربع صور لمقاتلين أجانب، قال إنهم يقاتلون اليوم في صفوف "قسد".

أفضى البحث العكسي عن هذه الصور أنها تعود إلى سنوات ماضية، تحديداً إلى الفترة الممتدة بين 2015 و2018، أثناء الحرب ضد تنظيم "داعش" في شمال وشرق سوريا.

تعود الصورة الأولى إلى تقرير منشور على موقع تركي مؤرشف في عام 2019، وتوثّق انضمام متطوّعين أجانب إلى وحدات حماية الشعب (YPG)، القوة الكردية الأكبر في "قسد". أما الصور الأخرى، فجرى تداولها في تغريدات قديمة للصحفي التركي حسين بوزان منذ أيلول/سبتمبر 2017، كما ظهرت ضمن تحقيق صحفي نشرته مجلة Rolling Stone عام 2018 عن "الفصائل اليسارية الأممية" التي شاركت في معارك الرقة.

 

آلية حسابات الحملة

في إطار قياس مدى الاعتماد على الأتمتة ضمن حملة "#قسد_عدو_البلد"، صممنا مؤشراً يجمع بين ثلاثة معايير رئيسية: نسبة إعادة النشر، وانتظام توقيت المنشورات، وكمية الرسائل التي ينشرها الحساب. وأظهرت النتائج أن أبرز خمسة حسابات تعتمد بشكل كبير على الأتمتة، إذ تضيف القليل من المحتوى الأصلي، وتكرر رسائل جاهزة بوتيرة دقيقة وتنشرها بشكل شبه آلي.

 

 

تصدر حساب @husayenhamza القائمة بعد نشره 151 منشوراً، منها 104 كانت إعادة نشر. وكان نمط نشره منتظماً، إذ كانت الفواصل الزمنية بين المنشورات لا تتجاوز في المتوسط 122 دقيقة، ما يعكس دوره الكبير في ضخ 104 رسائل إلى الشبكة.

 

 

كما اعتمدت حسابات؛ مثل: @alk22221 و@al_muhammad63 و@0sv_o و@amsu0804، على إعادة النشر بنسبة امتدّت إلى 100 في المئة في بعض الحالات، ونشرت على جداول زمنية متساوية تقريباً على نطاق زمني يتراوح بين 255 و 340 دقيقة، ما ينبئ باستخدام سكربت أو أدوات جدولة مدبّرة سلفاً لإحداث ضغط رقمي موحد.

وعندما وَسّعنا رقعة التحليل لتشمل كامل العينة، ظهر أن من بين 3825 حساباً شاركوا في الحملة، بلغ عدد الحسابات التي تجاوزت حدّ مؤشر أتمتة 0.7 نحو 214 حساباً، أي ما نسبته 5.6 في المئة من إجمالي حسابات الحملة.

بهذا، فإن النشاط على وسم "#قسد_عدو_البلد" انطلق من حسابات محدودة، وتخلله خطاب تحريضي، ومنشورات مضللة، واعتمد في انتشاره على حسابات بعضها آلي.