إبراهيم هلال وشريف مراد
ما إن وصل الناشط المصري علاء عبد الفتّاح أراضي المملكة المتّحدة يوم 26 كانون الأوّل/ ديسمبر 2025، بعد سنوات من سجنه ومنع سفره في مصر، حتى شنّت حسابات تبدو وهمية وداعمة لإسرائيل هجوماً عليه داعية إلى ترحيله من بريطانيا، قبل أن يعاد نشر "تغريدات" قديمة له، مصحوبة باتهام معاداته للسامية.
في أيلول/سبتمبر 2025، غادر الناشط المصري علاء عبد الفتاح السجن بعد نحو 10 سنوات، بموجب عفو رئاسي. وفي يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 2025، أعلن عبد الفتاح ووالدته ليلى سويف وصوله إلى بريطانيا، لتبدأ حسابات معروفة بتأييدها للنظام المصري عبر شبكات ولجان، وتستخدم شعارات وصوراً فرعونية مولدة بالذكاء الاصطناعي، احتفاءً بخروجه من مصر، مطالبة بمغادرة نشطاء آخرين البلاد.

بالتزامن مع الإعلان عن وصول الناشط المصري بريطانيا، أعلن حساب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ترحيبه بعبد الفتاح، لتتوالى التعليقات الرافضة لوجود عبد الفتاح في بريطانيا.

وكشفت منصة "صحيح مصر" في تقرير لها أن شقيقة علاء عبد الفتاح، منى سيف، علقت على منشور ستارمر مطالبة بالإفراج عن معتقلين في السجون البريطانية، لتأييدهم للقضية الفلسطينية، ما أثار حسابات من اليمين البريطاني المؤيدة لإسرائيل، للمطالبة بترحيلها.
كما يكشف تحليل مجتمع التحقق العربي أن الكثير من الحسابات المتفاعلة مع منشور ستارمر، والمهاجمة لعبد الفتاح، تبدو وهمية، ولا تضع صوراً شخصية، أو بيانات شخصية، وأغلب محتواها إخباري.
وأظهرت بيانات شفافية الحسابات الخاصة بمنصة "إكس" أنها مسجلة خارج بريطانيا، وغالبيتها مسجل في ألمانيا والولايات المتحدة، أما الحساب الوحيد المسجل في المملكة المتحدة، فقد أظهرت البيانات أنه بدل اسم المستخدم لحسابه أربع مرات، في إشارة إلى أنه لا يحمل هوية شخصية معينة.


كما كشف تقرير "صحيح مصر" أن حساب آخر يبدو وهمياً يدعى "prudent rose firefinch" نشر تغريدة لعلاء عبد الفتاح ترجع إلى 2010، يعد فيها "قتل أي مستعمر، وخاصة الصهاينة عملاً بطولياً"، متهماً عبد الفتاح بـ "معاداة السامية".
كما كان حساب @qmor80 من أول المحرضين على "علاء عبدالفتاح"، واتهمه أنه "يريد قتل كل اليهود". وحساب @qmor80 حديث النشأة ومسجل في المملكة المتحدة، إلا أنه يعيد نشر منشورات حساب ناشط مصري بريطاني يدعى "خالد حسان@Khaledhzakariah "؛ الذي يقول عن نفسه "إنه تحول من الإسلام إلى اليهودية"، كما وصف نفسه بـ "عضو مجلس المجموعة الافتتاحية لمبادرة صوت الشعب" التي أطلقها الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتزوغ"، والتي توحد 150 قائداً لتمثيل 15 مليون يهودي.
من هنا، ومنذ بداية 27 كانون الأول/ديسمبر بدأت حملة تحريض على "علاء عبد الفتاح"، لإظهاره كشخص عنيف متطرف، معاد لليهود، ومحرض على العنف وكاره للبريطانيين. وتطورت هذه إلى الدعوة إلى سحب الجنسية البريطانية منه وطرده خارج أوروبا.
مؤشرات الحملة البريطانية
مع فجر27 كانون الأول/ديسمبر بدأت الموجة الأولى باللغة الإنجليزية تتشكل، وظهرت كلمات مفتاحية جديدة بكثافة؛ مثل: deport، citizenship، terrorist، antisemitism. وهي كلمات تتضمن تحريضاً ضد علاء، وتتهمه بـ "الإرهاب"، و"معاداة السامية"، وتطالب بترحيله.
تحليل أداة Brandmentions يُظهر حجم التحول من 691 منشوراً باللغة الإنجليزية يتضمن اسم علاء عبد الفتاح إلى 171 ألف يوم 27، مع وصول تقديري بلغ 68.9 مليون حساب. بلغت الحملة ذروتها يوم 28، بعد بث تقرير لـ BBC News بعنوان: "هل يجب ترحيل هذا المعارض؟"، وهو ما نقل الجدل من منصات التواصل إلى قلب النقاش العام البريطاني.
تُميّز البيانات بوضوح بين لحظة إطلاق الصفارة ولحظة تفجير الانتشار. في المرحلة الأولى، لعبت مجموعة من الحسابات السياسية اليمينية دور الـ Trigger، من بينها @profnfenton و@martinmonmouth، وقناة GB News اليمنية، حيث انتقل الخطاب عبرها من كونه قضية حقوق إنسان مرتبطة بناشط مُفرج عنه إلى ما صُوِّر بوصفه فضيحة سياسية داخلية. هنا تغيّر موضوع النقاش جذريًا: لم يعد “علاء عبد الفتاح” في المركز، بل تحوّل الحدث إلى مساءلة مباشرة لحكومة حزب العمال ورئيسها Keir Starmer، مع اتهامات ضمنية بالتقصير أو التواطؤ.

التحليل الشبكي باستخدام Gephi يكشف أن العقد الأكثر مركزية كانت: keir_starmer، bbcnnews، uklabour، AnOldMan، وGBNews. اللافت أن علاء نفسه كان غائبًا عن مركز الشبكة، ما يؤكد أن القضية لم تكن عنه بقدر ما كانت سجالًا حول السياسة البريطانية وهويتها. الخلاصة أن التحول من نقاش إنساني إلى صراع حزبي مكشوف تم في أقل من 24 ساعة، وبآلية تضخيم أمكن تتبعها بوضوح.
وبالتزامن مع هذه الحملة التي شاركت فيها حسابات يمنية بريطانية وحسابات مؤيدة لإسرائيل، شنت حملة باللغة العربية من حسابات مصرية مؤيدة للنظام المصري، وتحول الخطاب تدريجياً من تأييد ترحيله من بريطانيا إلى المطالبة بسحب الجنسية المصرية منه، وفق تحليل منصة متصدقش.
حسابات مصرية تتلقف الحملة
عبر متابعة وسم #علاء_عبد_الفتاح أظهرت التحليلات لمجتمع التحقق العربي أن مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي ذكروا الوسم منذ يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 3500 مرة، حققت هذه المنشورات أرقام وصول مضاعفة وغير طبيعية، إذ وصلت هذه المنشورات إلى 410 ملايين شخص، وحظت بتفاعل يقدر بنحو مليوني تفاعل.

وقد وصل التفاعل ذروته يوم 28 كانون الأول/ديسمبر، بإجمالي 1900 منشور، وإجمالي وصول يقدر بنحو 276 مليون.


توزعت المنشورات على عدد كبير من منصات التواصل الاجتماعي، فاستحوذت منصة "إكس" على 66% من إجمالي المنشورات المتعلقة بـ "علاء عبدالفتاح"، تلتها منصة "فيسبوك" التي نُشر عليها نحو 13% من إجمالي المنشورات، وتلتهما منصة "يوتيوب" بنحو 5% من المنشورات.


انعكست هذه النِّسَب على سحابة الوسوم الأكثر ارتباطاً بالنشر بشأن "علاء عبد الفتاح"، إذ تصدرت وسوم: #مصر و#بريطانيا و#علاء_عبدالفتاح قائمةَ الوسوم الأكثر ظهوراً في المنشورات المرتبطة بـ"علاء عبد الفتاح". كما ظهرت وسوم أخرى مرتبطة ببرامج تلفزيونية مؤيّدة للنظام المصري؛ مثل: #صدى_البلد و#على_مسؤوليتي، إلى جانب وسوم مؤيدة للنظام؛ مثل: #الجيش_صانها_والسيسي_بيعمرها. أما بقية الوسوم فكانت وسوماً تجارية؛ مثل: #كيرو_لرفع_ترندك_أول و#باقتك_بسعر_مميز؛ ما يقدم مؤشرات على وجود تضخيم متعمد وسلوك غير أصيل في النشر حول الناشط المصري.

أظهرت التحليلات التي أجراها مجتمع التحقق العربي أن مشاعر الغضب سيطرت على غالبية المنشورات، كما طغى الخطاب السلبي على المنشورات باللغة العربية وكذلك باللغة الإنجليزية.


يُظهر التحليل مثلا في المنشورات باللغة الإنجليزية أن التحول في نبرة النقاش كان حادًا وسريعًا، ولم يكن انعكاسًا طبيعيًا لتطورات جديدة في القضية، بل نتيجة تغيّر متعمّد في طريقة عرضها. قبل 27 ديسمبر، اتسمت غالبية المنشورات بنبرة محايدة أو إيجابية محدودة، تمحورت حول مفردات مثل “الحرية”، و“الإفراج”، و“لمّ الشمل”، مع تفاعل منخفض نسبيًا وغياب للشحن العاطفي.
بعد 27 ديسمبر، ومع انتقال الخطاب إلى مفردات الترحيل والأمن القومي، انقلب المزاج العام. إذ تشير البيانات إلى أن نحو 72٪ من المنشورات أصبحت سلبية، مع هيمنة مشاعر الغضب على بقية الطيف العاطفي. اللافت أن ارتفاع مؤشر disgust تزامن زمنيًا مع تداول مقاطع ومنشورات تصف علاء بأنه “extremist” أو “Jew-hater”، وهي أوصاف جرى اقتطاعها من سياقات قديمة.
وتصدرت مصر قائمة البلاد ذات الحسابات الأكثر مشاركة بالحملة، تلتها المملكة المتحدة، ثم الولايات المتحدة، والإمارات والسعودية.

الحسابات الأكثر تدويناً
كشفت التحليلات عن قائمة من أبرز الحسابات التي شاركت في الحملة حول "علاء عبد الفتاح" على مختلف منصات التواصل التي تغطيها أداة Brandmentions، جاء في صدارتها حساب Grok الذي نشر 162 منشوراً بشأن "علاء عبد الفتاح"، ثم عدد من الحسابات المصرية التي نشرت بشكل "سلبي" عن عبد الفتاح.

ركزت تغريدات Grok -نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بمنصة "إكس"- على إظهار "علاء عبد الفتاح" كمتطرف ومعادِ للسامية ولليهود.

كما جاء ثانياً حساب يدعى "@imannassars" الذي تركز منشوراته على التحريض على اللاجئين، وتأييد النظام المصري وتخوين أي معارضة له.

بعدها ظهر حساب @emeraldedition.bsky.social على منصة "bsky" الذي نشر 22 منشوراً، وهو حساب تجاري بالكامل، كما يتضح من منشوراته التي كررت وسم "#علاء_عبد_الفتاح" مع عدة وسوم أخرى في منشورات تجارية.

ثم ظهر على القائمة حساب آخر يدعى "الحربي عبد المحسن حسين"؛ وهو حساب حديث النشأة، يعود تاريخ ظهوره إلى عام 2025، وقد نشر 16 منشوراً بشأن "علاء عبد الفتاح"، كما أنه يتفاعل باستمرار مع حسابات مصرية وهمية شاركت في حملات تحريض سابقة كشفها مجتمع التحقق العربي.
ويعيد هذا الحساب نشر منشورات حسابات مؤيدة لإسرائيل مثل "أمجد طه"، ويعيد نشر منشورات تحرض على اللاجئين، كما أنه يتفاعل مع حسابات محسوبة على النظام المصري، مثل "محمود بدر".

كما نشر حساب "فيها حاجة حلوة" (@nagwaegypt1234)، وهو خاص بإعلامية تُدعى "نجوى عسران"، 13 منشوراً عن "علاء عبد الفتاح"، جاءت غالبيتها على شكل إعادة نشر من حسابات أخرى، أبرزها حساب "شيرين هلال"، وهو حساب لكاتبة مؤيدة للنظام المصري، وتحرض باستمرار على اللاجئين والمعارضة المصرية.
واعتادت هلال أن تشارك في حملات هجوم ضد علاء عبد الفتاح، وغيره من المعارضين المصريين، كما كشف "مجتمع التحقق العربي" عن انضمامها لما يسمى "جروب التحالف المصري" -على "فيسبوك"- المؤيد للنظام المصري.

كما أعادت عسران نشر منشورات من حسابات داعمة لإسرائيل، مثل حساب "Shrab Ahmari"؛ وهو صحفي أمريكي يميني من أصول إيرانية داعم ومؤيد لإسرائيل، وأعادت غالبية الحسابات المصرية المشاركة في الحملة نشر منشوراته المحرضة على علاء عبد الفتاح.
كما أعادت نشر منشورات من حساب صحفي أسترالي يدعى "Avi Yemin؛ وهو أيضاً يميني معادِ للاجئين، ومؤيد لإسرائيل.

من يقود الحملة المصرية
أظهر تحليل بيانات مكوّنة من 3500 منشور، وهو إجمالي عدد المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي حول "علاء عبد الفتاح"، وجود عدد من الحسابات المركزية التي حظيت بأعلى مستويات التفاعل، كما حظيت منشوراتها بأعلى معدلات إعادة النشر.

أول هذه الحسابات المركزية، صفحة على منصة "فيسبوك" تدعى "مصر العظمي𓅓𓄿𓎼𓂧𓏭"؛ وهي صفحة حديثة ظهرت في شباط/فبراير 2025، لكن منشوراتها بشأن علاء عبد الفتاح حظت بتفاعل كبير، كما أن المنشور قد قصد إلى تشويه المعتقلين "مش كل سجين مظلوم"، وتمجيد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.

كما حظى منشور صفحة "الجيش المصري العظيم" بتفاعل كبير وصل إلى نحو 1000 تفاعل و171 تعليقاً، وتضمن المنشور طلب سحب الجنسية المصرية من عبد الفتاح.
كما حظى منشور لحساب "@karimGahin1" على "إكس" يهاجم علاء عبد الفتاح، بنحو 18 ألف مشاهدة. وصاحب هذا الحساب مؤيد لإسرائيل.


أما الحساب الأبرز في التفاعل والذي حظت منشوراته على منصتي "فيسبوك" و"إكس" بوصول كبير، فهو حساب "@Elwa3y_nour"، الذي يعود إلى محمد نور. وكتب نور عدة منشورات على منصتي "إكس" و"فيسبوك" يصف فيها "علاء عبد الفتاح" بـ "الإرهابي المتطرف"، ويدعو لإسقاط الجنسية البريطانية وكذلك المصرية عنه.

يدير "نور" الذي يصف نفسه بـ "السياسي" منصة "الوعي نور" التي يعرفها بأنها: "منصة وطنية تقدم تحليلات ومعلومات سياسية واستراتيجية، محلية ودولية، وتناقش ملفات تتعلق بالأمن القومي ."
كما أنه قد صرح في عدة صحف أنه مؤيد للنظام المصري، ويبذل جهده في العمل الدعائي للنظام المصري. وهو جزء من مجموعة نشطة على السوشيال ميديا اشتهرت بتأييدها للنظام المصري؛ مثل: لؤي الخطيب، وسيف محمود، وأحمد مبارك.


أُنجز هذا التحقيق من قبل مجتمع التحقق العربي في سياق شراكة نشر مع منصة درج، يهدف إلى تسليط الضوء على الحملات الرقمية المنسقة وتأثيرها على الحقوق والحريات العامة.