مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

سقوط الفاشر يؤجج الصراع: اشتباك إلكتروني بين مؤيدي حميدتي والبرهان بمشاركة مصرية

سقوط الفاشر يؤجج الصراع:  اشتباك إلكتروني بين مؤيدي حميدتي والبرهان بمشاركة مصرية

شريف مراد

 

في ظل تصاعد الاشتباكات في السودان، عقب سقوط الفاشر في يد قوات الدعم السريع في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2025، انطلقت حملات إلكترونية تحشد في صالح طرفي الصراع.

يرصد هذا التقرير حملتين رقميتين متقابلتين على منصة إكس خلال تشرين الأول/أكتوبر 2025: حملة مصرية الطابع تهاجم قائد قوات الدعم السريع عبر وسم "#العميل حميدتي"، في مقابل حملة مضادّة موالية للدعم السريع تهاجم رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان عبر وسوم أبرزها؛ "#البرهان مجرم حرب" و"#البرهان يقتل شعبه بالكيماوي"، مع حضور رمزي لوسمي "#حميدتي رجل الدولة القوي" و"#تأسيس تمثلني". 

تُظهِر المؤشرات أن الحملة الأولى بلغت ذروتها بين 25 و27 تشرين الأول/أكتوبر 2025، في حين جاء رد الفعل المضاد متناثراً على مدى شهر كامل مع موجة أصغر متزامنة مع الذروة المصرية.


السياق العام للحملتين 

في تشرين الأول/أكتوبر 2025 اندلعت على منصة إكس حرب رقمية متقابلة بين خطابين متعارضين؛ الأول مصري الطابع يهاجم قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، عبر وسم "#العميل حميدتي"، والثاني رد فعل مضاد قادته حسابات موالية للدعم السريع هاجمت الفريق عبد الفتاح البرهان وهاجمت ضمناً مصر، مستخدمة وسوماً؛ مثل: "#البرهان مجرم حرب" و"#البرهان يقتل شعبه بالكيماوي"، وإلى جانبها وسوماً مؤيدة لقائد الدعم السريع؛ مثل "#حميدتي رجل الدولة القوي".

تكشف بيانات SproutSocial أنّ التفاعل على وسم "#العميل حميدتي" كان أكثر تركزاً زمانياً وأوسع نطاقاً جماهيرياً، إذ بلغ عدد منشوراتها نحو 1140 منشوراً بإجمالي تفاعلات تخطّى 1900؛ بينها أكثر من 1300 إعجاب و قرابة 900 مشاركة. 

تركز النشر خلال 48 ساعة بين 25 و26 تشرين الأول/أكتوبر، إذ بلغ التفاعل ذروته في اليوم الثاني. كانت طبيعة النشر فيها معبرة عن حشد تزامني سريع يعتمد إعادة النشر لا الإنتاج الأصلي للمحتوى، إذ شكلت المشاركات إعادة النشر أكثر من ضعف المنشورات الأصلية.

أما التفاعل على الوسوم المضادة اتسم بتوزع زمني أطول وبكثافة أقل، إذ رُصد خلال شهر كامل نحو 83 منشوراً عبر الوسوم الأربعة المذكورة، مع ذروة صغيرة متزامنة مع تصاعد الهجوم المصري. كان صافي الانطباع فيها سلبياً للغاية يتراوح بين 80 و100، ما يعكس خطاباً هجومياً ضد البرهان مقروناً بتبرئة حميدتي وتقديمه بصورة "رجل الدولة القوي". 

استخدمت الحملة صوراً وفيديوهات أكثر من النصوص، وارتكزت على محتوى بصري يحمل البرهان مسؤولية الحرب والدمار، ويتهمه بقتل شعبه واستخدام الأسلحة الكيماوية، ويربطه بالإسلاميين وبمصر.

 في المقابل، كانت مفردات الحملة المدعومة من حسابات مصرية تتجه إلى مفاهيم عن حماية الأمن القومي، والتهديد الذي يشكله الدعم السريع، وأن حميدتي عميلاً لإسرائيل، فيما اتخذ الخطاب الموالي لحميدتي شكل الدفاع عن "الدولة المدنية ضد العسكر" في سردية مضادة.

تتكامل هذه الملامح مع السياق السياسي؛ فالحشد المصري انطلق بعد تصريحات لحميدتي فُسرت كتهديد مباشر لمصر، أما الحملة المضادة فجاءت بعد أقل من 24 ساعة كرد منسق يعيد توجيه الاتهام نحو البرهان، ويشكك في استقلال الجيش السوداني. 

الحسابات المتفاعلة ودينامية الإطلاق والتضخيم

بدأ التفاعل على وسم "#العميل_حميدتي" من حساب IsaacRotimi98 عند الساعة 01:18 فجر يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2025 مع تفاعل شبه منعدم في لحظة الإطلاق، ثم لا يلبث المنحنى أن يتحول من منشورات معزولة إلى موجة متصلة، تقوده حسابات مركزية.

 

في مركز هذه الشبكة يظهر حساب bassem999777 بوصفه النموذج الأوضح لـ "عُقدة تضخيم"، إذ حقق أعلى مجموع تفاعلات على الوسم عبر عدد محدود من المنشورات، مع نصيب كبير من المشاركات قياساً بالحجم، ما يعكس تأثيراً شبكياً يتجاوز جمهوره المباشر.

 حوله، تظهر أنماط مختلفة من الفاعلين متمثلة في حسابات تكرر النشر بكثافة؛ مثل BasmaAl85127631 الذي نشر قرابة 50 منشوراً على مدار الذروة مع تفاعل محدود قياساً بالعدد، وأخرى فعالة في إعادة النشر وتمرير الرسالة؛ مثل bassemegy777 و25tahrirsquare وahmedrasad00.

في المقابل، تتصدّر حسابات موالية للدعم السريع المشهد عبر وسوم "#البرهان_مجرم_حرب" و"#البرهان_يقتل_شعبه_بالكيماوي"، وحقق حساب SnohrSd أعلى التفاعل على هذه الوسوم عبر نشر عدد ضئيل من المنشورات التي تحقق نسبة مرتفعة من المشاركات، في حين تعيد النشر حسابات؛ مثل :naglaaalhassan وEnasMohammed56 وV_almazrouei وBinXMo، فتتشكل سردية تهاجم البرهان وتعيد تقديم حميدتي كـ"رجل دولة".



التحليل الشبكي: حملتان وقالبٌ واحد 

 

جاء أول منشور على وسم "#العميل_حميدتي" من حساب IsaacRotimi98 عند 01:18 فجر يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر 2025، وقد بدا كشرارة أولى هادئة قبل أن تعيد حسابات مثل bassem999777؛ نشر المنشور عبر مشاركات متلاحقة تُرجع صيَغاً شبه ثابتة من نوع "حميدتي يهدد أمن مصر… الرد واجب"، مع روابط قصيرة وفيديوهات اقتطعت من برامج حوارية مصرية. 

 

 

تُبنى الموجة المضادة عبر وسوم مثل "#البرهان_مجرم_حرب" و"#البرهان_يقتل_شعبه_بالكيماوي" على أسلوب بصري يتمثل في صور لضحايا الحرب، وملصقات تحمل عبارات قاطعة، ومقاطع فيديو قصيرة تُحم كلمة "كيماوي" في سياقات اتهامية، وتستهدف إعادة تعريف الخصم. 

هنا يبرز حساب SnohrSd كنسخة معاكسة من "عقدة التضخيم"؛ منشورات قليلة تتلقى سيلًا من المشاركات، فيما تتوزع وظيفة التزويد على حسابات؛ مثل naglaaalhassan وEnasMohammed56 وV_almazrouei وBinXMo التي تُدير توازناً بين التكرار والابتكار: صيغة لغوية ثابتة تقريباً تتغير مفردة أو اثنتين فيها مع كل دفعة جديدة من الصور، بما يكفي لخداع الخوارزمية ومنح الانطباع بتجدد مستمر.

 

تحليل خطاب الحملتين 

من خلال تحليل النصوص والتفاعلات يمكن تمييز الفارق الجوهري بين لغتين متقابلتين: خطاب "الأمن القومي" في الجانب المصري وخطاب "الدولة المدنية" في الجانب الموالي للدعم السريع، وكلاهما يستخدم المنصة ذاتها لتثبيت روايته وإقصاء الأخرى. 

في الحملة الأولى يتكرّر وصف حميدتي بـ"العميل" و"التهديد"، وترد كلمات مثل "إسرائيل" و"الأمن القومي" و"الجيش المصري" كركائز لغوية تعيد إنتاج صورة الوطن المهدَّد، في حين يتكثف الخطاب في الحملة المقابلة حول البرهان بصفته "مجرم حرب" و"قاتلاً لشعبه". 

 

 

 

هذا التشابه في الأسلوب مع اختلاف الجهة يؤكد أن المعسكرين يعتمدان القالب ذاته في بناء الحملات: تكرار المحتوى وإعادة توزيعه عبر شبكة حسابات تنسّق نشرها في أوقات الذروة لتستثمر خوارزمية المنصة. في حين تُستخدم الروابط الإخبارية في الحملة المصرية كدليل "خارجي"  لتدعيم الموقف الرسمي، تفضّل الحملة الموالية للدعم السريع الاعتماد على الصور والفيديوهات المقتطعة من سياقها أو تلك التي تُقدَّم باعتبارها "شهادات حية". في بعض الحالات رُصدت منشورات تحتوي على صور قديمة من حرب دارفور أُعيد استخدامها تحت وسم "#البرهان_يقتل_شعبه_بالكيماوي"، مع تعليق جديد يوحي بوقوعها مؤخراً. هذه التقنية المتمثلة إعادة تدوير مواد سابقة لإثارة عاطفة راهنة، تُعدّ من مؤشرات التضليل البصري التي تعتمدها الحملات المنظمة عندما تنقصها الأدلة الجديدة.

يتقاطع هذا السلوك مع علامات أخرى تدل على وجود نشاط آلي أو شبه آلي. الحسابات التي لا تحمل صورة شخصية، ولا تذكر موقعاً جغرافياً أو سيرة ذاتية، وتستخدم وسوماً كثيرة في المنشور الواحد، تتكرر على الجانبين. 

التأثير والانتشار الجغرافي
من خلال مقارنة بيانات المواقع الجغرافية والتفاعلات الموثقة، يتبين أن التفاعل على وسم "#العميل حميدتي" تركز في مصر بنسبة تفاعل تجاوزت 52٪ من إجمالي الحسابات المعروفة الموقع، مع امتدادات فرعية إلى الإمارات والسعودية، أي داخل فضاء إعلامي عربي متجانس سياسياً. 

أما الحملة المضادة الموالية للدعم السريع، فتتوزع مواقعها بين السودان، وجنوب السودان، وأجزاء من الخليج وشرق إفريقيا، بنسبة تداخل مرتفعة لحسابات ناطقة بالإنجليزية والعربية في آن واحد، ما يعكس شبكة أكثر تداخلاً جغرافياً.

تفاعل الجمهور مع الحملة المصرية كان سريعاً وحاداً ثم انخفض بالسرعة نفسها، أشبه بوميض عاطفي جمع بين الحس الوطني والاصطفاف السياسي، وترك أثراً مؤقتاً في اتجاهات النقاش العام. في المقابل، حققت الحملة المضادة زمن تفاعل أطول وإن كان أضعف في الذروة، إذ استمرت منشوراتها في التداول بأسلوب الذروات الصغيرة كل بضعة أيام، ما يشير إلى إدارة متعمدة للحضور عبر حسابات تعيد تدوير الخطاب القديم وتربطه بأحداث جديدة داخل السودان. هذه الاستدامة الزمنية تمنح الحملة الثانية تأثيراً تراكمياً يرسخ مع الوقت صورة البرهان كـ"عدو داخلي" و"امتداد خارجي لمصر"، ما ينعكس في التعليقات التي يرددها المستخدمون العاديون من خارج الدائرة المنسقة مثل: "البرهان باع السودان للمصريين" أو "حميدتي رغم كل شيء وطني أكثر من البرهان.

ورغم أن كلا المعسكرين استخدم أدوات تضخيم إلكتروني واضحة، فإن مستوى التفاعل الطبيعي؛ الردود والنقاشات المفتوحة غير المكررة كان أعلى نسبياً في الحملة الموالية للدعم السريع. إذ وجدت تغريدات تحمل طابعاً شخصياً أو تحليلياً؛ مثل تعليق أحد المستخدمين السودانيين: "البرهان هو سبب كل هذا الدم، وادعاء مصر الحياد كاذب"، والذي حقق 190 إعادة نشر من حسابات حقيقية موثقة. في حين، في الجانب المصري كان أغلب التفاعل من نوع التكرار والنسخ، مع تركيز على الشعارات أكثر من النقاشات، ما يوحي بأن التأثير كان تعبوياً سريع الزوال لا يتجاوز اللحظة السياسية الراهنة.