مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

أبطالها حسابات مغربية وجزائرية حملة تضليل ترافق احتجاجات الشباب بالمغرب

أبطالها حسابات مغربية وجزائرية حملة تضليل ترافق احتجاجات الشباب بالمغرب

 

إبراهيم هلال

 

في 27 أيلول/سبتمبر 2025، اندلعت تظاهرات في عدد من المدن المغربية، قادتها مجموعات شبابية لا مركزية تنتمي إلى جيل "Z"، رفعت شعارات تطالب بتحسين التعليم والرعاية الصحية، وانتقدت حجم الإنفاق الحكومي على استضافة الأحداث الرياضية الدولية؛ مثل كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030. كما عبّرت الاحتجاجات عن استياء واسع من تدهور الأوضاع الاقتصادية وتراجع جودة الخدمات العامة.
بدأت التظاهرات في مدن الرباط ومراكش والدار البيضاء، قبل أن تتوسع الملاحقات الأمنية بحق المشاركين فيها، ما أدى إلى تصاعد التوتر واندلاع مواجهات واشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن المغربية.

انعكس هذا المشهد على الفضاء الرقمي، إذ تزامنت الاحتجاجات مع انتشار وسم #المغرب_ينتفض على منصات التواصل الاجتماعي، واجهته وسوم مؤيدة للنظام الحاكم والحكومة القائمة مثل:

#"المغرب_أولا" " #المملكة_المغربية_الشريفة" " #الملك_محمد_السادس"  "#المغرب_مملكة_العز".

أعطى ذلك مؤشراً على وجود حملة دعائية ممنهجة على منصات التواصل الاجتماعي، تنشط من خلالها حسابات مرتبطة بالنظام الحاكم، تعمل على نشر أخبار مضللة وتوجيه الرأي العام لصالح السردية الرسمية.

 

حملة دعائية منسقة لمواجه انتفاضة المغرب

خلال الأسبوع الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2025، وبالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات بالمدن المغربية، تزايد استخدام عدة وسوم، دعت كلها للاصطفاف مع النظام الحاكم والمحافظة على المغرب في مواجهة الفوضى.

وصل عدد المنشورات المرتبطة بهذه الوسوم إلى نحو 12.800 منشور خلال أسبوع الاحتجاجات، لكنها حققت انتشاراً يساوي أضعاف عددها؛ فزاد إجمالي عدد وصول المنشورات إلى 106 ملايين مرة تقريباً خلال أسبوع واحد.

وصلت الحملة إلى ذروتها الأولى في الأول من تشرين الأول/أكتوبر، تحديدا بين الساعة السابعة والثامنة مساءً، بالتزامن مع تصاعدت الاحتجاجات المطالبة بتحسين التعليم والصحة لتتحول إلى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن في عدة مدن؛ مثل وجدة وأنسيجان.

في هذا الوقت، شاركت حسابات من المغرب والسعودية في نشر عدة منشورات لاقت رواجاً وتفاعلاً واسعاً كانت تحذر من الاحتجاجات والفوضى، أما الذروة الثانية فحدثت في مساء يوم الثاني من تشرين الأول/أكتوبر في التوقيت نفسه، في حين ركزت المنشورات على تأكيد حالة الأستقرار السياسي بالمغرب والترويج لما يحظى به النظام الحاكم من تأييد شعبي.

أظهرت التحليلات أن النسبة الأكبر من المنشورات قد صدرت من المغرب، ورغم أن الأحداث وقعت بها إلا أن نسبة المنشورات الصادرة منها بلغت فقط نحو 38% فقط من إجمالي عدد المنشورات، وتلتها السعودية بنسبة 19.2% ثم فرنسا بنسبة 12.8%، تلتها الجزائر بنسبة 7.5%.


الحسابات الأكثر تفاعلا مع الحملة 

أظهرت التحليلات أن عدد الحسابات التي شاركت بالحملة خلال أسبوع واحد هي 988 حساباً فقط، ما يعني أن هناك حسابات تفاعلت بكثافة؛ ما رفع عدد المنشورات إلى نحو 13 ألف منشور. عندما قمنا بسحب وتحليل البيانات، حصلنا على قائمة بأكثر الحسابات تفاعلًا حسب عدد المنشورات.

جاء في صدارة القائمة حساب goud.ma على منصة إنستغرام، إذ نشر 70 منشوراً تضمّن أحد الوسوم التي ركّز عليها البحث. ويُعدّ الحساب تابعاً لجريدة "گوديريش" الإلكترونية، التي قدّمت تغطية متنوعة للاحتجاجات في المغرب.


ومن خلال التحقق من نطاق الموقع الإلكتروني، تبيّن أنه مسجَّل بتاريخ 4 تموز/يوليو 2024 في المغرب باسم "Ahmed Najim"، مع ظهور بريده الإلكتروني ورقم هاتفه ضمن بيانات التسجيل. غير أن التحقق من رقم الهاتف أظهر أنه مسجَّل باسم "جريدة كود".


يليه في الترتيب حساب على منصة "إكس" يحمل اسم "قاهر الكراغلة" (@bocchus_moro). و"الكراغلة" مصطلح تاريخي يُطلق على فئات من سكان الجزائر وليبيا وتونس من أصول مختلطة، نتجت عن زيجات بين الجنود الأتراك ونساء من شمال إفريقيا. غير أن الحسابات المغربية تستخدم هذا المصطلح اليوم كصفة تحقيرية ضد الجزائريين.


ورغم أن حساب "قاهر الكراغلة" يبدو للوهلة الأولى حساباً مغربياً، فإن تحليل نشاطه أظهر أنه يُدار من السعودية. نشر الحساب نحو 60 منشوراً ركّزت على تأييد النظام الحاكم في المغرب، إلى جانب مهاجمة الجزائر والسخرية منها.

وقد أُشير إلى هذا الحساب في تقرير سابق لمجتمع التحقق العربي تناول الحرب الإلكترونية بين الجزائر والمغرب، إذ تبين استخدامه خطاب كراهية ضد الجزائريين، وخلال الأحداث الأخيرة تبنى خطاباً تحريضياً تضمن السب والقذف بحق المحتجين.


وجاء بعد ذلك في القائمة حساب "اللوبي المخزني" (@Hamid43838943)، بعدد 49 منشوراً. وينشط هو الآخر في مهاجمة الجزائر عبر وسم #الجزائر_أضحوكة_العالم. كما يُظهر الحساب تفاعلاً متكرراً مع حساب @MosteMaster365 الذي يعرّف صاحبه نفسه بأنه "مؤيد لإسرائيل".


يتهم حساب "اللوبي المخزني" الجزائر بدعم المحتجين بالمغرب، كما نشر أن مؤسس منصة #GENZ212 هو مغني الراب "معاد الحاقد"، وهو ما نفته الحركة في بيان رسمي لها، لكن الخبر لم يكن إلا مجرد جزء من خطاب التحريض الذي يتبناه الحساب ضد أي معارضين للنظام الحاكم بالمغرب.

في المركز الرابع ضمن قائمة الحسابات الأكثر تفاعلاً، جاء حساب "۞⛥Kęñzā⛥۞" (@Knizakenzaa)، وهو حساب مغربي قديم نسبياً، إلا أنه لا ينشر أي محتوى شخصي، إذ تتركز جميع منشوراته على الدعاية السياسية والدعم المتكرر للنظام الحاكم في المغرب.

وينطبق النمط ذاته على حساب إنستغرام المرتبط به، إذ لم تُرصد عليه أي صور شخصية، رغم أن الحساب يُعرّف نفسه بأنه "حساب شخصي".

يركز حساب "@Knizakenzaa" على اتهام الجزائر بالتآمر على النظام المغربي، فقد أعاد الحساب نشر محتوى يتهم المحتجين بالالتجاء إلى "مرتزقة" يدربوهم على "الإسقاط السلمي للأنظمة".

كما نشر الحساب مقاطع صوتية داخل مجموعة GENZ212 على منصة DISCORD، وادعى أن المجموعة تُوجه من قبل جزائريين، وهو أمر غير صحيح، فمبراجعة التفريغ الصوتي للمقطع تبين أن اللهجة المستخدمة هي الدارجة المغربية وليست الجزائرية، بدليل استعمال كلمات مثل: "المخزن" وهو تعبير مغربي يُستخدم للدلالة على الدولة أوالنظام، و"دابا" (الآن) وهي كلمة دارجة مغربية، و"عياشة" (المؤيدين للملك) وهو مصطلح متداول في الخطاب السياسي المغربي، و"واش" بمعنى هل؟.

كما أن البنية النحوية وطريقة التعبير في المنشورات؛ مثل العبارات: "غير يخرج ويصيد في الناس"، "واش بيك"، "خص إرشاد"، تطابق تماماً الدارجة المغربية، ما ينفي الادعاء بكون الحساب غير مغربي.

أما وصف المشاركين في الاحتجاجات بأنهم "إخوان" في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فلم يُعثر على أي دليل يدعم هذا الزعم.


أما حساب "Chef Salah-eddine"، فلم يخرج عن السردية ذاتها التي روّجت لها الحسابات السابقة، غير أنه حدّد موقعه في باريس – فرنسا. وقد كرّر الحساب نفس الاتهامات التي تداولتها تلك الحسابات، بشأن ما وصفه بـ"تآمر الجزائر والإخوان المسلمين على المغرب"، كما نشر تغريدة شكر موجّهة إلى دولة الإمارات.

هذا ما دفعنا إلى التحقق من طبيعة السرديات التي تروّجها الحسابات المنتمية إلى كل دولة من الدول التي برزت على خريطة التفاعل.

حسابات تدافع عن النظام المغربي

عبر أداة talkwalker استطعنا كشف سحابة الكلمات الأكثر استخداماً في دولة محددة، وعندما اخترنا المغرب، تبين أن أكثر الكلمات استخداماً وتكراراً تعكس السردية السائدة أو المنتشرة فيها؛ ما أمكننا أن نرى بوضوح استخدام وسوم؛ #المغرب_اولا و#الملك_محمد_السادس كنوع من التأييد والترويج للنظام الحاكم بالمغرب.


كما برزت وسوم مثل #قاهر_الكراغلة، التي تعكس حضور الجزائر بوصفها المتهم الأول في التآمر على المغرب ضمن الخطاب المتداول. ويظهر كلٌّ من حساب "قاهر الكراغلة" وحساب "اللوبي المخزني" -اللذين تم تناولُهما سابقاً- بين أكثر الحسابات تفاعلاً مع هذه الوسوم، وكذلك بين أبرز الحسابات المروّجة للسردية المؤيدة للنظام الحاكم في المغرب، والتي تتهم المحتجين بـالتآمر وإثارة الفوضى والتخريب.


وكما ارتبطت هذه السردية بحسابات مجهولة الهوية، فقد ارتبطت كذلك بحساب يحمل اسم "د. عبد الحق الصنايبي"، الذي يعرّف نفسه بأنه "خبير في الشؤون الاستراتيجية والأمنية".

عمل الصنايبي في عدد من المؤسسات الفكرية والأكاديمية، من بينها: مؤمنون بلا حدود، والمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، والمركز الديمقراطي العربي.

وفي ظهوره الإعلامي، يُعبّر الصنايبي بوضوح عن تأييده للنظام الحاكم في المغرب، كما يُعلن دعمه لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. ويُشير في حسابه إلى أنه يشغل حالياً منصب مدير موقع "تمغربيت".

سردية سعودية داعمة لنظام المغرب

عكست سحابة الكلمات الأكثر تداولاً في السعودية تأييداً واضحاً للسردية ذاتها التي روّجت لها الحسابات المغربية، إذ يظهر بوضوح اسم المستخدم لحساب "قاهر الكراغلة" -الذي يُدار من السعودية- إلى جانب وسم #قاهر_الكراغلة الموجَّه أساساً ضد الجزائريين.

ويشير ذلك إلى ترويج نفس الادعاءات المتعلقة بـ"تآمر الجزائر على المغرب" ضمن الفضاء الرقمي السعودي.

كما تُظهر سحابة الكلمات أيضاً حضور مجموعة من الوسوم الداعمة للنظام الحاكم في المغرب، مثل: #المغرب_أولا، #الملك_محمد_السادس، و#المملكة_المغربية_الشريفة.

ويبرز إلى جانبها اسم مستخدم حساب "اللوبي المخزني"، وكذلك حساب @fahadddd83 "فهد (إخوان مريم)"، وكلاهما من أكثر الحسابات تفاعلاً مع هذه الوسوم وترويجاً للمضامين المؤيدة للنظام المغربي.

ينشط حساب "فهد (إخوان مريم)" كحساب كويتي أُنشئ عام 2021، وقد نشر تغريدة حظيت بتفاعل واسع وصف فيها المحتجين بـ"الغوغاء" واتهمهم بـ"التخريب".

وهي الاتهامات ذاتها التي كررها حساب "عبدالكريم العواض" (@krim237)، وهو حساب سعودي أعاد نشر الادعاءات حول ضلوع "أيادٍ خارجية" وصفها بأنها "قذرة" في الاحتجاجات المغربية.

وكما حذر حساب "عبدالكريم العواض" من "الايادي الخارجية القذرة" التي تريد "ربيع عربي جديد"، أعاد حساب "د.فهد الفراج" نفس التحذير، واصفا مآلات الاحتجاجات بـ"الجحيم" و"الفوضى". ثم أعادت بعض الحسابات الحديثة ترويج نفس الادعاءات والتحذيرات.




أما حساب "Salka ASWILKAT" فقد وجّه اتهامات إلى جماعة العدل والإحسان بـ"القفز على الأحداث وركوب موجتها" من أجل نشر أجندتها المليئة بالشعبوية والحنين إلى مشروع رجعي.

وركّز الحساب في منشوراته على اتهام الجماعة بتجييش الشباب واستغلالهم، واصفاً إياها بأنها "جماعة متطرفة".

أما حساب "السلطان الشارجان 2"، فهو حساب مغربي حديث أُنشئ عام 2024 ويُدار من السعودية. وقد تركز نشاطه على تأييد الملك المغربي والتفاعل المستمر مع التغريدات المؤيدة للنظام الحاكم في المغرب، إلى جانب المحتوى المعادي للجزائر.


على الجانب الآخر، برز حساب يُعبّر عن رأي مخالف، وهو حساب "فؤاد كوثر"، الذي سبق أن تناولناه في تحقيق "حركة الملثمين الأحرار". ركّز الحساب على نشر أخبار الاحتجاجات نقلاً عن حسابات جزائرية ادّعت أن قوات الأمن المغربية انسحبت أو هُزمت أمام المحتجين، وهو ما دفعنا إلى التحقق من طبيعة المحتوى الذي تنشره بعض الحسابات الجزائرية حول الاحتجاجات في المغرب.






حسابات جزائرية تنشر سردية مضادة

قدّمت الحسابات الجزائرية سردية مضادّة، انعكست بوضوح في سحابة الكلمات الأكثر تداولاً، إذ برزت كلمات مثل: "انشقاقات"، "عُزل"، "تراجع"، "هروب"، "صراع"، و"تفكك".

وتُشير هذه المفردات إلى ادعاءات مضادّة حاولت تلك الحسابات ترويجها لتصوير الوضع في المغرب على أنه يشهد انقسامات وصراعات داخلية.

من أبرز هذه الحسابات، حساب "DZ  @MouloudiaDZ3"، وهو حساب جزائري حديث، ركز في منشوراته على نشر أخبار عن هزيمة وانهيار قوات الأمن المغربية وتفكك مؤسسات الدولة، وحدوث انشقاقات في صفوف القوات الملكية، وهو ما لم يتأكد ولم نجد عليه أي دليل.



كما نشر الحساب تغريدة تضمّنت مقطعاً مصوراً يظهر فيه بعض الأفارقة يهتفون للملك محمد السادس، وادعى أن هؤلاء يشكلون "ميليشيات" استعان بها النظام كقوات داعمة له.

غير أن التحقق من المقطع عبر البحث العكسي أظهر أنه قديم ويعود إلى 9 أيلول/سبتمبر، ويُظهر مشجعين من دولة غينيا جاءوا إلى المغرب لدعم منتخب بلدهم في مباراة أمام منتخب الجزائر، ولا علاقة له بالاحتجاجات الشبابية في المغرب.


في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2025، نشر حساب جزائري يحمل اسم "بوابة الجزائر" خبراً مضللاً زعم فيه أن العائلة الملكية غادرت المغرب، دون أن يورد أي مصدر رسمي يؤكد ذلك. كما نشر الحساب نفسه خبراً آخر ادعى فيه أن المغرب فقد حق استضافة كأس الأمم الإفريقية المقبلة، وهو ادعاء لم نجد له بدوره أي تأكيد من مصادر رسمية أو موثوقة.



انتشرت حول احتجاجات المغرب سرديتان متضادتان؛ إذ نشطت حسابات مغربية مؤيدة للنظام الحاكم في الترويج للسردية الأولى، مدعومةً بتفاعل من حسابات سعودية، في حين تبنّت حسابات جزائرية سرديةً مضادّة حاولت تصوير الأوضاع في المغرب على أنها تتجه نحو الانهيار والتفكك. وقد اعتمد الطرفان في ترويج سرديتيهما على ادعاءات واتهامات وأخبار مضللة.