إبراهيم هلال
في مساء يوم 11 تشرين الأول/أكتوبر 2025، تعرّضت السيارة التي كانت تقل خمسة دبلوماسيين من منتسبي الديوان الأميري القطري لحادث مروري على طريق شرم الشيخ–طور سيناء، على بُعد نحو 50 كيلومتراً من مدينة شرم الشيخ، أثناء توجههم للتحضير لاستقبال أمير قطر والمشاركة في "قمة شرم الشيخ للسلام".
أسفر الحادث عن وفاة ثلاثة دبلوماسيين قطريين؛ وهم سعود بن ثامر آل ثاني، عبد الله غانم الخيارين، وحسن جابر الجابر، وإصابة اثنين آخرين من ضمنهم السائق.
عقب الحادث، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي ادعاءات وصفت ما جرى بأنه "اغتيال مدبّر"، مصحوبة بأخبار مضللة وصور مفبركة، هدفت إلى توجيه الرأي العام نحو سردية لا تستند إلى أي أدلة.
تخمينات تتحول إلى تضليل
في الساعة الأولى التي أعقبت الحادث، وتحديداً عند الساعة 12:14 بعد منتصف الليل، ظهر أول ادعاء عن "اغتيال الوفد القطري في شرم الشيخ" على حساب يُدعى "عبد الله علي حزام" (@bdllhlyzm1)، وهو حساب يمني أُنشئ عام 2022، يضع علم اليمن صورة خلفية ويتفاعل أساساً مع حسابات يمنية. وقد زعم الحساب أن الموساد الإسرائيلي يقف وراء "اغتيال الوفد القطري" في شرم الشيخ.
بعد نحو 14 دقيقة، ظهر منشور آخر وصف الحادثة بأنه "اغتيال"، نشره حساب يُدعى "حفيدة المرابطين" (@BFgmhDsU6iO3xuG)، وهو حساب مغربي أُنشئ عام 2020، يحمل اسماً مكوناً من حروف عشوائية. ينشط الحساب حصراً في نشر وإعادة نشر الأخبار السياسية، ما يُرجّح أنه حساب غير شخصي أو يُدار لأغراض دعائية.
في الساعة 12:38 نشر حساب يدعى "مار88 @mr8816098" منشوراً يؤكد تعرض الوفد القطري "لعملية اغتيال"، وحساب @mr8816098 هو حساب قطري نشأ عام 2023، ولديه اسم مستخدم من أرقام عشوائية، ما يرجح أنه حساب غير حقيقي.
في الساعة 1:02 نشر حساب يسمى "أحرار قطر @QatariAr" منشوراً يؤكد "اغتيال الوفد القطري" عبر "تدبير حادث مروع لمركبتهم"، بفحص حساب "أحرار قطر" تبين أنه حساب قديم نشأ عام 2014، ينشط في نشر منشورات معارضة للنظام الحاكم في قطر، ونشر تقارير عن فساد العائلة الحاكمة بقطر.
تضخيم سردية اغتيال الوفد القطري
منذ وقوع الحادثة مساء 11 تشرين الأول/أكتوبر وحتى الخامس عشر من الشهر نفسه، تم رصد نحو 2400 منشور تناولت مزاعم "اغتيال الوفد القطري". ورغم محدودية عددها، فقد حققت هذه المنشورات انتشاراً واسعاً تجاوز 16 مليون وصول على منصات التواصل الاجتماعي.
ارتبطت المنشورات التي وصفت الحادثة بأنها "اغتيال" بوسم #حادث_شرم_الشيخ، إذ استُخدم الوسم والعبارة معاً في عدد كبير من المنشورات لتداول الادعاء. ومع ذلك، ظلّ البحث بعبارة "اغتيال الوفد القطري" أكثر انتشاراً وتداولاً من الوسم نفسه.
ويتّضح هذا التفوّق عند مقارنة نتائج البحث بالعبارتين وتوقيتات الذروة؛ إذ بلغ النشاط حول عبارة "اغتيال الوفد القطري" ذروته في يوم 12 تشرين الأول/أكتوبر بين الساعة الخامسة والسادسة مساءً، حين نشرت 14 حساباً فقط نحو 321 منشوراً يتناول الموضوع.
بفحص نشاط الحسابات في وقت الذروة، تبين وجود نشاط غير أصيل يتسم بالتضخيم، أحد الحسابات النشطة في هذا اليوم، كان حساب يدعى " Amira @amira397135"، وهو حساب حديث، نشأ في آذار/مارس 2025.
المثير للريبة في هذا الحساب أنه، رغم حداثة إنشائه، نشر نحو ثمانية آلاف منشور. وعند محاولة الوصول إلى محتواه، أظهرت منصة "إكس" تحذيراً يفيد بأن الحساب مقيَّد بسبب نشاط مريب. وبعد تجاوز التحذير، تبيّن أن الحساب لم ينشر أي محتوى أصيل؛ فجميع منشوراته كانت تعليقات متطابقة أُعيد نشرها على عدد كبير من المنشورات بفواصل زمنية قصيرة جداً وبصياغة واحدة من دون أي تغيير.
ظهر النمط نفسه على حساب آخر يدعى " Mary Mimo @MaryMimo586671"، ويعد تاريخ نشأة الحساب إلى شباط/فبراير 2024، ونشر الحساب منذ نشأته 19 ألف منشور، تنقسم بين منشورات أعاد الحساب مشاركتها، وتعليقات كانت -مثل الحساب السابق- عبارة عن صياغة واحدة يعيد الحساب وضعها كتعليق بفواصل زمنية قصيرة.
وبالنمط نفسه، ظهر حساب يُدعى "Amal" (@km1831175)، وهو حساب أُنشئ عام 2023، ونشر منذ إنشائه أكثر من 24 ألف منشور. وعند فحصه -بعد تجاوز التحذير الذي أطلقته منصة "إكس" بشأن نشاطه المريب- تبين أنه لم ينشر أي منشور أصلي، وأن جميع منشوراته كانت تعليقات متطابقة في الصياغة، نُشرت بفواصل زمنية قصيرة جداً.
ورغم أن هذه الحسابات لم تُحدّد موقعها الجغرافي على منصة "إكس"، أظهرت التحليلات أن الجزء الأكبر من المنشورات تحت عبارة "اغتيال الوفد القطري" جاء من السعودية بنسبة نحو 41%، تليها المنشورات على وسم "#حادث_شرم_الشيخ" بنسبة تقارب 31%. وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة التالية، ثم مصر التي لم تتجاوز نسبة المنشورات الصادرة منها 11%.
من يقود التفاعل حول ادعاء "اغتيال الوفد القطري"
أظهرت التحليلات نشاط مجموعة من الحسابات المعروفة التي سعت لتأكيد رواية "الاغتيال المدبّر"؛ من بينها حساب "رزام الشليان الهذلي 🇸🇦 (ومضة قلم) @BattalX7Z"، الذي يعرّف نفسه بأنه "مستشار أمني وحماية مدنية". وقد أعاد هذا الحساب نشر صورة لسيارة الوفد القطري محطّمة ومزعم أنها تحمل آثار طلقات رصاص لإثبات أن الحادثة كانت عملية اغتيال، إلا أن الصورة تبيّن لاحقاً أنها مفبركة.
أما حساب "Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT @drhossamsamy65" فقد نشر نحو أربع منشورات، واستند إلى منشور لحساب "إيدي كوهين" لتأكيد عملية اغتيال الوفد القطري في مصر.
وفندت منصة "متصدقش" المصرية المتخصصة في تدقيق المعلومات هذا المنشور، مشيرة إلى أنه مفبرك بالكامل.
وأوضح تحقق متصدقش أنه لا توجد أي تقارير منشورة على موقع "بي بي سي" تتضمن الصورة المرفقة بمنشور سام. وتبدو الصورة المرفقة مع المنشور وتحمل شعار بي بي سي وحساب باسم "Adasa Masr"، معدلة بشكل واضح عن طريق إضافة الثقوب والدماء، وشعار بي بي سي.
أما حساب "Mona Elshazly (منى الشاذلي) @MElshazly153322"، وهو حساب مصري حديث النشأة يُعرّف نفسه بأنه لناشطة تقيم في المملكة المتحدة، فقد نشر مقطع فيديو لصاحبة الحساب وهي تزعم أن الوفد القطري تعرّض لعملية اغتيال، من دون تقديم أي دليل يدعم هذا الادعاء. ويُلاحظ أن الحساب ينشط بشكل متكرر في نشر محتوى مثير للجدل وتسريبات ذات طابع غير أخلاقي تحت غطاء ما يصفه بـ"المعارضة".
كما أعاد حساب "عبد الله الغضيب" (@abdulla74967366)، وهو حساب سعودي أُنشئ عام 2023 ويعرّف نفسه بأنه "محلل سياسي وعسكري"، نشر الصورة ذاتها الموقعة بشعار "BBC" والتي تُظهر سيارة الوفد القطري وعليها آثار طلقات نارية، من دون التحقق من مصدرها أو صحة محتواها.
كما أعاد الناشط السياسي المصري المقيم في هولندا، عمرو عبد الهادي، نشر الادعاءات نفسها، من دون تقديم أي أدلة واضحة تدعمها. إذ اتهم في منشوراته النظام المصري بتدبير عملية اغتيال الوفد القطري بالتنسيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وهو ما أعاد التأكيد عليه حساب سعودي آخر يُدعى "سعود النفيعي"، وهو حساب حديث النشأة يعود تاريخ إنشائه إلى فبراير/شباط 2025، إذ نشر منشور وصف فيها الحادثة بأنها "اغتيال الوفد القطري"، متهماً الاستخبارات المصرية أو الإسرائيلية بالوقوف وراءها.
عبر التضليل وتداول ادعاءات بلا أدلة، حاولت مجموعة من الحسابات السعودية والمصرية في الخارج الترويج لسردية تصف حادث الوفد القطري في شرم الشيخ بأنه "عملية اغتيال مدبرة". لاحقاً، تولت حسابات حديثة وآلية تضخيم هذه السردية عبر نشر عشرات التعليقات والصور المصنعة بتقنيات الجرافيك، بهدف لفت الانتباه وتوجيه الرأي العام نحو رواية "الاغتيال".