في 15 نيسان/ أبريل، اندلعت شرارة الاشتباكات المسلحة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، وهما حليفا المرحلة الانتقالية لما بعد عمر البشير، مثيرة تعبئة موازية شاملة في الفضاء الافتراضي.
يرجع مراقبون سبب الاشتباكات إلى تفاقم هوة الخلاف بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني، عبدالفتاح البرهان، ونائبه قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي”. إلى جانب ضغط العسكريين على البرهان لتفكيك قوات حميدتي في ظل تعاظم نفوذها المستمد من دعم إقليمي كبير.
استخدم مؤيدو طرفي القتال الشبكات الاجتماعية في تضخيم روايتهما لما يحصل على الأرض، استناداً إلى آليات مختلفة، بما فيها الاحتشاد خلف هاشتاغات، والاعتماد على الحسابات الوهمية والمعلومات المُضللة والشائعات.
في تحليلنا، نرصد الوجود الافتراضي للطرفين والتفاعلات المرتبطة بالتطورات الجارية في السودان، ومحاولة معرفة من قد يقف وراءها وآليات عمل حملات التأثير.
قبل نحو شهر من اندلاع القتال، خيم الخلاف بين البرهان وحميدتي بشأن بعض بنود الاتفاق الإطاري المتمم للعملية الانتقالية السياسية بالبلاد، حيث ساد تباين في التصورات بشأن كيفية دمج قوات الدعم السريع، التي يقدر محللون قوامها بأكثر من 100 ألف جندي.
بحسب تقارير صحافية، أراد الجيش السوداني أن يتم دمج الدعم السريع في غضون عامين، فيما تمسك حميدتي بـ10 سنوات.
في هذه الأثناء، انتشرت شائعات وتكهنات حول قرب وقوع صدام محتمل، عززتها تصريحات صدامية لقادة الطرفين على مدار أسابيع موصولة.
مع بدء الاشتباكات، حاول أنصار الجانبين القيام بالدعاية ومحاولة استمالة الجمهور العام عن طريق جهود إلكترونية منسقة موازية لأعمال القتال.
تكشف أجواء المناخ الافتراضي للتفاعلات المرتبطة بأحداث السودان الأخيرة عن جهد دقيق ومنسق للسيطرة على الرواية السائدة خلال الاشتباكات المسلحة في البلاد، تشبه تلك المصاحبة لهجوم الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، قائد “الجيش الوطني الليبي” في شرق ليبيا، على العاصمة طرابلس عام 2019.
تنوعت هذه الجهود ما بين إصدار بيانات آنية عن التطورات على الأرض عبر صفحات على الشبكات الاجتماعية، واستخدام جيوش من الحسابات الوهمية (البوتس)، وصولاً إلى بث محتوى مكرر ومعلومات مضللة.
حافظت الحملة المؤيدة للدعم السريع على زخم الحديث عنه منذ اندلاع الأحداث الأخيرة في 15 نيسان. دار الحديث عن “الدعم السريع” عبر موقع “تويتر” 48.9 ألف تغريدة على الأقل.
وظل الحديث عنه رائجاً في 10 بلداً عربياً، حيث كانت غالبية التغريدات صادرة منها، وهي “قطر، البحرين، مصر، الأردن، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، لبنان الكويت، الجزائر، سلطنة عُمان”، حسب موقع Get Day Trends.
مع استمرار المواجهات على الأرض، ساهمت مجموعة من الحسابات الوهمية في بقاء اسم الدعم السريع رائجاً إلى أن وصل ذروته في الفترة ما بين يومي 12 نيسان، حيث بداية الحديث عن تحركات للدعم السريع في اتجاه قاعدة مروي الجوية، ويوم 19 نيسان، قبل أن تهدأ وتيرة التفاعلات قليلا وسط الجهود الدولية الرامية لوقف القتال في البلاد.
وإلى جانب التغطيات الإخبارية الكلاسيكية من منافذ الأخبار، ضخت الحسابات الوهمية عدداً كبيراً من التغريدات إبان هذه الفترة الزمنية.
كان لافتا أن نسبة كبيرة من هذه الحسابات قديمة الإنشاء، غالبيتها في سنوات 2011، 2012، 2013، 2014. ولا يتابعها غير بضعة حسابات وأكبرها لا يتابعه سوى عشرات الحسابات.
لا تحتوي هذه الحسابات على الكثير من التغريدات، بعضها لم ينشر سوى تلك التغريدات المرتبطة بالدعم السريع، والبعض الآخر لديه تغريدات بلغات أخرى، مثل الإنجليزية ولاتينية ولغات آسيوية.
وهو ما قد يشير إلى احتمالات عدة، منها أنها كانت جزءاً من حملات تجارية تعتمد على التسويق الإلكتروني “الرخيص”، الذي عادة ما يستخدم حسابات آلية تبث بشكل “سبام” تغريدات متكررة عن منتج معين، ومع انتهاء الحملة يتم حذف المحتوى لحين الدخول في حملة أخرى.
يسري الشيء ذاته على احتمال آخر، هو أنها تستخدم في حملات ذات أغراض سياسية، في مقابل احتمال ثالث حول تعرض بعض هذه الحسابات للاستيلاء عليها من أصحابها الحقيقيين، بخاصة أن بعضها لم يغرد منذ عام 2013، وأولى تغريداته الجديدة كانت عن “الدعم السريع”، كما يبيّن المثال أدناه.
تحمل الحسابات أسماء عربية وإنكليزية وهندية وإسبانية. وبث بعضها تغريدات باللغة العربية، والبعض الآخر بالإنكليزية تتضمن “Rapid Support Forces”. وهي الحيلة التي استخدمتها أطراف خليجية لدعم الجنرال خليفة حفتر في ليبيا عندما هاجم طرابلس رفقة حشد إلكتروني يستند إلى “تويتر”، اعتمد على مواقع إلكترونية وتغريدات بالعربية والإنجليزية والفرنسية آنذاك.
وكان محتوى التغريدات غير متناسق، ليبدو كمن يحاول الاستفادة من الكلمات المفتاحية الأكثر رواجاً في ذلك الوقت، للمساعدة في تضخيم الحديث حول الدعم السريع.
مع اشتعال الوضع في السودان، واتجاه دفة الاهتمام إلى الوضع في الخرطوم وقاعدة مروي، لا سيما مع احتجاز قوات الدعم السريع لقوات مصرية كانت متواجدة للمشاركة في تدريبات مع نظيرتها السودانية. بدا أنه كان مطلوباً جذب الاهتمام إلى هذه النقاط الساخنة، واستخدامها سياسياً على الأقل، حتى لو كانت التغريدات نفسها غير متناغمة مع بعضها.
على سبيل المثال، يقول نص إحدى التغريدات المُكرر نشرها: “منى زكي ودنيا سمير غانم يستقبلان العيد السبت في مطار مروي بدعم سريع من السودان”.
وتقول تغريدة أخرى: “توجد الدعم السريع في الخرطوم لاستقبال منى زكي للاحتفال بالعيد السبت، وقد تم ترتيب رحلة جوية من مطار مروي لقضاء ليلة القدر التي هي خير من الف شهر”.
لا تمكن الإشارة مباشرة إلى الأطراف التي تقف وراء حملة الحسابات الوهمية في السودان، لكن تحقيقات سابقة كشفت عن تورط شبكات روسية وإماراتية وراء حملات تأثير في السودان، آخرها كان ما كشفه تحقيق لـ”مرصد بيم” السوداني المعني بالتحقق من الأخبار، في فبراير/ شباط الماضي.
آنذاك، كشف المرصد عن شبكة حسابات وهمية تنشط في “تويتر” وتتألف من عشرات الحسابات، تنشر تغريدات إيجابية عن دور الإمارات ومشروعاتها الاقتصادية في السودان، وتهاجم في الوقت نفسه قوى مدنية مؤثرة.
من الوسوم التي استخدمتها هذه الشبكة: “#السودان_في_قلب_الإمارات، #لا_للحرية_والتغيير، #محمد_بن_زايد_البرهان، #كفى_لفوضى_الحرية_والتغيير”.
تكرّر وجود الحسابات الوهمية على شبكة فيسبوك أيضاً، لا سيما في الصفحة الرسمية لقوات الدعم السريع، التي يتابعها أكثر من 984 ألف متابع.
ولوحظ تكرار ظهور حسابات بعينها، لتتفاعل مع منشورات صفحة الدعم السريع عن طريق كثافة استخدام إيموجي أحببته (القلب).
عدد من هذه الحسابات، التي تتفاعل مع تدوينات مكتوبة باللغة العربية، كانت تحمل أسماءً أجنبية وأغلبها لفتيات، وتستخدم صوراً أرشيفية من شبكة الإنترنت.
كانت هناك لفتة أخرى مثيرة للشك، وهي أن الحسابات التي اشتبهنا فيها كانت جميعها استخدمت خاصة “Check-in” لفيسبوك، لتحدد موقعها في الخرطوم. وكان ذلك في نطاقات زمنية بعينها، أغلبها في أواخر سبتمبر/ أيلول وأوائل أكتوبر/ تشرين الأول.
قد يفسر ذلك على أنها محاولة للقائمين على هذه الشبكة إضفاء مزيد من الظهور بشكل يجعل الحسابات مملوكة لأشخاص حقيقيين.
لوحظ أيضاً أن هذه الحسابات تحمل أسماء أجنبية، كانت شاركت في التفاعل مع صفحة الدعم السريع، وتقوم بنشر المحتوى ذاته، مع تغييرات طفيفة.
تكشف وتيرة التفاعلات وجود محتوى مكرر عابر للمنصات ما بين تويتر وفيسبوك. كان لافتا تكرار نشر المحتوى بين الصفحات والحسابات الداعمة للدعم السريع.
انتقل النص الآتي ما بين فيسبوك وتويتر بمشاركة حسابات يبدو أنها داعمة لقوات الدعم السريع: “لم يكتفي البرهان بقتل أبناء الشعب وجنود القوات المسلحة وجعل منهم وقودا لحربه هو والفلول والخونة والعملاء وانتقل إلى مرحلة أخري وهي تجويعهم الى حد الموت”.
نشرت حسابات في تويتر نفس المحتوى، لكننا لاحظنا هذا الحساب بالتحديد @AliOmar68649900، الذي يظهر محتواه أنه مملوك لشخص يعيش في تشاد، وصورته التعريفية تحتوى ألوان علم الدولة.
ولدى الحساب اهتمام مركز بنشر تغريدات مؤيدة لموقف الدعم السريع، ونقلها المنشورات الرائجة في فيسبوك إلى تويتر. كما يضع صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صورة الـHeader الرئيسية للحساب.
كما كانت هناك مقاطع فيديو عبر تيك توك لأشخاص آخرين يُظهر محتواهم أنهم مستقرون ما بين تشاد والنيجر. بعض هؤلاء نشروا مقاطع فيديو مؤيدة للدعم السريع، مثل هذا الحساب djimaamahamat@ الذي انتشر فيديو مقابلته مع مجموعة من “عرب النيجر”، الذين عبروا عن دعمهم لقوات حميدتي، واستعدادهم لمساندته.
اعتمد قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، على خطة دعائية ضخمة على مدار السنوات الأخيرة، لكسب أذهان السودانيين وقلوبهم، في ظل طموحه الكبير نحو قيادة البلاد.
تشكل الشبكات الاجتماعية ركناً رئيسياً يعتمد عليها حميدتي والقائمين على إدارة حملته، للمساهمة في تضخيم وجوده الافتراضي والاعتناء باختيار مقتطفات من تصريحاته.
يمتلك دقلو حسابات مختلفة عبر الشبكات الاجتماعية. وسجّل فيسبوك أول ظهور لصفحة حميدتي على الشبكة في 20 أبريل/ نيسان عام 2020.
يبلغ عدد متابعيه على فيسبوك 780 ألف شخص، في حين يتابعه على 207 آلاف شخص.
مع انفجار الأحداث في السودان، دقق كثيرون في صفحة حميدتي على فيسبوك، وأظهرت خاصية الشفافية للشبكة أنها تدار من جانب أشخاص أو جهات متمركزة في الإمارات العربية المتحدة و3 أماكن أخرى مجهولة.
وعندما تصاعدت التساؤلات والجدل حول مسألة كون الصفحة تدار من دولة الإمارات، تزامنا التطورات الجارية، أمكن ملاحظة أنه في الأيام التالية قامت الصفحة بإخفاء أو إزالة الحساب الذي ارتبط مكانه بالإمارات.
تمت إزالة أحد صفحة حميدتي على فيسبوك، لكن كانت هناك مؤشرات أخرى تؤكد أن عدد من مديري صفحاته موجودون بالأساس في دولة الإمارات.
عند فحص بيانات قناة حميدتي على يوتيوب، التي يشترك فيها 55 ألف شخص، حدد القائمون على إدارتها مكانهم في الإمارات.
وأكد موقع Social Blade، المعني بتحليل الأداء والنشاط على مواقع التواصل الاجتماعي، أن قناة حميدتي على يوتيوب تدار من الإمارات، وحدد ترتيبها بالنسبة على مستوى الإمارات مقارنة بقنوات يوتيوب أخرى، حيث حازت المرتبة 1120.
وفقا للموقع، حققت القناة أكثر من 377 ألف مشاهدة في الـ30 يوماً الأخيرة، وذلك من إجمالي مشاهدات تقدر بمليون مشاهدة لـ180 مقطع فيديو منشور على قناة حميدتي. وهو ما يساهم في زيادة الاهتمام بالقناة مع التطورات في السودان.
لقطة شاشة من موقع Social Blade تظهر بيانات مرتبطة بقناة الجنرال حميدتي في يوتيوب
في وقت ظهرت صفحة الدعم السريع على “فيسبوك” في 1 حزيران/ يونيو. وبحسب خاصية الشفافية في “فيسبوك”، يدير هذه الصفحة أشخاص في السودان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
ويتابع الصفحة عبر “فيسبوك” 984 ألف شخص، فيما يتابع حساب الدعم السريع على “تويتر”، المؤسس في كانون الثاني/ يناير، أكثر من 99 ألف شخص.
إلى جانب صفحات حميدتي والدعم السريع الرسمية على مواقع التواصل، فإن الرجل يعتمد على ماكينة ضخمة من الحسابات والصفحات والمجموعات، التي تتولى بشكل منسق ودقيق تلميع وتضخيم انتشار الحديث عن الرجل في داخل السودان.
يتم تصوير الرجل باعتباره “أمل السودان” للعبور من كبوته، وتصويره باعتباره “القائد المخلص”، وفقا للمنشورات المكرر نشرها.
كانت تقارير كشفت أن حميدتي التقى العام الماضي ممثلي شركة “Think Doctor” العاملة في العلاقات العامة، بغرض مساعدته في تحسين صورته في أوروبا، ويعتقد أيضاً أن الشركة ساعدته في مجال التدريب الإعلامي والنشاط على الشبكات الاجتماعية.
تعطينا إحصاءات جمعناها عن طريق أداة “كراود تانجل”، المملوكة لـ”فيسبوك”، لمحة عن مدى ضخامة حملة حميدتي الإلكترونية وانتشاره في الفضاء الافتراضي.
بداية من عام 2019 حتى نهاية نيسان 2023، كان هناك 669 ألف و257 منشوراً على “فيسبوك” يحتوي اسم حميدتي، بإجمالي تفاعلات قدرها أكثر من 56 مليون حالة تفاعل.
لعبت المجموعات “المفتوحة” – التي أمكن لأداة كراود تانجل رصد إحصاءاتها – دوراً كبيراً في ترويج المنشورات الدعائية عن حميدتي، فكان في داخل المجموعات وحدها هناك 489 ألف منشور عنه، جميعها حصل على 10 ملايين و558 ألف حالة تفاعل.
وخلال شهر الحرب الدائرة، في نيسان 2023 وحده، كان هناك 73 ألف و337 منشوراً يتضمن اسم حميدتي، نتج عنه 12 مليوناً و441 ألف تفاعل.
أما قوات الدعم السريع، فتم الحديث عنها في أكثر من 731 ألف منشور منذ عام 2019، مولداً 66 مليون و539 ألفاً و441 حالة تفاعل.
لقطة شاشة من أداة كراود تانجل تتضمن إحصاءات للمنشورات المتضمنة اسم حميدتي منذ عام 2019 إلى الآن
في مطلع آذار/ مارس الماضي، خرج حميدتي بتصريحات تحمل نبرة مغايرة للمعتاد، كما تابع مراقبون، وطالب بتنقية الجيش السوداني من الإسلاميين، تزامنا مع الخلاف حول دمج قواته في الجيش.
وبعد اندلاع المواجهات المسلحة، ظهرت وسوم تابعة للدعم السريع تهاجم الحركة الإسلامية في البلاد، وتصفها بأنها إرهابية، وترى أنها تقف وراء تصعيد خلاف الجيش مع الدعم السريع من أجل العودة إلى السلطة، حيث ينظر للحركة باعتبارها أحد ركائز نظام عمر البشير وقاعدته التي اعتمد عليها طوال سنوات حكمه.
من بين الوسوم: “#الحركة_الاسلامية_تنظيم_ارهابي”، الذي نشط بعد بدء الاشتباكات، واحتوى15 ألف منشور حتى مطلع مايو/ أيار، حسب إحصاءات فيسبوك.
وكانت صفحة وجروب “تجمع شباب قوات الدعم السريع” تدعمان الوسم، ويتم إعادة نشر ما تقوم بنشره عبر الهاشتاغ.
وكان هناك أيضاً وسم #ضد_التطرف_والحركات_الارهابيه الذي ضم أقل من ألف منشور. ووسم #المؤتمر_الوطني_جماعة_ارهابية، في إشارة إلى الحزب الحاكم في عهد البشير.
“المجاهدون”.. صفحات ومجموعات تقود الزخم لمصلحة الجيش عبر “فيسبوك”
في المقابل، ظهرت وسوم مؤيدة للجيش السوداني وتحركاته في مواجهة قوات الدعم السريع، مستفيدة من صفحات ومجموعات عبر “فيسبوك” في تعزيز رواية الجيش للتطورات الميدانية وتعبئة الشارع لمصلحته.
ولعبت صفحة القوات المسلحة السودانية، دوراً كبيراً في انتشار الهاشتاغات الداعمة للجيش السوداني، كونها صفحة المتحدث باسمه وتعتمد عليها وسائل الإعلام في جمع معلوماتها عن الجيش.
يتابع الصفحة أكثر من 1.4 مليون متابع، وتدار من جانب 9 حسابات مستقرة في السودان مع حساب مستقر في السعودية، وفقا لخاصية الشفافية التابعة لفيسبوك.
وساهمت الصفحة في انتشار وسوم #الجيش_صاحي #إنهاء_التمرد #جيش_واحد_شعب_واحد #ده_جيش_بتداوس، التي حصدت عشرات الآلاف من المنشورات، وفقا لإحصاءات “فيسبوك”.
ونشطت وسوم أخرى مؤيدة للجيش عبر “فيسبوك”، مثل #الجيش_كرب، الذي احتوى أكثر من ألف منشور. وتوضح المؤشرات أنه يرتبط بـ”حزب المؤتمر الوطني” الحاكم في عهد عمر البشير، إضافة إلى العسكريين الإسلاميين في الجيش، الذين يناصبون قوى الثورة وحميدتي العداء.
روج الوسم لمعلومات خاطئة وشائعات، إلى جانب ما قال إنه “تسريبات” كانت عبارة عن مقاطع صوتية وتظهر معها صورة حميدتي.
لاحظنا أن بعض منشورات الوسم احتوت على “شبكة مجاهدي القوات الخاصة الإعلامية“، الذي يشير إلى صفحة وجروب على فيسبوك مرتبطين معاً بنفس الاسم.
تدار صفحة المجاهدين بواسطة 3 حسابات في داخل السودان وحسابين آخرين من موقعين مجهولين خارج البلاد، فيما تبين أن ضابطاً اسمه مهند كرام يدير الجروب إلى جانب الصفحة.
ساعدتنا أداة Crowd Tangle، في التعرف إلى جهة أخرى ناشطة بشكل لافت وكثيف على هاشتاغ #الجيش_كرب، وهو “حزب المؤتمر الوطني”، حيث تكرر الاسم في منشورات.
يدير صفحة الحزب، التي يتابعها 87 ألف شخص، 3 حسابات مستقرة في السودان، وحساب من فرنسا وآخر في بريطانيا.
كانت الصفحة تروج لإطلاق سراح عمر البشير، المسجون بتهم بينها الفساد ومطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب فظائع في نزاع دارفور، وهي التهم التي ينفيها البشير.
وبثت منشورات تضمنت صوراً للرئيس السوداني السابق، بعضها قال: “إنما النصر صبر ساعة، سنخرجك محمولاً على الأعناق لتكمل مسيرة التعمير مثل سيدنا يوسف عليه السلام، خرج من السجن ليكون عزيز مصر”.
كما عبرت المنشورات عن تأييدها للجيش في مواجهة قوات الدعم السريع، وكُتب في بعضها “كل فأر يخش جحره”.
منشورات حزب المؤتمر الوطني على وسم #الجيش_كرب حملت أيضاً إشارات إلى دور ما محتمل للحركة الإسلامية وحزب المؤتمر في الاشتباكات المسلحة الدائرة في السودان.
في أحد منشوراته، كتب حزب المؤتمر الوطني: “إذا لم يتمكن البرهان من ردع متمردي الدعم السريع، فلدينا رجال قادرين على فعل ذلك وسيفعلون”، فيما ظهر مع المنشور صورتين لعضوين في مجلس السيادة الانتقالي المقربين من الحركة الإسلامية.
الشخص الأول (يمين الصورة) هو الفريق إبراهيم جابر، الذي تصفه الصحافة السودانية بأنه “مهندس عودة نظام المتأسلمين” أو الإسلاميين حلفاء عمر البشير.
والثاني إلى اليسار هو الفريق شمس الدين كباشي، القريب أيضاً من الإسلاميين والذي ذهبت تحليلات وتقارير الصحافة السودانية – على مدار الشهور الماضية – إلى أنه رجل الظل الذي يدير المشهد والمتحكم الحقيقي في مجلس السيادة نتيجة تأثيره الكبير على رئيس المجلس عبدالفتاح البرهان.
هذه التكهنات عادت للانتشار مرة أخرى مع نشر مقطع فيديو عبر صفحة القوات المسلحة السودانية أظهر البرهان واجماً، بينما كان كباشي نشطاً خلال اجتماع لقيادة العمليات، وظهرت العديد من التساؤلات حول سر وجوم البرهان، مع تعليقات ترى أن كباشي هو من يدير المواجهات على الأرض ضد الدعم السريع. لكنها تظل تكهنات غير مؤكدة.
لقطة شاشة من مقطع فيديو منشور على صفحة القوات المسلحة السودانية بتاريخ 1 مايو/ أيار 2023
وسط طيف الوسوم المؤيدة للجيش السوداني، لفت نظرنا وسم آخر اسمه #الخرطوم_مقبرة_الجنجويد عبر “فيسبوك”، يضم أكثر من ألف منشور، وفق إحصاءات “فيسبوك”.
نسّق الوسم مجموعة تسمى “أخوان الجوكر“، التي تكرر ظهور اسمها رفقة الهاشتاغ في العديد من المنشورات، وتبين أنها تملك صفحة على “فيسبوك”، باسم “مجموعة الصندوق الأسود”، وتعرف نفسها بـ”لواء الدفاع الإلكتروني السوداني”.
تستخدم كلمة الجنجويد للإشارة إلى قوات الدعم السريع، باعتبار الميليشيات التي شكلها البشير للسيطرة على الاضطرابات في إقليم دارفور (2003 – 2005)، تعتبر في قلب قوات حميدتي.
يظهر نشاط مجموعة الجوكر أو الصندوق الأسود أنها تمتلك قدرات ذات صلة بالعمليات السيبرانية والاختراقات، حيث قال أحد منشوراتها إن المجموعة سبق أن سيطرت على مواقع الإعلام الإلكتروني الرسمية لقوات حميدتي.
تظهر بيانات فيسبوك أن صفحة المجموعة تدار بواسطة حسابين في المملكة العربية السعودية. في حين تقول قناة المجموعة على يوتيوب إنها تدار من تايلاند.
تشير صورة الـCover الخاصة بصفحة “فيسبوك” إلى أن هناك 6 “جوكر”، ربما يشكلون قوام المجموعة، أحدهم ظهر مكشوفاً الوجه.
غير معروف من تحديداً يدير هذه المجموعة وصفحاتها، لكن بعض المؤشرات قد تعني ارتباطها بجهاز الاستخبارات السودانية.
في منشور في تشرين الأول 2022، قالت المجموعة: “أخوان الجوكر بجهاز المخابرات والمباحث الفيدرالية ينفذون عمليات نوعية أسفرت عن القبض على عناصر خلايا الاغتيالات وتجري عمليات محكمة الآن للقبض على بقية المتورطين فيها”.
ليس واضحاً سياق الحدث أو الأمر الذي كان يتحدث عنه المنشور، إلا أن جمهور الصفحة من السودانيين قد تفاعلوا مع التدوينة بشكل كثيف.
ويكشف نشاط المجموعة وصفحاتها من يقف وراءها ربما مجرد مجموعة من الهواة أو المحتمسين لاستخدام معارفهم السيبرانية المتقدمة في دعم الجيش. وكان صفحة المجموعة تنشر لقطات مصورة ومقاطع فيديو تحمل توقيعها وشعارها.
كانت مقاطع الفيديو المنشورة في الصفحة مُلتقطة بواسطة طائرات دون طيار تزعم أنها لمواقع تمركز قوات الدعم السريع. كما نشرت صفحة المجموعة لقطات تتضمن خرائط.
على الوتيرة ذاتها، كانت صفحة “أنصار هيئة العمليات – المخابرات العامة” من بين الصفحات النشطة بشكل بارز على وسم #الخرطوم_مقبرة_الجنجويد، التي أعطت لمحة عن طبيعة التطورات على الأرض خلال الاشتباكات، لكن بطبيعة الحال عبرت عن وجهة نظر مؤيدة للجيش.
يتابع الصفحة 48 ألف شخص وتدار من قبل حسابين، أحدهما مستقر في السعودية والآخر مجهول.
تعرف الصفحة نفسها بأنها “مجموعة من شباب السودان همها الأول الحفاظ علي السلم الاجتماعي في السودان”.
قبل نحو أسبوع من وقوع انقلاب 25 تشرين الأول، قالت شركة “فيسبوك” إنها أغلقت شبكتين كبيرتين تستهدفان مستخدمين في السودان على مدار شهور، مع تصاعد خلاف القادة المدنيين والعسكريين آنذاك، بشأن مستقبل اتفاق تقاسم السلطة في المرحلة الانتقالية.
وقتها، قال “فيسبوك”، في بيان، إن إحدى شبكات الصفحات غير الأصيلة التي تمت إزالتها كانت مرتبطة بقوات الدعم السريع شبه العسكرية، وبيّن تقرير لمختبر أبحاث DFRLab في المجلس الأطلسي، أن أشخاصاً في في الإمارات والسعودية يديرونها.
وقع الانقلاب بالفعل بعد أيام من تظاهر أنصار البشير أمام القصر الجمهوري ودعوتهم للانقلاب على حكومة عبدالله حمدوك بحجة المطالبة بإصلاح الحكومة.
كما ساهمت الشبكة في تصعيد دعوات العصيان المدني في شرق السودان، وتعزيز احتجاجات نظارات البجا في المنطقة، وفقاً لتصريحات زهير الشمالي، رئيس الأبحاث في “فالنت بروجكتس”، لوكالة “رويترز“.
في مطلع تشرين الأول، قال “فيسبوك” إنه أغلق شبكة تضم ما يقرب من 1000 حساب وصفحة فيها 1.1 مليون متابع يديرها أشخاص، قال “فيسبوك” إنهم مرتبطون بقوات الدعم السريع.
كما أزال “فيسبوك” شبكة ثانية في حزيران/ يونيو، بعد تلقيها بلاغاً للنظر في نشاط مرتبط بالموالين للبشير. وتضم الشبكة أكثر من 100 حساب وصفحة ولديها أكثر من 1.8 مليون متابع.
كان “فيسبوك” كشف أيضاً عن إزالته شبكتين في كانون الأول/ ديسمبر 2020 وأيار/ مايو 2021، قائلا إنهما كانتا تعملان على الترويج لحميدتي والدعم السريع، وهو ما أوضحه باحثون من مختبر DFRLab في المجلس الأطلسي في تقرير لهم.
وجد “فيسبوك” أن هناك روابط بين الشبكتين ووكالة أبحاث الإنترنت الروسية (IRA)، المجموعة المتهمة بالتدخل في الانتخابات الأمريكية لعام 2016.
وفي تشرين الأول 2022، حلّل باحثو مختبر DFRlab في تقرير مقطع فيديو يظهر أحد قادة مجموعة فاغنر وهو يقوم بتدريب قوات الدعم السريع.