إبراهيم هلال
شغلت الفضاء الرقمي في العراق قضية "موت" بان زياد، طبيبة الأمراض النفسية، بعد العثور عليها "ميتة" داخل منزلها بمدينة البصرة، في الرابع من آب 2025. وبينما قالت عائلتها أن الطبيبة ماتت منتحرة (بعد تقطيع شرايين يدها) بسبب "ضغوط نفسية"، لم تمر ساعات حتى بدأت الشكوك تتصاعد حول أسباب الوفاة.
أكد بعض زملاء الطبيبة، ومنهم الدكتور وليد كاطع، أن الطبيبة لم تكن تعاني من أي اضطرابات نفسية، أو مشاكل تدفعها إلى إنهاء حياتها، فيما ذهب آخرون إلى اتهام بعض أفراد عائلتها بقتلها، خصوصاً بعد تداول أنباء عن وجود كدمات على جسدها، وهو ما فتح باب التكهنات بوجود شبهة جنائية.
أمام الضغوط الشعبية والإعلامية، أعلنت السلطات المختصة فتح تحقيق موسع في القضية، وتشكلت لجنة قضائية، وتحوّل الملف إلى بغداد من أجل إخضاعه لفحص دائرة الطب العدلي والأدلة الجنائية.
النائب عدي عواد، عضو مجلس النواب، نشر تفاصيل "جديدة" بشأن قضية "الموت الغامض" للدكتورة بان، مشيراً إلى ست ملاحظات تدعو إلى الشك، منها تعطيل كاميرات المراقبة قبل الحادث وأثناءه وبعده، بفعل فاعل، لعدم وجود أي عطل بالمنظومة. ووجود آثار حول الرقبة تدل على عملية خنق، وعدم العثور على أي حبل أو أداة أخرى استخدمت لهذا الغرض عند الكشف على محل الحادث من قبل الأدلة الجنائية. والتأخير في التبليغ عن الحادث من قبل ذوي الضحية، وقيامهم بتنظيف محل الحادث بعد نقل الجثة مباشرة دون تصريح من الجهات المختصة.
كما وُجدت كدمات متفرقة على عدة مناطق في الجثة، ولوحظ وجود جرحين متماثلين في كلتَي اليدين، بطول تسعة سنتيمترات وعرض ستة سنتيمترات، وبعمق يصل إلى العظم، وبشكل طولي، علماً أن المجني عليها تستخدم اليد اليسرى عادة، مع عدم العثور على الأداة الحادة التي أحدثت الجروح في محل الحادث. إضافة إلى كتابة عبارة "أريد الله" على حائط الحمام بدم الضحية، بخط عريض وبسمك ثلاثة سنتيمترات، وكل حرف استُخدم فيه الكثير من الدماء لإتمام كتابة هاتين العبارتين.
لكن في 18 آب 2025، أعلن مجلس القضاء الأعلى، أن رئاسة محكمة استئناف البصرة أرسلت إلى مكتب رئيس المجلس القرار الخاص بوفاة الطبيبة بان زياد، الذي اتضح من خلال حيثياته أن الحادث "انتحار"، لذا أُغلق التحقيق.
أظهرت التقارير الطبية أن الطبيبة كانت تعاني من اكتئاب مزمن، وقد شخّص حالتها أطباء مختصون بالأمراض النفسية في بغداد، وكانت تخضع للعلاج باستخدام عقار بوبروبيون (Bupropion)، المعروف بفعاليته في علاج الاكتئاب، إلا أن الأطباء حذروا من أن عدم الانتظام في العلاج، أو الاستسلام للأفكار السلبية قد يؤدي إلى الانتحار.
القضية لم تنتهِ هنا، فالشبهة والتكهنات بشأن مقتل الطبيبة انتشرت على كل منصات التواصل الاجتماعي، وأصبحت قضية الطبيبة بان قضية رأي عام تشغل العراقيين وغيرهم ممن تابعوا القضية عن قرب.
سرديات القتل والانتحار
انتشرت بشأن القضية سرديتان، الأولى أطلقتها عائلة الطبيبة وأكدها القضاء، وهي انتحار الطبيبة، والثانية ظهرت نتيجة نفي بعض زملاء الطبيبة تعرضها لمرض الاكتئاب، وإقدامها على الانتحار، وهي السردية التي تبناها كثير من جمهور منصات التواصل الاجتماعي. #بان_لم_تنتحر_بان_قتلت، و#بان_ليست_انتحار.
بدأ النشر والتدوين حول الطبيبة بان زياد طارق في الرابع من آب 2025، عندما نشر حساب "إعلام نقابة أطباء العراق-فرع البصرة" نعياً للطبيبة بان زياد الساعة السادسة مساء، لكن بعد ساعات نشرت حسابات أخرى ادعاءات بوجود شبهة قتل وآثار تعذيب على جسد الطبيبة.
في اليوم التالي، بدأ أول ظهور لوسم #بان_زياد_طارق، عندما أعاد حساب يدعى ahmad @4rther1 منشوراً لحساب "زينة المشهداني"، تدعي فيه أن الطبيبة "بان" قُتلت بدم بارد، وحساب @4rther1 ينشط بشكل مكثف ضد الفصائل الشيعية بالعراق.
وفي السابع من آب، نشرت منصة "إيشان" تصريحات لوالدة الطبيبة بان، تؤكد فيها رواية انتحارها نتيجة ضغوط نفسية.
لكن لم ينته النقاش بتصريحات والدة الطبيبة وعائلتها، ففي 10 آب، ظهر وسم "#بان_زياد_طارق_قضية_رأي_عام"، لأول مرة في تعليق كتبه حساب حديث النشأة، تاريخ ظهوره يعود لعام 2025، يدعى "noone @Tety31859218088"، وبعد فحص الحساب تبين أنه لم ينشر إلا منشورات عن قضية الطبيبة بان، وكأنه قد أُنشئ خصوصاً لهذا الغرض.
في يوم 12 آب؛ أي في اليوم نفسه الذي قدم فيه عدي عواد، عضو البرلمان، وثيقته حول الأدلة المحتملة لوجود شبهة جنائية حول موت الطبيبة، ظهر وسم "#بان_ليست_انتحار" على صفحة تسمى "رغد الأسدي لأجل النسوية"؛ وهو حساب يعود تاريخ ظهوره إلى عام 2024، وعلق عليه حساب حديث آخر يدعى "Zainab adnan @Zainabadna32405"؛ وهو حساب يركز على نشر الأخبار فقط.
منذ يوم 12 آب 2025، تصاعد التدوين حول قضية بان، ورصدنا جميع المنشورات المتعلقة بها، مثل: "#بان_قضية_رأي_عام"، أو "#بان_زياد_طارق_قضية_رأي_عام"، أو "#بان_زياد_طارق"، أو "# بان_ليست_انتحار"، أو "# بان_لم_تنتحر_بان_قتلت".
تبين أن عدد المنشورات بشأن الطبيبة وصل، ما بين يومي 4 و22 آب، إلى 91 ألف منشور، وما بين منشورٍ وتعليقٍ وإعادة نشرٍ واقتباسٍ، قُدِّر الوصول بنحو ملياري مرة، بمتوسط 67 مليون مرة يومياً.
وصلت حملة التدوين إلى ذروتها الأكبر يوم 18 آب، اليوم الذي أعلن فيه القضاء العراقي أن القضية قد أُغلقت على أنها قضية انتحار، وهو ما رفضه جمهور منصات التواصل الاجتماعي، الذين أصروا على أنها قضية قتل متعمد.
لذلك كان الوسم الأبرز، بسحابة الكلمات وبقائمة الوسوم الأكثر ظهوراً، هو وسم "#بان_قضية_رأي_عام"، وتلاه وسم "#بان_ليست_انتحار"، ووسم "#بان_لم_تنتحر_بان_قتلت"، في حين سيطرت على نحو 75 بالمئة من المنشورات المشاعر الحزينة التي حملتها كلمات عربية وإنجليزية، أشارت بوضوح إلى وجود جريمة وغياب العدالة.
وبينما لم تزد نسبة المحتوى الأصلي عن 14 بالمئة من إجمالي المنشورات على منصة أكس، انقسمت النسبة الباقية بين إعادة النشر والاقتباس معاً بنسبة 44 بالمئة تقريباً، وشكلت التعليقات نسبة 42.5 بالمئة من إجمالي المنشورات، ما يشير إلى وجود نوع من النقاش والجدل الذي يغلب على حملات التضخيم.
مع تصاعد الجدل على منصات التواصل الاجتماعي بشأن قضية الدكتورة بان، ورغم إغلاق القضاء لملف القضية، والإقرار بوصفها قضية انتحار، ظهر مسار جديد في النقاشات الدائرة، فمع زيادة التلميحات حول حادثة الطبيبة بأنها حادثة "جريمة شرف"، أو انتحار بسبب "فقدان العذرية"، بدأت الحسابات المؤيدة لسردية "جريمة القتل" في رفض هذه التلميحات.
على الجانب الآخر، ظهرت بعض الحسابات التي حاولت تبرير جريمة القتل بوصفها "جريمة شرف"، ومنها حساب @David_Syriac، الذي تبين أنه حساب عراقي مؤيد لإسرائيل.
وقد روج مصطفى جبار سند، النائب العراقي، لسردية تصف الحادثة بـ "جريمة الشرف"، أو كما وصفها بـ "حدث خاص بالبيت".
السرديات وأكثر الحسابات المتفاعلة مع الحملة
باستخدام أداة Meltwater حصلنا على عينة عشوائية من المنشورات، عددها 20 ألف منشور، وبعد تحليل البيانات، تبين أن ثلاثة أرباع المنشورات التي تعبر عن سرديتَي القتل والانتحار استحوذت عليها مشاعر الغضب والرفض، بتصوير الحادثة على أنها "جريمة انتحار"، وليست قتلاً، مثلما تزعم عائلتها، ودفعت القضية من كونها مجرد مأساة فردية لتكون قضية رأي عام تتصل بالواقع السياسي العراقي.
في المقابل، لم يكن حضور السردية الأخرى قوياً، وهي السردية الرسمية التي ترتبط بما قالته والدة الطبيبة وعائلتها، وأقره القضاء العراقي، بأن سبب موت الطبيبة هو الانتحار، فنشرت بعض الحسابات منشورات للتعزية والدعاء بالرحمة مع تأكيد الثقة في القضاء العراقي.
أظهر تحليل البيانات أن العديد من الحسابات، الأكثر تفاعلاً مع سردية "القتل"، كانت حسابات وهمية؛ فبتحليل البيانات حصلنا على قائمة بالحسابات الأكثر تفاعلاً، وكان في صدارة القائمة حساب "Zaid Ahmed @ZaidAhm17577900"، وهو حساب يبدو عراقياً، عدد متابعيه قليل، إلى جانب أنه يستخدم اسماً يحتوي على أرقام عشوائية، ما يشير إلى أنه حساب وهمي.
وللتأكد قمنا بتحليل أوقات النشر للحساب، فتبين أنه نشر 92 منشوراً بشأن حادثة الطبيبة، وأظهر تحليل أوقات النشر أن الحساب نشط من الساعة الثالثة وحتى الساعة 12 صباحاً، أي نشط على مدار كل ساعات اليوم، ما يعني أن الحساب ينشط بشكل غير طبيعي، كما أنه ينشر عدة منشورات بفواصل زمنية قصيرة جداً، ما يُرجح أن الحساب وهمي، أو على الأقل يستخدم برنامجاً لجدولة المنشورات.
ثم ظهر على القائمة حساب "خالد عمر خالد @kldmrkld198888"، وهو حساب عراقي حديث النشأة أيضاً، يعود تاريخ ظهوره إلى عام 2025، ويظهر في اسم المستخدم أيضاً أرقام عشوائية، ويركز الحساب على التفاعل مع الأخبار فقط، ولا ينشر أي منشورات شخصية، بمعنى أنه حساب غير شخصي.
وبتحليل نمط نشر الحساب، تبين أنه نشر 84 منشوراً على مدار كل ساعات اليوم، وهو سلوك غير بشري، كما أنه ينشر بشكل منتظم في جميع الأيام، بفوارق زمنية قصيرة، تقترب من الصفر، ما يشير إلى أنه حساب وهمي.
في المركز الثالث ظهر حساب "م/سْينْ|🇮🇶🔻@Tuir498"، وهو حساب عراقي، يعود تاريخ ظهوره إلى عام 2021، وقد أعاد الحساب نشر منشور مرفق به مقطع مصور يدعي وجود محاولات لحرق جسد الطبيبة بان، وهو ما لم نجد عليه أي دليل.
كما أعاد الحساب مشاركة مقطع مصور يدعي ناشره أنه مقطع صوتي لـ "أحد المشتركين في قتل الدكتورة"، وبجانب عدم وجود دليل يؤكد الاعتراف الصوتي، أظهر تحليل الطيف الصوتي الموجود بالمقطع، أن هناك ماسك صوتي أو تغيير بنبرة الصوت، بالإضافة إلى أن نموذج التحليل الذي استخدمناه اكتشف تغييراً مفاجئاً في الطاقة (Energy) مقارنة بالمنحنى الطبيعي للطيف الصوتي.
ظهرت هذه التغيرات على شكل قفزات سريعة في قوة الإشارة، ما يعطي احتمال وجود عملية تحرير (قص) في المقطع الصوتي، وهذه التغيرات تظهر في المقطع الصوتي ما بين الثانية 12 والدقيقة الثالثة.
كما تبين عند تحليل أوقات النشر للحساب أن الحساب، مثل سابقيه، ينشط بشكل غير طبيعي، وبشكل غير بشري، فقد نشر الحساب نحو 76 منشوراً بفواصل زمنية قصيرة، ما يرجح أن الحساب وهمي، أو على الأقل يستخدم برنامجاً لجدولة الحسابات.
وفي المركز الرابع ظهر حساب يدعى "Волк@Wounded_Wolf84"، وهو حساب يعود تاريخ نشأته إلى 2023، وقد حُدد موقعه بموسكو، وأعاد نشر المقطع الصوتي نفسه الذي تزعم الحسابات أنه يحتوي على "اعتراف أحد المشتركين بقتل الدكتورة" مرتين.
وبتحليل أوقات النشر للحساب تبين أنه مثل الحسابات السابقة يتبع نمطاً غير بشري في النشر، فقد نشر 68 منشوراً موزعة على جميع ساعات اليوم بفواصل زمنية قصيرة، أقل من دقيقتين، ما يشير إلى أنه على الأقل يستخدم برنامجاً لجدولة المنشورات.
أما في المركز الخامس فقد ظهر حساب "khalid khalid @khalidkhal28029"، وهو حساب يعود تاريخ إنشائه إلى عام 2023، في حين لم يختلف في طبيعة النشر عن الحسابات السابقة.
وبتحليل نمط النشر للحساب تبين أنه نشر 57 منشوراً، موزعة على جميع أيام الحملة، غير أن الحساب، مثل سابقيه، ينشر في جميع ساعات اليوم، ما يعني أنه غير بشري، كما ينشر الحساب بشكل منتظم وبفوارق زمنية قصيرة (أقل من دقيقتين)، ما يعطي مؤشراً بأنه حساب آلي.
نخلص من هذه التحليلات إلى أن هناك سمات متشابهة للحسابات التي تفاعلت مع حملة حادثة موت الطبيبة بان، أهمها أن الحسابات الأكثر تفاعلاً ونشراً كانت حسابات وهمية أو آلية، كما أن جميع الحسابات اشتركت في أنها حسابات معارضة للحكومة الحالية ببغداد، وتنتقد دائماً وجود الفصائل الشيعية وعلاقتها بإيران.
على الجانب الآخر، نشطت بعض الحسابات التي روجت لرواية مفادها أن الحادثة مرتبطة بـ"قضية شرف". فإلى جانب حساب النائب مصطفى سند، وحساب "@David_Syriac"، برز تعليق من حساب يحمل اسم "Alaa Ahmed (@al3aa_6)"، وهو حساب عراقي حديث الإنشاء، يعود تاريخ ظهوره إلى عام 2024.
بمراجعة الحساب تبيّن أنه لم ينشر أي منشورات مستقلة، بل يكتفي بكتابة تعليقات، يغلب عليها الطابع الترفيهي المرتبط بكرة القدم أو المسلسلات الدرامية، إلى جانب بعض التعليقات المتعلقة بالشأن العراقي.
كما برز تعليق آخر لحساب يحمل اسم "Ahmed Esmael (@ahmedesmael996)"، دعم السردية التي تربط الحادثة بـ "الانتحار"، و"قضية الشرف". ويُظهر تتبّع الحساب أنه عراقي حديث الإنشاء، يعود إلى عام 2023، ويعبّر في نشاطه عن تأييده للقوى الشيعية في الحكم.
الحسابات المركزية بالحملة
عبر أداة GEPHI حصلنا على خريطة الشبكات المشاركة بالحملة حول حادثة "موت" الطبيبة بان، غير أن الخريطة قد أظهرت أن الشبكات قد انقسمت إلى نصفين، النصف العلوي خاص بالشبكات التي أعادت النشر أو اقتبست من حسابات معينة، والنصف الأسفل من الخريطة خاص بالشبكات التي تفاعلت بالردود مع حسابات محددة.
ورغم أن الخريطة انقسمت بين إعادة النشر وبين الردود، إلا أن شبكات الحسابات كانت قريبة من بعضها بعضاً كما هو واضح، ما يشير إلى عدم وجود انقسام ملحوظ في النقاش.
ومن أبرز الحسابات المركزية التي ظهرت على خريطة التحليل الشبكي، حساب "Bassim Alkhazraji @AlKhazraji_75"، وهو صحفي عراقي يقدم نفسه على أنه إعلامي عراقي مستقل، ويقوم بمداخلات على قنوات فضائية عراقية، بوصفه محللاً سياسياً، وتعبر منشوراته عن انتقادات للوضع السياسي الحالي بالعراق.
كما ظهر حساب يدعى "Tamara Alkhazraji 🍓 @Tamarakhop"، وهو حساب حديث نسبياً، حُدد موقعه ببغداد، ووصف نفسه على أنه تابع لصحفية وناشطة ومدونة إلكترونية.
كما ظهر حساب آخر يدعى "Kwili | كويلي @kwtil"، وهو حساب كويتي وصف نفسه بـ "يوتيوبر في محتوى القصص"، وقد حاول الحساب تدويل قضية موت الطبيبة من خلال عرض القضية على منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
فيما تؤكد هذه الحسابات أن حملة النشر حول حادثة موت الطبيبة بان تقودها حسابات معارضة للنظام السياسي في العراق، وهم يتبنون سردية تعرضها للقتل؛ بغرض تصعيد القضية لتصبح قضية رأي عام يمكن حشد المعارضة بشأنها.
أسئلة حول السردية الرسمية
رغم وضوح المؤشرات على وجود حملة منسقة ومضخمة حول حادثة "موت" الطبيبة بان، فإن ذلك لا يعد دليلاً على صحة السردية الرسمية التي اعتبرتها حالة انتحار.
في مواجهة هذا الزخم الرقمي، الذي شكك في الرواية الرسمية، وحاول حشد الأدلة على أن الوفاة ناجمة عن جريمة قتل، سعت بعض الحسابات إلى تدعيم خطاب السلطات. وتزايدت هذه المحاولات خصوصاً بعد نشر النائب، عدي عواد حسين، تقريراً أشار إلى وجود آثار خنق وكدمات متفرقة على جسد المتوفاة.
في يوم 18 آب، اليوم الذي وصلت منشورات الحملة فيه إلى الذروة، وأغلق القضاء العراقي القضية بعد وصف الحادث على أنه انتحار، نشر حساب يسمى "مقتدى المقدسي @meQdisii" مقطعاً مصوراً يدّعي أنه "آخر تسجيل صوتي للدكتورة بان"، واعتبره أنه دليل على انتحارها.
وحساب "مقتدى المقدسي" هو حساب مؤيد للحشد الشعبي، وينشر منشورات داعمة لحملة إقرار "قانون الحشد الشعبي" في البرلمان العراقي، ويبدو أن غالبية الحسابات المؤيدة لسردية مقتل الطبيبة هي حسابات معارضة للحشد الشعبي، كما أن الملاحظة الأهم في المقطع المصور أن التاريخ المدون على شاشة الهاتف المحمول أو المسجل يعود إلى 26 كانون الثاني 2025؛ أي قبل نحو سبعة شهور على الأقل، ما يعني استحالة أن يكون هو آخر تسجيل للطبيبة.
عبر أحد أدوات الذكاء الاصطناعي المتخصصة قمنا بتحليل الطيف الصوتي في التسجيل، الذي ظهر فيه ست قفزات قوية في مستوى الطاقة، تشير إلى احتمال قوي لوجود نوع من التلاعب أو القص واللصق بالتسجيل الصوتي.
في الصورة السابقة، تشير الخطوط الحمراء إلى وجود قفزات غير طبيعية في الطاقة الصوتية أو الطيف الترددي، كما نلاحظ أنه من الثانية 71 حتى الثانية 75 حدثت مجموعة متتابعة من التغيرات، تشير إلى احتمالية إزالة أو تعديل جزء كامل من التسجيل، ورغم أن التحليل لا يعطي دليلاً جنائياً حاسماً، إلا أنه يشير بوضوح إلى وجود شبهة تلاعب بالتسجيل الصوتي.
قبل انتشار هذا المقطع، نشر حساب يدعى "عُثمَان - Othman@TigrisFlow"، وهو حساب عراقي حديث النشأة، مقطعاً صوتياً آخر مسجل، وقال إنه "تسجيل صوتي للمرحومة بان زياد وهي تصرخ".
بتحليل الطيف الصوتي للمقطع بالنموذج نفسه، تبين أن بصمتَي الصوتين في المقطعين متشابهتين إلى حد كبير، ما يُرجح أنهما للشخص نفسه، كما اقترح النموذج أن المقطع الصوتي الثاني ليس فيه انتقالات أو قفزات كبيرة في الطاقة الصوتية، ما يشير إلى أنه تسجيل أصلي ليس فيه تلاعب ملحوظ، عكس المقطع الأول.
ونخلص من ذلك إلى أن تناول قضية موت الطبيبة العراقية بان دارت في الغالب حول سرديتين متضادتين؛ الأولى هي السردية الرسمية التي قالتها العائلة، وأقرها القضاء العراقي، وهي انتحار الطبيبة نتيجة ضغوط نفسية. والثانية حاولت التشكيك في انتحار الطبيبة، والتأكيد على أن الموت كان ناتج جريمة قتل.
قادت الحملة المروجة للسردية الثانية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حسابات آلية عملت على تضخيم انتشار وسوم تؤكد أن الطبيبة قُتلت.
وفي المقابل، برزت أدلة وشهادات تشير إلى شبهات جنائية أحاطت بالحادثة، من بينها آثار خنق وتعذيب على جسد الطبيبة، في مواجهة الرواية الرسمية التي اعتبرتها حالة انتحار.
مع ذلك، يبقى من غير الممكن حسم السبب الحقيقي لوفاة الطبيبة بالاستناد إلى الأدلة المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعدما تبين احتمالية تعرض الأدلة للتلاعب.
تنشر هذه المادة بالشراكة مع موقع جُمّار.