مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

تجرأن على نقد السلطة ناشطات سوريات يتعرضن لحملات إسكات إلكترونية

تجرأن على نقد السلطة ناشطات سوريات يتعرضن لحملات إسكات إلكترونية

نور محمد عويس

 

في أيار/مايو 2025، انتشرت صور مُخلة بالآداب زُعم أنها تعود للناشطة السورية إيفا رشدوني، وأُرفقت بمنشورات مسيئة كشفت معلوماتها الشخصية، بما في ذلك مكان إقامتها وانتماؤها الديني.

لم تكن الصور حقيقية، بل صُنعت بالذكاء الاصطناعي، وروّجتها عشرات الحسابات الوهمية الموالية للنظام السوري السابق.

تعكس هذه الحملة نمطاً متكرراً من العنف الرقمي الجندري الذي يستهدف الناشطات السوريات. في هذا التقرير، نرصد عدداً من الحملات المنظمة التي واجهت فيها ناشطات التشهير، والتنميط الجندري، والتهديد القانوني، والتقني، في ظل غياب تشريعات مفعلة تحميهن في الفضاء الرقمي.

 

هجوم جندري وطائفي

في أيار/مايو 2025، تعرضت الناشطة السورية إيفا رشدوني لحملة رقمية منظمة، جرى خلالها تداول صور مفبركة بتقنيات التزييف العميق (Deepfake)، صُوِّرت فيها في أوضاع مُخلة.

لم تقتصر الهجمة على تشويه السمعة الأخلاقية، بل ترافقت مع تحريض طائفي مباشر، عبر نشر معلوماتها الشخصية؛ منها مكان إقامتها وهويتها الدينية المسيحية.

انتشر المحتوى المسيء عبر عشرات الحسابات الوهمية على منصتي تويتر وفيسبوك، مستخدِماً وسوماً مثل "#إيفا_فاضحة"، وممزوجاً باتهامات من قبيل "العمالة لأجندات غربية" و"إهانة المسلمين"، إلى جانب خطاب ذي طابع طائفي.

ويظهر تحليل معدّة التقرير تورط جهات منظَّمة، من بينها شبكة ’الجيش الإلكتروني السوري‘، في تضخيم الحملة عبر أكثر من 30 حساباً وهمياً، من خلال تنسيق واضح في التوقيت والمحتوى واللغة.

أجرينا فحصاً للصور المتداولة ضمن حملة التشهير ضد رشدوني باستخدام أداة AI or Not، المتخصصة في كشف الصور المولَّدة بالذكاء الاصطناعي. وقد شمل التحليل عدداً من الصور المفبركة التي انتشرت عبر حسابات وهمية، بهدف التحقق من مصادرها البصرية وتكوينها الرقمي. 

وأظهرت النتائج الأولية أن هذه الصور تحمل خصائص الإنتاج الاصطناعي، مع نسب مرتفعة من الاحتمالية لكونها صُوِّرت باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

ورغم تجريم القانون السوري التحريض على الكراهية في المادة 28 من قانون الجرائم المعلوماتية، لا يوجد أي نص يجرم استخدام "التزييف العميق" لتوليد صور مسيئة للنساء وترويجه على أنها حقيقية، ما يترك النساء عرضة لانتهاكات مستمرة قد تتجاوز المجال الافتراضي نحو الأذى الواقعي النفسي والاجتماعي.

ولا يجرم القانون السوري إنتاج المحتوى المفبرك باستخدام الذكاء الاصطناعي لأغراض التشهير. 

ووفقًا للباحثة ومدربة الأمن الرقمي راية شاربين، فإن "غياب الحاضنة المجتمعية والمؤسسات الداعمة يدفع العديد من النساء الناشطات إلى الانعزال المؤقت عن المنصات الرقمية، كإستراتيجية وقائية أمام هذا النوع من العنف، الذي لا يواجه بأي مساءلة قانونية أو مجتمعية".

 

جود حمادة وأدوات التحريض الجندري

في السادس من أيار/مايو 2025، تحول تعليق للصحفية السورية جود حمادة على فيديو للرئيس المؤقت أحمد الشرع وهو يلعب كرة السلة، إلى شرارة حملة عنف رقمي واسعة. 

كتبت جود: "فيديو السلة صفيق ووقح"، لتواجه بعد ساعات بهجوم منظم قاده الصحفي أحمد العقدة، الذي خاطب متابعيه بعبارة "قوموا بالواجب"، واصفاً "حمادة" بعبارات تتضمن سباً. والعقدة صحفي مؤيد للنظام السوري الجديد.

وبعد يومين، تراجع العَقدة عن هجومه، مع تصاعد حملات مضادّة للدفاع عن جودة، استخدمت وسوماً مثل "ابنة أخ شهيد"، في إشارة إلى عمّها الذي استُشهد.

 

انتقاد غادة لمحافظ السويداء 

عقب انتشار مقطع فيديو تنتقد فيه الناشطة غادة الشعراني محافظ السويداء التابع للإدارة السورية الجديدة، مصطفى بكور، تعرّضت لهجوم إلكتروني واسع؛ إذ تضمن نحو 85% من المنشورات إساءات مباشرة بحقها، من بينها وصفها بـ"الهستيرية" و"الوقحة".

كما تعرضت الشعراني للملاحقة القانونية بدعوى قضائية بتهمة "النيل من هيبة الدولة". إلى جانب التشويه الرقمي عبر نشر صور مزيفة بالذكاء الاصطناعي تُشبهها بـ "الحية". 

ونشرت حسابات مؤيدة للنظام نقداً لها، تحت وسوم؛ مثل "#غادة_لا_تمثلنا"، وبلغت هذه الحملة ذروتها في 21 أيار/مايو 2025 مع تداول مقاطع فيديو معدلة تظهرها وهي تنتقد المحافظ.

 تشير الباحثة "راية شاربين" إلى أن "حماية الناشطات تتضمن طرقاً وقائية تشمل التوعية بأهداف الحملات العدائية وآليات التعامل معها، في حين تتضمن استراتيجيات الاستجابة تعزيز المؤسسات التقنية الحقوقية الداعمة، وتقديم المساعدة القانونية والنفسية، والتواصل مع المنصات الرقمية لإغلاق الحسابات المهاجمة والتي عادةً ما تستجيب لمثل هذه التدخلات، بهدف بناء بيئة داعمة تقنياً ونفسياً للنساء".

 

تم إنتاج هذه المادة في إطار تدريب نظمه مجتمع التحقق العربي بالتعاون مع برنامج "نساء ربحن الحرب"، وهو أول تدريب في سوريا حول كشف السرديات الزائفة، حيث تم اختيار التركيز على سردية العنف الممنهج ضد النساء باعتبارها من أخطر القضايا وأكثرها تهميشاً.