أعلنت الحكومة اللبنانية مطلع آب/أغسطس 2025 قراراً يقضي بحصر السلاح بيد الدولة. في المقابل، حذر "حزب الله" من خطر اندلاع فتنة أهلية، معتبراً أن القرار يستهدف ترسانته العسكرية، فيما وصف الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، الخطوة بأنها "إملاءات أميركية وإسرائيلية".
بعد صدور القرار، أصدرت القيادة العامة للجيش مجموعة بيانات أكدت فيها تسليم السلاح من المخيمات الفلسطينية، بالتنسيق مع الجهات الفلسطينية المعنية.
وفي خضم هذا الجدال بين الطرفين، ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً على منصة "إكس"، وسم "#تسلم_يا_عسكر_لبنان"، حاملاً سردية تمجد الجيش اللبناني بوصفه "الحامي الوحيد للسيادة"، في مواجهة موقف "حزب الله" الرافض لقرار الحكومة.
حلل "مجتمع التحقق العربي" هذه المنشورات، ليكشف عن أن حسابات رسمية وغير رسمية تابعة للقوات اللبنانية تقف خلف ترويجها، عبر إعادة نشر جماعية لعبارات موحدة، الغرض من ورائها الدفع بسردية الوسم نحو الانتشار على وسائل التواصل الاجتماعي.
بدأ وسم "#تسلم_يا_عسكر_لبنان" بالظهور بشكل متقطع على حسابات صغيرة في مطلع آب/أغسطس 2025، قبل أن يشهد قفزة لافتة أوصلته إلى صدارة الوسوم الأكثر تداولاً بعد أن أعاد نشره حساب "جورج قسيس" في 21 آب/أغسطس.
يعيد هذا الحساب نشر محتوى رسمي من حزب "القوات اللبنانية" ومنصاته الإعلامية، ودأب على نشر محتوى معارض لحزب الله، بوصفه "مشروعاً إيرانياً".
في اليوم نفسه شهد الوسم طفرة لافتة مع تسجيل أكثر من 440 منشوراً، تلتها 165 منشوراً في اليوم التالي، قبل أن يتراجع الزخم تدريجياً. وقد بدا هذا الارتفاع غير طبيعي في وتيرته وحجمه.
وفيما يخص التوزيع الجغرافي للمحتوى، خرجت 32% فقط من المنشورات من حسابات معروف نطاقها الجغرافي، وجاءت غالبيتها من لبنان، تلتها أستراليا وإيطاليا والولايات المتحدة.
تحليل أنماط النشر كشف أن المحتوى الأصلي لم يتجاوز 15%، فيما شكّلت الردود وإعادة النشر أكثر من أربعة أخماس النشاط.
تحليل الخطاب
يشير تحليل المشاعر إلى أن غالبية المنشورات سلبية بنسبة 71% من إجمالي المنشورات، في حين شكّلت رسائل الإشادة والتمجيد للجيش كتلة إيجابية قوية بنسبة 16%. وتركز الخطاب السلبي ضد حزب الله وبقية الأطراف المسلحة في لبنان.
كما يكشف تحليل الكلمات الأكثر تكراراً على وسم "#تسلم_يا_عسكر_لبنان" أن الحملة استهدفت مهاجمة الفصائل الفلسطينية لارتباط الوسم بوسمي "#السلاح_الفلسطيني"، و"#مخيم_برج_البراجنة"؛ وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين يقع في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت.
كما بدا حضور القوات اللبنانية على الوسم واضحاً، لارتباطه بوسم يحمل اسم رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع. وارتبطت الحملة كذلك بالجيش اللبناني، إذ أبدت العديد من المنشورات على الوسم تأييداً للجيش على حساب الأطراف المسلحة.
الحسابات الأكثر تفاعلاً
أفضى تحليلنا لـ 767 منشوراً على وسم "#تسلم_يا_عسكر_لبنان" أن حساب JACK حصد ما يقارب 1161 تفاعلاً، متقدماً بفارق واضح على بقية الشبكة، ليؤكد مكانته كأحد أهم مطلقي المنشورات ومحركي السردية على الوسم.
يليه Maen Khalil بـ588 تفاعلاً، وCharbel Eid بـ 551 تفاعلًا، وهما اسمان لعبا دوراً مركزياً في صياغة السردية التي أعيد نشرها جماعياً فيما بعد عبر حسابات وهمية وشبه آلية.
انضمّت إلى قائمة الأكثر تفاعلاً على الوسم مزيج من الحسابات المؤثرة وأخرى شبه آلية؛ من بينها: Shahinaz (234 تفاعلاً)، laura n )227(، Darine Succar (191)، وKaren Boustany (187)، وهو حساب لإعلامية لبنانية وسياسية منضمة إلى القوّات اللبنانية.
الملفت في هذه الحملة أنها لم تعتمد حصراً على حسابات مجهولة أو آلية، بل انخرطت فيها أيضاً أسماء معروفة؛ من ناشطين سياسيين ومؤيدين لسمير جعجع، زعيم حزب القوات اللبنانية، إلى إعلاميين وشخصيات عامة، إضافة إلى حسابات صغيرة تولّت إعادة ترديد الرسائل وتضخيمها.
الحملة على وسم "#تسلم_يا_عسكر_لبنان" لم تتحرك في فراغ، بل نسجت خيوطها عبر شبكة مترابطة من الحسابات؛ بعضها ينتج المنشورات، وبعضها الآخر يعيد نشرها.
اعتمدنا في قراءة هذه البنية على عيّنة من 767 منشوراً على "إكس" رُصدت عبر أداة Meltwater. جرى تنظيف البيانات، وحصر الروابط التفاعلية الأكثر دلالة المتمثلة في إعادة النشر، والردود، والذكر المباشر للوسم.
هذه الروابط حُوّلت إلى رسم بياني، إذ كل حساب عقدة وكل تفاعل خط رابط بين العقد. وعند تحليل هذا الرسم البياني بخوارزميات متخصصة مثل Louvain، ظهرت طبقات الشبكة.
في المركز تبرز حسابات محدودة نشرت أولى المنشورات، مثل Jack و@MeCharbelEid و@Maen_Khalil، وهي حسابات صاغت سردية الحملة المؤيدة للجيش اللبناني والمهاجمة لحزب الله، والداعية لنزع السلاح.
تدور حول هذه الحسابات مجموعة من الحسابات الأخرى تهدف إلى تضخيم السردية عبر النشر المكثف. بتحليل هذه الحسابات توصلنا إلى نمط نشر غير بشري؛ مثل حساب @lauran293353136 الذي نشر 34 منشوراً في يوم واحد، و@captainf111 الذي نشر 31 منشوراً في الفترة نفسها.
أما على هامش الشبكة، فتوجد عشرات الحسابات الصغيرة التي تكتفي بمشاركة أو مشاركتين؛ ويُعد وجودها ضرورياً ليبدو المشهد عفوياً وجماهيرياً، لكنه لا يغير من الطبيعة المركزية للشبكة.
القراءة الأيديولوجية للحسابات المؤثرة
يخلص تحليلنا للحسابات المتفاعلة على الوسم إلى أن من قاد التفاعل حسابات متجانسة سياسياً وتتبع حزب القوات اللبنانية. فأحد الحسابات الرئيسية على الوسم هو حساب القيادي في حزب القوات اللبنانية شربل عيد، الذي اعتاد نشر دعاية سياسية لحزب القوات، ومهاجمة أعدائه الأساسيين.
إلى جانبه يأتي حسابJACK (@JAbimansou44481) الذي سبق أن كشفنا ارتباطه بحزب القوات. كما نشط حساب حساب laura n (@lauran293353136) على الوسم عبر نمط إعادة النشر المكثف. وتشير النبذة التعريفية للحساب إلى أنه مؤيد للقوات.
على النهج نفسه سار الحساب الوهمي captain f111 (@captainf111)، الذي يضخم النشر على الوسوم المرتبطة بالقوات اللبنانية، وهو حساب لا يضع أي بيانات شخصية تشير إلى هوية صاحبه.
الخلاصة أن شبكة الحسابات المتفاعلة على وسم "#تسلم_يا_عسكر_لبنان" تكشف عن بنية مركزية قادتها حسابات منتمية لحزب القوات اللبنانية؛ فأقلية من الحسابات تقود السردية، وحسابات أخرى شبه آلية تضخمها، وجمهور هامشي يتفاعل. هذه البنية لا تترك مجالاً للشك في أننا أمام سلوك غير أصيل ومنسّق، ينتهك بوضوح سياسات منصة "إكس".