يتناول هذا التقرير استمرار الحملة الرقمية التي تستهدف منصتي "ميغافون" و"درج"، بالتزامن مع الدعوى القضائية الجديدة المرفوعة ضد الأخيرة. ويحلّل التقرير خطاب هذه الحملة وأبرز السرديات التي تتبناها. وقد شارك في الحملة أطراف متعدّدون من مختلف التوجّهات في لبنان، من التيار الوطني الحر، ومؤيدي سمير جعجع، وأنصار اليمين الأميركي والنظام السعودي، وصولاً إلى مؤيدي حزب الله.
بتهمة "تعكير صلات لبنان بدول أجنبية" و"إثارة العنصرية والنعرات الطائفية"، تلقت منصة "درج" من مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية دعوة قضائية ثالثة أقامها المصرفي أنطون صحناوي، على خلفية تقرير نشرته المنصة في آذار/مارس 2025، بعنوان "درج مستهدفاً من أذرع أنطون صحناوي الإعلامية...لماذا؟"، تعقيباً على سلسلة تحقيقات نشرتها "درج"، تناولت صحناوي وشخصيات مصرفية وأخرى نافذة. وفندت "درج" في تقريرها الشبهات المتعلقة بتسببها في الأزمة المصرفية والمالية الحالية بلبنان.
قبل هذه الدعوى القضائية الثالثة، ترافقت الدعاوى التي قدّمها صحناوي مع حملة تشويه وهجوم قادتها قنوات فضائية محسوبة عليه، إلى جانب شخصيات إعلامية مقرّبة من مجموعة من المصرفيين اللبنانيين، وإعلاميين مرتبطين بـ"التيار الوطني الحر"، إضافة إلى منظمات وجمعيات أخرى مثل "جمعية صرخة المودعين".
تناول "مجتمع التحقق العربي" هذه الحملة الرقمية في تحقيق سابق، كشف عن أبرز الحسابات التي تفاعلت معها، وكيف ساهمت حسابات وهمية وأخرى غير نشطة في تضخيمها، من خلال نشر خطاب مضلّل استهدف تشويه سمعة منصّتَي "درج" و"ميغافون".
حملة رقمية قديمة ودعوة قضائية جديدة
خلال شهر أيار/مايو 2025، وقبل استدعاء القائمين على منصة "درج" إلى مكتب الجرائم المعلوماتية ببيروت، تصاعد الحديث حول منصة "درج" وجمعية "كلنا إرادة"، وزادت المنشورات التي الصقت التهم القديمة نفسها بالمنصة، مثل تلقيها لتمويل "مشبوه"، وانتمائها لـ"اليسار التخريبي"، وسعيها لشطب أموال المودعين من البنوك.
استخدمنا قائمة من أكثر الكلمات المفتاحية استخداماً في النقاش لنحصل على تغطية أفقية وواسعة لكل أشكال النقاش الدائر حول جمعية "كلنا إرادة" ومنصتي "درج" و"ميغافون" على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
أظهرت التحليلات الأولية التي حصلنا عليها من أداة Meltwater أن تصاعد عدد المنشورات بشهر أيار/مايو ارتبط بالجدول الزمني للانتخابات البلدية في لبنان التي بدأت يوم الرابع من أيار/مايو 2025، إذ بلغ عدد المنشورات ذروته الأولى والثانية في يومي السابع والتاسع من أيار/مايو على الترتيب، قبل موعد فتح صناديق الاقتراع الخاصة بمحافظتي الشمال وعكار يوم 11 أيار/مايو 2025.
ثم بلغ عدد المنشورات ذروته الأعلى يوم 13 أيار/مايو، قبل موعد الاقتراع بصناديق بيروت وبعلبك والهرمل يوم 18 أيار/مايو، ووصل عدد المنشورات لذروته الرابعة يوم 19 أيار/مايو، قبل الاقتراع بالنبطية الذي أجري يوم 24 أيار/مايو.
ورغم ارتباط المنشورات التي تناولت منصة "درج" وجمعية "كلنا إرادة" بالسياق السياسي في لبنان، فإن عدد مرات الوصول، الذي تجاوز 38 مليون مرة عبر مختلف المنصات، بلغ ذروته في نهاية شهر أيار/مايو. جاء ذلك بعد استدعاء القائمين على منصة "درج"، وعقد جلسة تحقيق لم يحضرها صحافيو المنصة، تلاها اقتحام منزل الكاتب والصحفي وسام سعادة وتوقيفه.
وقد انعكست مفردات وموضوعات هذه المنشورات وارتباطها بالسياق السياسي بلبنان على سحابة الكلمات الأكثر حضوراً في المنشورات، إذ يمكن أن نلاحظ ارتباط المنشورات التي ذكرت منصتي "درج" و"ميغافون" وجمعية "كلنا إرادة" بقضية المصارف وأموال المودعين، إلى جانب أسماء المحافظات التي جرت بها الانتخابات البلدية.
ولم تتعد نسبة المحتوى الإيجابي في كل هذه المنشورات نسبة 5 في المئة، في حين بلغت نسبة المحتوى السلبي أو المهاجم لمنصة "درج" وجمعية "كلنا إرادة" نسبة 70 في المئة، حسب تصنيف أداة Meltwater.
غير أن ظهور المنشورات المهاجمة لمنصتي "درج" و"ميغافون" وجمعية "كلنا إرادة" لم يبدأ بشهر أيار/مايو؛ لذلك، عندما وسعنا المدى الزمني للبحث، ليشمل كل شهور عام 2025، منذ بداية كانون الثاني/يناير وحتى نهاية أيار/مايو، ظهر الرسم البياني الأعم لزيادة عدد المنشورات المرتبطة بالكلمات المفتاحية التي اخترناها على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
وبلغ عدد المنشورات المتعلقة بسياق الحملة ذروته الأولى والثانية في 25 و27 آذار/مارس 2025 على الترتيب؛ وهي الفترة التي عُين فيها كريم السعيد حاكماً لمصرف لبنان خلفاً لرياض سلامة، وبالتزامن مع هذا التعيين تصاعدت حملة تخوين رقمية ضد جمعية "كلنا إرادة" ومنصة "درج"؛ ثم وصل عدد المنشورات ذروته الأكبر في الرابع من نيسان/أبريل 2025، تزامناً مع تقديم الدعاوى القضائية ضد جمعية "كلنا إرادة" ومنصتي "درج" و"ميغافون"، واتهامهم بتلقي تمويل خارجي وتزوير مستندات رسمية، وغيرها من الاتهامات.
رغم أن عدد المنشورات بلغ نحو 29 ألف منشور، إلا أن عدد مرات الوصول كان أضعاف هذا الرقم؛ فقد بلغ نحو 396 مليون مرة بمعدل مليوني و64 ألف مرة يومياً؛ وهي أرقام تعطي مؤشرات واضحة على عمليات التضخيم لمحتوى المنشورات.
وانعكست هذه المؤشرات على التحليلات الخاصة بأنماط النشر والتفاعل على منصة "إكس"؛ فشكلت نسبة إعادة النشر والاقتباس مجتمعتين نحو 60 في المئة من إجمالي المنشورات، في حين بلغت نسبة التعليقات نحو 33 في المئة، في المقابل، لم تتعد نسبة المحتوى الأصلي نحو 7 في المئة من إجمالي المحتوى المنشور في سياق الحملة.
أما سحابة الكلمات الأكثر ظهوراً في المنشورات منذ بداية كانون الثاني/يناير وحتى نهاية أيار/مايو 2025، فلم تختلف كثيراً عن سحابة الكلمات الخاصة بشهر أيار/مايو 2025، ما يشير إلى استمرارية الحملة عبر استنساخ وتكرار المحتوى وإعادة نشره بشكل متعمد، وهو ما يختلف عن النمط الطبيعي للتفاعل البشري الذي يتغير بمرور الشهور، خاصة عندما يكون المدى الزمني طويل نسبياً (خمسة شهور).
وتُظهر قائمة الوسوم المرتبطة بالمنشورات القضايا نفسها التي برزت في السحابة الكلامية، إذ ربطت بين الاتهامات الموجّهة إلى جمعية "كلنا إرادة" ومنصّتَي "درج" و"ميغافون"، وبين قضايا المصارف وأموال المودعين. كما برزت أسماء بعض الشخصيات؛ مثل: جوزيف أبو فاضل، وألبير كوستانيان، وكريم سعيد، الحاكم الجديد لمصرف لبنان.
وجاءت النسبة الأكبر من المنشورات في إطار هجوم (محتوى سلبي) استهدف جمعية "كلنا إرادة"، أما العدد الأكبر من الحسابات المتفاعلة فقد غردت من لبنان التي احتلت المركز الأول بقائمة البلاد، تلتها بفارق كبير الولايات المتحدة الأميركية التي غرد منها عدد كبير من الحسابات التي ادعت أنها من المودعين بالبنوك اللبنانية، ثم جاءت بعدهما بفارق كبير نسبياً السعودية.
الحسابات المشاركة في الحملة
شارك في الحملة ضد منصتي "درج" و"ميغافون" وجمعية "كلنا إرادة" 5280 حساباً على منصة "إكس" فقط. وأظهرت التحليلات أن حساب Joseph Abu Fadel @AbuAbufadel أعلى الحسابات مشاركة في الحملة، وأكثرها نشراً لمنشورات تتعلق بمنصتي "درج" و"ميغافون" وجمعية "كلنا إرادة"، بإجمالي 34 منشوراً، بين إعادة مشاركة وتعليق.
وجوزيف أبو فاضل محام لبناني كان يُعرف سابقاً بقربه من محور "الممانعة" الذي يضم حزب الله والنظام السوري، ثم شهدت مواقفه تحولات ملحوظة في السنوات الأخيرة، إذ انتقل من تأييد محور سوريا/ حزب الله إلى انتقاده؛ كما أنه معروف بقربه من التيار اليميني بلبنان.
في الأول من شباط/فبراير 2025، أعاد أبو فاضل مشاركة منشور نشره حساب "جمعية صرخة المودعين"، تتهم جمعية "كلنا إرادة" بالعمل على تخريب لبنان، وتحرض بشكل صريح وباستخدام خطاب كراهية ضد جان قصير، المؤسس المشارك والمدير العام لمنصة "ميغافون"، والناشط السياسي المعروف بمواقفه التقدمية ومناهضته للمنظومة السياسية الطائفية بلبنان.
وفي السادس من آذار/مارس 2025، علق أبو فاضل على منشور آخر لجمعية "صرخة المودعين"، يتهم فيها جمعية "كلنا إرادة" بالفساد واستخدام الرشوة بالانتخابات النيابية.
كما شاركت في الحملة عدة قنوات فضائية؛ مثل قنوات MTV وlebanondebate و"مجلة الجرس"، المختصة بأخبار الفن، والتي أسستها الإعلامية اللبنانية نضال الأحمدية، والمعروف تأييدها لبشار الأسد؛ وأعادت هذه المنصات نشر الاتهامات نفسها، واستخدمت خطاباَ تحريضياَ ضد جمعية "كلنا إرادة" ومنصتي "درج" و"ميغافون".
ووصفت قناة MTVLebanon جمعية "كلنا إرادة" في منشور لها بـ"المشروع التخريبي" الذي يرتكب "مخالفات قانونية جسيمة".
كما شاركت بالحملة حسابات شخصيات أخرى؛ مثل Maria Malouf @bilarakib المقيمة بالولايات المتحدة، والمؤيدة لليمين الأميركي -كما يتضح من صورتها مع ترامب- كما أنها مؤيدة للنظام السعودي.
كما شارك في نشر سردية الحملة حساب الكاتب أسعد أبو خليل، الذي اتهم جمعية "كلنا إرادة" بمعادة الشيوعية والانخراط في الحرب الباردة مع "الناتو"، وقد أعاد أبو خليل مشاركة منشور لحساب Marie-Lina Hraoui @Hraoui17 المؤيدة لسمير جعجع؛ وهو سياسي لبناني بارز وزعيم حزب "القوات اللبنانية،" المعارض لحزب الله والنفوذ الإيراني في لبنان.
وتتفاعل Marie-Lina Hraoui مع حساب قناة MTV، وتتبنى الخطاب نفسه المحرض على الكراهية والقمع ضد منصتي "درج" و"ميغافون".
كما شاركت بعض الحسابات المؤيدة لحزب الله؛ مثل حساب mohamadkazan@mohamadkazzan، الذي كشف أرشيف حسابه عن منشورات قديمة يدافع فيها عن أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
وبذلك جمعت الحملة ضد منصتي "درج" و"ميغافون" وجمعية "كلنا إرادة"، كل الفرقاء بلبنان من التيار الحر، ومؤيدي سمير جعجع، ومؤيدي اليمين الأميركي والنظام السعودي، وحتى مؤيدي حزب الله.
اتهامات متناقضة
اتفاق الفرقاء السياسيين على شنّ الهجوم الإلكتروني ضد "درج" و"ميغافون" وجمعية "كلنا إرادة"، انعكس في منشوراتهم التي اتّهم فيها كل طرف المنصّات الإعلامية بتنفيذ أجندة الطرف الآخر.
ومن بين المنشورات التي حظيت بانتشار واسع على منصات التواصل الاجتماعي، خبر نشرته مجلة السياسة وصحيفة نداء الوطن المؤيدة لحزب القوات اللبنانية، يربط بين منصّتَي "درج" و"ميغافون" من جهة، وبين موسكو وبشار الأسد من جهة أخرى، مدّعين أن المنصّتَين تتلقيان تمويلاً من موسكو.
ولاقى المنشور رواجاً واسعاً على منصة "فيسبوك" تحديداً، ونُشر 4370 مرة، ووصل لأكثر من 13 ألف شخص عبر الهاتف ونحو 1300 شخص عبر استخدام الحاسوب.
كما لاقى منشور لحساب @bilarakib، التابع ل"ماريا معلوف" التي أشرنا إليها سابقاً، رواجاً واسعاً، إذ اتّهمت فيه جمعية "كلنا إرادة" بأنها "امتداد لميشال عون وتتحالف مع حزب الله". وقد شاهَد المنشور أكثر من 56 ألف شخص، وحظي بنحو 1040 إعادة مشاركة واقتباس، إلى جانب عدد كبير من التعليقات.
ولاقى منشور ل"جوزيف أبي فاضل" يحرض فيه على جمعية "كلنا إرادة" رواجاً واسعاً، وأُعيد مشاركته 70 مرة، محققاً وصولاً يزيد عن 82 ألف مرة.
وقد ركزت هذه المنشورات التي لاقت انتشاراً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي ومشاهدات كبيرة من مستخدميه على توجيه الاتهامات ضد منصتي "درج" و"ميغافون" وجمعية "كلنا إرادة" دون دليل.
إعداد: إبراهيم هلال