مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

“جهاد السلة”: حملة كراهية منسّقة ضد النازحات اللبنانيات

“جهاد السلة”: حملة كراهية منسّقة ضد النازحات اللبنانيات

مع تفاقم أزمة النازحين من جنوب لبنان نتيجة الحرب الإسرائيلية، برزت أنشطة إلكترونية منسّقة تروّج لمعلومات مضلّلة وخطاب كراهية قائم على النوع الاجتماعي ضد النازحات، متهمةً إياهن بالحصول على سلال غذائية مقابل الجنس.


مع تحوّل مسار الحرب في لبنان منذ أيلول/ سبتمبر 2024، تدفّق مئات الآلاف من سكان الجنوب إلى مناطق أخرى داخل البلاد وإلى دول مجاورة؛ ما أدى إلى تفاقم حالة الاحتقان بين مكونات المجتمع اللبناني.

صاحبت الاحتقان محاولات تصيّد وتشويه بحق النازحين عبر المنصات الاجتماعية، مع تبادل مقاطع فيديو وروايات نصية – غير مدعومة بأدلة – تدفع في اتجاه توليد انطباعات سلبية عن النازحين.

لاحقاً، اتخذت الأزمة لوناً سياسياً عندما أطلقت حسابات حملة منسقة عبر وسوم تعمل على تضخيم روايات بشأن وجود استغلال جنسي للنساء النازحات. 

في مساء 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، ظهر في منصة “إكس” وسم #جهاد_السلة، الذي جمع نحو 16800 تدوينة، شُوهدت 5.6 مليون مرة، بحسب إحصاءات أداة Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية. 

بعد ساعات قليلة من ظهوره، وصل الوسم إلى ذروة الانتشار مدفوعاً بنحو 6 آلاف تدوينة، في يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

فترات نشاط وسم #جهاد_السلة – Meltwater

أدت الحرب إلى نزوح أكثر من مليون و200 ألف لبناني، حسب تصريحات الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان بليرتا أليكو، في مداخلة على قناة “العربية – الحدث”، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.

وقدّرت المسؤولة الأممية وجود نحو 20 في المئة فقط من النازحين في الملاجئ، فيما يعيش البقية في مجتمعات مضيفة.

كيف انطلق الوسم؟


تصدرت سوريا النطاقات الجغرافية المعروفة بصدور تدوينات على الوسم، إذ سجلت 1244 تدوينة، تلتها السعودية بـ 841 تدوينة، ثم الولايات المتحدة (445)، وتركيا (335)، وألمانيا (311)، والعراق (287)، ولبنان (162).

في المقابل، كانت هناك 11,500 تدوينة غير معروف مكان صدورها، وفقاً لبيانات Meltwater، ما يشير إلى احتمال وجود نشاط غير أصيل عبر الوسم.

 

في البداية، انتشر وسم #جهاد_السلة على حسابات سورية محسوبة على المعارضة. أطلقت هذه الحسابات الهاشتاغ، ودعت إلى التدوين عليه. 

صدر أول منشور على الوسم من حساب الناشط السوري المعارض، ماجد عبدالنور – Magedabdelnour1@، في صورة تعليق على ما كتبه حساب يسمى بـ “ذو الفقار محمد Rplebanon@”.  

كتب حساب ذو الفقار: “اللي بيستغلو بناتهم وشرفهم لحتى ياخدولهم سلة مكرونة وعلبة شامبو زيادة أنتو شو دينكم وين شرفكم يا قليلين الشرف، ضبو بناتكم يا… فضحتونا”. 

لا يضم حساب ذو الفقار سوى 79 تدوينة منذ إنشائه في عام 2013، وتعكس منشوراته تأييده لحزب الله. 

وواصل عبدالنور التفاعل على الوسم حتى أصبح الأكثر نشراً عليه، بمعدل 219 تدوينة. 


رصدنا تفاعلاً على الوسم من حسابات تؤكد المؤشرات أنها وهمية، وتعمل على تضخيم النقاشات عبر “إكس”، بخاصة تلك المتعلقة بسوريا؛ من بينها حساب Support_023@، الذي لا يتابعه سوى المئات، رغم نشره أكثر من 19 ألف تدوينة.

أُنشئ الحساب عام 2020، ويضع في مساحته التعريفية علامة إعادة المشاركة (الريتويت/الريبوست)؛ وهي أحد مؤشرات حسابات التضخيم والأنشطة غير الأصيلة.




معلومات مضلِّلة 


استند المشاركون في وسم #جهاد_السلة إلى معلومات مُضللة بغرض تصيّد النازحين من جنوب لبنان وتشويه صورتهم.

وانتشرت مقاطع فيديو قديمة أو جديدة مصحوبة بروايات مُختلقة تزعم وجود احتكاكات وخلافات بين النازحين أو آخرين على خلفية علاقات جنسية. 

على سبيل المثال، نشر حساب “جعفر AboJAFFAR2020@” فيديو عبر الوسم في “إكس”، مصحوباً بنص يزعم القبض على نازحين بتهمة إقامة علاقة جنسية. وحاز الفيديو مليون مشاهدة على الأقل، رغم أنه مضلل. 

عندما تحقق “مجتمع التحقق العربي” من الفيديو، وجد أنه لا يرتبط بالأحداث الحالية في لبنان، وأنه يعود بالأساس إلى اشتباكات وقعت بين مجموعة من الرجال والسيدات السوريين في بلدة “بياقوت” في محافظة جبل لبنان، وأن الواقعة تعود إلى حزيران/ يونيو 2024، بحسب موقع “وردنا”.

 

 

كما استخدم حساب جعفر الوسم في نشر فيديو مضلل آخر، يزعم أنه يُظهر لحظات حميمية بين سيدة وأحد عناصر حزب الله، بعد إصابته في انفجارات البايجرز. 

في حين تبين أن الفيديو يرتبط بواقعة حدثت في باكستان، ويعود إلى أيلول/ سبتمبر 2019، وفقاً لموقع Lastly، ما ينفي ارتباطه بلبنان.

صور مُولّدة بالذكاء الاصطناعي


برز أخيراً في الحملات المنسّقة اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ وهو ما استخدم عبر وسم #جهاد_السلة الذي راجت عليه صور منتجة بهذه التقنيات، وظهرت نسخ متكررة منها في حسابات الحملة. 

وساهمت حسابات ضخمة تحمل علامة التوثيق الزرقاء على “إكس”، في زيادة رواج هذه النوعية من الصور. 

تحاول الصور محاكاة مشاهد مزعومة بين عناصر حزب الله ونساء من أنصار الحزب،  تُظهرهن وكأنهن يحصلن على سلال غذائية مقابل الدخول في علاقات جنسية.

تُظهر تفاصيل الصور المتداولة أنها نُفّذت بجهد احترافي مكثف للوصول إلى هذه النتيجة.

من خلال أداة مثل Poe، التي تستضيف أدوات مختلفة؛ مثل Ghat GPT و Gemni، حاولنا استكشاف المحددات الوصفية التي تمت بها تغذية أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لمعرفة كيفية إنتاج صور الحملة.

من بين المحددات الوصفية المحتملة، أن منتجي هذه الصور ربما استخدموا أدوات تصميم لتمثيل سيدات مسلمات يرتدين حجاباً أسود (في إسقاط على النساء المؤيدات لحزب الله، اللاتي غالباً ما يرتدين ملابس سوداء)، وهن يقفن أمام شاب يحمل بيده سلة من مستلزمات العناية الشخصية والبقالة، مع إظهار ملامح الألفة والحميمية، بهدف تعزيز الرسالة الكامنة وراء الوسم، التي تروج لفكرة مساومة الجنس مقابل الطعام.

 

إلى جانب وجود خيام للإشارة الذهنية إلى النازحين، مع ظهور علمَي إيران ولبنان، وكتابة عبارة “جهاد السلة” بحروف إنكليزية، لتبدو في خلفية بعض هذه الصور.

 

خطاب كراهية 

استخدم المشاركون في موجة التدوين على وسم الحملة كلمات وعبارات ساخرة تحمل في مضمونها خطاب كراهية ضد النساء النازحات، ونازحي الجنوب بصورة عامة.

واحتوت بعض المنشورات على كلمات ذات مدلول جنسي من شأنه الحط من شأن النساء، بغرض الترويج لرواية الاستغلال الجنسي للنازحات.

وتكرّر وجود أوصاف، منها: “عاهرة، مومس، أولاد المتعة، مجاهدات السلة، أبناء وبنات البيئة القذرة، عتالة البور، المشردون الشيعة”. 

ويعد انتشار المعلومات المضلّلة وخطاب الكراهية من المحظورات وفق سياسة “إكس”، وعلى رغم هذا لم تزل المنصة أياً من محتوى الحملة، وظل يلقى انتشاراً واسعاً حتى نشر التقرير.