مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

“بلّغ عن لاجئ”… موجة تحريض ضد اللاجئين بدعم من مؤيّدي النظام المصري

“بلّغ عن لاجئ”… موجة تحريض ضد اللاجئين بدعم من مؤيّدي النظام المصري

أطلق بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في مصر حملة جديدة ضد اللاجئين. وإن كانت هذه الحملة ليست الأولى من نوعها التي تطلق عبر منصتي “إكس” و”فيسبوك”، إلا أنها حملت خطاباً تحريضياً وعنيفاً يدعو إلى الإبلاغ عن اللاجئين، في مخالفة لسياسات هذه المنصات.


في مطلع حزيران/ يونيو 2024، أعطت الحكومة المصرية الأجانب المقيمين على أراضيها بـ “صورة غير شرعية” مهلة أخيرة، تنتهي في 30 أيلول/ سبتمبر المقبل؛ لتقنين أوضاعهم وتجديد إقامتهم مقابل سداد رسوم تبلغ نحو ألف دولار.

ومنذ اعتمادها للمرة الأولى في آب/ أغسطس 2023، تجدد الحكومة هذه المهلة كل ثلاثة أشهر. 

يأتي هذا القرار على رغم الاتفاقات التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع مصر في آذار/ مارس 2024، والتي بمقتضاها تحصل مصر على قروض ومنح واستثمارات بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار)؛ خصص منها 200 مليون يورو (218 مليون دولار) “لدعم برامج تعالج قضايا الهجرة”. 

وقدم الاتحاد الأوروبي هذا الدعم نظراً إلى أن مصر إحدى نقاط عبور المهاجرين الرئيسة في شمال أفريقيا إلى أوروبا.

غير أن تقريراً صادراً عن منظمة العفو الدولية اتّهم السلطات المصرية باعتقال آلاف السودانيين الفارين من الحرب وترحيلهم، ضمن حملات تفتيش على من لا يحملون تصاريح الإقامة.

وفي ظل الإجراءات الأخيرة التي تتخذها مصر إزاء المهاجرين واللاجئين، تجددت الحملات المناهضة لهم على منصات التواصل الاجتماعي؛ كان آخرها إطلاق وسم تحريضي، يدعو المصريين إلى إبلاغ الأجهزة الأمنية عن اللاجئين غير المقننة أوضاعهم تمهيداً لترحيلهم. 

وفي الفترة ما بين 4 و13 تموز/ يوليو، انطلق وسم #بلغ_عن_لاجئ، ليحصد أكثر من 11 ألف تدوينة، شُوهدت نحو 900 ألف مرة، وأدت إلى توليد 33,305 حالة تفاعل، بحسب إحصاءات أداة Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية. 


فترة نشاط وسم #بلغ_عن_لاجئ – Meltwater


أتى وسم #بلغ_عن_لاجئ على قمة الوسوم من حيث التفاعل وعدد التدوينات المنشورة عليه. وتزامن مع إطلاقه ظهور وسوم أخرى عدة أقل زخماً؛ منها: #ترحيل_السودانيين_من_مصر، #ترحيل_السوريين_من_مصر، #ترحيل_اللاجئين_مطلب_شعبي، #ترحيل_جميع_اللاجئين_مطلب_شعبى، #مقاطعة_محلات_السوريين، #مصر_للمصريين، #من_القاهرة_ارجعوا_دمشق، #ارجع_يازول_سودانك، #ارجع_ياسوري_ديارك.

سحابة كلمات تجمع أبرز الوسوم الرائجة في نطاق وسم #بلغ_عن_لاجئ – Meltwater


من يقود الحملة؟


شاركت في الحملة المناهضة للاجئين السوريين والسودانيين، حسابات مصرية، سبق لها التفاعل مع حملات إلكترونية منسّقة. ولطالما تلاعبت هذه الحسابات بسياسات مواق التواصل الاجتماعي؛ بإطلاقها حملات تصيد وتشويه منسقة ضد منتقدي الرئيس والحكومة. في المقابل، عملت هذه الحسابات عبر حملات مختلفة على الترويج للرواية الرسمية إزاء مختلف الأحداث والمواقف. 

وشاركت في الحملة المنسقة المناهضة للاجئين 2751 حساباً، فيما لعبت حسابات محددة دوراً بارزاً في زيادة انتشار الوسوم، لا سيما وسمي #بلغ_عن_لاجئ و#خليك_ايجابى_وبلغ_عن_اللاجئين.

وتصدر حساب bassemelmassry@ قائمة الأكثر نشراً على وسم #بلغ_عن_لاجىء برصيد 632 تدوينة على الأقل؛ وهو معدل قياسي يضاهي أداء الحسابات الآلية الوهمية.

لكن باسم المصري أو باسم بخيت (المايسترو) شخص حقيقي، ويعد أحد أبرز منسقي حملات التصيد والتضليل في مصر، وسبق أن قادنا تحليل نشاطه الإلكتروني إلى الكشف عن أنه يعيش في ضاحية عين الشمس الشرقية بالقاهرة.

وفي وقت مبكر من صباح يوم 6 تموز 2024، أطلق باسم الحملة، محدداً هدفها؛ وهو: “مساعدة وزارة الداخلية في معرفة أماكن اللاجئين أو المقيمين غير الشرعيين، ومعرفة هل تم التقنين ولا وجب الترحيل، وده واجب وطني لمجتمع آمن.. #بلغ_عن_لاجئ”.



وحرص الحساب على الإشارة إلى الأرقام الهاتفية لغرفة العمليات الرئيسة في وزارة الداخلية، داعياً إلى الاتصال بها للإبلاغ عن اللاجئين.

ليس معروفاً من أوكل لباسم مهمة إطلاق حملة مساندة لوزارة الداخلية، لكن توقيتها يتزامن مع دعوة الحكومة المصرية للاجئين والأجانب المقيمين الى “تقنين” أوضاعهم أو الحصول على تصاريح إقامة قبل نهاية المهلة المحددة لذلك. 

كما أتت الحملة بعد إصدار مؤسسات حقوقية دولية تقارير عن عمليات تفتيش وقبض جماعي على لاجئين سودانيين، وإعادة بعضهم من مصر إلى السودان، الذي يشهد حرباً منذ نيسان/ أبريل 2023.

وسبق أن قاد باسم حملة في مطلع العام الجاري، تدعو إلى عدم الشراء من محال الأجانب بدعوى تشجيع المحال المصرية، وشارك على وسم #مش_هشتري_غير_من_المصري، الذي ضم آنذاك 21 ألف تدوينة؛ وهي الحملة التي حقق فيها مجتمع التحقق العربي.




وفي رده على أحد الحسابات، أعلن المايسترو اعتزامه إطلاق “حملة محترمة (مكثفة)”؛ من شأنها أن تحدث “زخماً كبيراً الفترة المقبلة”. 


لا يكترث باسم بسياسات “إكس” بشأن المحتوى المنسق غير الأصيل، وكلما كانت المنصة تعطل وصوله إلى حسابه، سرعان ما كان يستعيد نشاطه باستخدام نسخ مختلفة من حساباته المتشابهة الاسم، فإذا ما عطلت المنصة أحدها، عاد بآخر، أو يلجأ إلى حيلته الأخيرة؛ وهي تغيير اسم مُعرف الحساب (الهاندل)، فلدى باسم حسابات بمعرفات مختلفة؛ منها:  bassembekhet1@ –  basemelmassry3@ – bassemelmassry@.

ويستخدم حساب _SOLA_a6@ الحيلة نفسها؛ فقد ظهر للمرة الأولى بمعرف _SOLA_3@. وهذا الحساب مملوك لمواطنة سورية اسمها سولا عضوم، تعيش في محافظة حمص. وسبق أن أظهرنا مشاركتها في حملات مصرية مختلفة تهاجم اللاجئين. 

نشرت سولا نحو 80 تدوينة عبر وسم #بلغ_عن_لاجىء؛ ما يجعل الحساب في المرتبة الثانية من حيث عدد المنشورات. كما كان لها نشاط على وسمي #ارجع_يازول_سودانك، #ارجع_ياسوري_ديارك.


إعلاميون وفنانون ومؤثرون


باسم وسولا ليسا وحدهما؛ فقد نشطت شخصيات إعلامية وفنية، ومؤثرون اجتماعيون، على الوسوم المناهضة للاجئين. واعتادت هذه الشخصيات المشاركة في مثل هذه الحملات، فضلاً عن الحملات المؤيدة للسياسات الحكومية.

 وتفاعلت الإعلامية هالة سرحان التي يتابعها مليون مستخدم، على وسم #خليك_ايجابى_وبلغ_عن_اللاجئين. 

كما شاركت الفنانة ليلى عز العرب تدوينة تقول: “يلا يا شباب خليك إيجابى أى حد تشك أنه لاجئ هربان أو أي شقق مشبوهة أو نشاط تجاري أو صناعي غير شرعي أو غير مرخص أو أي شئ شايف أنه غلط يخص  اللاجئين… أو وحتى لو مصري اتصل وبلغ عن طريق الأرقام دي”. 

كما تفاعل على هذه التدوينة حساب redcherry4040@، المتورط في حملات تصيد سياسية ضد المعارضين. واستهدفت إحدى هذه الحملات السياسي أحمد طنطاوي، الصادر بحقه حكم بالحبس لمدة عام، بتهمة تزوير توكيلات إبان عزمه خوض الانتخابات الرئاسية الماضية.


خطاب كراهية ومعلومات خاطئة


نُشرت على وسمي #بلغ_عن_لاجئ وخليك_ايجابى_وبلغ_عن_اللاجئين، تدوينات تحتوي على كلمات وتعبيرات ربما تندرج تحت خطاب الكراهية؛ بعضها يقلل من قدر اللاجئين ويجردهم من الإنسانية ويشبهّهم بالحيوانات والغزاة. فيما يحرض البعض الآخر ضدهم، داعياً إلى “دعسهم”. 

من بين هذه الكلمات: “الواد بتاع الشاورما، خليها تنضف، أشكال قذرة وخونة، همج، أنطاع، كلاب، مخربين الأوطان، حيوان وضيع، ادعسوه بأقدامكم فليس له مكان بينكم، سماجة ونطاعة، هكسوس العصر الحديث، زول، الزودنيين، علوك، أهطل، همج، الزولات”.

وساد الخطاب السلبي محتوى الوسمين، مسجلاً نسبة 62.7 في المئة من إجمالى التدوينات على الوسم الأول، ونسبة 85.8 في المئة في الثاني، بحسب Meltwater.


كما استُخدمت رموز تعبيرية (ايموجي) على شكل حيوانات (كلاب) وأشياء (مثل أحذية)؛ وهي رموز تُستخدم في سياقات شعبية بقصد الإساءة وتوجيه الشتائم، حسبما يظهر الرسم التوضيحي لأبرز الرموز الأكثر نشراً على الوسمين.

وتحظر “إكس” خطاب الكراهية، إذ “لا تجوز مهاجمة الأشخاص الآخرين بصورة مباشرة على أساس العِرق، أو الإثنية، أو الأصل القومي، أو الطائفة، أو التوجّه الجنسي، أو النوع، أو الهوية الجنسية، أو الانتماء الديني، أو السن، أو الإعاقة، أو المرض الخطير”.

كما تمنع المنصة التحريض والإيحاء بالإهانة والتجريد من صفة الإنسانية، واستخدام صور ورموز تحض على الكراهية.

وتوفر المنصة حماية للفئات المحمية، بحظرها “السلوك التحريضي الذي يستهدف أفراداً أو مجموعات من الأفراد ينتمون الى فئات محميّة. وهذا يتضمن بث الخوف من فئة محمية أو نشر أفكار نمطية مخيفة عنها”. 


وعلاوة على التحريض، وظف مطلقو الوسوم والمتفاعلون عليها المعلومات المضللة، لزيادة الحشد ضد اللاجئين؛ فقد شاركت الإعلامية هالة سرحان مقطع فيديو، مدعية أنه يوثق “هروب سودانيين من سيارة ترحيلات”. وتحققت صحيفة “المصري اليوم” من الفيديو، واتضح لها أنه التُقط في 2023، أثناء ترحيل مهاجرين أفارقة من الجزائر إلى النيجر.



كما راج على الوسوم مقطع فيديو، مصحوباً بادعاء أنه يُظهر حافلة تقل لاجئين سودانيين مرحلين من مصر إلى السودان. وعلقت إحدى المشاركات على الفيديو: “يلا بالسلامة منشوفش وشكم تاني، بأمر الشعب ترحيل جميع اللاجئين”.

تحققنا من هذا الفيديو بإجراء بحث عكسي أظهر لنا نسخاً منه منشورة على صفحات ومجموعات “شركة العزيزة للنقل البري” على فيسبوك؛ وهي الشركة التي يظهر اسمها على الحافلة، والتي تسيّر رحلات ذهاب وعودة ما بين مصر ومدن سودانية لا تقع في نطاق الحرب الدائرة. 

وعليه؛ فإن الفيديو لا يوثق ترحيل لاجئين سودانيين إلى بلادهم، لكنه لإحدى الرحلات الاعتيادية لشركة العزيزية. 

وتنص سياسات استخدام “إكس” على أنه “لا يجوز تقديم معلومات كاذبة أو مضللة” على المنصة.

صفحات ومجموعات على فيسبوك 

امتدت الحملة الأخيرة المناهضة للاجئين إلى منصات اجتماعية أخرى، وظهرت الوسوم نفسها في صفحات ومجموعات عبر فيسبوك؛ منها تجمعات غير رسمية تحمل أسماء عسكرية وأجهزة سيادية، وأخرى لمجموعات تروّج للأفكار القومية.

وانتقلت بعض المنشورات من إكس إلى فيسبوك، منها صورة نشرها باسم المايسترو، يوضح فيها أن وسم #بلغ_عن_لاجىء بات متداولاً. كما انتقل أيضاً مقطع فيديو يُزعم أنه التُقط أثناء إغلاق محال ومخابز سودانية؛ بتهمة مخالفة مواعيد الإغلاق، وعدم حمل تصاريح صحية.