مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

“عملاء ومحرّضون”… حملة سعوديّة منسّقة ضد منتقدي تنظيم موسم الحج

“عملاء ومحرّضون”… حملة سعوديّة منسّقة ضد منتقدي تنظيم موسم الحج

شطت الوسوم منذ إعلان المملكة عن عدد الوفيات، ودامت نحو أسبوعين على الأقل؛ وهي أطول مدة نشاط على وسوم أطلقت في إطار حملة سعودية منسّقة، ما قد يشير إلى مدى الاهتمام بالرد على الانتقادات بشأن تنظيم موسم الحج.

 

قبل أسبوع من بدء مناسك الحج، أعلنت وزارة الداخلية السعودية إبعاد أكثر من 300 ألف شخص من مكة، نظراً إلى أنهم لا يحملون تصاريح لأداء مناسك الحج، حينها. وكما كل عام، يلجأ البعض إلى سلك طرق غير الرسمية لأداء الحج؛ نظراً إلى ارتفاع تكاليف الحج بما يفوق طاقة الكثيرين.

سبق الإعلان السعودي الرسمي عن عدد الوفيات، إبلاغ دول عربية وإسلامية عن وفاة عدد من مواطنيها خلال أداء شعيرة الحج؛ وهو ما أثار انتقادات متفرقة عبر الشبكات الاجتماعية بشأن جودة تنظيم موسم الحج.

في المقابل، ظهرت وسوم سعودية تهاجم منتقدي المملكة، وتتهم دعاة ومعارضين سعوديين وعرباً بـ”تحريض” الحجاج على السفر للحج من دون الحصول على تصاريح. 

نشطت الوسوم منذ إعلان المملكة عن عدد الوفيات، ودامت نحو أسبوعين على الأقل؛ وهي أطول مدة نشاط على وسوم أطلقت في إطار حملة سعودية منسّقة، ما قد يشير إلى مدى الاهتمام بالرد على الانتقادات بشأن تنظيم موسم الحج. 

خلال هذه الفترة، راجت عبر موقع إكس وسوم عدة؛ من ضمنها: #بتحريضهم_اهلكوهم، #دعاة_الفتنة_أهلكوهم، #وفيات_الحج_ضحيه_دعاه_الفتنه، #محاكمه_المحرضين_مطلب_اسلامي. 

حافظ القائمون على الحملة على زخم التفاعل، بإطلاق الوسوم السابقة تباعاً في الفترة ما بين 23 أيار/ مايو و6 تموز/ يوليو.

بلغ إجمالي عدد التدوينات على الوسوم الأربعة 93,196 ألف تدوينة، شٌوهدت 30 مليوناً و773 ألف مرة على الأقل، ونتجت منها 248 ألف حالة تفاعل (إعجابات، تعليقات، إعادة مشاركة)، بحسب إحصاءات أداة Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.

فترات نشاط الوسوم الأربعة – Meltwater 

متصيدون بين الأكثر تأثيراً وتفاعلاً

وقفت عشرات الحسابات وراء نشر الوسوم، وتضخيم التفاعل عليها. غالبية هذه الحسابات سعودية مؤيدة للمواقف الرسمية للحكومة، وسبق أن شاركت في حملات منسقة سابقاً.

استناداً إلى عدد ضخم من المتابعين، ونشاط مستمر على منصة إكس، ساهمت هذه الحسابات في زيادة انتشار الوسوم. ويعرّف أصحاب بعض هذه الحسابات أنفسهم بأنهم “مؤثرون اجتماعيون”.

واتخذ بعض حسابات الحملة علم السعودية أو صور قادة المملكة، صورة للحساب، كما أشاروا إلى تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى 1727، في اسم الحساب.

من أبرز الحسابات المؤثرة في الوسوم الأربعة، والتي حصلت تدويناتها على الكثير من التفاعلات؛ حساب الأمير عبدالرحمن بن مساعد، الذي يتابعه 8 ملايين شخص. أعاد الأمير نشر تدوينة للصحافي السعودي حسين الغاوي؛ وهو أحد الوجوه البارزة في حملات التأثير السعودية.  

ويأتي حساب الردع السعودي @S_H_188 في صدارة حسابات الحملة من حيث عدد التدوينات، بـ 23 تدوينة. واعتاد الحساب الذي يتابعه 1.5 مليون متابع، على الانخراط في الحملات المؤيدة للسعودية.

كما شاركت في الحملة حسابات التصيد والبروباغندا؛ مثل “كولومبوس”، و”سلمان بن حثلين”، و”المصريين Out Of Context”. ودأب الحساب الأخير على ممارسة أنشطة التصيد الإلكتروني، وبث خطاب كراهية ضد المصريين في السعودية.

محتوى متكرّر ورسالة واحدة

نشرت على الوسوم 65.2 ألف تدوينة (من أصل 93.2 ألف) على شكل “ريتويت/ ريبوست”، وأتت 14.9 ألف تدوينة رداً على تدوينات أخرى، مقابل 9.7 ألف تدوينة أصلية فقط، وفقاً لـ Meltwater.

وبجانب الارتفاع المفاجئ في معدل التفاعل على الوسوم، تعد الإحصاءات السابقة مؤشراً إلى وجود نشاط منسق أو محاولة للتلاعب في سياسات النشر على منصة إكس؛ الهدف منها التضخيم، والتعبئة الإلكترونية الممتدة على مدار أيام.    

تحليل العاطفة (يسار) وطبيعة المحتوى المنشور في الوسوم – Meltwater

وحمّلت منشورات الحملة في غالبيتها معارضين يقيمون خارج المملكة؛ مثل عمر الزهراني، وعبدالله العودة، وسعد الجبري، وعماد المبيض، وناصر القرني، وسعيد الغامدي، مسؤولية وفاة الحجاج.

ووصفت المنشورات المعارضين بـ “المحرضين والقتلة”، مع ترويجها لادعاءات بأنهم دفعوا بعض الحجاج إلى الحج من دون تصريح؛ وهي إحدى أكثر الروايات السائدة في الوسوم. كما احتوت التدوينات على كلمات تحريضية؛ منها وصف الأشخاص السابقين بأنهم “خونة الأوطان اللاجئين في دول غربية”، وأنهم “أدوات لجهات خارجية” وينتمون إلى “جماعة الإخوان المسلمين”.

وكان هؤلاء المعارضون موضع حملات تصيد وتشويه سابقة؛ بسبب مواقفهم، وتعليقاتهم الناقدة للحكومة السعودية.

وتكرّر تداول تصميمات تضم أسماء الشخصيات السابقة، مصحوبة بالتحريض ضدهم، على حسابات عدة مشاركة في الحملة؛ ما يشير إلى وجود نشاط منسق لتشويه هذه الشخصيات. 

ومن بين أكثر مقاطع الفيديو رواجاً على الوسوم، مقطع ظهر فيه رئيس مجلس علماء باكستان، حافظ محمد طاهر الأشرفي، وهو يقول إن المجلس كان قد أصدر فتوى تنص على أن “الحج من دون تصريح ليس حجاً”.

وطالب الأشرفي “الدول الإسلامية بمحاسبة أصحاب الفتاوي والمجرمين”، الذين دعوا إلى الحج من دون تصريح. كما وصفهم بأنهم “خائنون… يريدون التخريب والفتنة بين المسلمين”. وختم الفيديو بقوله إن موسم “حج هذه السنة ناجح، ناجح، ولا شك فيه”.

على مدار السنوات الماضية، حظي رئيس مجلس علماء باكستان بترحيب خاص في السعودية. وسبق أن التقى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ووزير الحرس الوطني، الأمير خالد بن عبدالعزيز. كما اعتاد الأشرفي الإدلاء بتصريحات تتعلق بقضايا وأزمات سياسية إقليمية؛ مثل الأزمة السياسية في اليمن. 

في تصريحاته، التي اهتمت وسائل إعلام سعودية بنشرها، هاجم الأشرفي جماعة الحوثي في اليمن، ووصفهم بأنهم قرامطة، في إشارة إلى دولة القرامطة، التي تشكلت في شرق شبه الجزيرة العربية في القرنين العاشر والحادي عشر. كما أطلق تحذيرات إلى إيران من مواصلة دعم الحوثيين.

حملات سابقة 

انخرطت الحسابات السعودية المؤثرة في حملات سابقة تهاجم المعارضين الفارين من المملكة، الذين شملتهم قوائم الاتهامات الافتراضية المروج لها خلال الحملة الحالية. في المقابل، تحشد هذه الحسابات لدعم كل ما تتخذه الحكومة السعودية من قرارات.

مثال على ذلك، الهجوم المنسق الذي شنته هذه الحسابات عقب وفاة فتاة سعودية عابرة جنسياً (اسمها عدن)، حينها استغلت تلك الحسابات الحادثة لتشويه معارضي الحكومة السعودية، مع ترويجها لرواية معاكسة للرواية السائدة عن وفاة الفتاة. وكان مجتمع التحقق العربي قد حقق في هذه الحملة.

كما شاركت هذه الحسابات في الاشتباكات الافتراضية مع حسابات مصرية، بعد توجيه الأخيرة انتقادات لتنظيم موسم الرياض بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة. ولاحقاً، لعبت الحسابات دوراً في الحملات الدعائية للدور السعودي في القضية الفلسطينية، بعد تأييد 143 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة حصول فلسطين على العضوية الكاملة. وهي حملة حلّلها أيضاً مجتمع التحقق العربي.