مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

إعلان نيروبي…ما وراء الحملة الدعائية لعبد الله حمدوك

إعلان نيروبي…ما وراء الحملة الدعائية لعبد الله حمدوك

في مايو/ أيّار الماضي، وقع رئيس الوزراء السوداني السابق رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) عبد الله حمدوك، إعلاناً مع زعيمي حركتين مسلحتين في كينيا، هدفه إنهاء الحرب، وإنشاء دولة علمانية، مع تأكيد حق تقرير المصير، تحت ما يسمى بـ”إعلان نيروبي”.

 

أصبح عبد الله حمدوك أول رئيس وزراء للسودان في 20 أغسطس/آب 2019، بعد رحيل عمر البشير في أبريل/نيسان من العام نفسه، وجاء اختياره بموجب مفاوضات بين القوى المدنية المشاركة في الثورة، ضد الرئيس السابق والمجلس العسكري. 

ظل حمدوك في منصبه حتى انقلاب الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وعاد إليه بعد شهر، قبل أن يستقيل بعد ثلاثة أشهر من عودته. 

وبعد ستة أشهر من اندلاع الحرب بين الجيش السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، و”قوات الدعم السريع”، التي يتزعمها محمد حمدان دقلو (حميدتي) عاد الرجل إلى الساحة السياسية من جديد من بوابة ما يسمى بـ “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية- تقدم”.

واجه حمدوك اتهامات بلعب دور الرديف أو الظهير السياسي “للدعم السريع” بدعم من دول خليجية، وهي الاتهامات التي نفاها، مشدداً على أن “تقدم لا تميل إلى أي طرف من طرفي الحرب”.

ووسط حالة الجدل، وردود الفعل المتباينة بشأن “إعلان نيروبي” الموقع بين حمدوك وزعيم “الحركة الشعبية – شمال” عبد العزيز الحلو، وقائد “حركة تحرير السودان” عبد الواحد نور، ظهرت حملة دعائية لرئيس الوزراء السابق عبر حسابات منصة إكس.

وأظهرت شبكة تضم عشرات الحسابات على المنصة، سلوكاً منسقاً غير أصيل، يهدف إلى الإشادة بحمدوك، ونشر تصريحاته بانتظام، بالإضافة إلى دفاعها عن مصالح دولة الإمارات، ووجهت بعض الحسابات انتقادات للجيش السوداني المدعوم من إيران، وأبدت دعمها ل”قوات الدعم السريع”، وتشير تقارير إعلامية إلى مساندة الإمارات ل”قوات الدعم السريع” على حساب الجيش السوداني، رغم الإنكار الرسمي.

ظهرت التدوينات على عدة وسوم؛ منها: #ايران_الشر، #ايران_والكيزان_عمله_واحده، #الكيزان_سبب_الحرب، #الكيزان_لمزبلة_التاريخ، #الدعم_السريع_حماة_الوطن، #البرهان_عميل، #البرهان_خائن.

منذ فبراير/شباط إلى 5 يونيو/حزيران، نُشر على الوسوم السابقة أكثر من 53 ألف تدوينة، بحسب إحصاءات أداة Meltwater، المتخصصة في تحليل وسائل التواصل الاجتماعي.

نشاط الوسوم المرتبطة بالحرب في السودان – Meltwater

 

حسابات الحملة

حسب تدقيقنا، أُنشئت غالبية الحسابات المرتبطة بالحملة، في عام 2023. 

ويشبه نشاط الحسابات أداء الحسابات الوهمية، لكننا رصدنا عدة مؤشرات قادتنا إلى استنتاج، أن هذه الحسابات أقرب إلى الحسابات النصف آلية؛ أي يديرها أشخاص حقيقيون- بشكل جماعي- لتحقيق أهداف معينة أو قد تكون قيد إدارة جهة ما.

تصف بعض الحسابات نفسها بأنها “مؤثر اجتماعي”، ولا يتابعها سوى المئات، ويتخذ بعضها صوراً تبرز في خلفيتها أماكن معروفة في دبي، وتشير بعض الحسابات إلى استقرار أصحابها  في الإمارات، بينما تظهر المساحة التعريفية للبعض الآخر، أنها تنشط من السودان، بالإضافة إلى أن بعض الصور التعريفية لهذه الحسابات، غير حقيقي.

على سبيل المثال، يستخدم حساب “همس” hms12001@، الذي أُنشئ في يناير/كانون الثاني 2023، قبل حرب السودان بشهور قليلة، صورة تعريفية منسوبة لفتاة إثيوبية، التقطت في منطقة مارينا دبي.

في البداية، كانت منشورات حساب “همس” تتناول قضايا عامة غير سياسية، ثم تحول الحساب لينشر محتوى سياسياً موجهاً، لصالح “قوات الدعم السريع” وحمدوك.

نسخت هذه المنشورات على حسابات “همس” على مختلف منصات التواصل الاجتماعي؛ وهو ما يتنافى مع طبيعة استخدام الشخص العادي، إذ تختلف طبيعة منشورات الشخص العادي باختلاف منصات التواصل الاجتماعي، فيميل مستخدمو فيسبوك وانستغرام إلى نشر محتوى شخصي، بينما تتسم منصة إكس بجدية، تنعكس على محتوى ما يُنشر عليها.

وهو النمط الذي يتكرر في حسابات أخرى، مثل حسابات زاهية الحيلي، في فيسبوك (Account ID = 100090306978895) وانستغرام (zahya_el_hily@) وإكس (@zahiaelhily2) تقدم الحلبي نفسها بأنها “سودانية مقيمة في الخارج، أعشق السفر والقهوة والتسوق”، وتنشر زاهية محتوى سياسي متطابق على المنصات الثلاثة.

اعتادت حسابات الحملة الإشارة إلى حسابات أخرى في منشوراتها؛ بينها حسابات تظهر تبعيتها لأشخاص حقيقيين، وحسابات تدعم “الدعم السريع”، وفق ما تعكسه أسماؤها: “الردع الإلكتروني السريع”، و”أشاوس الدعم السريع”، و”دعامي”، و”دعامية”، وتضع بعض هذه الحسابات صوراً تعريفية لحميدتي، وشعار “الدعم السريع”، كما تكتب عبارات مقتبسة من شعارات الجماعة المسلحة، مثل: “جاهزية، سرعة، حسم”.  

تشير مثل هذه الحسابات إلى الحسابات الأخرى، طلباً لتقديم الدعم في ترويج المنشورات؛ لما تتمتع به الحسابات المشار إليها من كثرة المتابعين، فضلاً عن اتساق التوجه السياسي لكل هذه الحسابات؛ فهي تنشر محتوى ذا نبرة ترويجية ل”قوات الدعم السريع”، ما قد يشير أيضاً إلى أنها جزء من ماكينة الدعاية “للدعم السريع”. 

A person sitting in a chair Description automatically generated

بررت بعض منشورات هذه الحسابات استهداف “الدعم السريع” مدنيين، حيث زعمت تورطهم في القتال ضد “الدعم السريع”؛ مما يعني أنهم لا يحظون بحماية اتفاقية جنيف، بشأن حماية المدنيين في حالات النزاع المسلح.

A screenshot of a social media post Description automatically generated

وتحرص الحسابات التي تحظى بقاعدة متابعين كبيرة، على الإشارة إلى الحسابات منخفضة المتابعة؛ لتجذب إليها عدداً من المتابعين.

بعض الحسابات كثيفة المتابعة:

@betgened1, @wdalbehair, @HD_894, @bwlynd4, @aDams_RFS, @RapidSupportSdn, @ashawes5, @alaaty88, @noureldeen_1997, @MShareefi, @Herculesami, @ISSA8MUSA, @t8feeel.

مدح بحمدوك وقدح بالبرهان والجيش السوداني

مدحت حسابات الحملة حمدوك ووصفته بـ”المؤسس”، وعملت على تكرار نشر مقتطفات من تصريحاته، بينما وصفت بعض المنشورات البرهان بـ “الخائن والعميل”، والجيش السوداني بـ “الفلول والدواعش”،كما حرصت هذه الحسابات على تنوع لغة النشر بين العربية والإنجليزية.

أمثلة من هذه التدوينات المنسقة:

– “لن ينسى التاريخ مساهمات وتضحيات عبد الله حمدوك في مسيرة السودان نحو الحرية والعدالة، وسيبقى اسمه محفوراً بذهب في قلوب السودانيين والعالم”.

– “حمدوك يدعو إلى إرسال مراقبين عسكريين إلى السودان…النموذج الأمثل للديمقراطية والمدنية التي ننادي بها”.

– “نظام البرهان يخاف من قوة عبد الله حمدوك وشعبيته، فحاول بكل قوة تشويه سمعته وتلفيق التهم له، لكنه لم ينجح ولن ينجح أبداً”.

واستخدمت حسابات الحملة خلفيات وتصميمات متشابهة، تحتوي عبارات مدح بحمدوك وحميدتي. 

الهجوم على إيران والأخوان

في نهاية عام 2023، عاود السودان وإيران تعاونهما العسكري، إثر استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سبع سنوات من التجميد، عقب اقتحام السفارة السعودية في عام 2016. 

وفي الشهور الأخيرة، لوحظ حضور طائرات من دون طيار إيرانية الصنع في سماء السودان؛ مثل المسيّرة من طراز مهاجر 6، التي استخدمها الجيش في معاركه ضد “الدعم السريع”.

ورغم الهدوء النسبي الذي يسود العلاقات الدبلوماسية بين إيران ودول الخليج، تشتعل بين مؤيدي كلا الطرفين سجالات حادة على مواقع التواصل الاجتماعي، في إطار محاولة كل طرف فرض سرديته على هذه المنصات. 

سبق وأن شاركت بعض من حسابات حملة حمدوك، في حملات تنتقد الدور الإيراني في السودان؛ أبرزها الحملة التي أطلقت بعد وقت قصير من زيارة وزير الخارجية السوداني علي الصادق طهران في فبراير/شباط 2024. 

آنذاك، نشرت حسابات الحملة تدوينات تحتوي صوراً محاطة بتصاميم جذابة عالية الجودة، تجمع بين البرهان والرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي وقائد فيلق القدس إسماعيل قآاني، وكُتبت عليها عبارات تنص:

– “إيران تساعد السودان طمعاً في ساحلها لتمديد الفكر الشيعي، إيران تطمع في العاصمة الخامسة، إيران تساعد الجيش السوداني لمصالحها الشخصية، إيران تتعاون مع البرهان في دمار دول المنطقة والملاحة البحرية”.

ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال في مارس/آذار 2024 عن مسؤول في المخابرات السودانية أن “إيران طلبت من السودان بناء قاعدة بحرية دائمة على ساحل البحر الأحمر، إلا أن الخرطوم رفضت”.

لم تنشر هذه الحسابات محتوى مكرراً، حرفياً، ومع ذلك، تشابهت منشورات الحسابات في المضمون والصور والتصميمات المستخدمة، حيث  تكرر ظهور عبارات “التمدد الشيعي الإيراني في السودان” و”الانحياز لإيران” في منشورات الحسابات المشاركة في حملة دعم حمدوك.

أمثلة من التدوينات: 

– “التمدد الشيعي الإيراني في السودان يهدد بزعزعة استقرار المنطقة وقد يؤدي إلى انفجار أزمة دولية لا تحمد عقباها. #الاستقرار_الإقليمي #السودان #ايران #الكيزان_لمزبلة_التاريخ”.

– “يثير انحياز الكيزان لإيران مخاوف دولية من تصاعد التوترات واستفحال الصراعات في المنطقة، مما يتطلب حكمة وحوار دبلوماسي لتفادي الانزلاق نحو المزيد من التوترات والصراعات الدموية. #السودان #البرهان #ايران”.

– “بينما تسعى دول العالم للحد من نفوذ #إيران وتقويض تأثيرها الإقليمي، يختار #البرهان الانحياز لصالحها، مما قد يؤدي إلى تدهور العلاقات مع الدول الرئيسية وتأثيرات سلبية على الاقتصاد والأمن #ايران_الشر”.

وأشارت بعض الحسابات إلى وجود تعاون مزعوم بين الجيش السوداني وجماعة “الإخوان المسلمين” التي تعرف في السودان بـ “الحركة الإسلامية”، وتحتفظ الإمارات بعداء مع كل الجماعات التابعة “للإخوان المسلمين” في مختلف الدول.  

إظهار الدعم للإمارات

بجانب مدح حمدوك وانتقاد البرهان وإيران، دأبت أيضاً الحسابات المشاركة في الحملة، على نشر محتوى يمدح دور الإمارات في السودان والمنطقة. 

على سبيل المثال، نشرت حسابات مثل @amina98 و @aalsharif00 تدوينات عن مساعدات مزعومة قدمتها الإمارات للسودان منذ بداية الحرب. 

وقامت شبكة الحسابات بأكثر من مجرد تضخيم لدور الإمارات؛ إذ واصلت مهاجمة منتقديها من مستخدمي منصة إكس، على سبيل المثال، عندما انتقد أحد مؤيدي الجيش السوداني walaaelsadig@ ما وصفه بـ”الأيادي العابثة” للإمارات، رد حساب aminaa98@: “أولا حميدتي واقف مع اختيار الشعب منو مع الكيزان وأخيراً إنجلترا …اعترفوا بفشلكم يا كيزان الشوم”.

ورد حساب hms12001@ -المؤيد للإمارات- على حساب Bit_Khalifa1417@، بعد انتقاده لدور الإمارات في السودان، مدافعاً: “مشكلتكم يا كيزان إنكم واقفين عند زمان بعيد وعند أفكار متخلفة…الدول المؤثرة مثل الإمارات تتدخل للحفاظ على مصالحها، وفي نفس الوقت للحفاظ على مصالح الشعب السوداني…ولا التدخل الآن أصبح سيئاً ولما كانت الإمارات قبل الحرب تبعت مساعدات وتفتح فرص عمل للسودانيين ما كانو شياطين!!”.

مؤشرات تشابه…هل توجد ارتباطات مع حملات اليمن؟

تشير جودة التصميمات والصور المستخدمة في الحملة الدعائية لحمدوك و”الدعم السريع”، إلى احتمالية وقوف طاقم إنتاج محترف وراء تنفيذها. 

تتشابه طريقة إنتاج مواد الحملة، مع حملة تأثير أخرى رصدها “مجتمع التحقق العربي”، كانت تستهدف قائد اعتصام محافظة المهرة علي سالم الحريزي.

تضمنت حملة تشويه الحريزي -كما حملة حمدوك- تدوينات بالإنجليزية، وتصميمات عالية الجودة.

لا يقتصر الأمر على ذلك، فقد شاركت بعض حسابات حملة حمدوك في حملة الحريزي، على سبيل المثال، أعاد حساب “بتول الخير” – Batoul ELkhier@ نشر تدوينات صادرة من حساب شبكة “إيجاز” اليمنية – @ejaznetwork، الذي كان مشاركاً أيضاً في الحملة ضد الحريزي.

سبق وأن كشفنا في تحقيقنا عن حملة الحريزي، أن شبكة “إيجاز” تديرها خمسة حسابات في مصر، وحساب في الإمارات، وآخر من اليمن. 

تتناول أحدث منشورات حساب “بتول الخير” الأوضاع في السودان، إلا أن منشوراته الأولى في 2013 التي كتبت بالعامية اللبنانية، تطرقت إلى الأوضاع في لبنان؛ وهو ما قد يشير إلى أن الحساب لم يكن سودانياً عند إنشائه، ثم تحول إلى التعليق على القضايا السودانية، يدعم ذلك وجود 472 تدوينة فقط على الحساب، وهو رقم قليل بالنسبة لحساب مُنشأ منذ مايو/أيار 2013، الأمر الذي قد يشير إلى حذف عدد كبير من تدوينات الحساب؛ ليعاد توظيفه في حملة أو لخدمة هدف جديد، وهي ممارسة شائعة في صناعة الحملات الإلكترونية.