منذ بدء الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نظم أردنيون تظاهرات تضامنية متواصلة، إلا أن زخم الحراك زاد في نهايات آذار/ مارس الماضي، لا سيما مع زيادة عدد المشاركين، وتفاقم الوضع الإنساني، واتّساع رقعة الجوع في القطاع، وسط تصميم إسرائيلي على اجتياح مدينة رفح التي تقع على الحدود مع مصر، حيث يتكدس أكثر من مليون نازح فلسطيني.
إلى جانب التنديد بالوضع في غزة، احتوت التظاهرات هتافات مناهضة للتطبيع، وتدعو إلى طرد السفير الإسرائيلي من عمّان الذي غادر المملكة منذ شهور. وانتقد محتجون ما اعتبروه تسهيلاً من جانب الأردن لمرور البضائع إلى إسرائيل، إضافة إلى دعوات لاحتجاجات مماثلة في دول عربية، بخاصة مصر.
وبعدما تصاعدت حدة الانتقادات بعد تناقل مقاطع فيديو لاعتقالات وخشونة تعامل قوات الأمن مع المتظاهرين، ظهرت وسوم مضادة للتظاهرات، بعضها حديث النشأة؛ مثل: “#معاك_يالاردن، #طوفان_الولاء”، وأخرى كانت قديمة وعاودت الظهور من جديد، مثل #الاردن_خط_احمر و#الاردن_أولاً.
في الفترة من 25 آذار إلى 5 نيسان/ إبريل، احتوت الوسوم الأربعة على 320 ألف تدوينة بمتوسط 23 ألف تدوينة يومياً، أدت إلى مليون و57 ألف حالة تفاعل على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، بحسب إحصاءات أداة Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.
من أبرز هذه الوسوم، #معاك_يالاردن الذي نشرت عليه 110 آلاف تدوينة، ولّدت 350 ألف حالة تفاعل. فيما وصل الوسم إلى حالة الذروة يوم الأحد 31 آذار، مدفوعاً بـ64429 ألف تدوينة في ذلك اليوم وحده، وهو تقدير مقارب لعدد التدوينات المنشورة على الوسم من حسابات مجهول مكانها (69 ألف تدوينة).
منحنى نشاط وسم #معاك_يالاردن – Meltwater
تعبئة “سعودية”
بلغ إجمالي المشاركين في موجة التدوين على وسم #معاك_يالاردن 41 ألف حساب، فيما كان ظهور الحسابات السعودية في وسم #معاك_يالاردن لافتاً، بحسب Meltwater.
وحشدت حسابات سعودية لموجة التدوين على هاشتاغ #معاك_يالاردن، مطلقة رسالة متكررة فحواها: “ادعموا وعبروا عن وقوف السعوديين مع أشقائهم الأردنيين في هاشتاق #معاك_يالاردن”.
اجتذبت تدوينات الحسابات السعودية نسبة كبيرة من التفاعلات، مستندة إلى عشرات ومئات الآلاف من المتابعين. تحمل بعض الحسابات علامة التوثيق الزرقاء المدفوعة، ويضع عدد لا بأس به وسوماً وعبارات في مساحتها التعريفية (Bio)؛ مثل: #السعودية_العظمى و #السعودية_للسعوديين، فيما تكتب أخرى الرقم 1727 نسبة إلى تاريخ تأسيس الدولة السعودية الأولى.
حضور الجيش السلماني الإلكتروني
يحظى الفضاء الافتراضي في السعودية بمسيرة ممتدة لسنوات من التلاعب بسياسات “إكس” (تويتر سابقاً) عن طريق أنشطة إلكترونية غير أصيلة تظهر على هامش الخلافات السياسية للمملكة؛ بما في ذلك الحشد، وتضخيم الهاشتاغات، وشنّ حملات تشويه وتصيّد ضد الخصوم والمعارضين.
شهد وسم #معاك_يالاردن حضوراً لأحد أبرز التكتلات الإلكترونية المسؤولة عن حملات التصيد والبروباغندا واختراق حسابات منتقدي السعودية؛ ألا وهو الجيش السلماني الإلكتروني، الذي سبق أن كشف تحقيق لنا عن هويته والأدوار التي يؤديها منذ تأسيسه في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015.
لدى الجيش السلماني الإلكتروني ظهير من الحسابات الوهمية التي يستخدمها في حملاته، وشاركت حسابات مرتبطة به في التدوين على وسم الأردن؛ منها حسابان باسم عزيز المطيري والمطيري عزيز (zgTzJgZVTuowiaC@، lqSdaPaE7dq3fuN@)، واللذان يحملان مؤشرات إلى أنهما حسابان وهميان أو تتم إدارتهما بشكل نصف آلي، لا سيما مع حصولهما على علامة التوثيق الزرقاء، وتبادلهما المحتوى نفسه، ما يشير إلى أنهما يتبعان إلى مالك أو جهة واحدة. ويحظى الحسابان بمتابعة حساب “إدارة الترند والجيش السلماني”، المسؤول عن تنسيق الأنشطة الإلكترونية للمجموعة.
وكانت هناك 398 تدوينة على الأقل تجمع بين وسمي #معاك_يالاردن و#الجيش_السلماني_الإلكتروني. صدرت التدوينات من 254 حساباً، وشُوهدت 73 ألف مرة على الأقل، حسب Meltwater.
ماذا يقول محتوى الوسم؟
صدر نحو 200 ألف تدوينة من حسابات غير معروف موقعها الجغرافي، وهو مؤشر آخر إلى وجود نشاط غير تلقائي.
في حين كانت السعودية في المرتبة الأولى في قائمة الدول التي خرجت منها التدوينات المعروف موقعها الجغرافي بـ 13400 تدوينة، يليها اليمن بـ 2700 تدوينة، و2100 من الأردن، و1200 من الأراضي الفلسطينية، ومثلها من الولايات المتحدة، و1000 من مصر، و809 تدوينات من الإمارات، بحسب Meltwater.
وشكلت التدوينات الأصلية؛ أي الصادرة مباشرة من حسابات، نسبة 7.2 في المئة من إجمالي التدوينات، بما يساوي نحو 8 آلاف تدوينة فقط، فيما شكلت التدوينات المُعاد نشرها (ريتويت/ريبوست) قرابة 50 في المئة، أي 54.4 ألف تدوينة، والردود 38.6 في المئة؛ أي 42.3 ألف تدوينة.
أكثر الدول تدويناً وطبيعة التدوينات المنشورة على وسم #معاك_يالأردن – Meltwater
وكرّرت حسابات نشر تدوينات ذات محتوى متقارب، بعضها يضخم سر اهتمام السعودية بالأردن، وسبب إطلاق وسم الأردن، وذلك بالإشارة إلى تصريحات سابقة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى جانب التركيز على اتصال الأمير بالملك عبدالله الثاني.
كما نشر حساب “الردع السعودي” -المنشأ في عام 2012، والذي يتابعه أكثر من مليون و400 ألف شخص- تدوينة مثيرة شٌوهدت أكثر من 500 ألف مرة، تقول: “لم نترك الكويت 1990 ولم نترك مصر والبحرين 2011 ولم نترك اليمن 2015… وبالتأكيد لن نترك الأردن 2024… معك معك يابو حسين و #معاك_يالاردن”.
في العادة، ينشر الحساب تدوينات دعائية لقادة السعودية، ويروج للمواقف الرسمية للمملكة، فضلًا عن دوره البارز في حملات التشويه والتصيد.
دارت التدوينات المنشورة في الهاشتاغ حول نقاط رئيسة عدة، تتمثل في: تشويه المشاركين في التظاهرات قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان، واتهامهم بأنهم يعملون “لخدمة أجندات خارجية”، وأنهم “أذرع إيران وذيول حماس”، و”خونة وعملاء لحماس الإرهابية”، مع وصفهم بأنهم “الزمرة الطاغية حزب الحشاشين ما يسمى حزب الإخوان الإرهابي”، إلى جانب مهاجمة فصائل المقاومة في غزة، واتهامهم بالتسبّب في تدمير غزة، والإشادة بقمع أجهزة الأمن الأردنية للتظاهرات.