مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

حروب رقميّة حول “موسم الرياض” أثناء الحرب على غزّة

حروب رقميّة حول “موسم الرياض” أثناء الحرب على غزّة

يكشف تحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي عن حملات منسقة تدافع عن السعودية بسبب تنظيمها موسم الرياض بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. شاركت في الحملات جيوش افتراضية وحسابات مشبوهة وهاشتاغات ساهمت في قسم الرأي العام وكشفت عن العلاقة بين سلطة رأس المال والمواقف الشعبية والسياسيّة في كل من مصر والسعوديّة.

 

أشعل “موسم الرياض” الترفيهي الذي تزامن مع الحرب على غزّة موجة انتقادات ضخمة للمملكة العربية السعوديّة وتركي آل الشيخ. إذ غابت عن الموسم مظاهر التضامن مع غزة وسكانها، إلى حد اتهام موسم الرياض بمحاولة التعتيم على الحرب التي تشنّها إسرائيل، خصوصاً أن الكثير من التحليلات أشارت إلى  أن الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، كان هدفه عرقلة جهود التطبيع بين المملكة العربية السعوديّة وإسرائيل.

امتلأ الفضاء الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي بصراع حملات متعددة، بعضها يدافع عن المملكة، والآخر يهاجمها، محاور هذه الحملات السعوديّة ومصر واليمن. جمعت الوسوم المستخدمة في هذه الحملات، مئات الآلاف من التدوينات، شارك بها عشرات الآلاف من الحسابات، التي لبعضها تاريخ طويل من الانخراط في حملات دعائية.

غزة تباد والرياض تحتفل

ظهر وسم #غزة_تباد_والرياض_تحتفل في 28 أكتوبر/ تشرين الأول، جمع الوسم 449,861 تدوينة بمتوسط 32 ألف تدوينة يومياً. في حين ولّدت منشورات الوسم أكثر من 1.3 مليون حركة تفاعل على مختلف المنصات بمتوسط يومي قوامه أكثر من 94 ألف حالة تفاعل.

غالبية المنشورات كانت على منصة إكس (تويتر سابقًا)، ومصدرها  34 بلداً، وتمت مشاهدة التغريدات من قبل أكثر من 71.5 مليون شخص، في نطاق رؤية محتمل لـ قرابة 74 مليون شخص، حسب إحصاءات Meltwater.

سيطرت النبرة السلبية على 59.9% من المنشورات الموجودة في الوسم مقابل تدوينات إيجابية بنسبة 23.3%، والمحايدة 15.3%، وفقا لتحليل Meltwater لشرائح العواطف والانطباعات الواردة في الوسم على مختلف المنصات.

صدرت نسبة كبيرة من التدوينات من حسابات غير معروف موقعها الجغرافي، بما يساوي 309 آلاف تدوينة. ما يعتبر مؤشرًا على نسبة كبيرة من التلاعب في نشاط الهاشتاغ.  تصدرت كثافة التدوين على الوسم السعوديّة تليها مصر والجزائر في حين حلت الهند في المرتبة الأخيرة.

حتى 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، شارك 220,619 حسابًا في موجة التدوين، في وقت أسهمت حسابات بعينها في تضخيم ورواج الوسم، ضمت القائمة أسماء شخصيات افتراضية بارزة، منهم الكاتب الصحفي اليمني أنيس منصور، مُطلق الحملات الإلكترونية البارز المقرب من تيار الإصلاح (الإخوان) في اليمن، إضافة لحساب (هنا عدن)، ومختار الرحبي السكرتير الصحفى السابق للرئاسة اليمنية مستشار وزير الإعلام اليمني رئيس مجلس إدارة قناة المهرية الفضائية، وصالح منصر اليافعي رئيس تحرير موقع المشهد الجنوبي، وحمزة الحسن عضو ما يسمى “الهيئة القيادية في “لقاء” المعارضة في الجزيرة العربية”.

شارك الفنان المصري عمرو واكد، والإعلاميين المصريين معتز مطر وأسامة جاويش، والمقرئ مشاري بن راشد العفاسي، والإعلامي اللبناني المقرب من حزب الله حسين مرتضى، والمؤثر الإسرائيلي المثير للجدل والمعلومات المضللة، إيدي كوهين، والمؤثر تركي الشلهوب، كلهم كتبوا تدويناتهم أصيلة أو ريتويت لتدوينات نشرها آخرون.

اليمن تنشط على تيليغرام

ظهر نشاط منسق لقناة “الإعلام الشعبي اليمني”، إحدى قنوات جماعة الحوثي عبر تطبيق التراسل الفوري (تلغرام)، التي عادة ما تستخدم في تسيير وتنسيق الحملات الإلكترونية الحوثية، إضافة إلى مشاركة محتوى وسائل الإعلام المرتبطة بالقوى الإقليمية الموالية لإيران في المنطقة، قبل ظهوره في منصات أخرى.

في قناة “الإعلام  الشعبي اليمني”، لاحظنا 16 منشوراً وملصقات ومواد مصورة تم نشرها في وقت لاحق، من حسابات يمنية حوثية عبر موقع “إكس”، وذلك بوتيرة متكررة ومتطابقة. تظهر طبيعة نشاط بعض الحسابات أنها وهمية، أي غير مملوكة لأشخاص حقيقيين وتدار بشكل آلي إلى جانب حسابات تحمل علامة التوثيق الزرقاء المدفوعة.

في اللقطات أدناه، استخدمت القناة الحوثية تقريرًا مصورًا لقناة “المنار”، الناطقة باسم حزب الله، حول موسم الرياض، مع تنسيق منشورات تم بثها عبر الوسم. كما نشطت بنقل محتوى حسابات إعلاميين ومؤثرين آخرين مرتبطين بالجماعة أو حزب الله.

كما ساهمت القناة، التي تضم حوالي 23 ألف مشترك، في ترويج رسوم ساخرة على الوسم، منها لرسام الكاريكاتير اليمني كمال شرف. 

“هجمة مرتدة سعودية من “الأرشيف

احتلت مصر المرتبة الثالثة بعد اليمن والسعودية، من حيث حجم التدوينات الصادرة من الدول الثلاث على وسم #غزة_تباد_والرياض_تحتفل، بدا أن التكتلات المعروفة بحملاتها الدعائية للمواقف الرسمية السعودية، أرادت إطلاق حملة مضادة لمصر للرد على بقاء الوسم الأول لعدة أيام في قائمة الموضوعات المتداولة على مستوى المنطقة العربية، فضلا عن الجدل الذي أثاره اعتذار الفنان محمد سلام عن المشاركة في مسرحية “زواج اصطناعي” خلال موسم الرياض. 

في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني، أخذت وتيرة التدوين على #غزة_تباد_والرياض_تحتفل بالانخفاض، بحسب مؤشرات Meltwater، في حين ظهر وسم مشابه في نفس اليوم، هو #غزة_تباد_ومصر_تحتفل. وحتى صباح 9 نوفمبر، كان هناك 45,117 تدوينة على الهاشتاغ الثاني، نسبة 55.5% منها جاءت في صورة تدوينات مُعاد نشرها (ريتويت/ ريبوست)، بينما شكلت التدوينات الأصيلة نسبة 14.5%. شٌوهد الهاشتاغ بمعدل 9 ملايين و993 ألف مرة على الأقل، وكان في نطاق رؤية محتمل من جانب 24 مليون شخص.

شارك في تنشيط وتضخيم الهاشتاغ حسابات سعودية يسميها البعض “وطنية”، بعضها يشارك في أنشطة “الجيش السلماني الإلكتروني”، اللاعب البارز للأنشطة غير الأصيلة وحملات التصيّد والتشويه ضد منتقدي المملكة على شبكات التواصل الاجتماعي.على سبيل المثال، استخدم حساب كولومبوس هاشتاغ #غزة_تباد_ومصر_تحتفل ونشر معه صور تجمع بين مشاهد من الأوضاع المأساوية في غزة وفعاليات مصرية، بعضها حدث قبل 8 سنوات.

يتابع حساب كولومبوس أكثر من 524 ألف متابع، وعادة ما ينشر تعليقات إيجابية عن السعودية ويهاجم الفلسطينيين وتركيا وإيران وجماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية.

يذكر أن منصة إكس سبق وأن  أوقفت حساب كولومبوس مؤقتا في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وسبق أن أطلق الحساب حملات داعية السعوديين إلى مقاطعة لبنان ومقاطعة المنتجات التركية، إبان الخلافات الدبلوماسية مع البلدين.

لعب أيضاً حساب دلال السبر @dalal_sa23،  دوراً في تنشيط الحملة، خصوصاً أنه يحظى بمتابعة شخصيات سعودية معروفة، مثل الكاتب تركي الحمد، وسكينة المشخيص، والمغرد السعودي المهتم بالشؤون العسكرية سليمان الدوسري.  حسب رصدنا، أغلقت منصة إكس وعطلت العديد من الحسابات لدلال السبر، بعد تدوينات ذات طبيعة “سياسية”، حسب دلال التي كما شاركت من قبل في حملات تصيد ومعارك إلكترونية مع حسابات فلسطينية.

اعتمدت هذه الحسابات طريقة “المعايرة” في حملة التدوين المضادة، واستدعت لقطات مصورة أرشيفية من شبكة الإنترنت ونشرتها باعتبارها ترتبط بأحداث حالية، مثل استدعاء لقطات رقص أشخاص خلال موسم الصيف بالساحل الشمالي، ومشاركتها على أنها تحدث “الآن”. وكذلك نشر إعلانات عن أحداث نخبوية لا تحظى عادة بمشاركة الجماهير ويحضرها عدد محدود للغاية.

محمد سلام وبيومي فؤاد و مرتضى منصور…سلطة رأس المال و ثمن  التعاطف

أثار رفض الممثل المصري محمد سلام المشاركة في مسرحية “زواج اصطناعي” ضمن موسم الرياض بسبب ما يحصل في غزة وما تشهده من دمار وقتل، آراء متضادة،  خصوصاً أن زميله بيومي فؤاد لم يتردد في مهاجمته بعض عرض المسرحيّة في الرياض، مؤكداً أن السبب في استمرار العرض هو تقديم الفن المصري لا “الفلوس”. أثارت هذه التعليقات حملة انتقادات وهجوم على بيومي، اضطرته إلى إغلاق صفحته على فايسبوك. 

اشتعل الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي إما للدفاع عن بيومي فؤاد أو انتقاده، إلى جانب الهجوم على السعوديّة التي لم تؤجل موسم الرياض. دخلت الصحافة السعودية في الجدل الدائر إذ نشرت صحيفتي “عكاظ” و”الرياض” البارزتين في المملكة، مقالات رأي وأخبار حول مصر وموسم الرياض. 

حافظت مقالات الرأي على نبرة الهدوء بشأن متانة العلاقة بين مصر والسعودية، إلا أنها هاجمت بضراوة “هؤلاء الذين يعانون من حالة انفصام في تبني المواقف وإبداء الرأي”، حسبما قال الكاتب خالد السليمان في مقاله: “موسم الرياض.. في عيون أعماها الرمد!”، المنشور بصحيفة “عكاظ” في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني. 

افتتح السليمان مقاله، بقوله: “بعد أن عاد من شارع الهرم إلى منزله مع تباشير الصباح الباكر، أمسك بهاتفه المحمول وبدأ يفكر بكتابة نص ينتقد فيه موسم الرياض، ونشره على منصة فيس بوك أو تويتر X، بالنسبة له أحداث غزة تجري في عالم منصات التواصل الافتراضية وليس الواقع الذي لا يبعد سوى 462 كيلومتراً عن الجونة و348 كيلومتراً عن شارع الهرم !”

وقال السليمان إن هؤلاء “لا يملكون تأثيرًا حقيقيًا في واقع الأمر، وتجارب عشرات السنين من الحملات التي شنوها ضد السعودية لم تحقق شيئاً مهماً، تعددت العناوين وتبدلت الأزمنة، ولم تجد صداها سوى عند جمهور وإعلام دكاكين الشعارات العربية، التي تختص بتجارة الظواهر الصوتية الكاسدة!”

في نفس عدد الصحيفة، نٌشر مقال ” إذا أضاءت الرياض لن تنطفئ القاهرة!” للكاتب محمد الساعد، الذي قال: “من غير المفهوم أن يأتي هذا الهجوم وبهذه الكثافة من بعض المحسوبين على الشقيقة مصر”.

وتابع: “لو كانت مجرد تدوينات عابرة في منصة «X» لقلنا لعلها معرّفات وهمية تحركها أيادٍ خارجية المقصود منها الوقيعة بين الشعبين، لكن هناك كم هائل من الرسائل المسيئة جدًا للسعودية بالصوت والصورة -والمسكوت عنها- تنتشر في منصات التواصل وتحمل كراهية وسباباً مقذعاً وغير مقبول بالمرة”. 

احتفت صحيفة “الرياض” بتدشين سعوديين وسم #كلنا_بيومي، وذلك “دعمًا وتضامنًا مع الفنان المصري القدير بيومي فؤاد بعد الإساءات التي تعرض لها، نتيجةً لمواقفه الإيجابية النبيلة والواضحة حيال مشاركته في موسم الرياض وما ذكره خلال مشاركته في مسرحية “زواج اصطناعي”، التي اعتذر عن المشاركة فيها الفنان محمد سلاّم.

A person speaking into a microphone Description automatically generated

حصد وسم #كلنا_بيومي 76 ألف تدوينة على الأقل، صدر 51 ألف تدوينة منها من حسابات غير معروف مكانها الجغرافي. وهي دلالة على وجود نشاط غير أصل داخل الوسم. وشارك في الكتابة على الوسم 39 ألف حساب.

كان لافتا، حشد نفس الحسابات المشاركة في تضخيم وسم #غزة_تباد_ومصر_تحتفل، في وسم بيومي فؤاد، مثل حساب كولومبوس، الذي كتب: “أرجو من الجميع دعم هذا الفنان المتألق من خلال المشاركة بهذا الوسم ومتابعة حسابه وهو الذي يتلقى حملة تشويه لأنه ذكر السعودية والسعوديين بالذكر الطيب، سيبقى بيومي الفنان والرجل المحب لنا ولمصر ولجميع النزيهين في الشعوب العربية”. 

شُوهدت هذه التدوينة مليون مرة على الأقل وجمعت آلاف التفاعلات.

دخل رئيس نادي الزمالك السابق مرتضى منصور على خط الجدل حول رفض الفنان المصري محمد سلام المشاركة في موسم الرياض، تصريحات مرتضى القريب من رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ عادة ما تثير ضجة على الشبكات الاجتماعية، إلا أن توجيهه انتقادات إلى سلام تبعه ظهور وسم جديد يهاجم الفنان. 

في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، نشر حساب مرتضى منصور مقطع فيديو بعنوان: “من وجهة نظري مش وقت تصفية حسابات.. قصة محمد وبيومي فؤاد”، وقال: “مفروض يا محمد زي ما أنت عملت العقد وأخدت العربون في السر تعتذر في السر عشان احنا مش جايين نعمل منظر خالص”.

أضاف أيضاً: “أنت كده أحرجت أي حد هيشتغل، طب لو هيشتغل في مسرح في مصر وهيضحّك، ولا هي القصة الرياض، طب لو هيشتغل في تونس، طب هيروح مهرجان جرش يبقي خاين وعشان كده زميلك بيومي فؤاد اللي أنا معرفوش شوف مكتوب عنه ايه الخاين العميل وكأنه هو اللي بيضرب أطفالنا بسببك أنت وأنت اللي عملت كده في زملائك”.

حصد فيديو منصور 116 ألف مشاهدة، وآلاف من حالات التفاعل على تيك توك.  بعد ساعات من بث الفيديو، في وقت مبكر من صباح 12 نوفمبر، ظهر هاشتاغ #مرتضى_منصور_يفضح_محمد_سلام، جامعًا 21,887 تدوينة على الأقل تمت مشاهدتها 24 مليون مرة على الأقل، إضافة إلى 14 مليون مرة أخرى محتملة، بحسب إحصاءات Meltwater.

ويظهر تحليل لمحتوى الهاشتاج أن ساعات بعينها كانت هي الأكثر نشاطًا، خاصة عندما كانت الساعة 1:12 صباح 12 نوفمبر، و6:50 و7:36 و9:13 و9:34 من صباح نفس اليوم.

إلى جانب 14 ألف تدوينة منشورة عن طريق حسابات غير معروف مكانها الجغرافي، احتلت السعودية المركز الأول من حيث عدد التدوينات بـ4.5 آلاف تدوينة، تليها مصر (975)، وحل اليمن ثالثًا (245). بالنسبة لنوع التدوينات في الهاشتاج، شكلت إعادة مشاركة المحتوى “الريتويت/ الريبوست” نسبة 69%، والردود 19% والتدوينات الأصلية (التي ليست في صورة ريتويت أو ردود) 7.2% فقط، وتلك المقتبسة 4.9%، حسب Meltwater.

شارك 13621 حسابًا على الأقل في موجة التدوين على هاشتاج مرتضى منصور، فيما كانت الحسابات ذات العدد الكبير من المتابعين، هي المؤثرة بشكل لافت. كما برزت حسابات تستخدم علامة التوثيق المدفوعة في موقع إكس (تويتر).

تضع بعض الحسابات علم السعودية أو صورة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وبعضها يكتب في المساحة التعريفية وسوم مثل #السعودية_العظمى و #السعودية_خط_أحمر، وهي ممارسة شائعة في الحسابات ذات النبرة القومية، التي تشارك في حملات إلكترونية. 

بعض هذه الحسابات موجودة منذ سنوات، لكنها نشطت بقوة مع المعارك الافتراضية بين المصريين والسعوديين، مثل حساب “المستشرفون العرب – @3rbscandal”، لديه حوالي 700 تدوينة فقط منذ إنشائه في عام 2017. ركز الحسابه على مهاجمة مصر والمصريين من خلال وسوم مختلفة.

يشار إلى أن بعض الحسابات التي استخدمت الهاشتاج لم تنشر بالضرورة تدوينات مؤيدة للهجة الهجوم السائدة، فبعضها استدعاه مع خطاب مغاير تمامًا. وتم الاستناد إليه في الحديث عن الأحداث في غزة، كما حساب نورة الحربي على سبيل المثال، وحسابات أخرى استخدمته في انتقاد الحكومة المصرية، مثل حساب “مصر المحتلة”.   

من غلا وسارة إلى كولومبوس

نشرت أول تدوينة على هاشتاج #مرتضى_منصور_يفضح_محمد_سلام من حساب يحمل اسم “كولومبوس”. تقول التغريدة: “لسان مرتضى يمثل العقل المصري الواعي والحر ولا عزاء لقطيع الاستشراف الذين تحركهم مؤسسات مصرية بأجندات معروفة”.

شُوهدت التغريدة، التي احتوت فيديو مرتضى منصور، أكثر من 20.3 مليون مرة، وولّدت أكثر من 12 ألف حالة تفاعل مختلفة. كما دفعت 5 آلاف حساب على الأقل إلى التغريد على الوسم، بحسب Meltwater.

على مدار السنوات الماضية، ظهر حساب يتحدث العربية ويحمل اسم المستكشف الشهير كريستوفر كولومبوس، الذي يعرف نفسه بأنه “شخصية تحب الاكتشاف بتسليط مجهرها على الإعلام المضاد واكتشاف الحقيقة المغيبة على الشعوب، لننشر الوعي ونُنزه أمتنا المجيدة (السعودية)”. 

ظهر الحساب في فضاء موقع إكس (تويتر سابقًا) في 16 يونيو/ حزيران 2015، إلا أن هويته تغيرت مرات عديدة، قبل أن يصبح كولومبوس، الذي يتابعه 531 ألف حساب. عندما فحصنا أرشيف محتوى الحساب وجدنا تغريداته المنشورة خلال سنواته الأولى، كانت محذوفة، لكننا مطالعة تفاعلات الأشخاص الآخرين معه بينت لنا العديد من الملاحظات.

لاحظنا أنه عند ظهوره في البداية، كان هاندل الحساب @Hh__oorr، ثم @kaii__gg في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015. خلال هذه الفترة، كانت الأحاديث الموجهة من حسابات – أغلبها يمنية – إلى هذا الحساب في صيغة “المؤنث”، أي يخاطبونها باعتبارها فتاة.

حتى ذلك الوقت لم يكن واضحًا لنا الاسم المنسوب للحساب، لكن مع تغيير هاندل الحساب للمرة الثالثة إلى @iiaiia__13 في سبتمبر/ أيلول 2016، كان البعض ينادون صاحبه باسم “غلا”، وهو ما أكده سكرين شوت (لقطة شاشة) أخذه أحد الأشخاص آنذاك للحساب، لنلاحظ أنه كان يسمى “غلا الحضرمية”. 

المفارقة أن الحساب كان يخوض معارك كلامية مستمرة مع سعوديين على تويتر، ويهاجمهم بكلمات نابية، حسبما يظهر جانب من المناقشات الموجودة حتى الآن. واعتاد الحساب التفاخر بأنه من حضرموت، وتكرار الحديث عن حضارتها، وهو ما كان أحد أسباب جداله مع السعوديين.

كان واضحًا أن حسابات سعودية كانت تشير إليها باعتبارها “يمنية” و من “الوافدين”، ما يعني أن الحساب المشكوك فيه، ربما أشار لنفسه حينها بأنه يعيش في السعودية. وفي بعض الأحيان، وسمتها بعض الحسابات بأنه حوثية. 

منذ نهايات عام 2017، حدثت تحولات جديدة لهوية الحساب، حيث أصبح اسم صاحبه “سارة” بدلا من “غلا”. ومن “كاتبة حضرمية” إلى “سعودية”، وهو ما لاحظه حساب سعودي ترك تعليقًا، في أبريل/ نيسان 2018، يقول: “كيف سعودية وكاتبة حضرمية 😞 أختى يقول المثل من خرج من جلده جاف (طلعت ريحته) المهم بن كهلان ما قصر بيض وجهه”.

كما تكشف التفاعلات أنه حتى مارس/ آذار 2018، كان الحساب يعرف نفسه بأنها فتاة “هاشمية حضرمية”، ويضع في ذلك الوقت صورة تجمع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، المعروف شعبيًا في اليمن باسم عفاش، وعبدالملك الحوثي زعيم جماعة الحوثي المرتبطة بإيران.

حافظ الحساب على هذه الوتيرة، من تغيير الهويات والتدوين باعتباره فتاة، إلى أن جاء ربيع 2020، فبدل الحساب اسمه وهاندله إلى @Columbuos.  غير معروف كيف وصل الحساب، الذي احتفظ فقط بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وحذف بقية أرشيفه للسنوات الماضية، إلى كولومبوس ومن يقف وراءه.   

ونشر الحساب تغريدة تمهيدية في 29 أبريل/ نيسان 2020، تقول: “بسم الله الرحمن الرحيم. استعنا بالله ولا شيء غيره، ننطلق بدوافع الاخوة وبدوافع حب الوطن والذود عنه. ترقبونا”. في نفس الفترة، دشن “كولومبوس” حسابات باسمه على منصات اجتماعية أخرى، مثل سنابشات تيك توك، وكان له قناتين على يوتيوب. 

اختلف محتوى الحساب مع الهوية الجديدة، سواء من حيث اختياره موضوعات مثيرة للجدل وتتبنى نظريات مؤامرة، ونشره دعاية سياسية، ومشاركته وإطلاقه هاشتاجات منسقة تدافع وتعبر عن المواقف الرسمية للسعودية، تنخرط فيها مجموعات افتراضية منظمة. 

إلى جانب تركيزه على قضايا وجوانب خلافية بين السعودية وبقية دول وشعوب المنطقة، لا سيما المصريين والفلسطينيين، حتى قبل وقوع الحرب في غزة. كما شارك بنشاط في حملات عديدة تنادي بمقاطعة شعبية للبنان وتركيا، بالتزامن مع أزمات دبلوماسية مع البلدين خلال السنوات الماضية. كما هاجم قطر وإيران وتيارات الإسلام السياسي.

كانت أولى تدوينات كولومبوس حينها عن فلسطين، عندما تطرق إلى “قصة الوثيقة المزورة… التي كُتبت على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله بشأن فلسطين واليهود”. وبعدها أعاد نشر تسجيل قديم يعود لعام 2014، منسوب لوزير خارجية عمان يوسف بن علوي والعقيد الليبي معمر القذافي، لإثارة الجدل حول “كيف خططوا لتدمير لحمة الخليج العربي” بمساع من قطر وسلطنة عُمان. وسبق أن علّق موقع إكس حساب كولومبوس لفترة من لوقت، بسب انتهاكه قوانينه، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

تكشف التحليلات السابقة عن حملات إلكترونية منسقة تهاجم السعودية بسبب تنظيمها موسم الرياض بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.  لعبت الحسابات اليمنية دورًا بارزًا في إطلاق وتضخيم الحملات المنتقدة للسعودية، ومن اليمن خرجت نسبة كبيرة التدوينات على وسم #غزة_تباد_والرياض_تحتفل.

ترافق الوسم السابق مع حملات سعودية مضادة تهاجم مصر وانتشر هاشتاغ #غزة_تباد_ومصر_تحتفل على خلفية اعتذار الفنان محمد سلام عن المشاركة في موسم الرياض. كما دافع وسم #كلنا_بيومي السعودي عن الفنان بيومي بسبب تمسكه بالمشاركة في مسرحية موسم الرياض، ومهاجمته لموقف محمد سلام.  ترافق ذلك مع  حملة إلكترونية منسقة تستند إلى تصريحات رئيس نادي الزمالك السابق القريب من رئيس هيئة الترفيه السعودية تركي آل الشيخ.  استخدمت الحسابات  أيضاً لقطات أرشيفية من شبكة الإنترنت باعتبارها من فعاليات مصرية تحدث في الوقت الحالي، بغرض مقارنته بفعاليات موسم الرياض الجاري بالتزامن مع أحداث غزة.