ظهر الرئيس المصري إلى جانب المستشار الألماني أولف شولتز، في مؤتمر صحفي في القاهرة، أطلق خلاله عبدالفتاح السيسي تلميحًا لمظاهرات محتملة في البلاد احتجاجاً على مقترحات إسرائيلية بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، والتعبير عن تأييد الحكومة في موقفها من التطورات الجارية في غزة. قال السيسي: “إذا استدعى الأمر أن أطلب من الشعب المصري الخروج للتعبير عن رفض هذه الفكرة فسترون ملايين من المصريين للتعبير عن رفض (تهجير الفلسطينيين إلى سيناء) ودعم الموقف المصري في هذا الأمر”.
أطلق السيسي تصريحه في الحادية عشرة صباحاً بتوقيت القاهرة، وتناقلت صفحات( تعتبر جزء من ماكينة البروباغاندا الرئاسيّة) هذه الكلمات بوصفها “صيغة تفويض”، تناقلتها وسائل الإعلام المملوكة لأجهزة سيادية، مصحوبةً بظهور وسوم بنفس المعنى، قبل أن يتوج هذا النشاط المنسق بإعلان البرلمان، الخميس، تفويضه الرئيس في اتخاذ “إجراءات لحماية الأمن القومي”.
ظهرت أولى الدعوات لـ”تفويض” السيسي في الواحدة ظهرًا، بعد ساعتين من المؤتمر. إحدى أبرز هذه الدعوات جاءت عن طريق صفحة “الوعي نور” على فيسبوك، إحدى صفحات البروباغندا المملوكة لليوتيوبر محمد نور، التي يتابعها أكثر من مليون شخص. وله حسابات أخرى على مواقع التواصل.
كتب محمد نور في تعليق مصحوب بالبث المباشر: “السيسي يعلن الحرب.. عاجل: السيسي يطلب تفويض شعبي لمحاربة إسرائيل”. شاهد البث حوالي 380 ألف شخص. وتجدر الإشارة إلى أن نور يستخدم عادةً عناوين صفراء لجذب الجمهور لمشاهدة مقاطع الفيديو وفقرات البث المباشر.
افتتح نور البث بقوله إنها المرة الثانية التي يطلب فيها الرئيس تفويضًا، قائلا: “الرئيس بيقول احتمال أطلب تفويض من الشعب المصري للنزول للتعبير عن رأيه… الرئيس بيقول الشعب المصري 105 مليون، وممكن يطلب تفويض من الشعب المصري والناس هتنزل بالملايين في الشارع لتأييد الدولة في قراراتها التي من شانها حماية الأمن القومي المصري وحماية القضية الفلسطينية”.
مع إنهائه البث المباشر، ترك نور في التعليقات صورة لصيغة تفويض الرئيس، قائلا: “اللي جاهز ينزل يفوض الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة يكتب تعليق ويعمل شير للفيديو.. كلنا دلوقتي جنود جاهزين للتحرك لحماية بلدنا”.
حوالي الساعة الرابعة عصرًا، نشرت صحيفة الوطن، المملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التابعة لأحد الأجهزة السيادية، ملصقات بنفس الصيغة الدعائية التي نشرها محمد نور في صفحته. وزادت الصحيفة بأن نشرت ملصقات مماثلة بلغات أجنبية، قائلة: “بكل لغات الأرض.. المصريون يفوضون السيسي في حماية مصر وعملية السلام”.
بشكل يبدو منسقًا، ظهر يوتيوبر آخر داعم للرئيس بعد ساعتين من بث محمد نور، واستخدم أحمد مبارك نفس عبارات سلفه، وكتب في عنوان بثه المباشر: “عاجل! السيسي يعلن الحرب! ويطلب تفويض شعبي لإلغاء اتفاقية السلام ودخول الجيش المصري لحماية قطاع غزة وسيناء!” وترك مبارك ملصق صيغة التفويض أيضًا في التعليقات للمساهمة في ترويجه.
يوم السبت بالتزامن مع دخول أول شحنة مساعدات إلى قطاع غزة، ظهر في صورة مشتركة على معبر رفح كل من نور ومبارك، إلى جانب محمود طلبة، الذي سبق أن اشتبك كلاميًا مع الكاتب والسياسي خالد داوود خلال الحوار الوطني. كما ظهر الثلاثة في جولات الرئيس المصري. ويعد ثلاثي اليوتيوبرز من بين أبرز الشخصيات النشطة في الماكينة الدعائية على الشبكات الاجتماعية.
حشد وتضخيم
أثناء موجة الحشد لصالح الترويج لحاجة الرئيس المصري إلى تفويض، ظهر هاشتاغ #١٠٥_مليون_بيفوضك_ياسيسي، مستدعيًا أرقام الرئيس لعدد سكان مصر عندما كان يتحدث خلال مؤتمره مع شولتز. سجّل فيسبوك أول ظهور للوسم تقريبًا، عن طريق صفحة اليوتيوبر محمود خليل، في الساعة 2:11 ظهر الأربعاء، وفقا لأداة Crowd Tangle. آنذاك، ظهر خليل في مقطع فيديو، ساهم كما اليوتيوبرز الآخرين، في تضخيم تصريحات السيسي، والدعوة لتفويضه.
عبر فيسبوك، كان هناك 245 تدوينة على وسم #١٠٥_مليون_بيفوضك_ياسيسي، حصدت 5564 حالة تفاعل، وفقا لـ Crowd Tangle. لا تشمل إحصاءات الأداة تلك التدوينات المنشورة في الحسابات الشخصية، لكنها تجري مسحًا للصفحات والجروبات فقط.
لعبت الصفحات والجروبات دورًا لافتا في ترويج الوسم والانتقال به إلى منصات أخرى، مثل تويتر. من بين أسماء الصفحات: “التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا، جريدة الدستور، أمن قومي، الجيش المصري رجال، صقور المخابرات المصرية، إنجازات الزعيم عبدالفتاح السيسي، كلنا الجيش المصري”. استخدمت هذه لصفحات نفس الوسم، وروجت إلى مظاهرات و”حشد جماهيري” الجمعة الماضية، في “المناطق المصرح التجمع بها في كافة المحافظات”، للتعبير عن “دعم الدولة والقيادة السياسية في مواقفها التاريخية”.
شهدت تلك المناطق تجمعات حاشدة بالفعل، في وقت غردت مظاهرات تضامنية منفردة بعيدًا عن السرب بشعار “المظاهرة دي بجد مش تفويض لحد”. إحداها كانت كبيرة العدد، ووصلت إلى ميدان التحرير – لم يكن في قائمة أماكن التظاهر – في لفتة نادرة الحدوث منذ عام 2013، قبل أن يفرقها الأمن ويعتقل عشرات شاركوا فيها، بينما لم تشهد المظاهرات التي حملت صور الرئيس وعلمي مصر وفلسطين حدوث اعتقالات.
لم يتم الإعلان بشكل رسمي عن أماكن هذه التظاهرات، لكن هذه القائمة لقيت رواجًا كبيرًا عبر هذه التجمعات الافتراضية.
العبور إلى تويتر
بينما أطلقت صحف وصفحات اليوتيوبرز ضربة بداية الترويج لتفويض الرئيس، التقطت تكتلات منصة إكس (تويتر سابقًا) المرحلة الثانية على ما يبدو من حملة التعبئة لنفس الغرض.
عند الساعة 3:29 عصرًا، أعلن باسم بخيت، الذي يلقب نفسه بـ”المايسترو” وأبرز مُطلقي صافرة حملات البروباغندا في مصر، موجة التدوين عبر هاشتاغ #١٠٥_مليون_بيفوضك_ياسيسي. ونشر تغريدة تحتوي الوسم، وصيغة التفويض التي ظهرت في صفحات اليوتيوبرز عبر فيسبوك.
وفي تغريدة لاحقة خاطب دائرة الحسابات المرتبطة به، قائلا إنه “الهاشتاج الرسمي ياشباب ونلبي النداء”. ودعا باسم دائرته إلى القيام بـ”رتويت ولففوها الكوكب”، أي إعادة نشر الهاشتاغ، وهي إحدى آليات الحشد المنسق غير التلقائي للتضخيم الهاشتاغات إلى حين ظهورها في قائمة الترند أو الموضوعات الأكثر تدولا في تويتر.
دعوة باسم تؤكدها إحصاءات Meltwater، الرائدة في تحليل محتوى شبكة الإنترنت، حيث حازت التدوينات التي جاءت في صورة ريتويت أو ريبوست، النسبة الأعلى من حيث نوعية المنشورات عبر الهاشتاغ.
شكل الريتويت نسبة 48.7% من إجمالي التدوينات، تليها الردود (32%)، حيث لوحظ أن بعض الحسابات تقوم بكتابة تدوينات متتالية مكررة ومجردة تحتوى الهاشتاغ فقط، في تعليقها على تدوينات الحملة.
أظهرت تغريدات لاحقة لـ”المايسترو”، أن الوسم دخل قائمة الترند في الساعة 4:36 عصرًا، ثم بات في الصدارة بإجمالي تدوينات بلغ وقتها 3172 تدوينة، وذلك عند حلول الساعة 6:29 مساء الأربعاء 18 أكتوبر/ تشرين الأول. وهو معدل قياسي في أقل من 3 ساعات، يعني أنه في كل ساعة كانت هناك 1057 تدوينة، أي 17 تغريدة في الدقيقة الواحدة.
منذ ظهوره حتى يوم 24 من الشهر الحالي، احتوى الهاشتاغ 38404 تدوينة بمشاركة 14508 حسابات، وتمت مطالعة أكثر من 5 ملايين مرة، وأصبح في نطاق رؤية محتمل من جانب أكثر من 10 ملايين حساب، وفقا لـMeltwater.
لعبت حسابات أخرى دورًا بارزًا في تضخيم الهاشتاج، لا سيما أنها تحظى بمتابعة عشرات الآلاف من الحسابات. منها، حساب صحيفة الدستور ElDostorEgypt@، الذي نشر وحده 58 تدوينة. ونشر عبدالواحد عاشور AA_Ashour@، مدير التحرير السابق لوكالة أنباء الشرق الأوسط، 47 تدوينة، ودندراوي الهواري dandrawy_hawary@، رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة اليوم السابع، 10 تدوينات في صورة “ريتويت”، مع 4 تدوينات من حساب محمد الديسطي yehia5yehia@، مدير السوشيال ميديا في موقع البوابة نيوز وصاحب حساب البروباغندا (إنجازات مصر – engazatmasr2020@).
ومن بين كانت الحسابات الأكثر نشاطًا: _SOLA_a6@ (619 تدوينة)، A3A3A3A123@ (259 تدوينة)، Esll7970Gladii@ (514 تدوينة)، ClosedHeart20@ (219 تدوينة). ترتبط هذه الحسابات ببعضها البعض، وسبق أن شاركت في حملات دعائية للحكومة والرئيس، مع حملات أخرى لمهاجمة منتقديه.
وفقا لـMeltwater، كان هناك أكثر من 23 ألف تدوينة صادرة من حسابات غير معروف مكانها الجغرافي، في حين صدرت 10 آلاف تدوينة من حسابات داخل مصر، تليها في الترتيب السعودية وسوريا والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة والكويت وإيطاليا، بمئات التغريدات لكل بلد.
في هذه الأثناء، حتى قبل تدوينات المايسترو، كان البرلماني والإعلامي مصطفى بكري يلمح عبر منصة إكس، إلى أن مجلس النواب يتجه إلى إعلان تفويضه للسيسي. ولاحقا تبعه إعلاميون آخرون كما أحمد موسى.
تزامن مع ذلك إصدار تحالف الأحزاب المصرية، وهو تحالف يضم 42 حزبًا معروفًا بتأييده للرئيس ولا يحظى بثفل سياسي، بيان يعبر فيه عن تفويضه للسيسي. كما سلطت مواقع إخبارية مرتبطة بالحكومة وأجهزة سيادية، المزيد من الضوء على هاشتاع التفويض، منها مواقع “اليوم السابع، الجمهور، مبتدأ، مستقبل وطن نيوز”.
بعد ساعات من الصخب والحشد عبر الشبكات الاجتماعية، أوردت مواقع إخبارية أن البرلمان بغرفتيه (مجلسى النواب والشيوخ) قرر تفويض الرئيس عبد الفتاح السيسي، “في كل ما يراه لازمًا للوقوف بجانب الأشقاء فى فلسطين وحماية الأمن القومى المصري والعربي”
يكشف التحليل أن هناك حملة مرتبة لتعبئة وتهيئة المناخ الافتراضي قبل إعلان البرلمان المصري تفويضه للرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي لم يطلب بصورة مباشرة تفويضاً خلال تصريحاته، لكن صفحات وتجمعات إلكترونية موالية له فسّرت الأمر على هذا النحو. طبيعة وتوقيت نشاط الحملة لا يشير إلى أن ظهورها كان تلقائياً، كونها جاءت بعد وقت قصير من إدلاء الرئيس بتصريحات في حضور المستشار الألماني.
توالي ظهور مجموعة اليوتيوبرز بشكل متتابع وتوزيع وقت ظهورهم في بث مباشر أو مقاطع فيدييو في يوم 18 أكتوبر/ تشرين الأول، ربما تشير إلى أنه جرى الترتيب لهذه الحملة حتى قبل أن يدلي السيسي بتصريحاته. كما حرص اليوتيوبرز على ترويج ونشر “صيغة تفويض” الرئيس الموحدة، ثم قيام بعض وسائل الإعلام بالمساهمة في ترويجها بلغات مختلفة.
في مرحلة لاحقة، تولت تكتلات نشطة عبر فيسبوك وتويتر مهمة الصعود بهاشتاغ #١٠٥_مليون_بيفوضك_ياسيسي إلى صدارة قائمة الموضوعات الأكثر تداولا في وقت قصير عن طريق الضخ المرتب لأكثر من 3 آلاف تغريدة، قبل أن وصول إجمالي التدوينات المنشورة فيه بمنصة إكس إلى أكثر من 38 ألف تدوينة.