مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

السودان… من يقف وراء حملة رفض الهدنة؟

السودان… من يقف وراء حملة رفض الهدنة؟

ظهرت حملات إلكترونية مؤيدة للجيش السوداني تصف الهدنة بأنها “خيانة عُظمى”، مستندة في روايتها إلى انتهاكات الطرف الآخر للقتال، برغم الانتهاكات التي رصدتها تقارير حقوقية تورطت فيها القوات المسلحة السودانية.

منذ اندلاع النزاع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف نيسان/ أبريل، فشلت محاولات تثبيت الهُدن المُعلنة أكثر من مرة في البلاد التي مزقها القتال، مسقطاً أكثر من ألفي قتيل وآلاف المصابين.

فيما نادى سودانيون في داخل البلاد وخارجها، بوقف وتيرة الحرب الدائرة، كان هناك رديف إلكتروني يدعو إلى مواصلة المعارك ويسعى إلى تضخيم رواية كل طرف للنزاع.

وظهرت حملات إلكترونية مؤيدة للجيش السوداني تصف الهدنة بأنها “خيانة عُظمى”، مستندة في روايتها إلى انتهاكات الطرف الآخر للقتال، برغم الانتهاكات التي رصدتها تقارير حقوقية تورطت فيها القوات المسلحة السودانية. 

ماذا حدث؟

ارتبطت بدايات ظهور وسم #الهدنة_خيانة_عظمى بانفجار الأحداث بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في أيار/ مايو 2021، ومن بعدها الإعلان عن هدنة عام 2022 بين التحالف العربي وجماعة الحوثي في اليمن، عندما عبّر مغردون عن رفضهم الهدنة، سواء مع إسرائيل أو المملكة العربية السعودية، قائدة التحالف العربي.

حينها، كانت التغريدات محدودة على الوسم، إلا أن الوسم لم ينتشر بشكل لافت سوى مع الحرب في السودان، لا سيما في نهايات حزيران/ يونيو. في غضون نفس الفترة، نشطت وسوم أخرى، مثل #لا_للهدنة #لا_للهدن.

ارتبط نشاط الوسوم بالدعوة إلى تظاهرات تحمل شعار “جمعة الغضب”، شهدت خروج سودانيين إلى شوارع الخرطوم ومدن أخرى يوم الجمعة 23 حزيران/ يونيو. 

عبّرت الدعوات للتظاهر عن دعم الجيش السوداني وتوجيه انتقادات إلى “قحت” في إشارة إلى قوى إعلان الحرية والتغيير، التي قادت الاحتجاجات ضد نظام عمر البشير.   

بينما ألقى مغردون سودانيون باللوم على “الكيزان” أو فلول النظام السابق، في الدعوة إلى التظاهر وسط استمرار المعارك.  

الأكثر تأثيراً 

شارك في حملة التغريد حسابات كانت منخرطة في حملات إلكترونية سابقة. وتضع الحسابات صوراً تعريفية تتضمن شعارات داعمة للجيش السوداني.

تُبين عينة من 1792 تغريدة في “تويتر” – أتاحتها أداة Netlytic –  أن وسم #الهدنة_خيانة_عظمى قد استخدمه 825 حساباً على الأقل، في حين كشفت عينة أخرى من 2027 تغريدة في وسم #لا_للهدنة أن 1125 حساباً على الأقل قد شارك في موجة التغريد عليه.

بحسب الرسم التحليلي التوضيحي أدناه من Gephi، فإن أكثر الحسابات النشطة على وسمي #الهدنة_خيانة_عظمى و#لا_للهدنة، هي: “khabir30 ،@saramubael ،@moneershareef، ،@zainab_wad ،@amnaalhuss20400 ،@ahmed002244 AbasharElhassan@ ،@sami1rx.

رسم توضيحي لمشهد التفاعلات عبر #لا_للهدنة والحسابات البارزة المؤثرة في الوسم – أداة Gephi

للوهلة الأولى، تُظهر تفاعلات الحسابات الأكثر نشاطاً على الوسمين أن شبكتين مختلفتين تعملان على تضخيمهما، لكن على الهامش ظهر حساب عباس محمد @abbasmo77873890 الذي كان مشاركاً في كلا الهاشتاغين. 

وفي فيسبوك، كان هناك 897 منشوراً في وسم #الهدنة_خيانة_عظمى منذ اندلاع القتال في السودان، فيما بلغ إجمالي التفاعلات الناتجة عنها 365,542 حالة تفاعل. 

أما هاشتاغ #لا_للهدنة، فاحتوى 229 منشوراً جمع تفاعلات قوامها 9,744 حالة تفاعل، وفقاً لأداة Crowdtangle.

يشار إلى أن هذه الإحصاءات لا تشمل سوى ما ينشر في المجموعات أو الغروبات والصفحات والحسابات الموثقة، بينما لا تُظهر أداة ما نُشر في حسابات الأشخاص العاديين. 

لقطة شاشة للمنشورات على وسم #لا_للهدنة – أداة Crowd Tangle

ما آليات تضخيم الوسوم؟

اعتمدت حسابات وصفحات الحملة الرافضة للهدنة على جروبات فيسبوك في زيادة انتشار الهاشتاغات. وتخطى عدد مشتركي الجروبات أكثر من 100 شخص على الأقل، وحاول مؤيدو الجيش السوداني الاستفادة من هذه الأعداد في لفت الأنظار والدعوة إلى المشاركة في موجة التدوين عليها. 

بعض هذه الغروبات تشير إلى أسماء كيانات سياسية وعسكرية، وهي ليست مجموعات رسمية تابعة لها، مثل “قوى الحرية والتغيير، القوات المسلحة السودانية، جيش الانصرافي، دعم الجيش السوداني”.

كما ساهمت صفحة Ta-Seti، التي يتابعها 319 ألف شخص، في نشر وسم #الهدنة_خيانة_عظمى، حيث كانت من الصفحات النشطة بكثافة على الهاشتاغ. 

يعتمد صاحب الصفحة على العديد من الأشياء، مثل البث الصوتي المباشر ومقاطع الفيديو والصور، في زيادة معدلات التفاعل مع الصفحة، التي تتبنى خطاباً مؤيداً للجيش.

توضح خاصية الشفافية في فيسبوك أن الصفحة منذ مايو/ أيار 2021، وكانت تحمل وقتها اسم ” – الدسوقي الشيخ aldisugi mahguob”، ثم تحولت إلى ” Ta-Seti” في فبراير/ شباط 2023.

يقدم مالك الصفحة معلومات متناقضة عن مكانه مع اختلاف حساباته على الشبكات الاجتماعية، ففي صفحة فيسبوك يتضح أنها تدار من السويد ومكانين آخرين مجهولين. 

وبينما توضح بيانات قناته على يوتيوب أنه صادرة من قطر، يقول في حسابه على تويتر إنه يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية.

كان صاحب الحساب يستخدم نفس الصور الكارتونية أدناه كصورة تعريفية لصفحته (تا سيتي) على فيسبوك، قبل أن يغيرها إلى صورة قتيل الجيش الشهير على تطبيق تيك توك، عثمان مكاوي. 

إلى جانب حسابات شخصية على فيسبوك، بعضها يضع شعارات للجيش السوداني، كانت تدعو متابعيها إلى تدشين حسابات في تويتر مع “انسخ والصق (الهاشتاغات) دعماً للحسم العسكري”. 

لا تظهر التفاعلات وجود حسابات وهمية لافتة مستخدمة في هذه الحملة، إلا أن ممارسات بعض الحسابات كانت تشبه سلوكيات الحسابات الآلية، مثل tarigwaksa@، الذي اعتاد تنشيط مجموعة من الوسوم معاً عن طريق الردود أو من خلال خاصية التغريدة المقتبسة.

من يدعم رفض الهدنة؟

تركز محتوى الوسوم الرافضة للهدنة والمؤيدة للجيش على توجيه انتقادات للمعارضة واتهامها بالخيانة والعمالة، بخاصة قوى إعلان الحرية والتغيير، مع بث منشورات تعبر عن خطاب مؤجج للحرب ويرفض الهدنة، وانتقاد التغطية الإخبارية لوسائل إعلام عربية، مثل قناتي “العربية والحدث” السعوديتين، إضافة إلى نشر مقاطع فيديو بعضها دموي من المواجهات الدائرة على الأرض. فضلاً عن شائعات وأخبار غير صحيحة.

تشير تفاعلات الحسابات والصفحات المشاركة في الحملة إلى قطاع بارز من المشاركين في الحملة، مؤيدون للجيش السوداني ويميلون إلى “الكيزان” ويهاجمهون “قحت”، بما في ذلك الاعتماد على “الميمز” والصور الساخرة. 

على جانب من التفاعلات مع وسم #لا_للهدنة، برز حساب AbasharElhassan@ الذي عرف نفسه بأنه مؤثر اجتماعي، وأشار إلى حساب حزب بناء السودان (تحت التأسيس)، في المساحة التعريفية للحساب.

ظهر الحزب للمرة الأولى إبان عهد البشير عام 2018. يشير أحد المقالات المنشورة في صحيفة “الراكوبة” السودانية إلى أن الحزب قريب من “الكيزان” بقيادة “الشباب الإخواني” ممن درسوا خارج البلاد، بينما يقدم الحزب نفسه بأنه عابر الأيديولوجيات ويركز على وضع حلول لمشكلات الدولة السودانية. ويعتبر أحد الأحزاب الموقعة على إعلان الحرية والتغيير.

ونشطت وسوم أخرى موجهة إلى مهاجمة “قحت”، تزامنا مع الوسوم الرافقة للهدنة. كانت الحسابات المشاركة في الهاشتاغات الأخيرة هي نفسها المشاركة في وسوم مهاجمة قحت.

من هذه الوسوم: #قحت_لاتمثلني، #قحت_تدمر_السودان، #خيانة_قحت”، اللذان نشطا على “فيسبوك” و”تويتر” في نهايات حزيران. 

على الوتيرة ذاتها، ارتبطت الحسابات ذاتها بالدعوة إلى المشاركة في مظاهرات جديدة بشعار “جمعة الاستنفار” في 30 حزيران بعد دعوتها للمشاركة في تظاهرات “جمعة الغضب” في يوم 23 من الشهر نفسه.

كان حزب المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم السابق لنظام عمر البشير، من أبرز الداعين للمشاركة في “جمعة الاستنفار”، واحتوى بيان دعوته للتظاهر هاشتاغات جرى ترويجها من حسابات مؤيدة للجيش والإسلاميين في الفضاء الافتراضي، منها #جمعة_الاستنفار، #جمعة_الاستنفار_لتحرير_السودان، #جبهة_المقاومة_الشعبية_السودانية، #الاستنفار_لتحرير_السودان.

لا يدير أنصار الجيش السوداني وحزب المؤتمر الوطني حملات إلكترونية وحدهم، فعلى الجانب الآخر يقف جيش من الصفحات والحسابات الوهمية وراء الأنشطة الدعائية لقوات الدعم السريع. 

سبق أن كشفنا كيف أسهمت شائعات أطلقتها حسابات موالية لقوات الدعم السريع في اندلاع أزمة قاعدة مروي الجوية العسكرية، بسبب تواجد قوات مصرية فيها، ومنها إلى انفجار أعمال القتال منذ أبريل/ نيسان الماضي. 

وما رافق الأيام الأولى للأحداث من تضخيم بهدف المبالغة في إظهار تأثير الدعم السريع. وضخت الحسابات الوهمية مئات الآلاف من التغريدات والمنشورات إبان هذه الفترة الزمنية.

إلى جانب التفاعلات غير الأصيلة الصادرة من حسابات وهمية مع ما تنشره صفحات الدعم السريع، بعضها كان يحمل أسماء عربية وإنكليزية وهندية وإسبانية، كانت قد بثت تغريدات باللغتين العربية والإنكليزية.

خلاصة:

– حملة إلكترونية متنوعة الوسوم للتعبير عن رفض الهدنة أو المفاوضات مع قوات الدعم السريع.

– عبرت الحملة عن انتقادات موجهة إلى القوى المدنية، خاصة قوى إعلان الحرية والتغيير.

– تضمن خطاب الحملة نبرة تخوين واتهامات بالعمالة لقوى المعارضة، مع اتهامها بدعم القوات الدعم السريع. 

– دعم الحملة الشاملة مؤيديون للجيش السوداني وأنصار النظام السابق، بما في ذلك حزب المؤتمر الوطني.

– اعتمدت الحملة على “مجموعات” ذات أعداد ضخمة من المتابعين عبر فيسبوك في زيادة انتشار الهاشتاغات.

– شاركت بعض الحسابات المؤثرة في الهاشتاغات في وسوم مختلفة.

– بعض الصفحات المؤثرة في حملة التدوين على الهاشتاغات في “فيسبوك”، كانت المعلومات المتاحة عنها متضاربة.

الأدوات المستخدمة:

– Netlytic

– Twitter Search

– Tweetdeck

– Gephi