واكب الجيش الإلكتروني التابع لـ”حزب الله” جلسة الانتخاب التي فشلت بإيصال رئيس للجمهورية اللبنانية، إذ شن حملة ضد المرشح جهاد أزعور عبر حسابات بعضها وهمي، وبعضها حمل اسم أصحابه على “تويتر”. هنا تفاصيل هذه الحملة الالكترونية.
تغرد نسبة كبيرة من الحسابات المشاركة في الحملة من لبنان، مع أخرى بثت تغريداتها من إيران والعراق واليمن. إلى جانب طيف من حسابات كتبت عبارات في مساحة الموقع الجغرافي المحددة لحسابات “تويتر”، مثل “في تنور نصر الله، حزب الله، محور المقاومة والممانعة، بلد المقاومة، الجنوب الأبي”.
فشل أعضاء مجلس النواب اللبناني للمرة الـ12، في انتخاب رئيس جديد للبلاد، وسط تصاعد للخلاف الطائفي بين الحزب وخصومه، بما يؤشر إلى بقاء لبنان من دون رئيس لفترة أطول. بالتزامن مع ذلك، وقبيل الجلسة وفي يوم انعقادها، لوحظت تعبئة إلكترونية غير أصيلة عبر الفضاء الإلكتروني، وظهرت وسوم عبر “تويتر”، للتعبير عن دعم مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية، تستند إلى شبكة من الحسابات المرتبطة بالحزب.
هذه ليست المرة الأولى التي يستخدم فيها “حزب الله” ذراعه الإلكترونيّة، إذ كشف تقرير نشرته مؤسسة “ألما” عام 2022، عن الدور الذي تلعبه ذراع “حزب الله” الإلكترونية، التي يقال إن من يديرها هو عبد الله قصير، مساعد رئيس المجلس التنفيذي للحزب، ويعمل في مكتبه في بيروت أكثر من 100 شخص. تنشط هذه الوحدة في مهاجمة منتقدي الحزب، إلى جانب الترويج لحملات مناصرة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ.
ظهرت هاشتاغات عدة، منها #سليمان_فرنجية و #مجزرة_اهدن و#تقاطع_تقطيع_وتعطيل و#ازعور_وكيل_الانهيار. لم يتخط أي منها عتبة الـ10 آلاف تغريدة، لكنها احتلت قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً في لبنان في يومي 12 و13 حزيران/ يونيو، وفقا لـGet Day Trends.
لقطة شاشة تظهر موقع وسمي #سليمان_فرنجية و #ازعور_وكيل_الانهيار في قائمة الأكثر تداولاًا – Get Day Trends
اعتمد الوسمان الأولان على خطاب عاطفي للتعبير عن دعم المرشح الرئاسي القريب من “حزب الله” ونظام بشار الأسد في سوريا، عن طريق التذكير بمجزرة إهدن في 13 حزيران عام 1978، عندما هاجمت “القوات اللبنانية” بلدة إهدن وقتلت والد سليمان فرنجية، زعيم “تيار المردة” طوني فرنجية وزوجته فيرا قرداحي وابنته جيهان، على خلفية تباين الموقف تجاه العلاقة مع سوريا. وقتها، نجا سليمان فرنجية من الهجوم.
وسم #ازعور_وكيل_الانهيار ركز هجومه على المرشح المنافس، “صبي السنيورة”، مع استدعاء للجدل حول دوره في صفقة “سوليدير” عندما كان وزيراً للمالية إبان حكومة فؤاد السنيورة، فضلاً عن ترويج مزاعم واتهامات بالفساد، تارة بالتورط في “ثلاثين مليار دولار”، وتارة أخرى في “ملايين الدولارات”.
الأكثر تأثيراً… من يقود الحملة؟
يشير تحليل عينة قوامها 2557 تغريدة إلى مشاركة 596 حساباً على الأقل في تنسيق موجة الحشد الإلكتروني المضاد لأزعور، حسب تقديرات أداة Gephi.
لقطة شاشة لمشهد التفاعلات بين أبرز الحسابات المؤثرة في وسم #أزعور_وكيل_الانهيار – Gephi
يُظهر الرسم التوضيحي أعلاه الحسابات الأكثر تأثيراً في الحملة، منها: @rima_335i، @Ibmayada، @ali7_joud11، @zeinab_al_ali @sourcecreadible، @nihaya02195930، @ali_angro، @y_o_m_n_a_1، @joury_safeidine.
برزت حسابات لصحافيين وإعلاميين مقربين من “حزب الله”، مثل حسين مرتضى، الذي عمل في قناتي “المنار”، و”الميادين” ويدرس في جامعة دمشق، وله صور مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
يتابع حسين على تويتر قرابة 530 ألف حساب، ويدير “مركز سونار الإعلامي”، الذي يستخدمه عادة في شن حملات إلكترونية أو تضخيمها وزيادة انتشارها. بث مرتضى تغريدات عدة على وسم #أزعور_وكيل_الانهيار، وأنتج مركزه “سونار” تصميمات دعائية تحمل توقيعه وتنتقد المرشح.
بين ثنايا شبكة التفاعلات كانت هناك عقدة أو نقطة خافتة لحساب @ekhbar2022، الذي يتابعه 4 آلاف حساب على الأقل.
عقدة الحساب ليست كبيرة الحجم كما عُقد بقية الحسابات كما يظهر في الرسم التوضيحي من Gephi، لكنها كانت مؤثرة بشكل لافت، كما يُظهر رصدنا لمشهد التفاعلات على تويتر.
تأثير حساب “إخبار” أتى من استناد العديد من الحسابات المشاركة في الحملة إلى ما أنتجه من مقاطع فيديو عالية الجودة – تحمل شعار الحساب – تكرر استخدامها بشكل غزير على الهاشتاغ المضاد لأزعور، وجمعت تفاعلات ضخمة.
يعرف “إخبار” نفسه بأنه “منصّة إخبارية تعنى بنقل الخبر ومعالجته”. إلى الآن غير معروف من يقف وراء الحساب، لكنه يحظى بمتابعة أنشط الحسابات الداعمة لـ”حزب الله”، على رأسهم نجل الأمين العام للحزب جواد نصر الله.
عبور إقليمي وافتراضي.. من أطلق الحملة؟
في 11 يونيو/ حزيران، أعلن حساب “الملتقى المُقاوم” الدعوة للمشاركة في حملة التغريد على وسم #أزعور_وكيل_الانهيار عبر الشبكات الاجتماعية. وحدد موعد بدء الموجة في الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم.
قال الحساب إن إطلاقه الحملة يأتي “حتى لا يؤخذ اللبنانيون بتهريب صفقة أزعور في لحظة تقاطع مؤقت بين متناقضات سياسية”، عند تدشينه الحملة استخدم “الملتقى المُقاوم” نفس الفيديوهات الرائجة المُنتجة من جانب حساب “إخبار”.
المفارقة أن حساب “الملتقى المُقاوم” نشر أحد أكثر الفيديوهات رواجًا لـ”إخبار” في الساعة 6:12 من مساء 11 يونيو، أي قبل نحو ساعة من قيام حساب “إخبار” نفسه بنشر الفيديو الساعة 7:14 مساءً. ما يشير إلى حد كبير إلى وجود ارتباط ما بين من يدير الحسابين، أو على الأقل لديهما درجة عالية من التنسيق المشترك في إطلاق الحملات.
عزّز شكوكنا منشور يحمل الخطاب ذاته في قناة “ملتقى الإعلام المقاومة – سيميا” في “تليغرام”. تم بث المنشور أيضاً قبل حساب “إخبار”، في الساعة 6:12 مساء 11 حزيران.
يُظهر النشاط في قناة الملتقى عبر “تليغرام”، التي يشترك فيها أكثر من 5 آلاف شخص، أنها أقرب إلى أن تكون غرفة عمليات لتحضير وإطلاق الأنشطة الإلكترونية، فجميع الوسوم المرتبطة بمهاجمة جهاد أزعور، ومحتواها المنتشر، كان لها مرجع أساسي في قناة الملتقى قبل ظهوره في “تويتر” واحتلاله قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً.
يتابع حساب “الملتقى المُقاوم” في “تويتر” حوالى 31 ألف حساب منذ إنشائه في تموز/ يوليو 2017. ويرتبط الملتقى باسم جمعية تسمى “جمعية ملتقى الإعلام الجديد – سيميا”، يرأسها شخص اسمه علي أحمد، تكرر ظهوره في فعاليات مرتبطة بـ”حزب الله”.
سبق أن كشفنا تدشين الملتقى حملات مهاجمة للمعارضة والشخصيات العامة المنتقدة لـ”حزب الله”. كما انخرط في حملات خارج لبنان، في بلاد يمتد نفوذ إيران إليها، مثل اليمن والعراق. إلى جانب الترويج لطهران. من بين هذه الحملات: “(السعودية) #مصدر_الإرهاب_والخراب، #اليمن_يؤدب_الإمارات، #عويل_دعاة_الحياد، #عزيزم_ايران_متشكرم”.
كان لافتاً احتلال وسم #يمن_النصر الداعم للحوثيين، المرتبة الرابعة في قائمة الموضوعات الأكثر رواجاً على مستوى لبنان.
المتابع لقائمة الترندنغ في يوم 13 حزيران، قد يصاب بالدهشة للوهلة الأولى بسبب رواج وسم عن اليمن في لبنان، لكنها ستختفي حين نعلم بوجود دعوة في منشور على “تليغرام” للانخراط في موجة التغريد على الوسم “اليمني”.
تضخيم ومحتوى متكرر
تضع بعض الحسابات، المنشأ غالبيتها في أعوام “2020، 2021، 2022” صوراً تعريفية للأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، والمرشد الإيراني علي خامنئي، وأعلام لبنان وإيران. وساهمت حسابات تميل إلى أن تكون آلية، بحسب رصدنا لطبيعة نشاطها، في زيادة انتشار الوسوم المنتقدة لجهاد أزعور والقوى الداعمة له.
يظهر فحص هذه النوعية من الحسابات نشرها آلاف التغريدات في أوقات قياسية قصيرة، مثلما بث حساب maya10101995@ أكثر من 20 ألف تغريدة في غضون عام واحد منذ إنشائه في آذار/ مارس 2022.
في الحملة الحالية، تمت تغذية الحسابات الوهمية بعبارات منسقة لتقوم بتكرارها تباعاً بالنص ذاته.
ما بعد جلسة التصويت.. 51 صوتًا بـ”الإيد” و59 “ع الشجرة”
بعد فشل جلسة التصويت الأخيرة، ظهرت مجموعة هاشتاغات جديدة تحمل نبرة ساخرة من “تيار التقاطع” أو القوى الداعمة لجهاد أزعور، منها “#51 بالإيد_59عالشجرة، #التقاطع_ما_قطع”.
يشير الهاشتاغ الأول إلى عدد الأصوات التي نالها سليمان فرنجية (51) خلال جلسة البرلمانية مقابل أصوات جهاد أزعور (59).
على طريقة قناة “بنك التغريدات” الحوثية على “تليغرام”، سعت قناة “ملتقى الإعلام المقاوم” إلى توفير سكريبت جاهز للتغريدات مدعوم بنصوص بتصميمات منمقة وعالية الجودة ليتم نشرها مع مقتطفات من السكريبت، التي وفرتها قناة “الملتقى” مع كل هاشتاغ تطلقه.
بعض الحسابات المشاركة على وسم #51بالإيد_59عالشجرة كانت تضع علم إيران وصوراً لشخصيات إيرانية وحسن نصرالله، وتكتب عبارات مثل “جنود الولاية الخامنئية، خومينيون”. إلى جانب ما يوضحه نشاطها من حيث كونها حسابات وهمية تستخدم لتضخيم الهاشتاغات.
رد عكسي
في المقابل، نشطت وسوم تنتقد “حزب الله” وإيران، بخاصة بعد فشل القوى المسيحية الرئيسية في حسم التصويت لمصلحة أزعور. أحد هذه الوسوم كان #امحو_عار_٧_ايار، الذي جمع 609 تغريدات بمشاركة 223 حساباً. استقى الهاشتاغ اسمه مما قالته الإعلامية اللبنانية ديما صادق خلال ظهورها في برنامج “حكي صادق” عبر قناة MTV المؤيدة لأزعور، قبل يوم من التصويت.
آنذاك، خاطبت ديما صادق نواب البرلمان، قائلة: “انتو أمام مهمة تاريخية عنوانها امحوا تاريخ العار يلي اسمو ٧ ايار”. على الوسم، تكرر نشر مقتطفات من كلام ديما صادق من حسابات مؤيدة لانتخاب جهاد أزعور، وأخرى تميل إلى دعم “القوات اللبنانية”.
أبرز الحسابات النشطة والمؤثرة في الهاشتاغ: soursouk @kataeb_Ar@، charbelpfrem1@، Georgesnahas4@، TonyGhattas11@، 17_techrin@.
لقطة شاشة لمشهد التفاعلات على هاشتاغ #امحو_عار_٧_ايار – Gephi
بحسب الإحصاءات السابقة لهاشتاغ #امحو_عار_٧_ايار، لم يحظ الوسم بانتشار كبير، وتبدو الحسابات المشاركة عليه مملوكة لأشخاص طبيعيين. في وقت عاد رواج مسمّى “الاحتلال الايراني” في قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً في لبنان، بعد يوم من جلسة التصويت.
ارتبط الحديث عن “الاحتلال الإيراني” بظهور تغريدات تنتقد طبيعة دور إيران في لبنان. وتنشط التعليقات عن ذلك من وقت إلى آخر.
لقطة شاشة لأوقات ذروة التغريد عن “الاحتلال الإيراني” – Get Day Trends
كما كانت هناك تغريدات على هاشتاغ #لبنان_تحت_الاحتلال_الايراني. ولوحظت بعض التغريدات الصادرة من حسابات سعودية، وأخرى مناهضة للنظام في إيران.
يكشف التحليل عن حملة منسقة لمجموعات دعائية قريبة من حزب الله ضد انتخاب المرشح الرئاسي جهاد أزعور، تبادلت المجموعات محتوى بعضها البعض على نحو يعكس ارتباطها الوثيق ووجود إدارة شبه واحدة لهذه الأنشطة الإلكترونية. اللافت أيضاً تعبير صحافيين وإعلاميين موالين لـ”حزب الله” والحكومة السورية عن دعمهم سليمان فرنجية وشاركوا في حملة مهاجمة جهاد أزعور.
الملاحظ اعتماد هذه المجموعات على شبكة الحسابات الوهمية لمساندة جهود تضخيم وانتشار الهاشتاغات المناهضة لأزعور،كانت قنوات تليغرام المرتبطة بكيانات وأشخاص موالين لحزب الله، أشبه بنقطة انطلاق وغرفة عمليات لأنشطة الحملة المضادة لأزعور، في الوقت ذاته كانت هناك حملات مماثلة لدعم جهاد أزعور ومهاجمة القوى الداعمة لسليمان فرنجية، لكنها لم تكن بنفس القوة والتنسيق في الحملات الأخرى.