في أيار/ مايو الماضي، أطلق الحرس الثوري الإيراني تهديدات للحكومة العراقية بأنه سيعاود استهداف مواقع جماعات كردية مسلحّة في إقليم كردستان العراق، في حال لم تلتزم بغداد بنزع سلاح هذه الجماعات.
وقّع العراق وإيران اتفاقاً أمنياً، في 19 آذار/ مارس، هدفه تعزيز أمن المنطقة الحدودية مع كردستان العراق، التي ترى طهران أن المعارضين الأكراد المسلّحين في إقليم كردستان يشكلون تهديداً لأمنها.
لكن يبدو أن إيران لا تزال غير راضية، لا سيما مع قول قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، محمد باكبور: “نحن ننتظر أن تفي الحكومة العراقية بالتزاماتها، وأعطيناها فرصة، وإذا لم يحدث شيء فإن هجمات الحرس الثوري الإيراني على تلك المواقع ستستمر”.
تزامنًا مع تصريحات مسؤولي الحرس الثوري، ظهرت حملة إلكترونية منسّقة متّسقة مع الخطاب نفسه، وسعت إلى تضخيم “مطلب ضبط الحدود” مع إيران. كشف التدقيق في شبكة الحسابات المشاركة في الحملة أنها مرتبطة بميليشيات عراقية موالية لإيران.
اعتادت إيران توجيه ضربات صاروخية لمواقع في إقليم كردستان العراق المتمتع بالحكم الذاتي، استهدفت مجموعات كردية إيرانية تطالب بتأسيس دولة مستقلة أو حكم ذاتي عن النظام في إيران.
تتهّم طهران سلطات كردستان العراق بتحويل الإقليم إلى مركز لنشاط جهاز الموساد الإسرائيلي لاستخدامه في تخطيط وشن عمليات داخل إيران.
في عام 2022، حظيت قضية أمن الحدود بالمزيد من الاهتمام عندما نفّذ الحرس الثوري الإيراني هجمات صاروخية وأطلق طائرات مسيّرة لاستهداف الجماعات الكردية الإيرانية المتمركزة في شمال العراق، واتهمها بإثارة الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة.
مع تهديدات الحرس الثوري الإيراني الأخيرة للعراق، ظهر هاشتاغ ناطق باللغة العربية مؤيد لنبرة التهديدات ويدعو إلى تعزيز السيطرة على الحدود.
كان هاشتاغ #مطلبنا_ضبط_الحدود نشطاً بشكل بارز، واحتوى على أكثر من 16 ألف تغريدة. وكانت أعلى فترات ذروته في يومي 29 و30 أيار.
كان لافتاً أن الهاشتاغ احتل الترتيب الأول وصدارة قائمة أكثر الموضوعات تداولاً في الكويت في يوم 30 أيار. لا يوجد تفسير حاسم لسبب ظهور الوسم ضمن الموضوعات الرائجة في الكويت، في حين يحتمل أن ذلك يرتبط بأن من يدير هذا النشاط الإلكتروني وشبكة الحسابات المشاركة في الحملة موجود في الكويت.
رسم توضيحي لفترات نشاط وسم #مطلبنا_ضبط_الحدود – أداة Get Today Trends
استخدمت الحسابات المشاركة في الحملة صوراً مرافقة للتدوينات المنشورة عبر الوسم، غالبيتها استعانت بلقطات من الجولة المصورة لقناة “العربية الحدث” في معسكرات المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة المتمركزة قرب الحدود مع إيران.
بثت قناة “الحدث” التقرير في 1 شباط/ فبراير الماضي، والتقت مراسلتها مع قادة الأجنحة العسكرية لخمسة أحزاب كردية إيرانية قومية، على رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض، تمتد مسيرتها منذ القرن الماضي لتأسيس منطقة حكم ذاتي للأكراد تحت مظلة الدولة في إيران.
لم يكن للأكراد دولة من قبل، لكن حلم تأسيس دولة كردية ظهر بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى عام 1915. وينتشر الأكراد على امتداد المناطق الجبلية على حدود إيران والعراق وسوريا وتركيا وأرمينيا.
كانت هناك محاولتان لإنشاء دولة كردية، الأولى في عام 1926 عندما تأسست جمهورية أرارات قصيرة العمر في جنوب تركيا، والثانية جمهورية مهاباد في غرب إيران في عام 1946، لكنها لم تدم شهوراً أيضاً.
تُظهر التدوينات المنشورة محاولة حثيثة لدعم الموقف الإيراني بالحديث عن التهديدات التي تشكلها مجموعات المعارضة الكردية لطهران. إلى جانب شيطنتها وتوجيه انتقادات إلى قادة كردستان العراق واتهامهم بتحويل الإقليم إلى “مرتع للإرهابيين والمجرمين”.
حملت التغريدات الواردة عبر الهاشتاغ هذه الرسائل بشكل متكرر ولافت، حيث تكرّر استخدام الحسابات للعبارات والنصوص نفسها المستخدمة في التغريدات.
من بين هذه النصوص: “مسعود جعل من الشمال البيئة الآمنة للإرهابيين، أمن إيران هو من أمن العراق وعلى الحكومة العراقية الاستماع إلى صوت الشعب العراقي المطالب بطرد جميع العناصر الإرهابية، مسعود (برزاني حاكم إقليم كردستان السابق) يستخدم الإرهابيين لتمرير صفقاته، الشعب العراقي يبحث عن استقرار كامل، وهذا الأمر لا يتم بوجود جماعات إرهابية خارجية”.
يظهر نشاط الحسابات المشاركة في الحملة، أنها تغرد ضمن شبكة من الحسابات الوهمية تقف وراء تنشيط وسوم كثيرة ذات صبغة سياسية.
على رغم أن الحسابات تحمل أسماءً عربية تميل إلى أن تكون عراقية، إلا أن نشاطها امتد إلى حملات إقليمية، تضمنت إيران والعراق والبحرين. إلى جانب الدعوة إلى #قطع_العلاقات_مع_الأردن بسبب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، واستقبال الأردن عائلته وأنصاره على أراضيه.
انخرطت الحسابات المشاركة في حملة المطالبة بضبط الحدود ما بين إيران والعراق، في حملات إلكترونية سابقة عابرة للحدود، حيث شاركت سابقاً في دعم وتضخيم هاشتاغات إيرانية ناطقة باللغة الفارسية تعبر عن مواقف رسمية إيرانية بتغريدات مكررة.
وشارك بعضها في حملات البحرين، آخرها #البحرين_مفجوعة الذي تضمن تغريدات تنتقد السعودية، بعد إعلانها نهاية أيار، أنها أعدمت بحرينيين اثنين (جعفر محمد سلطان وصادق مجيد ثامر)، اللذين أدينا بتهمة “الانضمام إلى خلية إرهابية، يتزعمها مطلوب أمني لدى مملكة البحرين، تتبع لكيان إرهابي”، حسب بيان الداخلية السعودية.
إلى جانب وسم آخر #كلا_للإعدام يغرد على النبرة نفسها، رفقة حسابات أخرى، بعضها مؤيد لـ”حزب الله” اللبناني.
ومن بين الوسوم الإيرانية التي تكررت مشاركة الحسابات – موقع التحليل – فيها، هاشتاغ #پيا_نكبت_حمالي.
على سبيل المثال، شارك حساب مزعوم باسم رأفت خليل وهاندل raftkhlyl5@ في موجة التغريد على وسم #مطلبنا_ضبط_الحدود، كان منغمساً في وسم #پيا_نكبت_حمالي الدعائي للنظام في إيران.
على الهاشتاغ الأول، كتب أن “أمن إيران هو من أمن العراق وعلى الحكومة العراقية الاستماع إلى صوت الشعب العراقي المطالب بطرد جميع العناصر الإرهابية.
وكتب ساخراً في إحدى تغريداته على الهاشتاغ الثاني بالفارسية: “يريدون الإطاحة بالنظام الإيراني، مصطنع وقديم جداً”.
توضح أولى التغريدات المنشورة في الحسابات، التي كانت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تضمنها الهاشتاغ الإيراني #پيا_نكبت_حمالي. وهو ما يشير إلى أن شبكة واحدة تدير الحسابات نحو نشاط منظم ومنسق.
كان لافتاً أن جميع حسابات الحملة تم إنشاؤها خلال شهر تموز 2022. وتحظى بعدد المتابعين نفسه تقريباً، والذي يزيد قليلاً عن 400.
ويشار إلى أنها ليست المرة الأولى التي تشن الحسابات حملة انتقادات ضد سلطات كردستان العراق أو مجموعات المعارضة الإيرانية المسلحة النشطة في الإقليم. إذ سبق أن نشطت الحسابات على وسوم عدة، حاول من أطلقوها إظهارها كأنها معبرة عن مطالب شعبية أصيلة صادرة من عراقيين وليست مجرد شبكة حسابات موجهة.
والوسوم مثل: #اطردوا_الإرهاب_من_شمالنا، و #الجماعات_الكردية_تهدد_ارضنا، و#المعارضة_الكردية_ارهابية.
لاحظنا مفارقة أخرى، وهي أن هذه الهاشتاغات نشطت بشكل لافت بالتزامن مع الضربات الإيرانية الهائلة في شمال العراق على مدار تشرين الثاني الماضي. وهو ما أدى إلى ردود فعل عراقية وإقليمية سلبية وقتها تجاه إيران.
آنذاك، كانت التغريدات المنشورة في الوسمين تتضمن تصميمات ورسوماً مُنتجة بعناية وجذابة ودقيقة على نحو يؤدي الرسالة المطلوبة. وعبّرت عن محاولة شيطنة المعارضة الإيرانية المسلحة وإقليم كردستان العراق.
لعبت حسابات حملة المطالبة بضبط الحدود مع إيران، دوراً بارزاً في ماكينة البروباغندا للقوى العراقية الشيعية الموالية لإيران، عن طريق المشاركة مع شبكات أخرى في الدعاية لأجندتها ومهاجمة خصومها.
ظهرت الحسابات في الهاشتاغات المهاجمة زعيم التيار الشيعي الصدري، مقتدى الصدر، الخصم السياسي المناوئ لتكتل أحزاب تحالف الإطار التنسيقي الشيعية، القريبة من إيران وتقود الحكومة العراقية الحالية.
كما دعمت بقوة دعوات الإطار التنسيقي إلى تعديل قانون الانتخابات، الذي كان من النتائج المباشرة للتظاهرات المؤثرة في عام 2019.
وبضغط من أحزاب الإطار، مرّر البرلمان القانون المعدّل الذي بموجبه عاد العراق إلى نظام “سانت ليغو” الانتخابي، الذي يعتمد نظام دائرة انتخابية واحدة لكل محافظة، ويلغي نظام الدوائر المتعددة، الذي كان قد سمح للمستقلين والأحزاب الصغيرة بالحصول على عدد أكبر من المقاعد.
في انتخابات عام 2021، سمح قانون الانتخابات الجديد بوجود 70 مقعداً للنواب المستقلين من إجمالي 329.
تزامنا مع تمرير القانون في آذار الماضي، نشطت الحسابات نفسها عبر هاشتاغ #سانت_ليغو_يخدم_الشعب ومحاولة تصوير التعديلات على أنها في صالح الشعب، بينما على أرض الواقع كانت هناك احتجاجات في بغداد ومدن أخرى ضدها، وطرد للنواب المستقلين من قاعة البرلمان لاعتراضهم على التعديلات.
وانخرطت الحسابات في حملات أخرى، بعضها يدعو إلى طرد السفيرة والشركات الأميركية من العراق، ويهاجم تركيا، وأيضاً رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي.
وسوم مثل: #السفيرة_تتجاوز_مهامها، #البنك_المركزي_رهين_أمريكا، #احتلال_الكهرباء، الحلبوسي_مرفوض، #فتنة_سنية_برعاية_الحلبوسي، #تركيا_تعطشنا.
كما تدور هذه الحسابات في فلك حسابات أخرى يتركز نشاطها على الدعاية للفصائل الشيعية المسلحة، مثل الحشد الشعبي، وحركة حركة النجباء، المصنفة كمنظمة إرهابية في الولايات المتحدة.