لم تمضِ سوى ساعات قليلة على أحداث الساحل السوري، حتى اجتاح وسم "#الجولاني_ سفاح _سوريا" منصة "إكس"، وحصد ملايين المشاهدات والتفاعلات.
كانت الحملة رقمية، سريعة، ومنظمة بدرجة لافتة، ونكشف في هذا التقرير عن شبكاتٍ خفية تقف وراء حملة "#الجولاني _سفاح _سوريا".
لم تكن القفزة الكبيرة في انتشار وسم "#الجولاني_ سفاح _سوريا" حدثًا عاديًا أو مصادفة عفوية، بل بدا واضحًا منذ اللحظات الأولى أن هناك من كان يعمل خلف الكواليس؛ إذ شهدت الحملة الرقمية المرتبطة بهذا الوسم، في الفترة بين السادس والتاسع من آذار/مارس 2025، ارتفاعًا استثنائيًا في حجم المنشورات والمشاهدات على منصة "إكس".
في الوقت نفسه، كانت كلمة الأسد (الرئيس السوري السابق بشار الأسد) ضمن أكثر الكلمات تكرارًا على محتوى الوسم، وارتبط اسمه بمنشورات تقدم اعتذارًا له مقابل هجاء للنظام السوري الجديد.
كما نشرت عبره رسائل من شأنها إشعال الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة.
ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 1093 مدنيًا غالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية، وبعض الأشخاص من المسيحيين و25 شخصًا من السنة قتلهم موالون للنظام السابق، في أحداث الساحل السوري.
تظهر الأرقام قفزة في التفاعل على وسم "الجولاني_سفاح_سوريا"؛ فقد بلغ إجمالي المنشورات التي تحمل الوسم نحو 75.9 ألف منشور خلال فترة وجيزة؛ وهي زيادة تقدر بـ 138% عن الفترة السابقة التي سجّلت فقط 31.9 ألف منشور.
انعكس ذلك أيضًا على معدل التغريد اليومي، الذي ارتفع إلى نحو 2.53 ألف منشور يوميًا مقارنةً بنحو 1.06 ألف منشور في اليوم خلال الفترة السابقة.
الأمر لم يقف عند المنشورات وحدها، بل امتد ليشمل الانتشار الواسع الذي حققه الوسم عبر المشاهدات والتفاعل. فقد وصل إجمالي وصول المنشورات (Total Reach) خلال فترة ذروة الأحداث إلى 147 مليون مشاهدة، بزيادة بلغت 239% عن الفترة السابقة.
وارتفع متوسط الوصول اليومي إلى ما يقارب 4.88 مليون مشاهدة يوميًا، مقارنةً بمتوسط سابق كان في حدود 1.44 مليون مشاهدة فقط.
عند تحليل نوعية المنشورات التي غذّت هذا الانتشار السريع، نجد أن معظم النشاط الرقمي تمثل في إعادة النشر (Reposts) التي بلغت نحو 41,337 منشورًا؛ أي ما يعادل أكثر من نصف إجمالي المنشورات في الحملة.
تلا ذلك الردود (Replies) بنحو 26,674 منشورًا، ثم المنشورات المقتبسة (Quote Posts) بنحو 4,103 منشورات، في حين كانت المنشورات الأصلية (Original Posts) الأقل انتشارًا بنحو 3,895 منشورًا فقط.
تشير هذه الأرقام إلى أن الانتشار لم يكن معتمدًا على محتوى أصيل بقدر ما كان قائمًا على عملية تضخيم وإعادة تدوير منشورات معينة لتحقيق أقصى انتشار ممكن؛ وهي سمةٌ لعمليات التنسيق الرقمي والجهود الدعائية المنظَّمة.
هذه الأرقام الاستثنائية ترافقت مع مؤشرات واضحة تدل على ارتفاع غير طبيعي في عدد المنشورات خلال الأيام التي شهدت المواجهات العنيفة على الأرض؛ ففي السادس من آذار/مارس، اليوم الأول من الاشتباكات، تم نشر نحو 1,418 منشورًا، لترتفع بشكل مفاجئ في اليوم التالي إلى 4,621 منشورًا، ثم تضاعفت مرة أخرى في الثامن من آذار/مارس لتصل إلى 8,233 منشورًا. أما في التاسع من آذار/مارس، فقد بلغت الحملة ذروتها بتسجيلها أكثر من 11 ألف منشور خلال يوم واحد.
كان من اللافت أيضًا أن الحملة لم تكن محصورة في الداخل السوري فقط. بل رُصدت منشورات بأعداد كبيرة من دول ومدن عديدة أبرزها العراق، اليمن، لبنان، الولايات المتحدة، السعودية، مصر، ألمانيا، بريطانيا، ودول أوروبية أخرى، مع ظهور لافت أيضًا لاستخدام واضح لتقنيات إخفاء المواقع (VPN)، خصوصًا من دول غير مألوفة في مثل هذه الحملات (مثل "مدينة الجنة Paradise"، الفاتيكان Vatican City).
ولوحظ أن التفاعل على الوسم ترافق مع تدفق كبير ومنسق لرسائل سلبية موحدة، تعمدت استخدام كلمات مفتاحية محددة مثل "الإبادة الجماعية"، و"نظام جهادي"، و"العلوية السياسية".
الشبكة الصامتة
من خلال استخدام أدوات تحليل الشبكات (Network Analysis)، تمكنا من كشف هوية "القلب النابض" لهذه الحملة، وهي مجموعة صغيرة من الحسابات المؤثرة التي قادت موجة الانتشار بشكل منسّق ودقيق.
لم تكن هذه الحسابات بالضرورة هي الأكثر شهرة أو متابعة، لكنها كانت الأكثر نشاطًا وتفاعلًا، واستطاعت في وقتٍ قصير أن تصبح المحرّك الحقيقي لتوجيه النقاش وتضخيمه، وإغراق المنصة الرقمية برسائلها.
من بين آلاف الحسابات التي شاركت في الحملة، برزت عشرة حسابات بوضوح، شكّلت الشبكة المحورية لإدارة وتوجيه النقاش. على رأس هذه الحسابات يأتي حساب @Property_Assets، والذي رغم أنه لا يحتوي سوى على عدد قليل من المنشورات منذ تأسيسه عام 2012، إلا أنه تحوّل فجأةً إلى واحد من أهم محرّكي الحملة، من خلال عمليات مكثفة ومنسقة لإعادة النشر.
وفي الوقت نفسه، ظهر حساب آخر مثير للاهتمام، يحمل اسم @alsisioffice، يضع صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويُعرّف نفسه باسم "المحارب الجبار". الغريب في هذا الحساب أنه أيضًا يحتوي على عدد محدود من المنشورات، كلها ذات طبيعة عنيفة وموجهة، دون أي إشارة حقيقية إلى شخصية صاحبه أو أي تفاعل إنساني.
تضم الشبكة أيضًا حسابات حديثة الظهور؛ مثل @AsdMekal13595، الذي نشط بشكل لافت خلال فترة ذروة الحملة، وكذلك حساب @KingAlhaj الذي لعب دورًا واضحًا في إثارة النقاش والتفاعل المباشر مع المستخدمين الآخرين.
في ذات الشبكة، يظهر حسابان آخران؛ هما @x8469 و@bubg717208، اللذان بدَوَا شبه آليين أو على الأقل محدودَي التفاعل المباشر، ما يُعزز من فرضية وجود تقنيات أوتوماتيكية في عملية تضخيم الحملة.
كما برز حساب @ASADALBAHRI الذي لعب دورًا ملحوظًا في النشر المتكرر والمكثف للمحتوى السلبي.
واستكمالًا للصورة، نجد حسابات؛ مثل: @marina_lovi و@OsmanXece و@mohamedghazy152، كلها أظهرت نشاطًا واضحًا ومنسقًا في نشر رسائل متناغمة مع الخطاب الأساسي للحملة، وخصوصًا عبر إعادة النشر والردود والتفاعل.
محتوى يرثى عهد الأسد
عبر تحليل المحتوى، وجدنا محاولات للربط بين الإدارة السورية الجديدة والإرهاب؛ إذ نشرت حسابات أخرى بارزة مثل حساب @fatema_imm، والذي يعرّف نفسه باسم "بنت المملكة"، منشورات مركزة استهدفت ربط صورة "الجولاني" بـ"أبو بكر البغدادي"، القائد السابق لتنظيم داعش الإرهابي.
كان من اللافت أيضًا الدور الذي لعبه حساب @alkindy2073 الذي يدار من العراق، من خلال منشورات شبهت الأحداث في الساحل السوري بما حصل "للحسين وأهل بيته في عاشوراء"، مستخدمًا لغة طائفية، وحققت بعض هذه المنشورات تفاعلات عالية وصلت إلى نحو 56 ألف مشاهدة.
ومن بين المحتويات الأبرز التي لعبت دورًا كاشفًا عن أهداف الحملة وتوجهاتها، ظهر منشور من حساب باسم رزان أحمد @razin340، حمل رسالة قصيرة، نصّها: "اعتذار رسمي للرئيس بشار الأسد #الجولاني _ سفاح _سوريا"، مصحوبة بمقطع فيديو مصور تعلن فيه صاحبة الحساب اعتذارها الشخصي لبشار الأسد. و حصد هذا المنشور تفاعلًا واسعًا (934 تفاعلًا مباشرًا).
واحدة من أكثر المنشورات انتشارًا في هذا السياق كانت من حساب علي فاهم (@alkindy2073)، والتي قارنت ما يحدث في الساحل السوري بواقعة مقتل الحسين في كربلاء، في محاولة لاستدعاء الرموز الدينية وإثارة المشاعر الطائفية.
فيما ربطت منشورات بين الإدارة الجديدة وشخصيات تاريخية أموية، مصحوبة بلعن "بني أمية".
العلاقات بين الحسابات الفاعلة
عبر التحليل الشبكي، رصدنا تفاعلاً متكررًا بين الحسابات ذات الطابع الطائفي مثل @alkindy2073، والحسابات التي تروّج لرسائل الاعتذار وإعادة الاعتبار للرئيس السوري السابق بشار الأسد، وأبرزها حساب @razin340 الذي نشر فيديو بهذا الخصوص. علاوةً على ذلك، تميز حساب آخر هو @ahmedalmoaiad بنشاط ملحوظ، إذ كان على صلة واضحة بعدة حسابات من الشبكة، وأسهم بدوره في ترويج المحتوى وتعزيزه.