تعد هذه الحالة مثالاً جدياً على الواقع الافتراضي لكيفية صناعة خطاب كراهية عابر للحدود يشمل تهديدات بالقتل في مناطق جغرافية مختلفة، كما يطرح تساؤلات مهمة حول آليات مكافحة خطاب الكراهية وتهديدات القتل على منصات التواصل الاجتماعي عموماً ومنصة تويتر بشكل خاص.
نلاحظ هنا أن موجة الكراهية عقب محاولة الاغتيال لم تكن مقتصرة على دولة بعينها، مثل إيران المعروفة بمواقف رسمية ودينية معادية لرشدي على سبيل المثال، لكن تفاعلاتها امتدت إلى الهند وباكستان، وطالت التهديدات والتنمر الإلكتروني شخصيات في لبنان والهند وباكستان والمملكة المتحدة.
صاحب الهجوم على سلمان رشدي ظهور مجموعة من الوسوم عبر لغات مختلفة، أبرزها العربية والفارسية والأردية والإنجليزية، احتوت على تغريدات مؤيدة للاعتداء وتثني على منفذه هادي مطر وتهاجم منتقديه، فيما كان هناك استخدام ديني وسياسي للحدث.
وعلى الصعيد اللبناني كانت الإعلامية اللبنانية ديما صادق، هدفا لحملة احتوت خطاب كراهية عبر وسم #ديما_الواطيه، الذي ظهر بعد استدعائها اسم كتاب رشدي المثير للجدل “آيات شيطانية” للإشارة إلى صورة تجمع المرشد الإيراني السابق روح الله الخميني وقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني.
حاز المحتوى المصور والتدوينات النصية على هامش كبير من الجدل والمناقشات الدائرة المرتبطة بالحدث.. في Arabi Facts Hub ألقينا نظرة على هذه التفاعلات.
ماذا حدث؟
في 12 آب/ أغسطس 2022، كان سلمان رشدي يستعد لإلقاء محاضرة عن حرية الإبداع في معهد تشوتاكوا في نيويورك، عندما اندفع شاب إلى المنصة وسدد إليه طعنات في الرقبة والبطن. نجا رشدي من الاعتداء، لكنه فقد البصر بإحدى عينيه وبات غير قادر على تحريك إحدى يديه.
لم يقرأ المهاجم (24 عامًا) سوى “صفحتين” من كتاب “آيات شيطانية”. يعيش والده في قرية يارون في جنوب لبنان التي يسيطر عليها “حزب الله”. في وقت تعتقد والدته أن زيارة ابنها إلى القرية في 2018، حولته إلى متعصب ديني.
آنذاك، أعلنت إيران عدم صلتها بهادي مطر، لكن حسابات إيرانية احتفت بفتوى الخميني في 1989، التي أهدرت دم رشدي واعتبرته كافرًا.
بعد وقت قصير من بث وكالة الأنباء الفرنسية نبأ تعرض رشدي للطعن، ظهر وسم #سلمان_رشدي_ملعون وكانت أول تغريدة عليه مكتوبة باللغة الفارسية، مصحوبة بمقطع فيديو للحظات الأولى للحادث.
يظهر تحليل لأكثر من 1440 تغريدة (لا يمثل العدد جميع تغريدات الهاشتاج، لكنها مجرد عينة أولية)، وجود 5 كتل عنقودية رئيسية تتمركز حول 5 حسابات هي الأكثر تأثيرًا أو حصولاً على التفاعل، وتتابعها الحسابات المشاركة في الوسم.
أبرز هذه الحسابات، حساب “maghsoodi61@”، الذي يعرف نفسه بأنه “ناشط إعلامي ثقافي”، لصاحبه محسن مقصودي، الذي كان يتابعه في ذلك الوقت أكثر من 60 ألف شخص على موقع تويتر (لديه الآن قرابة 100 ألف متابع). إلى جانب حساب “frgrl6@”، الذي يضع صورة فتاة ويغرد بالعربية، بينما يعرف نفسه بأنه “عاشق سماحة السيد حسن نصرالله سيد المقاومة ومحورها”، ولديه حساب آخر باسم مهند “mohannad_198220@” ويقول إنه عراقي.
إلى جانب حساب بارز ثالث ناطق بالعربية “FJaber31@”، يضع صورًا للمرشد الإيراني علي خامنئي وحسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله”، وعبدالملك الحوثي زعيم مليشيا الحوثي في اليمن. يوضح مالك الحساب أنه “من لبنان أرض المقاومة… ولائي لعلي الخامنئي حتى مماتي… نهجي دوما حزب الله”.
اعتاد الحساب، الذي يتابعه منذ إنشائه في تموز/يوليو 2020 أكثر من 24 ألف شخص، نشر تغريدات مؤيدة لـ”حزب الله” وإيران، واستخدم هذا الحساب وسوماً أخرى مرتبطة بالهجوم، مثل: #سلمان_رشدی_مرتد، و#هادي_مطر_يمثلني.
مثلّت التغريدات باللغة الفارسية 50% من إجمالي تغريدات الهاشتاج، تليها العربية بنسبة 40%، وأخيرًا الأردية (10%)، حسب أداة Hashtagify.
وما بين اللغات الثلاث، احتوى الهاشتاج تغريدات تهاجم سلمان رشدي، وأخرى تشيد بما فعله بالمهاجم.
كان هناك محتوى مكرر على الوسم، مثل هذه التغريدة المنسوخة نصًا من حساب محسن مقصودي. كانت التغريدة تسخر من سر الاهتمام بحادث طعن سلمان رشدي، في وقت قُتل قاسم سليماني والعالم النووي فخري زادة، مع “تخريب” منشآت نووية إيرانية. وربطت التغريدة ذلك بـ”تعطش” الغرب للوصول إلى اتفاق مع طهران بين ملفها النووي.
ديما صادق.. فصل من خطاب الكراهية بسبب تغريدة
في نفس شبكة مؤثري هاشتاج #سلمان_رشدي_ملعون، لاحظنا كتلة أخرى لحساب لبناني ثالث اسم صاحبه علي شيباني، وهو “ناشط على مواقع التواصل الإجتماعي”، لديه أكثر من 3 آلاف متابع، وعادة ما ينشر تغريدات مؤيدة لـ”حزب الله”.
كانت التغريدة الأكثر تفاعلا للحساب عبر هاشتاج #سلمان_رشدي_ملعون مقرونة بوسم #ديما_الواطيه، التي احتوت مقطع فيديو رائج لشخص يدعى عبدالله عقيل، كان يصب خلاله لعناته، لكن “شيباني” أشار إليه باعتباره كلمة موجهة ضد الإعلامية اللبنانية ديما صادق.
لكن لماذا ديما؟
في مساء اليوم التالي على طعن سلمان رشدي، نشرت ديما صورة المرشد الإيراني الراحل روح الله الخميني وقائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني، وكتبت مُعلقة عليها باسم كتاب رشدي الشهير “آيات شيطانية”.
نفى “حزب الله” معرفته بمعلومات عن منفذ الهجوم، بينما أشعلت تغريدة ديما غضب أنصار الحزب، ليأتي الرد سريعًا بدفع وسم #ديما_الواطيه إلى قائمة أكثر الموضوعات تداولا في لبنان في 13 آب/ أغسطس. ظهر الهاشتاج قبل ذلك في 2020 عندما تعرضت الإعلامية لهجوم من أنصار “حزب الله” والتيار الوطني الحر.
كان نصيب علي شيباني وحده من التغريدات عبر الهاشتاج 124 تغريدة.
تشير خريطة حرارية من InVID إلى وجود نشاط منسق، فوفقا لما رصدته الأداة كانت غالبية التغريدات صادرة في توقيت زمني متقارب، بين الساعة 10 من مساء السبت 13 آب/أغسطس ومنتصف ليل السبت – الأحد (توقيت جرينتش).
سيطر خطاب الكراهية على محتوى الهاشتاج، واستخدم المشاركون مفردات مسيئة إلى ديما صادق، من بينها: “راقصة/ عاهرة الرينغ (طريق شهير في بيروت شهد مظاهرات ضد الحكومة)، عاهرة وعائلتها، ديما النجسة الخسيسة أم المعاقة، ديما الواطيه أم المعاقة، أحبة الإعلام الواطي”.
ونشرت ديما ثريد يوثق تعليقات تتضمن تهديدات بالقتل والاغتصاب والتشويه، واتهمت نجل الأمين العام لـ”حزب الله”، جواد نصرالله، بأنه يقود حملة تحريض ضدها، وحملت الحزب المسؤولية عن أي ضرر يلحق بها.ونشرت ديما نص تغريدة جواد نصرالله الذي أعاد نشر تغريدتها، قائلا: “تستخدم الأنظمة أدوات مناسبة لتنغمس في القذارة فلا تلوث نفسها وأجهزتها ومثال على تلك الأدوات هذه #المسمومة التي تفوقت على السافلين في انحطاطها. #ديما”.
شارك في الحملة ضد ديما وزراء في حكومة لبنان لتصريف الأعمال، منهم وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، المقرب من حركة “أمل”، الذي كتب سلسلة تغريدات افتتحها بنشر صورة قاسم سليماني وهو يحتضن الإمام الحسين. وقال المرتضى على تويتر، مهاجمًا ديما، حسبما فسرت وسائل إعلام لبنانية أنه جزء من الحملة: “أما حرية القول فينبغي لها أن تكون مهذبةً، وأما التطاولُ على الكبارِ بالشتيمةِ والضغينة السوداء، فلا يمتُّ إلى الأخلاقِ بصلةٍ ولا إلى “الصدق” بنسبٍ أو شهرة”.
وكانت هناك تغريدات تتمنى مقتل ديما مثل الناشط السياسي اللبناني لقمان سلمان الذي قُتل برصاص مجهولين في فبراير 2021، بينما اتجهت أصابع الاتهام وقتها إلى “حزب الله”، بسبب آرائه المناهضة له. ونفى الحزب ذلك.
تهديد بالقتل لـ جاي كي رولينغ وتصيد رنا أيوب
عالميًا، كان هناك هاشتاج SalmanRushdie# الذي حصد 16360 تغريدة وقرابة 130 ألف تغريدة وأكثر من 460 ألف حالة إعجاب، حسب أرقام SNA- InVID.
كانت أبرز المساهمات على الهاشتاج قادمة من حسابات تقول إنها تعيش في فرنسا والهند والمملكة المتحدة وإيران ولبنان وباكستان وكندا والولايات المتحدة، وفق تحليل لـGephi.
عبر هذا الوسم، تغير المحتوى قليلاً ليتضمن تغريدات متضامنة مع سلمان رشدي من حسابات غريية، لكنه لم يخل من التصيد والتنمر الإلكتروني والتهديدات بالقتل، فعندما كانت المؤلفة البريطانية جاي كي رولينغ، صاحبة السلسلة الشهيرة “هاري بوتر”، تعبر عن حزنها لتعرض رشدي للهجوم، رد عليها حساب لشخص اسمه (مير آصف عزيز)، قائلا: “لا تقلقي، فأنت التالية”.
في وقت لاحق تم حذف التغريدة، وأغلق تويتر الحساب، الذي يعيش صاحبه في مدينة كراتشي، العاصمة التجارية لباكستان. كانت تغريدات الحساب داعمة للمرشد الإيراني وسياسات طهران في سوريا واليمن، وداعمة للحرب في أوكرانيا.
تصيد
رنا أيوب صحفية استقصائية هندية، نشرت الكثير من التحقيقات حول الفساد الحكومي، وفازت بالعديد من الجوائز. وتكتب مقالات رأي في صحيفة “واشنطن بوست” منذ 2019. وهي معروفة بحديثها عن وضع المسلمين في الهند. سبق أن أبلغت عن تلقيها تهديدات بالقتل.
بعد الهجوم على سلمان رشدي، كتبت رنا تغريدة للتضامن معه متمنية الشفاء له، إلا أنها لم تفلت من تصيد العديد من الأشخاص عبر تويتر، زاعمين أنها أزالت التغريدة في وقت لاحق بسبب تهديدات من متعصبين مسلمين. تكررت هذه الصيغة من التصيد عبر حسابات هندية مختلفة، بما فيها حسابات موثقة.
هذه رسالة مكررة: “إذا كان التجديف حرية كلام فإن الطعن حرية التعبير”
كان هناك محتوى مكررًا بثته عدة حسابات، بعضها يحمل أسماءً باكستانية، منها ما هو حديث الإنشاء في آب/أغسطس 2022، والبعض الآخر يعود إلى السنوات الأخيرة.
على سبيل المثال، لاحظنا تكرار عبارة “If Blasphemy is freedom of speech, Then Stabbing is freedom of expression”، أي إذا كان التجديف حرية كلام فإن الطعن حرية تعبير”.
لعل ما يربط بين الحسابات المُكررة لنفس التغريدة هو مناهضتها لرئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، الذي كان عرضة للهجوم أيضًا بسبب تصريحاته التي فسرها معارضون له بأنها إدانة لحادث طعن سلمان رشدي.
في التغريدات السابقة، لاحظنا وجود هاشتاج #گستاخوں_کایار_عمران_خان المكتوب باللغة الأردية، الذي يعني حسب الترجمة الحرفية إلى العربية “الجبان الوقح عمران خان”.
احتوى هذا الهاشتاج، الذي ظهر في 19 آب/أغسطس وبلغ ذروته في نفس اليوم، أكثر من 17 ألف تغريدة و152 ألف إعادة تغريد (ريتويت) و117 ألف حالة إعجاب لإجمالي التغريدات.
إلى جانب الغاضبين دينيًا، يبدو أنه يتم استغلال الهجوم في التصيد الإلكتروني وزيادة العزلة السياسية لرئيس الوزراء المطاح به في تصويت للبرلمان في نيسان/ أبريل 2022.
واحتوى الهاشتاج تغريدات مكررة أيضًا، منها “Every Halali Muslim love this hero and harami speaks in the favour of Shaitan Rushdie”، أي “كل مسلم هلالي (بحق أو شريف) يحب هذا البطل (المقصود منفذ الهجوم) والحرامي (غالبًا المقصود عمران خان) يتحدث لصالح الشيطان رشدي”.
المفارقة أن أول تغريدة جاءت فيها هذه العبارة ونالت قدرًا كبيرًا من التفاعل، صدرت من حساب sdqjani@ لا يتابعه أكثر من 90 شخصًا، وتم إنشائه في يوليو 2022. وتم إغلاقه لاحقا.
خلاصة:
– فجّر حادث الاعتداء على سلمان رشدي حالة من الانقسامات في ردود الفعل تجاه ما حدث.
– ساد خطاب الكراهية والتصيد والتنمر الإلكتروني والتهديدات بالقتل ضد مشاهير بسبب الموقف من رشدي.
– اختلف رد فعل تويتر تجاه تهديدات القتل ضد ديما صادق وجاي كي رولينغ، في الحالة الأولى لم يتحرك تويتر تجاه الخطاب الخطير الموجه إلى “ديما”، الذي شارك فيه مؤيدون ومسؤولون موالون لحزب الله وإيران.
لازالت هذه التغريدات ضد ديما موجودة. في المقابل، كان لافتا أن تويتر تحرك سريعًا في نفس يوم صدور التهديد ضد المؤلفة البريطانية.
ورغم ذلك، فالثابت أن التهديدات والتصيد والخطاب المتطرف كان رائجًا من الشرق إلى الغرب.
– تداخل التغريد بلغات مختلفة على الوسوم نفسها، مثل العربية والفارسية والإنجليزية والأردية.
– كان هناك محتوى مكرّر في بعض الوسوم من شأنه تضخيم موقف معين، مثلما لاحظنا على الوسم العالمي والوسم الباكستاني.
– رغم حداثة إنشاء بعض الحسابات، إلا أن مؤشراتنا لا تؤكد تمامًا وجود الكثير من الحسابات الوهمية المشاركة في الحملة المناهضة لسلمان رشدي.
الأدوات المستخدمة:
InVID Verification Plugin
Twitter Search
Social Searcher
Hashtagify
Gephi
Netlytic