مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

العراق: حملة ضد المثلية بقيادة الصدر وجيش من “البوتس”

العراق: حملة ضد المثلية بقيادة الصدر وجيش من “البوتس”

العراق: حملة ضد المثلية بقيادة الصدر وجيش من “البوتس”

مع تصاعد وتيرة الجدل حول المثلية الجنسية، لا سيما في الأيام التي شهدت مباريات المنتخب الألماني، ظهرت حملة صانع ملوك السياسة في العراق لمكافحة المثلية من طريق “التوعية” من دون عنف. وآنذاك، التقطت مجموعات مؤيدة لمقتدى الصدر الدعوة، وظهرت هاشتاغات داعمة للحملة.



أطلق رجل الدين العراقي الشيعي، مقتدى الصدر، حملة مناهضة للمثلية الجنسية من طريق “التوعية والتثقيف”، مع “التعهّد بعدم استعمال العنف مطلقاً ما لم يقنّنوه في دولنا ومجتمعاتنا المحافظة”، وفقاً لبيان نشره عبر حسابه في “تويتر”.

ومنذ إطلاق الصدر الحملة في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر، نشطت الحملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الدردشة، مُستخدمة وسوماً في “فيسبوك” و”تويتر”، وقنوات “تلغرام”، بعضها كان مغلقاً.

ربما حاول الصدر الاستفادة من الزخم الرسمي والافتراضي المرتبط بحقوق المثليين على هامش بطولة كأس العالم في قطر، وذلك عندما لوّحت منتخبات أوروبية مشاركة في المونديال بارتداء شارة “حب واحد” خلال المباريات، وسط موجة انتقادات غربية لموقف قطر من المثلية الجنسية، في حين قالت الدوحة إنها ترحب بالجميع، داعيةً في الوقت نفسه إلى احترام تقاليد المجتمع العربي وعاداته.

ولاحقاً، تراجعت المنتخبات الأوروبية نتيجة تحذير الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) من عزمه توقيع عقوبات حال قيام لاعبين بارتداء الشارة.    

ومنذ انطلاقها، راقب Arabi Facts Hub، نشاط حملة الصدر وأنصاره. وتزامناً مع تحرّك مؤيدين للصدر على الأرض لجمع توقيعات، كان هناك نشاط إلكتروني منسّق هدفه تضخيم خطاب الحملة وجعله ملحوظاً وأكثر تداولاً، عبر الاستعانة بشبكة من الحسابات الوهمية. في تحليلنا، نلقي نظرة عن قرب على هذه التفاعلات وأبرز المشاركين فيها.

توعية من دون عنف


مع تصاعد وتيرة الجدل حول المثلية الجنسية، لا سيما في الأيام التي شهدت مباريات المنتخب الألماني، ظهرت حملة صانع ملوك السياسة في العراق لمكافحة المثلية من طريق “التوعية” من دون عنف. وآنذاك، التقطت مجموعات مؤيدة لمقتدى الصدر الدعوة، وظهرت هاشتاغات داعمة للحملة. 

وقد لاحظ Arabi Facts Hub، وجود حسابات مؤيدة لمقتدى الصدر تحاول تضخيم الحملة، مثلما حدث في #الاديان_ضد_المجتمع_الميمي أحد أبرز هذه الهاشتاغات، الذي حصد 6323 تغريدة و65408 ريتويت 63518 لايك، في كانون الأول.

تبيّن هذه الإحصاءات ارتفاع معدل التغريدات المحسوبة عبر “الريتويت” (يشير إليها اللون الأزرق في الرسم أدناه) عن إجمالي التغريدات الأصلية (ذات اللون البرتقالي في الرسم). هذا يعني ميل الأمر إلى أن يكون نشاطاً منسقاً إلى حد كبير.


رسم بياني من Sna – InVID لمشهد التفاعلات على هاشتاغ #الاديان_ضد_المجتمع_الميمي. يشير اللون الأزرق إلى مؤشر حركات الريتويت أو إعادة التغريد، في حين يعبرّ اللون البرتقالي عن التغريدات الأصلية.  

حسابات منشأة بفارق زمني متقارب


شارك في التغريد عبر هذه الحملة 1625 حساباً، بينها 1438 حساباً أُنشئت خلال السنوات الأخيرة بداية من عام 2020 إلى الآن.

حاز عام 2022، العدد الأكبر من الحسابات المنشأة، وشارك في الحملة 949 حساباً. وفيما كان هناك 14 حساباً جديداً في كانون الأول 2022، تساوى شهرا تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر في عدد الحسابات المنشأة في كل منهما على حدة (128).

المفارقة هنا ليست فقط في حداثة إنشاء الحسابات التي تضع صوراً لمقتدى الصدر ووزيره محمد صالح العراقي، إضافة إلى صور أرشيفية من الإنترنت لأشخاص أو نباتات مثل الزهور، وإنها هي تتشارك أيضاً المحتوى نفسه المؤيد للصدر والمهاجم للحكومة العراقية الحالية.

عندما دققنا النظر في توقيت ظهور الحسابات حديثة العهد في “تويتر”، وجدنا أن الفارق الزمني بين إنشاء بعضها لا يتخطى بضع دقائق. وهي إشارة أخرى إلى نشاط وهمي زائف.

وعلى سبيل المثال، تم إنشاء هذا الحساب zxwjzlpy0jtwi3i@ في الساعة 05:16 دقيقة من مساء 2 كانون الأول، ثم تلاه حساب ya80kow0omtswex@ الذي أُنشئ في الساعة 05:14 من مساء اليوم نفسه. وكذلك حساب asdrmomhd@ المُنشأ في 08:26 مساء 1 تشرين الثاني، وحساب sahbalzman773@ بعده بـ 4 دقائق 08:30 مساءً.

يحمل بعض الحسابات أرقاماً تسلسلية، حيث وجدنا أن الحساب الأول zxwjzlpy0jtwi3i@، اسمه عباس سعد 7، والحساب المتزامن معه في الإنشاء ya80kow0omtswex@، اسمه عباس سعد 6. وهكذا في شكل تنازلي حتى “عباس سعد 2”. وجميعها مُنشأ بفارق زمني قصير جداً في تشرين الأول وكانون الأول. وتم اتباع النمط نفسه مع حساب آخر اسمه “ضياء العنزي” في حسابات تحمل إلى جانب الاسم الأرقام: “2، 3، 4”.

في الصور أدناه، يتضح كيف توقفت الحسابات لأيام، وكانت التغريدة المشتركة المنشورة الأخيرة في 6 كانون الأول، واحتوت صورة للصدر وهاشتاغ #المغرب_أمل_لانتصار_العروبة، وهو الوسم الذي استخدمه الصدر نفسه عند فوز أسود الأطلس على المنتخب الإسباني وتأهّلهم للدور ربع النهائي في كأس العالم.

وكان معدل تغريد الحسابات مرتفعاً في شكل لافت، وفي الأيام الأولى لإنشائها بثّت ما بين 298 إلى أكثر من 500 تغريدة.


   


جيش من “البوتس” 


بصور للصدر وأخرى أرشيفية ومحتوى وسلوك متشابهين، شاركت حسابات وهمية في حملة التغريد عبر وسم الحملة الرئيسي. ويتبع القائمون على إدارة هذه الحسابات حيلة ربما للإفلات من إمكان استشعار أنها حسابات وهمية، سواء من الأشخاص العاديين أو تقنيات “تويتر”.

هذه الحيلة عبارة عن تقسيم شبكة التغريد إلى مجموعات، بحيث تبثّ مجموعة حسابات من هذه الشبكة مقطعاً أو جملة معينة في توقيت زمني محدد مثل الساعة 8:52، ثم تتوقف لتسلّم المهمة إلى مجموعة أخرى من الشبكة نفسها لتنشر الجملة ذاتها في توقيت مختلف، ثم تعاود المجموعة الأولى التغريد بعبارة جديدة في وتيرة متكررة وهكذا. في حين تتم برمجة بعض الحسابات على أن تقسّم توقيت البث، ففي كل دقيقة من ساعات زمنية محددة تُنشر الجملة ذاتها من حساب مختلف.

كما لاحظنا أن الحساب الوهمي الواحد يمكن أن تتم برمجته على بث تغريدتين مختلفتين في المحتوى خلال دقيقة زمنية واحدة.


قنوات “تلغرام” تقود الحملة 


يشيع استخدام تطبيق “تلغرام” في العراق، وفي العادة تستخدمه الفصائل العراقية وأنصارها في الحشد والتعبئة خلال الأحداث السياسية أو عند إطلاق الحملات الإلكترونية. ورواج التطبيق دفع وزارات وهيئات رسمية إلى استخدامه أيضاً. 

استخدم مؤيدو التيار الصدري قنوات “تلغرام” في الترويج للحملة ضد المثلية الجنسية؛ بعض المجموعات أو القنوات كانت مفتوحاً وبعضها  الآخر كان مغلقاً، مثل قناة “المنصة الأولى“، التي تطلب من مستخدمي تلغرام التقدم بطلب الانضمام إليها حتى يمكن رؤية محتواها.

في الحملة الأخيرة، تم الترويج لقناة “المنصة الأولى” ودعوة أعضاء جدد عبر جروب “أنصار راعي الإصلاح” عبر فيسبوك لـ “كسب المعرفة وطرق التغريد ومواجهة مجتمع الميم اللي يتركز بتويتر ولدعم حسابكم والتدريب على محاججتهم بالحاجة والمنطق والدليل والبرهان”.



بعض القنوات كانت ملاحظته مألوفة في حملات سابقة، منها: “واحد ميسان، نداء تويتر”. وتحشد من خلالها أعضاءها للمشاركة في التدوين في الهاشتاغات. 

وتحدد القنوات ما الذي ينبغي أن يقوله الأعضاء عند التغريد على تويتر وباقي المنصات الاجتماعية. هذا ما فعلته قناة “نداء تويتر”، التي تضم أكثر من 20 ألف عضو.

على سبيل المثال، وضعت القناة هذا البوست أدناه لأعضائها على نحو يُفهم ضمنياً أنه عليهم بثهّ كما هو على تويتر. 

في التدوينة، كتبت القناة عبارة: “المثلية سلوك شاذ يهدم الصحة ويدمر مجتمع”، وربطته بمرض الإيدز أو نقص المناعة المكتسبة عن طريق إنفوجرافيك لأعراض المرض.


نُشرت التدوينة في القناة في الساعة 8:48 من مساء يوم 2 ديسمبر، وبعد دقائق بدأت بالظهور في تويتر في شكل متكرر بداية من الساعة التاسعة.


استعانت قناة “نداء تويتر” في دعايتها للحملة، بنصوص دينية منسوبة إلى ديانات سماوية وأرضية في حشدها ضد المثلية الجنسية. وأتاحت القناة هذه النصوص في شكل تصميمات جاهزة للنشر تحمل اسمها وشعارها.


كما تم استخدام الحملة سياسياً عبر مهاجمة الحكومة الحالية، التي يقودها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، المدعوم من تحالف الإطار التنسيقي القريب من إيران، والذي قاد معركة سياسية شرسة في الأشهر الأخيرة مع التيار الصدري حتى يستطيع السوداني قيادة الحكومة.  

وألقى بعض التدوينات باللوم على الحكومة حديثة العهد في “غزو” علم المثلية الكتب الدراسية في العراق، حسبما ورد في تدوينة على جروب في فيسبوك يحمل اسم وزير الصدر محمد صالح العراقي: “في ظل حكومة الإطار الشيعي علم المثلية يغزو كتب التدريس لطلاب المدارس في العراق. كتاب الإنگليزي يحمل علم المثلية للصف الاول المتوسط صفحة (١٤)”.

           

   


ونشطت وسوم أخرى عبر “تويتر” و”فيسبوك” تحمل مضامين الحملة نفسها، بعضها كان نشطاً في أيام متباينة على نحو يسعى – على ما يبدو – إلى الحفاظ على زخم الحملة.

من بين هذه الوسوم النشطة في “تويتر”: 

#كلا_للمجتمع_الميمي: 

8326 تغريدة و29718 ريتويت و53686 لايك:

#مع_الصدر_نناهض_المجتمع_الميمي:

1235 تغريدة و2135 ريتويت و3398 لايك 

#الفطرة_ترفض_المجتمع_الميمي:

2852 تغريدة و29086 ريتويت و22590 لايك

وتزامناً مع ذلك، كانت هناك حملة على الأرض لتعليق ملصقات وجمع التوقيعات من المواطنين وقادة العشائر على استمارة “مناهضة المجتمع الميمي”.


    


 



ختاماً، يمكن اختصار البحث ببعض الخلاصات الأساسية
:


– وجود نشاط منسّق غير أصيل يسعى إلى التضخيم والبحث عن التأثير.

– استخدام قنوات “تلغرام” في “الحشد” وإطلاق الحملة ضد مجتمع الميم.

– كان “تويتر” و”فيسبوك” الوجهة الأخيرة أو المصبّ النهائي للحشد عبر تلغرام، فضلاً عن إدراك القائمين على الحملة أن “تويتر” هو المنصة الأكثر احتواءً على الخطاب الداعم لحقوق مجتمع الميم.  

– اللجوء إلى شبكة من الحسابات الوهمية لتضخيم الحملة والتظاهر بتأثيرها الضخم.

– وجود محتوى متكرر في الحملة عبر “تويتر”، على رغم محاولة تغيير مواعيد النشر واستخدام حسابات مختلفة.

– كانت الحسابات المشاركة في الحملة جزءاً من حملات سابقة.  

– وجود جهد منظم و”تدريب” للمشاركين في الحملات على كيفية استخدام “تويتر” والظهور في الترند، وفقاً لما ناقشته قناة “المنصة الأولى” المغلقة على “تلغرام”.

الأدوات المستخدمة:

InVID Verification Plugin

Twitter Search

Gephi