لا تعد وفاة شخصية جدلية أو مؤثرة بأي صورة من الصور حدثاً عرضياً في الفضاء الإلكتروني العربي تحديداً، حيث تتحول قضية وفاة الشخص إلى نزاع حول تقييم تأثيره سلباً أو إيجاباً على حسب الموقع من المتوفى.
قد يعد هذا الأمر طبيعياً ومطلوباً في حال ظهوره بشكل تلقائي، بيد أن تدخل أطراف سياسية وأيديولوجية على الخط يحول حدث الوفاة إلى ساحة حشد إلكتروني وحشد مضاد، وتنسحب الوفاة إلى عراك سياسي لأطراف متنازعة في الدولة الواحدة وتمتد إلى الإقليم، كما حدث مؤخراً مع وفاة الشيخ المصري يوسف القرضاوي الذي احتضنته الدوحة منذ عقود.
حولت وفاة الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي، في سبتمبر الماضي، الفضاء الافتراضي إلى ساحة جدال مفتوحة تخللها آراءً متناثرة متعاطفة ومتأثرة برحيله، وأخرى هاجمته وتعتبره داعمًا لـ”الإرهاب”.
من الدين إلى السياسة، كانت مواقف الداعية الإسلامي المصري، الذي توفي عن عمر يناهز 96 عامًا، عرضة للنقد والهجوم من أطراف مختلفة. كانت غالبية النقاشات مرتبطة بمؤيدين لسياسات دول سلطوية في العالم العربي، ومنتمون إلى تيارات ومجموعات لديها تفسيرات متشددة للدين الإسلامي، وبعض الأصوات المستقلة.
نتيجة لتصريحاته وتعليقاته على الأوضاع السياسية في بعض الدول العربية، فضلا عن الأزمة الخليجية مع قطر (2017 – 2021)، تم إُدراج القرضاوي على قوائم الإرهاب في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والبحرين.
وكان نشاط بعض الهاشتاجات المرتبطة بوفاة القرضاوي شبه منظم أو منسق، حسب تحليلنا في Arabi Facts Hub.
ماذا حدث؟
بعد وفاة يوسف القرضاوي في قطر في 26 ستبمبر 2022، ظهر حملة مُنتقدة للقرضاوي، بسبب قربه من الإخوان المسلمين في مصر، ومشاركته في فعاليات سابقة للجماعة وإدلائه بتصريحات إبان ما عُرف بـ”ثورات الربيع العربي”، وما اُعتبر من مواقف له محرضة على الإرهاب والفوضى. كما وصفت مجموعات إسلامية ما يقوله بـ”خرافات دسيسة على الإسلام”.
هاشتاج #مفتي_الإرهاب كان من بين أبرز أدوات الحملة المهاجمة للقرضاوي. سريعًا وصل الهاشتاج قمة ذروته في نفس يوم وفاة القرضاوي، مدفوعًا بـ902 تغريدة و1040 ريتويت و3393 حالة إعجاب (لايك).
وفقا لـ Gephi وInVID، شارك 615 حسابًا في موجة التغريد عبر الهاشتاج، في حين كانت هناك 5 حسابات كانت هي الأكثر تغريدًا بالنسبة لحركة التفاعلات على الوسم، هي: Helahopp@، NadyhDny@، AnwarRabie1@، YdSaif1@، Mohamed32231067@، إضافة إلى حساب ClosedHeart20@.
باستثناء Helahopp@، يشير نشاط الحسابات البارزة إلى مشاركتها في حملات إلكترونية بشكل مستمرة ضمن ماكينة دعائية للحكومة المصرية وانتقاد المعارضين، مستخدمة معلومات مضللة وخطاب كراهية.
وفقا لما أظهرته Gephi، كانت غالبية الحسابات المشاركة الهاشتاج من مصر والسعودية والإمارات وقطر.
كان حساب Helahopp@ على رأس الحسابات المشاركة بالتغريد على هاشتاج #مفتي_الإرهاب، وذلك بمجموع تغريدات بلغ عددها 107. واسم صاحبه محمد حسن.
في حسابه على تويتر، ترك محمد حسن روابط تؤدي إلى حساباته الأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحمل أسماءً مختلفة، منها AstroSaudia ، اسم حسابه الآخر على سناب شات، الذي يتابعه 14 ألف شخص.
ولديه قنوات عدة على تطبيق تليجرام، أكبرها يحمل اسم “تحليل خرائط فلكية”، وتضم 2800 مشترك. من واقع الملاحظة، يهتم هذا الشخص بشكل أساسي بالفلك وتفسيرات التاروت والطالع.
إلى جانب كتابته تدوينات مؤيدة لسياسات السعودية من خلال حسابه في تويتر، ونشره مقاطع فيديو بعضها يتبنى نظريات المؤامرة بقناته على يوتيوب، مستعينًا بمقاطع سابقة للمصرية علياء جاد.
كان لدى محمد حسن حساب سابق قبل حسابه الجديد المُنشأ في يوليو الماضي، يحتمل أنه استخدمه في حملات إلكترونية سابقة أو نشر محتوى ينتهك قوانين تويتر.
مع إعادة المالك الجديد لتويتر، إيلون ماسك، حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، ناشد محمد حسن ماسك بإعادة حسابه القديم المغلق. ودعاه في تغريدة إلى إطلاق سراح الطائر.
وتمنى لو “بنرجع نغرد تاني لو رجعت حساباتي القديمة ونعرف نتكلم شوية ونعبر عن رأينا. مو معقولة تحتكر الرأي على الحْـ.gلاt والمعرضين، وهما بس يستأثروا بالرأ ، الله يج7مهم ويعدم رأيهم، أصبح تويتر مستنقع قيم #الحزب_اليساري_الديموقراطي قيم الإنحلال والفسق والفجور بشكل مرعب”، وفقا لتغريدته.
شغلت الردود جزءًا من تفاعلات حساب محمد على الهاشتاج، منها تعليقه على تغريدة للإسرائيلي مثير الجدل إيدي كوهين.
كما محمد حسن، تقول نادية السعدني، صاحبة ثاني أكبر رصيد من التغريدات على الهاشتاج (50 تغريدة)، إن حسابها الجديد هو “الأكونت (رقم) 60..عم تويتر ديكتاتور.. كل يوم أكونت جديد”. ويبدو أنها خالفت قواعد تويتر أيضًا.
أنشأت نادية حسابها في سبتمبر الماضي، يتابعها 47 شخصًا وبثت من خلاله أكثر من 500 تغريدة، وهو معدل قياسي خلال فترة أقل من شهر على إنشائه. لكن نظرة على ما تنشره قد تفسر ذلك، فهي منهكمة في نشر تغريدات مؤيدة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وأغلب تغريداتها عبارة عن ريتويت من حسابات أخرى تشارك في حملات إلكترونية تتبنى نفس الخطاب.
في إحدى تغريداتها كانت نادية تتفاخر بصعود الهاشتاج إلى إلى قائمة الموضوعات الأكثر تداولا في مصر.
تفعل نادية نفس الأشياء في حسابها على فيسبوك المنشأ تقريبا في 2015، ويعبر ما تنشره من صور ومقاطع فيديو عن اهتماماتها السياسية، فهي مؤيدة للسيسي ومحبة لمبارك، وكانت تهاجم قطر وتركيا والإخوان.
إضافة إلى الحسابات الأكثر نشاطًا التي غالبًا ما كان عدد متابعيها ليس كبيرًا، شارك في التغريد حسابات كبيرة من حيث عدد متابعيها.
رسام الكاريكاتير السعودي، فهد الجبيري، الذي يتابعه قرابة 100 ألف شخص، نشر رسوم للقرضاوي وبجواره علم المثلية الجنسية، وقال: “كان مفتيا للإرهاب والشذوذ يوسف القرضاوي #مفتي_الارهاب”.
ومثله، شارك الأكاديمي السعودي إبراهيم المطلق، المتخصص في الدراسات الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود، الذي يتابعه أكثر من 14 ألف شخص في تويتر.
المطلق أعرب عن سعادته بـ”هلاك مفتي الإرهاب الضال يوسف القرضاوي”، مُعتبرًا “من لم يفرح بهلاكه فليراجع إيمانه وسلامة معتقده، من لم يفرح بهلاكه فليتب لله”، حسب قوله.
حالة الشماتة في وفاة القرضاوي والإشارة إلى فتاوى منسوبة له، انتقلت إلى الدعوة بمثلها لدعاة آخرين، مثل الداعية الإسلامي السعودي سلمان العودة، المسجون في المملكة منذ سبتمبر 2017، بعد شهور قليلة من نشوب أزمة المقاطعة الخليجية لدولة قطر (يونيو).
آنذاك، قالت تقارير إن سبب حبس الداعية المتقاربة أفكاره مع فكر الإخوان المسلمين، نشر تغريدة في حسابه على تويتر دعا فيها الله “للتأليف بين قلوب ولاة الأمور لما فيه خير الشعوب”.
ونشرت حسابات سعودية على الهاشتاج صورة تجمع القرضاوي مع العودة في إحدى المناسبات، مثل حساب “أم عبدالعزيز”، الذي يضع علم السعودية، ونشر أكثر من ألفي تغريدة رغم حداثة تدشينه في سبتمبر الماضي.
باستعراض اهتمامات حساب “أم عبدالعزيز – SaudiLiii1l11@”، لاحظنا انغماسه في التغريد والريتويت من حسابات سعودية أخرى مهتمة بدعم قادة المملكة وسياستها، والاشتباك افتراضيًا مع الملفات الشائكة في العالم العربي، من اليمن والعراق إلى إيران ولبنان.
هاشتاجات مترابطة
ارتبطت حركة التفاعلات على وسم #مفتي_الإرهاب مع هاشتاجات أخرى لم تكن على نفس الدرجة من الانتشار، لكنها تحمل نفس المعنى أو الخطاب، مثل: “#مفتي_الناتو، #مفتي_الدم، #هلاك_القرضاوي، #هلاك_يوسف_القرضاوي”.
رسم توضيحي من SNA – InVID للوسوم المرتبطة بهاشتاج #مفتي_الإرهاب
كان حساب محمد حسن حاضرًا بقوة في التغريدة عبر هذه الوسوم أيضًا، لكن كان هناك اسم بارز آخر أشرف جلال (@ClosedHeart20)، الذي نشر 28 تغريدة احتوت نصًا واحدًا. مثلا جرب البحث في محرك تويتر عن عبارة “تماثيل العجوه التي عبدوها من دون الله”.
لقطة شاشة من أداة SNA – InVID لجانب من التغريدات المكررة لحساب أشرف جلال.
ومثله فعل حساب (NaderTi26396331@) الذي بث 14 تغريدة، كانت 12 منها بنفس النص مع تغيير طفيف في الصور المستخدمة. ما يعني أنه كان هناك محاولات تضخيم للهاشتاجات.
لاحظنا أن أشرف جزء من شبكة حسابات تتابع حسابًا اسمه “دعم الدولجية”، وهو مصطلح عادة ما يستخدم للإشارة إلى مؤيدي الدولة في مصر.
اللافت أيضًا أن هذه الحسابات، من بينها حساب أشرف، تتبع نسقًا معينًا لتنظيم نفسها من خلال ثريد ممتد لحساب “دعم الدولجية” يتجدد يوميًا أو كل عدة أيام، حيث يحدد لأفراد الشبكة ما الهاشتاج الذي سيتم التغريد عليه في فترة زمنية معينة.
احتوى الثريد هاشتاجات حدث أن ظهرت في قائمة الموضوعات الأكثر تداولا في تويتر على مستوى مصر خلال الشهور الأخيرة.
في وقت انهمكت حسابات منتمين لجماعة الدعوة السلفية، ذات التفسير المتشدد للدين الإسلامي والممتدة عبر المنطقة العربية، في النشاط عبر الهاشتاجات المختلفة لإشارة مشاعر الكراهية تجاه القرضاوي من خلال الحديث عن “ضلالاته”، حسب إحدى التغريدات لحساب اسمه “الدعوة السلفية وكشف الفرق الضالة”، ويعرف نفسه بأنه مملوك لشخص اسمه إسماعيل أبو إلياس يعيش في الجزائر.
وبشكل عام، لم تكن الحسابات ذات الأعداد الكبيرة من المتابعين فقط من تغرد عبر الهاشتاجات المضادة التي تبنت هجومًا على القرضاوي، مثل #مفتي_الإرهاب، حيث أشارته إليه حسابات أخرى للدفاع عنه أيضًا.
أحمد عطوان، الإعلامي المصري في قناة “الشرق”، القريبة من جماعة الإخوان المسلمين، كتب على الهاشتاج منتقدًا من سماهم “اللجان”.
كما كتب الأمين العام المساعد لرابطة علماء المغرب العربي، أحمد الحسني الشنقيطي، تغريدة احتوى وسم #مفتي_الإرهاب، في محاولة للدفاع عنه باستخدم هاشتاج #القرضاوي_رجل_بأمة في نفس التدوينة. يتابع حسابه 14 ألف شخص أيضًا.
#القرضاوي_رجل_بأمة
بعد ساعات من انطلاق الوسوم المضادة، ظهر هاشتاج #القرضاوي_رجل_بأمة للدفاع عن سيرته. وبلغ ذروته في اليوم التالي لوفاته، فيما بلغ إجمالي حجم التفاعلات على الوسم 5261 تغريدة و20263 ريتويت وأكثر من 102 ألف حالة إعجاب.
وشارك في حملة التغريد 3449 حسابًا، حسب بيانات Gephi.
كان عبدالله الشريف، اليوتيوبر ومقدم البرامج في القنوات المحسوبة على تيار الإخوان، وراء إطلاق الهاشتاج الساعة 3:28 من مساء 26 سبتمبر.
في تغريدة الإطلاق، قال الشريف، الذي يتابعه قرابة مليوني شخص على تويتر، إن الهاشتاج محاولة لـ”حرق دم” من سماهم “المعيز” بعد لترديدهم “عبارات تسيء للعلامة القرضاوي رحمه الله دون أن يعرفوا تاريخه”.
تغريدة الشريف على ما يبدو كانت بمثابة إيعاز لمتابعيه ببدء النشاط على الهاشتاج، وهي ليست المرة الأولى له، فسبق أن دشن هاشتاجات ضمن وصلات تلاسن مرتبطة بانتقاد الحكومة في مصر.
نشر الشريف 3 تغريدات فقط على الهاشتاج منهم تغريدة إطلاقه، بينما حصد تفاعلات معها تجاوزت أكثر من ألفي ريتويت و30 ألف لايك.
كان الشريف أيضًا عرضة لتزييف تغريدة “الحور العين” المنسوبة له عن القرضاوي، وهو ما تبين عدم صحته.
وجدنا اسم أنيس منصور، الكاتب اليمني المقرب من جماعة الإصلاح المقربة من فكر الإخوان المسلمين، ضمن أبرز من حصدوا تفاعلات على تغريداتهم عبر الهاشتاج.
كنا تحدثنا عن دور أنيس في الحشد للحملات المؤيدة لجماعة الإصلاح في اليمن في مواجهة حملات مؤيدي انفصال الجنوب. في التغريدة أداناه كان أنيس يقوم بما يشبه السبام – Spam بتعليقه على تغريدة غير مرتبطة بوفاة القرضاوي، كان نشرها أحد المؤثرين الاجتماعيين من اليمن ويعيش في السويد.
رغم ذلك هذا لا يعني أنه كانت هناك محاولات تضخيم مماثلة للهاشتاج، فمثلا حساب كريم العربي (KareemE33156020@) نشر 42 تغريدة، استخدم فيها نصًا واحدًا هو الهاشتاج بشكل متكرر، في أغلب الوقت دون أي تعليقات بجانبه أو ببعض الصور.
لقطة شاشة للمحتوى المكرر من حساب كريم العربي على هاشتاج #القرضاوي_رجل_بأمة
حساب كريم نشر منذ إنشائه في مارس 2022 أكثر من 7 آلاف تغريدة. سبق أن شارك في حملات إلكترونية ينصب تركيزها على مصر، مثل حملة هاشتاج #انشر_دعوه_11نوفمبر، الذي كان رائجًا في الأيام الأخيرة من سبتمبر.
خلاصة:
– احتوت الوسوم المضادة والمتعاطفة مع القرضاوي كلمات مسيئة معبرة عن خطاب الكراهية .
– غالبية الحسابات المشاركة في التغريد كانت حسابات طبيعية، والبعض الآخر يبدو أنها آلية.
– محاولات تضخيم لحجم وانتشار الهاشتاجات عن طريق نشر محتوى مكرر.
– ساهمت الحسابات كثيرة العدد من المتابعين في زيادة انتشار الهاشتاجات.
– زيادة نسبة الريتويت والتعليقات تعد إشارة إلى أنها الحملات كان مدفوعة بمحاولات حشد.
– بعض الحسابات المشاركة في الحملات كانت جزءًا من حملات إلكترونية ضخمة سابقة، لا سيما مصر والسعودية.
الأدوات المستخدمة:
InVID Verification Plugin
Twitter Search
Gephi