مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

لجان إلكترونية تستغل الهدنة في غزة لمهاجمة المعارضة المصرية

لجان إلكترونية تستغل الهدنة في غزة لمهاجمة المعارضة المصرية

حملة رقمية منظمة تستغل الهدنة في غزة للهجوم على المعارضة المصرية

 ينشر هذا التقرير بالتعاون بين مجتمع التحقق العربي (AFH) و منصة زاوية ثالثة  

 

فور إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، انطلقت حملة منسقة على وسم "#مصر_عطاء_لا_ينقطع" تروج لدور مصر في الوساطة الإنسانية والمساعدات، وسرعان ما تحولت الحملة إلى الهجوم على المعارضة عبر وسم "#25_يناير_عيد_الشرطة_المصرية".


يكشف هذا التقرير عن تفاصيل هذه الحملة الرقمية، عبر تحليل الشبكة الاجتماعية للحسابات المتفاعلة الذي قاد إلى وجود تضخيم ممنهج لهذا الوسوم، مدعوم بنشاط حسابات مزيفة.

وسم منسق

بعد وقف إطلاق النار في غزة، ركز الإعلام الرسمي على الترويج لدور مصر في الضغط على الحكومة الإسرائيلية لفرض القبول بالهدنة، وقيادة الجهود الدولية لإنهاء التصعيد العسكري وتأمين المساعدات الإنسانية.

على النهج نفسه، عملت الحملة الرقمية على وسم "#مصر_عطاء_لا_ينقطع" بشكل رئيس على إبراز دور مصر الإيجابي في إبرام الاتفاقية، لكن البحث المتعمق يقود إلى وجود نمط تفاعل غير أصيل على الوسم.

في إطار عملية بحث معمّقة حول الحملة الرقمية التي دارت على منصة "إكس"، قمنا بدايةً بجمع البيانات من المنشورات التي استخدمت الوسم المستهدف. وتمّت مراجعة معلومات الحسابات المشاركة؛ بما يشمل تاريخ الإنشاء، وعدد المتابعين، وحجم النشاط السابق؛ لرصد أية مؤشرات غير طبيعية على مستوى التفاعل. وقد أتاح لنا ذلك تكوين نظرة أولية حول طبيعة المستخدمين الذين أسهموا في نشر المحتوى، والكشف عن أي أنماط قد تشير إلى تضخيم أو انخراط جماعي منسّق.

بعد ذلك، اعتمدنا على تحليل الشبكة الاجتماعية (SNA)؛ لبناء خريطة تفاعلية توضّح الروابط بين الحسابات الأكثر نشاطاً في الحملة. وقد شمل هذا قياس درجة المركزية لمعرفة الحسابات الأكثر تأثيراً في الحملة. ومن خلال هذا التحليل، تمكّنا من تحديد مجموعة من الحسابات التي تتبادل التفاعل بشكل متكرر؛ وهو ما قد يشير إلى وجود تنسيق منظّم على الوسم.

إلى جانب ذلك، أجرينا تحليلاً للمحتوى كشف عن تشابه في التغريدات والوسوم المستخدمة، كما راجعنا توقيت إعادة نشر المحتوى نفسه من قِبَل عدة حسابات خلال فترات زمنية قصيرة. ساعدتنا هذه الخطوة في تتبّع تطوّر الخطاب السياسي، ورصد المراحل المختلفة لتوجيهه.

طفرة مفاجأة 

  

كشفت المؤشرات الزمنية عن ارتفاع مفاجئ في عدد المنشورات على وسم "#مصر_عطاء_لا_ينقطع" خلال فترات زمنية متقاربة بين 19 و23 يناير 2025، إذ تجاوز إجمالي التدوينات 17 ألف مشنور، محققة وصولاً يفوق 97 مليوناً.

 

كشفت المؤشرات الزمنية عن ارتفاع مفاجئ في عدد المنشورات على وسم "#مصر_عطاء_لا_ينقطع" خلال فترات زمنية متقاربة بين 19 و23 يناير 2025، إذ تجاوز إجمالي التدوينات 17 ألف مشنور، محققة وصولاً يفوق 97 مليوناً.

اللافت أن السعودية جاءت في المرتبة الثانية بعد مصر ضمن قائمة الدول الأكثر نشراً للمنشورات على الوسم، إذ بلغ عدد المنشورات الصادرة منها 788.

تصدّرت حسابات “مستقبل وطن نيوز” على “إكس” قائمة الحسابات التابعة للمواقع الإلكترونية الأكثر تفاعلاً مع الوسم. ويُعد “مستقبل وطن نيوز” المنصة الإعلامية لحزب “مستقبل وطن”، المعروف بدعمه للنظام الحاكم.

شكّلت إعادة النشر 45% من إجمالي المنشورات على الوسم، بينما لم تتجاوز التدوينات الأصلية 12%، وهو أحد المؤشرات الدالة على وجود حملة إلكترونية منسقة.

أرقام إعادة النشر على وسم “#مصر_عطاء_لا_ينقطع” يقود إلى أن انتشاره لم يكن وليد تفاعل عفوى فحسب، بل لعبت شبكة من الحسابات دوراً محورياً في تضخيمه بشكل لافت. عند تحليل طبيعة هذه الحسابات، وجدنا أن العديد منها أظهر أنماط نشاط غير اعتيادية؛ مثل: التغريد المستمر بوتيرة عالية على مدار الساعة، أو اقتصار نشاطه على نشر محتوى محدد من دون أي تفاعل شخصي. كما أن بعضها كان لديه سجل سابق في حملات مماثلة. 

عند تحليل طبيعة حسابات متفاعلة على الوسم، تبيّن أنها لا تحمل أي سمات شخصية واضحة، إذ تفتقر إلى الصور الشخصية أو المعلومات الذاتية التي تدل على هوية مستخدميها الحقيقيين، باستثناء أنها تتخذ من مصر موقعاً جغرافياً لها.

على وجه التحديد، برزت مجموعة من الحسابات التي تتمتع بنشاط مكثف وتكراري؛ مثل: Aa56547979 وWard7890 وrushyt1. هذه الحسابات لعبت دوراً محورياً في تضخيم المحتوى المرتبط بالحملة الرقمية، عبر إعادة المشاركة. 

نشط في الحملة الحساب الأخير رغم افتقاده لأي معلومات شخصية تكشف هوية صاحبه، إلا أنه يلمّح إلى دوره الإلكتروني في النبذة الشخصية عبر استخدام وسم “#عصابة_الريتويت_للفولورز”، الذي تنشط عليه مجموعة من الحسابات ذات الأنشطة الرقمية المتشابهة.

أما من حيث المحتوى المنشور على الوسم، فقد كشفت المتابعة عن تطور الرسائل عبر مرحلتين أساسيتين. في المرحلة الأولى، ركّزت الحملة على إبراز الدور الإيجابي لمصر في غزة، والترويج للمساعدات الإنسانية التي تقدمها. ثم، مع اقتراب ذكرى 25 يناير، تحوّل الخطاب إلى مهاجمة المعارضة المصرية.

حسابات مؤدلجة

برز الحسابان @BAHAA0003823628 و@BASSEMELMASSRY كأحد المحركات الرئيسة للحملة، بدأت الحملة في 20 يناير 2025، إذ ظهرت أولى المنشورات التي استخدمت الوسم عند الساعة 08:35 صباحاً بالتوقيت العالمي.  كان حساب @BASSEMELMASSRY من أوائل المستخدمين للوسم، إذ نشر أول تدوينة له عند الساعة 09:21 صباحاً.

مع دمج بيانات التتبع الزمني والتحليل الشبكي، لم يشهد الوسم قفزة مفاجئة في بداية انتشاره، بل انتشر بشكل تدريجي حتى دخلت الحسابات المركزية المذكورة أعلاه داخل الشبكة على خط الحملة، ما عزز من زخمها الرقمي. أظهر تحليل النمط الزمني أن التفاعل بدأ في الارتفاع بعد مرور بضع ساعات من انطلاقه، إذ أسهمت بعض الحسابات الرئيسية في دفع الحملة إلى نطاق أوسع، ما زاد من مستوى انتشار الوسم إلى مستويات غير طبيعية.

  

عند تحليل بيانات التفاعل، تبين أن إجمالي عدد مرات إعادة النشر للحملة بلغ 7,062. والمثير للاهتمام أن الحسابين @BAHAA0003823628 و @BASSEMELMASSRY كانا مسؤولين عن 44.5% من إجمالي عمليات إعادة النشر، ما يشير إلى دورهما المحوري في انتشار الحملة.

 

عند تحليل بيانات التفاعل، تبين أن إجمالي عدد مرات إعادة النشر للحملة بلغ 7,062. والمثير للاهتمام أن الحسابين @BAHAA0003823628 و @BASSEMELMASSRY كانا مسؤولين عن 44.5% من إجمالي عمليات إعادة النشر، ما يشير إلى دورهما المحوري في انتشار الحملة.

ومع ذلك، كشف تحليل الشبكة أن التأثير الأكبر لم يكن محصوراً في هذين الحسابين فقط، بل برزت مجموعة أخرى من الحسابات المركزية التي لعبت دور الوسيط في تضخيم التفاعل، ما أسهم في نشر المحتوى عبر دوائر أوسع وتعزيز انتشاره.

برزت حسابات؛ مثل: @Aa56547979 و@Ward789000 و@rushyt1 بوصفها الحسابات الأكثر تأثيراً في الشبكة، إذ أظهرت بيانات التحليل أنها لعبت دوراً محورياً في إعادة تدوير المحتوى، وتعزيزه داخل الشبكة الرقمية. لم تكتف هذه الحسابات بالتفاعل مع الوسم فحسب، بل عملت كحلقة وصل بين مجموعات مختلفة من المستخدمين، ما سمح بتوزيع المنشورات على نطاق أوسع، وضمان استمرار تداولها.

بروباجندا لا تتوقف 

يشير تحليل وسوم #مصر_عطاء_لا_ينقطع إلى ارتباطه لاحقاً بوسم  #25_يناير_عيد_الشرطة_المصرية . تشير البيانات المستخلصة من أداة “Meltwater” إلى ارتفاع غير طبيعي في عدد المنشورات على الوسوم عبر “إكس”، حيث سجلت 48 منشوراً في 21 يناير مقارنةً بصفر يومياً في الفترة التي سبقت ذلك، كما أن تحليل مصادر هذه التفاعلات يظهر أن عدد المنشورات على المنصة ارتفع بمقدار 959 ضعفاً مقارنة بالمعدل الطبيعي؛ ما يعكس زيادة مفاجئة وموجهة في النشاط الرقمي على وسم #25_يناير_عيد_الشرطة_المصرية.

تحليل المواقف العاطفية (Sentiment Analysis) أظهر أن 92% من المنشورات على الوسم كانت إيجابية، ما يعكس طبيعة التوجيه الرقمي نحو الترويج لذكرى الثورة باعتبارها عيد للشرطة المصرية.

وبشأن التوزيع الجغرافي، أظهرت البيانات أن 23 منشوراً على الوسم جاء من داخل مصر، وهو رقم يزيد بمقدار 505 ضعفاً عن المتوسط اليومي، ما يشير إلى مصدر محلي مكثف يقود هذه الحملة.

 

المايسترو مرة أخرى

كما أوضحنا أعلاه أظهرت البيانات الرقمية أن حساب المايسترو (@BASSEMELMASSRY) لعب دوراً رئيسياً في إطلاق وقيادة التفاعل حول وسم “#مصر_عطاء_لا_ينقطع” منذ اللحظات الأولى للحملة. كان الحساب من أوائل المستخدمين الذين بدأوا في نشر الوسم، وفي 21 يناير 2025، انتقل نشاط الحساب تدريجياً إلى وسم “#٢٥_يناير_عيد_الشرطه_المصرية”.

يتمتع هذا الحساب بتأثير واسع، إذ يملك 98,502 متابعاً، لكن التفاعل عليه لا يعكس نشاطاً طبيعياً، إذ أن معظم منشوراته لا تحوز على ردود فعل طبيعية من متابعين حقيقيين، بل يتم تضخيمها عبر إعادة تغريد متكرر من حسابات أخرى متصلة به. 

كما أظهرت البيانات ارتفاعاً غير طبيعي في الإشارات إليه (mentions)على “إكس”، حيث قفزت إلى 48 إشارة في 21 يناير مقارنة بصفر في الأيام السابقة. بالإضافة إلى ذلك، جاءت 23 إشارة من داخل مصر، بزيادة بلغت 505 أضعاف عن المعدل الطبيعي.

نمط التغريد الذي اتبعه الحساب، إلى جانب ارتباطه بحسابات أخرى تدعم الخطاب نفسه، يكشف عن دور “المايسترو” كأحد العناصر الأساسية في شبكة الدعاية الرقمية المُوجهة.

تتسم منشورات “المايسترو” بالمبالغة في وصف إنجازات الدولة، مقابل شيطنة الخصوم من خلال استخدام ألفاظ تُوحي بالتهديد وعدم الاستقرار.