مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

حملة عراقية منسقة تنسبْ سقوط الأسد لـ"تقاربه مع الخليج"

حملة عراقية منسقة تنسبْ سقوط الأسد لـ"تقاربه مع الخليج"

 

تم إعداد هذا التقرير بالتعاون بين مجتمع التحقق العربي ودرج ميديا

 

نشطت حسابات عراقية في حملة منسّقة ربطت سقوط الأسد بتقاربه مع دول خليجية في السنوات الأخيرة من حكمه، مشيرة إلى أن العراق لن يواجه سيناريو مشابهاً نتيجة ارتباطه بـ”محور المقاومة”. وقد ضخّم القائمون على الحملة هذه الروايات من خلال الاستعانة بحسابات وهمية ومحتوى مكرر تتخلّله معلومات مضلّلة.


منذ سقوط النظام، نشطت وسوم عدة؛ مثل #العراق_ليس_سوريا و#الارهاب_استباح_سوريا و#العراق_هزم_الإرهاب، التي جمعت أكثر من 20 ألف تدوينة عبر منصة “إكس، شٌوهدت نحو 1.5 مليون مرة على الأقل، بحسب إحصاءات Meltwater.

في المنشورات المتداولة على الوسوم، تم الترويج إلى أن العراق يختلف عن سوريا، نظراً الى ما يمتلكه من “قوة حشدية عقائدية مستعدة للتضحية”.

ونتجت من هذه المنشورات قرابة 42 ألف حالة تفاعل في صورة (إعجابات، إعادة مشاركة، تعليقات). كما وصلت الوسوم إلى حالات الذروة مرات عدة، أعلاها كانت في وقت انهيار نظام الأسد، 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، بأكثر من ثمانية آلاف تدوينة في هذا اليوم وحده.

فترات نشاط الوسوم الثلاثة – Meltwater

من يتصدّر الحملة؟

  

ساهمت 9,278 حساباً في تنشيط وسوم الحملة، في حين تشير مؤشرات عدة إلى انخراط ملحوظ لمؤيدي ميليشيا عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، بشكل رئيسي في الحملة الحالية بشأن الوضع في سوريا.

 

ساهمت 9,278 حساباً في تنشيط وسوم الحملة، في حين تشير مؤشرات عدة إلى انخراط ملحوظ لمؤيدي ميليشيا عصائب أهل الحق، بزعامة قيس الخزعلي، بشكل رئيسي في الحملة الحالية بشأن الوضع في سوريا.

يعتمد الكثير من حسابات أنصار الجماعة المدعومة من إيران صور قيس الخزعلي في مساحاتها التعريفية، وتروّج بشكل مكثف لدعاية سياسية مركّزة لصالحه.

وسبق أن شاركت قوات من “عصائب أهل الحق” في الحرب الأهلية في سوريا لصالح النظام السوري السابق على الرغم من نفي خزعلي ذلك. 

وأشار تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في نيسان/ أبريل 2021، إلى أن الميليشيا وطدت علاقاتها مع محور المقاومة التابع لـ “فيلق القدس” في “الحرس الثوري”، وأرسلت وحدة للقتال في الحرب الأهلية السورية تحت السيطرة العملياتية لـ “فيلق القدس”. وذكرت تقارير أن الميليشيا كانت تقاتل في حلب ودمشق.

فيما وضعت حسابات أخرى صوراً تعريفية لقادة فصائل ومجموعات شيعية عراقية وإيرانية وإقليمية؛ مثل أبو مهدي المهندس، نائب ميليشيا الحشد الشعبي السابق، الذي قُتل مع قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، في غارة أميركية على بغداد في مطلع 2020، وصورة الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني، حسن نصرالله، والمرشد الإيراني، علي خامنئي.

 

ضربة البداية وعبور المنصات… علامات على التنسيق

  

تشير مؤشرات عدة إلى وجود نشاط منسق، إذ عملت حسابات الحملة بوتيرة موحدة على نقل رسائلها، سواء من خلال تزامن  النشر وتوقيته، أو تكرار نبرة الخطاب، أو طبيعة المحتوى المتداول في المنشورات.

 

تشير مؤشرات عدة إلى وجود نشاط منسق، إذ عملت حسابات الحملة بوتيرة موحدة على نقل رسائلها، سواء من خلال تزامن  النشر وتوقيته، أو تكرار نبرة الخطاب، أو طبيعة المحتوى المتداول في المنشورات.

في الساعة 3:33 بتوقيت غرينتش من مساء الثامن من كانون الأول/ ديسمبر، أوعز حساب “بنت المهندس” – H__PLKM@، المنشأ في نهايات عام 2022، بقرب بدء موجة التدوين، بتدوينة تقول “الكل تنطلق بعد دقائق“، مشيرة إلى وسوم الحملة.

جاءت التدوينة عقب منشور نشره حساب المحامية زينة الخفاجي – @zena_shaker1988، الذي أعرب فيه عن استيائه من مشاهد يزعم أنها من داخل حرم السيدة زينب في دمشق، مشيراً إلى أنها تعرضت لهجوم من “العصابات الإرهابية”، ووصف الحادثة بأنها “هجوم بني أمية على مرقد السيدة زينب”.

يمتلك الحساب المنسوب إلى المحامية نسخاً مشابهة على منصات اجتماعية مختلفة، وينشر دعاية ترويجية، على غرار حساب “بنت المهندس”، لصالح زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي.

 

انتقلت بعض المنشورات بين المنصات المختلفة. على سبيل المثال، نشر حساب “الأمة العميقة”، الذي أُنشئ على منصة “إكس” في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، منشوراً مطولاً في البداية على قناته في تلغرام، التي تضم 1,592 مشتركاً، قبل أن يعيد نشره على “إكس”، مرفقاً بوسم #العراق_ليس_سوريا.

في منشوره، قدم الحساب تقييماً للوضع بين سوريا “الجديدة” والعراق، إذ تناول النظام السياسي، وتشكيل الحكومة والجيش، وصولاً إلى ما وصفه بوجود “قوة عقائدية ذات نواة صلبة صنعت ملحمة تحرير وطنية كبرى”، في إشارة إلى الحشد الشعبي بوصفه الجيش الرسمي الرديف.

وختم الحساب المنشور بالإشادة بـ”شيخ شجاع حكيم استراتيجي التفكير والعمل اسمه الشيخ الأمين، وهو رمح الأمة كونه وريث الحظ والبخت الذي مثله السيد نصر السماء والجنرال المثقف المخلص والمهندس المقاوم النبيل مؤسس الحشد الشعبي المقدس”، ثم أرفق صورة لقيس خزعلي.

 

 

على النهج ذاته، كان الفارق دقيقة واحدة بين عبور منشورات حساب “حروف سومرية” (@alijahied) من موقع “إكس” إلى “تلغرام”. في الساعة 4:36 مساءً من 8 كانون الأول/ ديسمبر، نشر تدوينة مصحوبة بتصميم عالي الجودة كُتب عليه “الإرهاب انتصر في سوريا… انهزم في العراق”، مع عرض راية تنظيم داعش، وعلم الاستقلال السوري، الذي تبنته المعارضة، في حين تظهر يد تحمل راية الحشد الشعبي.

في الدقيقة التالية (4:37)، نُشرت التدوينة في قناة “حروف سومرية” في “تلغرام”، التي تضم 5751 مشتركاً.  

كانت التدوينة تقول: “فرق كبير بين العراق بقادته ورجاله وصمودهم الأسطوري وسوريا ببشار وجيشها الذين سلموا سوريا للإرهاب على طبق فروري. عن العراق وشجاعته نحدثكم”.

على مدار السنوات الأخيرة، لعب الحساب دوراً مؤثراً في الترويج لمواقف ومصالح المجموعات الشيعية الموالية لإيران، إضافة إلى المشاركة في حملات التأثير المرتبطة بها. 

 

 

ورصد “مجتمع التحقق العربي” تكرار نشر التصميم نفسه على مدار الأيام التي أعقبت انطلاق الحملة، مصحوباً بعبارات نصية تكرر نشرها عبر حسابات مختلفة.

يمكن استكشاف هذه النصوص والتصميمات عبر البحث عن العبارة التالية في موقع إكس: “العراق لن يسمح بتكرار المأساة السورية على أرضه، لأنه يمتلك قيادة وشعباً أقوى من كل التحديات والمؤامرات”.

يمكن ملاحظة أن الكثير من الحسابات الناشرة تظهر عليها مؤشرات قوية إلى كونها حسابات وهمية، سواء من حيث ضعف عدد متابعيها، قلة تفاعلاتها، وطبيعة نشاطها المركّز على الدعاية لقيس الخزعلي.

كما ساعدت حسابات أخرى، يقتصر نشاطها على الريتويت/إعادة المشاركة، في تضخيم انتشار الوسوم؛ من بينها حساب @Pearlbh2، الذي يتخذ من علامة الريتويت صورة تعريفية للحساب، وهي لفتة شائعة لدى الحسابات التي تتولى هذه المهمة خلال الحملات الإلكترونية.

يقول من يدير الحساب إنه ينشط من البحرين، ويعرض أعلام إيران والدول التي تدعم مجموعات مسلّحة فيها. يمتلك الحساب أكثر من 278 ألف تدوينة منذ إنشائه في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وهو معدل قياسي نادراً ما تظهره الحسابات التي تعود لأشخاص طبيعيين، ما يسلط الضوء على استخدامه لأهداف موجّهة. وقد بث الحساب 57 تدوينة فقط في الوسوم المتعلقة بالحملة موضوع التحليل.

جغرافياً، جاء العراق في مقدّمة البلاد التي صدرت منها تدوينات على الوسوم بإجمالي ثلاثة آلاف تدوينة، وحلت السعودية ثانية بـ 239 تدوينة، ولبنان (179)، والولايات المتحدة (156)، واليمن (137).

في المقابل، كانت هناك نحو 16 ألف تدوينة صادرة من حسابات غير معروف موقعها الجغرافي؛ أي ما يقارب 76 في المئة من إجمالي التدوينات. وهذا يشكل مؤشراً آخر إلى وجود تلاعب ونشاط غير تلقائي عبر الوسوم.

معلومات مُضلّلة وخطاب طائفي

بدت المقارنات الواردة في محتوى الوسوم بين حال العراق وسوريا وكأنها محاولة لطمأنة أنصار المجموعات العراقية بعدم تكرار السيناريو السوري، مؤكدين أن “العراق لن يسمح بتكرار المأساة السورية”. كما تم تبرير غياب إيران، حليفة الأسد في حربه ضد المعارضة، بإلقاء اللوم على سياسات الأسد “الخاطئة”، التي “دفع الشعب السوري ثمنها”، وجعلت “سوريا فريسة سهلة للجماعات الإرهابية’. إضافة إلى ذلك، تم تأكيد أن الأسد “اختار الابتعاد عن محور المقاومة والارتماء في أحضان السعودية والإمارات”.

وقد صاحب ذلك نشر معلومات مُضلّلة وخطاب طائفي من شأنه تعزيز التوتر بين أصحاب المذاهب الدينية المختلفة، لا سيما بين الشيعة والسنة.

وروّجت حسابات في الحملة مزاعم بوقوع انتهاكات، ونشر مقاطع فيديو قديمة على أنها حدثت في عهد النظام الجديد في سوريا؛ منها مقطع فيديو صاحبته رواية تقول إنه “من يتخلّف عن صلاة الجمعة في حكم سوريا (الإرهابي) الجديد يُعاقب بـ 25 جلدة أمام الناس”.

وتبين أن المقطع قديم، ونُشر للمرة الأولى في آذار/ مارس 2016، ويصور عنصراً في تنظيم داعش وهو يجلد رجلاً عقاباً له على عدم حضوره صلاة الجمعة.

واحتوت منشورات على كلمات ذات نبرة طائفية، وتحمل خطاب كراهية ضد أصحاب المذهب السني، بوصفهم بـ”المخربين والفاسدين والإرهابيين، المفخخات السنية الوهابية، مجاميع التخريب، الدونية السفلة”. 

نشطت الحسابات نفسها في مهاجمة أحمد الشرع -الذي كان يُعرف بـ “أبو محمد الجولاني”- بعد إعلان إدارة العمليات العسكرية في سوريا في 29 كانون الثاني/ يناير 2025، توليه رئاسة البلاد خلال المرحلة الانتقالية.

وذهب بعضها إلى حد القول إن “اقتلاعه (الشرع) من المشهد السياسي السوري ضرورة دولية لما يمُثله من نظام إسلامي متشدد محظور دولياً، ولما سيعطيه من عذر شرعي لقيام ثورة سورية مضادة تقتلعه من الحكم”.