مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

حسابات داعمة لإيران تلعب على وتر الطائفية في سوريا

حسابات داعمة لإيران تلعب على وتر الطائفية في سوريا

 

تم إعداد هذا التقرير بالتعاون بين مجتمع التحقق العربي ودرج ميديا

 

لعبت حسابات وصفحات على وتر التأجيج الطائفي بين السنة – الأكثر انتشاراً في سوريا- والعلويين، سواء  عبر الإيحاء بوقوع أعمال انتقامية، أو من خلال استخدام الطائفية وسيلة لمهاجمة السلطة الحالية في البلاد. 


اجتاحت الشبكات الاجتماعية موجة من المعلومات المضلّلة، يرافقها خطاب طائفي مكثّف في سوريا، خلال الأسابيع التي تلت إطاحة نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

عملت صفحات وحسابات، ترتبط في غالبيتها بالقوى الداعمة لإيران في المنطقة، على تأجيج النزعة الطائفية وبثّ المخاوف بين أبناء الطائفة العلوية – التي ينتمي إليها الأسد، وكانت تسيطر على معظم الشؤون العسكرية والأمنية – من أعمال انتقامية قد تنفّذها عناصر الإدارة الحالية للبلاد.

وتشير تقارير إلى أن نسبة العلويين في سوريا تتراوح بين 10 و15 في المئة من إجمالي عدد السكان، وتتركز غالبيتهم في شمال غربي البلاد، لا سيما اللاذقية وقرى الساحل ومدنه. 

ونقلت وسائل إعلام دولية؛ مثل “فرانس 24” وهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“، روايات عدد من السوريين العلويين عن مضايقات تعرضوا لها، وعبّروا عن مخاوفهم من التهميش، وتحميلهم مسؤولية ما فعله الأسد، وقالوا إنهم عانوا مثل بقية الشعب السوري إبان فترة حكمه.

  

منذ رحيل النظام في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، إلى منتصف كانون الثاني/ يناير 2025، كان العلويون محل اهتمام ونقاش كبير على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو ما توضحه إحصاءات Meltwater بوجود أكثر من 217 ألف تدوينة، تحتوي على كلمة “العلويين”، أو تدور حولهم في منصة “إكس”.

 

منذ رحيل النظام في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، إلى منتصف كانون الثاني/ يناير 2025، كان العلويون محل اهتمام ونقاش كبير على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وهو ما توضحه إحصاءات Meltwater بوجود أكثر من 217 ألف تدوينة، تحتوي على كلمة “العلويين”، أو تدور حولهم في منصة “إكس”.

حصلت المنشورات المرتبطة بكلمة “العلويين” على منصة “إكس”، على أكثر من 115 مليون مشاهدة، ووصلت إلى نطاق رؤية محتمل إضافي بلغ 201 مليون مشاهدة.

كما أثارت النقاشات بشأن هذه الطائفة أكثر من 1.424 مليون تفاعل، تضمنت إعجابات، وإعادة مشاركات (ريتويت/ريبوست) وردوداً، وتعليقات مقتبسة، بمعدل يومي يصل إلى 36 ألف تفاعل.

فترات النشاط وطبيعة التفاعلات حول كلمة “العلويين” – Meltwater

حسابات وصفحات 

لعبت حسابات وصفحات على وتر التأجيج الطائفي بين السنة – الأكثر انتشاراً في سوريا- والعلويين، سواء  عبر الإيحاء بوقوع أعمال انتقامية، أو من خلال استخدام الطائفية وسيلة لمهاجمة السلطة الحالية في البلاد. 

تنقسم غالبية الحسابات والصفحات المنخرطة بصورة منظمة في إثارة الطائفية إلى نوعين رئيسيين؛ فمنها حسابات تقدّم نفسها كجهات سورية معنية بشؤون العلويين، وتنشر بشكل مكثف منشورات تتضمن شائعات أو معلومات غير موثوقة وغير مدعومة بأدلة.

 بعض هذه الحسابات يُظهر انحيازاً واضحاً للنظام السابق من خلال وضع صور للرئيس السابق، والمشاركة في دعايته السياسية خلال سنوات الحرب الأهلية، في حين أن بعضها الآخر حديث الإنشاء ويبدو أنه مخصّص لهذا الغرض.

أما النوع الثاني من الحسابات، فيحمل طابعاً عابراً للحدود، ويعكس محتواها جهوداً مستمرة لمهاجمة الإدارة الحالية في سوريا وخلفيات قادتها. تسعى هذه الحسابات إلى تضخيم الروايات السلبية عن السلطة، مع التركيز على الترويج لوجود انتهاكات طائفية، واستخدام ذلك أداة للتحريض والتأجيج.

تحتوي المساحات التعريفية لهذه الحسابات على صور لقادة ومسؤولين إيرانيين، وشعارات ولقطات لقادة المجموعات الإقليمية المرتبطة بطهران؛ مثل: “حزب الله” اللبناني، والفصائل العراقية الشيعية، والحوثيين في اليمن.

يمتد الوجود الافتراضي لصفحات النوع الأول إلى منصات اجتماعية عدة، وينشط بعضها باللغتين العربية والإنكليزية.



يحمل بعض هذه الصفحات أسماءً باعتبارها ناطقة باسم العلويين أو الأقليات في سوريا؛ مثل: قناة سوريا اليوم، علويون، النهضة العلوية، مرصد الأقليات السوري، المركز الوطني لتوثيق الانتهاكات في سوريا، مصياف الآن، السوريون حول العالم، سوريا، Syria Witness، سوريا إلى أين؟، Longas International.   

أُنشئت غالبية هذه الصفحات في فترات زمنية متقاربة خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024، تحديداً في أيام 16، 17، 21، و25 من هذا الشهر. وتُظهر هذه الصفحات نمطاً مشتركاً يتمثل في تبادل المنشورات التي تركز على مزاعم بحدوث انتهاكات، أو تدعو إلى تقسيم سوريا.

وكان لافتاً أن هذه الصفحات تحدد في مساحاتها التعريفية أماكن إدارتها، سواء داخل سوريا أو في دول أخرى، في حين تكشف خاصية الشفافية في “فيسبوك”، أن الأشخاص الذين يديرونها يقيمون في دول أخرى. أما بعض الصفحات الأخرى، فلا تقدم أي معلومات توضح موقع نشاطها أو إدارتها.

على سبيل المثال، تُعلن صفحة “سوريا إلى أين؟” أنها صادرة من دمشق، لكنها لا تُظهر عبر خاصية الشفافية مكان نشاطها، لكن الصفحة تقوم بشكل متكرر بوسم صفحة أخرى تحمل اسم Longas International، التي يذكر القائمون عليها أنها مستقرة في تورنتو في كندا. ومع ذلك، تُظهر خاصية الشفافية أن الصفحة تديرها فعلياً ثلاثة حسابات موجودة في إندونيسيا.

 

 

وبالمثل، ذكرت صفحة المركز الوطني لتوثيق الانتهاكات في سوريا أنها تُدار من سويسرا، لكن خاصية الشفافية على “فيسبوك” أوضحت أن إدارتها تتم عبر حسابين موجودين في فرنسا.

 


أما صفحة “السوريون حول العالم”، التي أُنشئت في 10 أيار/ مايو 2014، فقد نشطت في إثارة الطائفية ومهاجمة الإدارة الحالية، وانخرطت هذه الصفحة سابقاً في الدعاية السياسية لبشار الأسد منذ المراحل المبكرة للأزمة السورية.

 


يدير صفحة “السوريون حول العالم” شخص يدعى باسل الوجيهي من ثلاثة أماكن مجهولة، حسب ما أظهرت خاصية الشفافية على موقع “فيسبوك”. فيما أظهر بحث أعمق أجريناه، أن هناك ثلاث دول محتملة قد تكون مقر نشاطه، هي فرنسا وألمانيا والسويد، وذلك بناءً على بيانات مكتبة إعلانات شركة “ميتا” الممولة، المالكة لـ”فيسبوك”.

توصلنا إلى ذلك عبر مطالعة بيانات ست نسخ من إعلان واحد مولته الصفحة على فترات زمنية ممتدة من بداية العام الماضي، حتى 13 كانون الثاني/ يناير 2024. وتحدد خاصية الشفافية في “فيسبوك” صفحة “السوريون حول العالم” بأنها تنشر إعلانات ممولة على صلة بالسياسة.

 


ولدى الصفحة إعلانان في حالة نشطة منذ إطلاقهما في 11 و15 كانون الثاني/ يناير؛ أحدهما يدافع عن بشار الأسد ويدعو له بالنصر، والثاني يهاجم من سماهم “بهائم الإرهاب الإسلامي ومن تبعهم بإجرام من بهائم الأخضر”، في إشارة إلى فصائل المعارضة التي أطاحت الرئيس السابق.

 

 

في عام 2012، أطلق الوجيهي حملة تحت عنوان “أسود سوريا تكافح الفساد وتدعم الاقتصاد السوري”، ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية تصريحات له في ذلك الوقت. 

في يوم سقوط نظام الأسد، غيّر الوجيهي اسم صفحة حملته إلى “معاً نبني اقتصاد سوريا”، وبدّل صورتها التعريفية إلى علم الثورة السورية، ومع ذلك، بقيت صورتان لبشار الأسد على الصفحة.

 


وسبق أن أطلق الوجيهي “الحملة العالمية لدعم الليرة السورية” في آب/ أغسطس 2011، ونشط في ترويجها في مجموعات تضم أنصار الرئيس السابق.

 

ولا يعطي الوجيهي المزيد من المعلومات عنه في حساباته الرئيسية على الشبكات الاجتماعية، في حين يوفر حساب له على موقع “بيت”، النظير العربي لموقع الوظائف “لينكدان”، لمحة عن الرجل.

وفقاً لحسابه، يمتلك الوجيهي خبرة تتجاوز الـ38 عاماً في مجال إدارة الأعمال والتسويق الرقمي، وأسس عام 2008 وكالة إعلانية في المملكة العربية السعودية، اسمها MarketLines Corp.

ودرس الوجيهي ريادة الأعمال في كلية الملك سعود منتصف التسعينات، وحصل على درجة الماجستير في كلية كينغ كوليدج في لندن عام 2005.

وتشير بيانات قناته في “يوتيوب” إلى أنها تدار من الولايات المتحدة.



معلومات مُضلّلة


منذ رحيل الأسد عن السلطة وفراره إلى روسيا، وضعت المنشورات اليومية المتعلقة بالانتهاكات المزعومة بحق العلويين، منصات تدقيق المعلومات والباحثين، في حالة تأهب مستمر، للتأكد من صحة ما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي.

وكان هناك انتشار واسع النطاق لمقاطع فيديو قديمة، بعضها يعود إلى سنوات الأزمة السورية، أو بعيدة عن السياق السوري، فيما كان بعضها مقتطعاً من سياقه.

ولعب النوع الثاني من الحسابات – الذي أشرنا إليه أعلاه – دوراً لافتاً في الضخ المتواصل للمعلومات المُضللة. وعلى الرغم من أن الحسابات بدت وكأنها تغرد وحدها، لكن طبيعة محتواها تشير إلى وجود تنسيق، ومحرك واحد يقف وراءها.

  

وربما تركت إيران بشار الأسد في مواجهة تقدّم فصائل المعارضة إلى دمشق حتى فراره من البلاد، لكن حسابات اعتادت المشاركة في حملات إلكترونية مُعبرة عن مصالحها والمجموعات المسلحة الموالية لها في المنطقة، كانت حاضرة في موجة التضليل المرتبطة بسوريا منذ رحيل الأسد.

 

وربما تركت إيران بشار الأسد في مواجهة تقدّم فصائل المعارضة إلى دمشق حتى فراره من البلاد، لكن حسابات اعتادت المشاركة في حملات إلكترونية مُعبرة عن مصالحها والمجموعات المسلحة الموالية لها في المنطقة، كانت حاضرة في موجة التضليل المرتبطة بسوريا منذ رحيل الأسد.

على سبيل المثال، نشر حساب الكاتب والمحلل السياسي حسين الديراني مقاطع فيديو مضللة عدة عن وضع العلويين بعد رحيل الأسد. 

يضع الديراني في حسابه صورة تعريفية التُقطت له أثناء مصافحته وزير الخارجية الإيراني السابق أمير عبد اللهيان، وعادة ما تنقل وسائل الإعلام الإيرانية واللبنانية القريبة من “حزب الله” تصريحات الديراني.

 

في 14 كانون الثاني/ يناير 2025، نشر الديراني مقطع فيديو زعم أنه يظهر في “سوريا الجديدة القديمة” لحظة إطلاق “مرتزقة هيئة تحرير الشام” – التي كان يقودها قائد الإدارة الحالية في سوريا أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) – النار على أطفال من الطائفة العلوية. وادّعى أن الفيديو صُوِّر في مناطق الساحل السوري العلوية، ومع ذلك، تبين أن الفيديو من العراق وصُوِّر عام 2019.

في التوقيت نفسه، نشرت المقطع حسابات تضع صورة الأمين العام السابق لـ”حزب الله” حسن نصرالله، وصوراً للمرشد الإيراني علي خامنئي، وزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي.  

 


من بين أبرز المعلومات المضللة الرائجة في الأسابيع الأخيرة، كانت الحديث عن إغلاق كنائس من عناصر إدارة العمليات العسكرية؛ فقد روّجت صفحات منشورات تفيد بـ”إغلاق كنيسة آيا صوفيا في مدينة السقيلبية في ريف محافظة حماة بشكل نهائي بعد تهديد القائمين عليها”، إلا أن هذا الادعاء ثبت عدم صحته، وهو ما دعمته منصة “تأكد” السورية المتخصصة في التحقق من المعلومات.

 


تحريض وكراهية ودعوات للتقسيم 


حملت المنشورات، وبخاصة على “فيسبوك” الذي يعد الأكثر شيوعاً في سوريا، خطاب كراهية، وتحريضاً ضد مختلف أطياف الشعب السوري.

بنت الصفحات منشوراتها التحريضية على أحداث وفيديوهات مقتطعة من سياقها أو غير مكتملة المعلومات، مثل مزاعم “حرق مقام السيد أبي عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي” في حلب، مع ظهور قتلى قربه في مقطع فيديو تم ترويجه على أنه وقع منتصف الشهر الحالي.

فيما قال بيان لوزارة الداخلية السورية: “نؤكد أن الفيديو المنتشر هو فيديو قديم يعود لفترة تحرير مدينة حلب أقدمت عليه مجموعات مجهولة، وأن أجهزتنا تعمل ليل نهار على حفظ الأملاك والمواقع الدينية، الهدف من إعادة نشر هكذا مقاطع هو إثارة الفتنة بين أبناء الشعب السوري، في هذه المرحلة الحساسة التي تمر بها سوريا”.

في وقت أثارت صفحات الجدل بشأن الحادثة المزعومة، واستدعت عبارات تحريضية منسوبة إلى فصائل المعارضة، واستخدامها مدخلاً للتضخيم، والتسويق لطلب الحماية الدولية للأقليات.

من بين العبارات التي تم استدعاؤها: “شرطة نصيرية، صبراً يا علوية، بالذبح جيناكم بلا اتفاقية، المسيحية ع بيروت والعلوية ع التابوت، يا إيران جني جني بدو يحكمنا سني”.

وروّجت منشورات أخرى للصدام، منها “نصيحة لمن بيده الأمر: لا تجبروا الساحل على محاربتكم لأنكم ستخسرون… لا أحد قادر على محاربة الجبال!! الساحل هو كل علوي على كامل التراب السوري، وكل علوي في سوريا هو الساحل”.

وعملت صفحات؛ مثل “علويون، المركز الوطني لتوثيق الانتهاكات في سوريا، المرصد العربي لحقوق الإنسان”، على تنشيط وسوم بعينها، تدّعي أن هناك “إبادة للعلويين”، وتدعو إلى إنقاذهم، وعدم اضطهادهم.  #AlawiteGenocide، #StopAlawitePersecution، #SaveAlawites، #EndAlawiteDiscrimination، #JusticeForAlawites


 

جمعت هذه الوسوم 1000 تدوينة على الأقل، ونُشرت منشوراتها بالعربية والتركية والإنجليزية، وصدرت من نحو 600 حساب، كان بعضها يضع صورة بشار الأسد، ومن أبرزها:

@YourmediaAgenc, @Syria4Syrians1, @NPC_Assasin, @R6914472180696, Tarih: 31/12/2024, @claire3679892, @AdhamHano22177, @Maudedebeauvoir, @__VOT___, @klcMesutklc. 

 


كما دعت بعض المنشورات إلى تقسيم سوريا، مع التركيز على أن تكون مناطق الساحل السوري، التي تتمركز فيها الطائفة العلوية، جزءاً من هذا التقسيم. واستُشهد ببعض المطالبات بالاستقلال؛ مثل إقليم كتالونيا في إسبانيا واسكتلندا. وكتبت صفحات: “لن نقبل إلا بالتقسيم… العلويون في اضطهاد منظم وإبادة مقصودة، حالهم كحال المسيحيين”.