أشعلت ارتفاعات متتالية لأسعار الوقود موجة من الغضب الافتراضي ضد رئيس حكومة المغرب، عزيز أخنوش، فيما تعاني البلاد تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا كما دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تُرجمت هذه الحالة في ظهور أكثر من مليون مشاركة، هو إجمالي عدد المشاركات في وسوم مختلفة ظهرت ضمن حملة منظمة عبر الشبكات الاجتماعية.
حصدت هذه المشاركات عشرات الملايين من المشاهدات في “تيك توك”، وولدت مثلها تفاعلات في “فيسبوك” خلال الشهور الماضية.
رغم أن كثاقة نشاط الحملة يبدو مثيراً للريبة، إلا أن مؤشراتنا تميل إلى أن غالبية المشاركات صادرة عن أشخاص طبيعيين، وليست جزءاً من عملية تأثير موجهة. ولا تعدو أكثر من كونها حشداً تلقائياً تراكم زخمه على مدار الشهور الماضية مع تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاعات الأسعار المتواصلة.
لاحقاً، اكتسبت الحملة صدى على أرض الواقع من خلال تفاعل الأشخاص العاديين مع ما ينشر، ووضعهم ملصقات بشعارات والهاشتاجات المستخدمة، في حين لا يعلم أحد إن كان هذا الحشد غير المسبوق قد يؤدي لتغييرات أو قرارات حكومية جوهرية.
حاولنا استشكاف التفاعلات التي تشكل الحملة التي تقودها صفحات ومجموعات على فيسبوك، باعتبارها حالة فريدة في تاريخ النشاط الإلكتروني في المغرب، من حيث ضخامتها على الأقل.
ماذا حدث؟
في منتصف تموز/ يوليو، برزت مجموعة من الهاشتاغات في المغرب، كانت بدايتها عبر “فيسبوك”. وحملت مطالبات برحيل رئيس الوزراء عزيز أخنوش وخفض أسعار المحروقات إلى وضعها قبل اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، مستندة إلى تراجع في أسعار النفط في الآونة الأخيرة.
لكن من هو عزيز أخنوش؟
في أيلول/ سبتمبر 2021، تولى عزيز أخنوش قيادة الحكومة المغربية خلفاً لسعد الدين العثماني، الأمين العام لـ”حزب العدالة والتنمية” ذي التوجه الإسلامي.
إلى جانب قيادته “حزب التجمع الوطني للأحرار”، يعد أخنوش رجل أعمال كبيراً، تقدر ثروته بمليارَي دولار، وهو رئيس شركة “أكوا” المالكة لشركات متخصصة لها حصص سيطرة على قطاعات مختلفة، من بينها توزيع المحروقات والاتصالات والخدمات.
قبل سنوات، ارتبط اسم أخنوش بما يعرف بـ”قضية الـ17 مليار دولار”، حيث تقول تقارير صحافية مغربية إن إحدى شركاته اتفقت مع شركات المحروقات على عدم تخفيض الأسعار في عامي 2015 و2016، لتجني أرباحاً غير شرعية بلغت 17 مليار دولار.
من بين الكثير من الهاشتاغات النشطة على “فيسبوك”، كانت هناك 4 بارزة بقوة، هي:
الهاشتاج | إجمالي عدد المشاركات |
#أخنوش_إرحل | 40 ألفاً |
#7dh_Gazoil | 703 ألف |
#Dégage_Akhannouch | 626 ألفاً |
8#dh_Essence |
ألفاً |
**الإحصاءات وفقاً للبحث عبر “فيسبوك”
معظم هذه الوسوم يتم إدراجها معاً في المشاركات المنشورة، ولتفادي تكرار النتائج جمعنا الهاشتاغات الأربعة معاً لتحليل تفاعلاتها ومعرفة عددها الإجمالي الحقيقي، والتي جاءت على النحو التالي وفقاً لأداة Crowd Tangle، التابعة لـ”فيسبوك”:
رسم بياني من أداة Crowdtangle يوضح إجمالي إحصاءات نشاط أبرز 4 وسوم في الحملة المناهضة لحكومة المغرب
(dh_Essence, #7dh_Gazoil, #Dégage_Akhannouch8#, #أخنوش_إرحل)
باستثناء وسم #أخنوش_إرحل، إذا اعتبرنا أن متوسط إجمالي التغريدات في هذه الهاشتاغات على حدة يزيد عن 600 ألف مشاركة، فإن ذلك يعني أن هذا الجزء المرصود عبر أداة كراود تانجل تمثل حوالي ثلث المشاركات فقط.
وجدت الأداة أن هناك 278900 مشاركة نُشرت عبر الهاشتاغات الأربعة مجتمعة، وحصدت معاً أكثر من 52 ألف حركة تفاعل (Emotion interactions)، وذلك حتى يوم 12 آب/ أغسطس.
في مجال التسويق عبر الشبكات الاجتماعية، عادة ما تجذب مشاركات الصور ومقاطع الفيديو والبث الحي نسبة كبيرة من المتفاعلين معها. كان عدد هذه النوعية من المشاركات في وسوم الحملة تخطى الـ158992 مشاركة من إجمالي المشاركات المرصودة عبر أداة كراود تانجل. ما جعلها تولد أكثر من 43 مليون حالة تفاعل.
قصور ما جمعته الأداة يرجع إلى أن خصائص البحث المتقدم عبرها لا ترصد من المشاركات غير تلك المنشورة في الصفحات والمجموعات المفتوحة والحسابات الموثقة فقط على “فيسبوك”.
أي أنها لا ترصد ما يُنشر في حسابات الأشخاص العاديين والمجموعات المُغلقة بالطبع. وفي الوقت ذاته، استحوذ الأشخاص العاديون على ثلثي المشاركات إذا ما طرحنا ذلك من عددها الإجمالي المتوسط (600 ألف مشاركة).
مجموعات “فيسبوك”… نظرة عن قرب لماكينة الحشد
كان الظهور الأول لهذه الوسوم ضعيف جداً بين نهاية 2021، وشباط/ فبراير وأيار/ مايو 2022، إلا أن وتيرة الزخم المنظم لم تظهر سوى في بداية من منتصف تموز/ يوليو.
لعبت مجموعات “فيسبوك” دوراً كبيراً في رواج هذه الوسوم، حيث تخطى إجمالي التدوينات المنشورة داخل المجموعات المفتوحة قرابة 240 ألف مشاركة.
في لقطة الشاشة أدناه، تظهر مشاركة من أحد مديري مجموعة DACIA CLUB OF MOROCCO، طالباً من الأعضاء المشاركة بالكتابة عبر الهاشتاغات، قائلاً: “الهاشتاغ غادي في الطريق، ديرو يدكم”، أي ما معناه شاركوا.
شارك طيف واسع ومتنوع من المجموعات في الحشد لحملة التدوين في هذه الوسوم، كان من بينها مجموعات مهتمة بشكل أساسي بوجبات الطهي والطعام وقضايا الأسرة، وتجمعات المعلمين ومشجعي أندية كرة القدم، ومجموعات شراء وبيع السيارات.
من أبرز هذه المجموعات، كانت مجموعة “ضد علاء ثمن المحروقات والمواد الغذائية بالمغرب”، التي تضم أكثر من 146 ألف عضو منذ إنشائها في أيار الماضي. وتنشر فيه 1232 مشاركة يومياً.
لقطة شاشة من أداة Crowd Tangle لجانب مما نشرته مجموعات على فيسبوك
تويتر… “الحسابات الوهمية في الملاعب”
في سلسلة تغريدات نشرها في 17 تموز، تحدث مارك جونز، الأستاذ المساعد في دراسات الشرق الأوسط بجامعة خليفة بن حمد في قطر، عن رواج وسم Dégage_Akhannouch# في غضون الانتقادات الشديدة والمطالبات برحيل رئيس الحكومة المغربية.
لقطة شاشة تظهر فترة الذروة لوسم Dégage_Akhannouch# – أداة InVID
يقول جونز إن تحليله أظهر إنشاء 522 حساباً في يوم واحد (15 تموز)، وهو تاريخ مهم حيث توقيت وصول الهاشتاغ إلى حالة الذروة بداية من يوم 11 إلى 17 تموز.
وأحصى جونز 796 حساباً هي إجمالي عدد الحسابات المؤسسة في تموز. بينما تحدث عن 10 آلاف حساب فريد شاركت في حملة التغريد آنذاك.
سريعاً، حدثت تفاعلات تجاه التحليل في المغرب، ففيما استخدمته مواقع صحفية مغربية للقول إن الحملة المناهضة لرئيسها عزيز أخنوش كانت زائفة من حسابات وهمية.
بينما وجه صحافيون مغربيون ومشاركون في الحملة انتقادات إلى مارك جونز، قالوا فيها إنهم مغربيون يعانون من ارتفاع الأسعار، وتدشين حسابات جديدة لا يعني أنها زائفة، لكون تويتر لايزال أقل شعبية عن “فيسبوك”، بحسب قولهم.
في غضون ذلك، كانت هناك موجة سخرية من حديث الحكومة عن أن الحسابات المشاركة وهمية، وتناقلت الصفحات والمجموعات عبارة “الحسابات الوهمية في الملاعب” مرفقة بمقطع فيديو من غناء مشجعي نادي اتحاد طنجة أغنية الأولتراس الشهيرة (هادي بلاد الحكرة)، أي بلاد ضياع الحقوق.
وفي 24 تموز، نشر مشجعون لقطات مصورة من مدرجات ستاد مولاي عبدالله بالرباط، وهم يهتفون “أخنوش أرحل”، مع تعليق كُتب على الفيديو يقول: “الحسابات المزيفة يوم أمس من مركب مولاي عبد الله بالرباط #أخنوش_إرحل”.
يبلغ عدد مستخدمي “تويتر” في المغرب حتى أوائل عام 2022 أكثر من 2.8 مليون مستخدم بعكس “فيسبوك” الذي لديه أكثر من 18 مليون مستخدم في البلاد.
قال جونز في وقت لاحق إنه لم يقصد القول إن الهاشتاغ أثارته حسابات وهمية.
ربما يكون التفسير الوحيد لظهور الحسابات الجديدة دفعة واحدة بشكل متزامن هو انتقال مستخدمين جدد من “فيسبوك” إلى فضاء “تويتر”، بخاصة أن الحسابات نفسها لا تحمل مؤشرات قوية بأنها زائفة.
على سبيل المثال تدوينات كثيرة على المجموعة الرئيسية للحملة الإلكترونية “ضد غلاء ثمن المحروقات في المغرب”، تتضمن دعوات لأعضاء الجروب بتدشين حسابات على “تويتر” و”تيك توك” للمساهمة في رواج هذه الوسوم، وما تزامن تقريباً مع وقت ذروة هاشتاج Dégage_Akhannouch# وبقية الوسوم الرائجة.
في التدوينة المنشورة أدناه، يقول أحد الأشخاص إنه تلقى نصيحة من أحد أصدقائه تتعلق بكيفية ترويج الوسم، من بينها تدشين حسابات على “تويتر” ونشر الوسوم في تغريدات مع كتابة أي شيء إلى جانبها حتى لا تتعرض للفلترة أو التعقب من “تويتر”.
في الوقت نفسه، كان هناك محتوى مكرر على “تويتر”، لكنه كان محدوداً لدرجة كبيرة، ومثله في “فيسبوك”، وبرغم أن ذلك عادة ما يعتبر إشارة إلى نشاط غير أصيل، وبرغم أنه يبدو منظماً ومنسقاً إلا أن ملاحظاتنا تشير إلى أنه كان على الأغلب عن نشر تدوينات تدعو بالأساس للمشاركة. إلى جانب كون ذلك مرتبطاً بحالة الفورة الشعبية في الفضاء الافتراضي ضد غلاء الأسعار والوضع الاقتصادي في المغرب، وليس جزءاً من حملة تأثير مشبوهة.
لقطة شاشة من أداة Crowd Tangle تظهر محتوى مكرراً بثته صفحات ومجموعات على “فيسبوك”. وفي لقطة مماثلة أدناه – من “تويتر” – يتضح استخدام الجملة ذاتها في تغريدات متزامنة مع توقيت النشر بين المنصتين.
“تيك توك”
تشغل منصة مشاركة الفيديو “تيك توك” الصينية حيزاً لافتاً من استخدام المغاربة للسوشيال ميديا. ولدى التطبيق 5.97 مليون مستخدم في المغرب، حتى أوائل 2022.
مع سيطرة عنصر الفيديو واللقطات المصورة على معظم المشاركات المنشورة عبر هذه الحملة، لم يكن صعباً أن ينتقل مشاركون فيها إلى ساحة افتراضية جديدة.
حصدت الهاشتاغات المناهضة للحكومة وارتفاع أسعار المحروقات، عشرات الملايين من المشاهدات، وحصل وسما #أخنوش_إرحل و 7dh_gazoil# على أكثر من 135 مليون مشاهدة.
كانت المقاطع المنشورة عبارة عن تعليقات شخصية على أزمة الأسعار، وأخرى لبرامج هواة ينتقدون بطريقة ساخرة أداء الحكومة.
خلاصة:
– كانت حملة الوسوم المطالبة برحيل رئيس حكومة المغرب وخفض أسعار الوقود، شبه منظمة، واستمدت الزخم من ردود فعل المواطنين تجاه أداء الحكومة والظروف المعيشة.
– كانت الحملة مرتبة لرواج هذه الوسوم.
– انطلقت الحملة من مجموعات على فيسبوك، حيث كان شكلت نسبة كبيرة من المشاركات التي رصدتها أداة Crowd Tangle. وانتقلت في وقت لاحق إلى شبكات اجتماعية أخرى، مثل “تويتر” و”تيك توك”.
– بينما مثلت مشاركات الأشخاص العاديين النسبة الأكبر من إجمالي عدد المشاركات.
– لعبت مقاطع الفيديو واللقطات المصورة والرسوم البيانية والساخرة دوراً كبيراً في رواج الحملة.