امتدادات الفضاء الإلكتروني للعنف ضد نساء مصر… حادث طالبة المنصورة نموذجاً
لم تعد مسألة الجرائم ضد النساء في مصر محصورة في أروقة الحياة الواقعية، بل امتدت إلى الفضاء الإلكتروني بحشود عابرة للشبكات الاجتماعية تحاول تقديم روايات أخرى لتبرير جرائم متكررة.
هذه التبريرات لطالما كانت موجودة بشكل كبير، لكن ما رصده “مجتمع التحقق العربي” هذه المرة يؤكد أن الأمر صار منظماً عبر حملات تحاول إنقاذ الجناة أو إيجاد مبرر لهم، وقد ظهر ذلك جلياً في حادث قتل طالبة المنصورة نيرة أشرف.
تلك الجريمة التي تبعتها جرائم أخرى مماثلة كمقتل أماني النجار رمياً بالرصاص على يد جارها في ما تعرف بقضية “طالبة المنوفية”، كذلك مقتل سلمى محمد بهجت طعناً وذبحاً على يد زميلها في كلية الإعلام، وهي القضية المعروفة إعلامياً بقضية “فتاة الشرقية”، إضافة إلى مقتل فتاة مصرية على يد خطيبها في بورسعيد.
“نيرة أشرف”… كيف بحثت حملات منظمة عن مخرج للقاتل؟
في 20 حزيران/ يونيو 2022، قتلت طالبة جامعة المنصورة، نيرة أشرف، طعناً بسكين المتهم محمد عادل على أسوار الجامعة. أثارت الواقعة حالة من الصدمة في المجتمع المصري، وتسارعت الإجراءات القضائية على غير المعتاد وعٌقدت أولى جلسات القضية بعد نحو أسبوع، قبل أن تُحال أوراق القضية إلى مفتي الجمهورية إلى أن صدر حكم بإعدام المتهم شنقاً في 6 تموز/ يوليو.
26 يوماً استغرقتها الإجراءات منذ وقوع الحادثة إلى يوم النطق بالحكم. في غضون هذه الفترة الزمنية القصيرة، نشطت حملات إلكترونية عابرة للمنصات أو الشبكات الاجتماعية تعمل على ترويج رواية مغايرة للرواية السائدة التي اصطفت بشكل عاطفي وتلقائي إلى جانب الضحية.
منذ إحالة أوراق المتهم إلى المفتي في 28 حزيران، تأسست مجموعات مفتوحة ومُغلقة على “فيسبوك” بمسميات مختلفة للدفاع عن محمد عادل، قبل انتقالها إلى “تيك توك” و”تويتر”. داخل هذه المجموعات، يتم تنظيم عملية الحشد الإلكتروني قبل انطلاقها إلى بقية المنصات عبر وسوم محددة بالعربية والإنكليزية.
نحن في Arabi Hub Facts، رصدنا طبيعة هذا النشاط المنظم غير التلقائي وفترات وصوله إلى الذروة من طريق حسابات تبدو غالبيتها مملوكة لأشخاص حقيقيين، وإن كان بعضها حديث الإنشاء. كما لاحظنا بعض الشواهد المرتبطة بالنشاط بالتزامن مع تطورات أحداث القضية.
سياق: تنفيذ حكم الإعدام على محمد عادل مُعطل قانونياً، لحين نظر الطعن عليه أمام محكمة النقض في جلسة 26 كانون الثاني/ يناير 2022، بعد وفاة محاميه فريد الديب في 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، حسب تصريحات أشرف نبيل، الموكل من أسرة المتهم للدفاع عنه أيضاً.
لاحظنا ما لا يقل عن 7 مجموعات نشطة تروج للرواية المضادة لمصلحة المتهم، وتنسيق نشاط الحملات الإلكترونية على نحو منظم ومتزامن في الوقت المحدد لجذب الانتباه على مواقع التواصل الاجتماعي.
اسم المجموعة/ الغروب | عدد الأعضاء | مغلقة/ مفتوحة | توقيت ظهورها |
محمد عادل قا*تل نيرة المجني عليه الاول في القضية (تم إغلاقها لاحقا) | 18 ألفاً | مغلقة | 29 حزيران 2022 |
محمد عادل ضحية | 12.9 ألف | مغلقة | 30 حزيران 2022 |
لا لإعدام محمد عادل (تم إغلاقها لاحقا) | 8.7 ألف | مفتوحة | 30 حزيران 2022 |
ظلم محمد عادل قاتل نيرة اشرف تخفيف الحكم | 5.9 ألف | كانت مفتوحة ثم أصبحت مُغلقة | 1 يوليو 2022 |
صوت الرأي العام أقوى من أي كلام (تحول اسم المجموعة إلى محمد عادل قا*تل نيرة المجني عليه الأول في القضية في 15 آب/ أغسطس) | 6.3 ألف | مفتوحة | 1 تموز 2022 |
كلنا مع محمد عادل محمد عادل ضحية التنمر (تم إغلاقها لاحقاً) | 8.7 ألف | مغلقة | 2 تموز 2022 |
محمد عادل ضحيه الظلم والقهر | 2.4 ألف | كانت مفتوحة ثم أصبحت مُغلقة | 7 تموز 2022 |
محمد مش قاتل محمد ضحية الاستغلال | 6.2 ألف | مغلقة | 22 تموز |
كلنا محمد عادل | 17 ألفاً | مغلقة | 11 تموز 2022 |
في 29 حزيران، سجّل “فيسبوك” ظهور واحدة من أولى وأبرز المجموعاتن اسمها “محمد عادل قا*تل نيرة المجني عليه الأول في القضية”، وذلك قبل إغلاقها لاحقاً.
حتى 25 تموز الماضي، ضمت المجموعة أكثر من 3.5 ألف تدوينة منذ تدشينها. وقتها، ضم في عضويته أكثر من 18 ألف شخص، وتديرها 8 حسابات وصفحات، 3 منها على الأقل مملوكة لشخص واحد، اسمه رامي الكتالوني، الذي أسس هذا المجموعات. وعرّف رامي إحدى هذه الصفحات باعتبارها “Social Media Agency”.
في يوم 17 تموز، قال رامي في بث صوتي مباشر على “فيسبوك”- حذفه لاحقاً- إن المجموعة مغلقة أو خاصة بغرض الأمان، موضحاً: “عندنا الجروب خاص (…) عشان ده أمان لينا أكتر”.
لا معلومات كثيرة عن رامي، لكن يحتمل أن يكون مواطناً مصرياً يعيش في صعيد مصر، استناداً إلى أكثر الصفحات التي يتابعها حسابه، مثل صفحات تحمل اسم محافظة المنيا، وأبوقرقاص، أحد مراكز المنيا. بينما لا تبدو لهجته خلال البث الصوتي صعيدية أو جنوبية.
بحسب الوصف التعريفي، “الجروب لدعم حق محمد عادل في كشف كذب وافتراء أهل نيرة وليس جروب تحريضي”، قبل إحالة الأعضاء إلى مجموعة احتياطية، باسم “صوت الرأي العام أقوى من أي كلام” وكان اسمها في البداية “الكروب البديل” عندما أسسه أيضاً رامي الكتالوني في 1 تموز.
في 15 آب تحول اسم المجموعة الثانية من “صوت الرأي العام اقوى من اي كلام” إلى اسم المجموعة الأكبر، المُغلقة لاحقاً، ليصبح “محمد عادل قا*تل نيرة المجني عليه الأول في القضية”. وتحولت المجموعة من عامة مفتوحة إلى خاصة مُغلقة.
ربما يغير أصحاب “الغروبات” أسماء المجموعات، لكن كل مجموعة تحتفظ برقم تعريفي عند تأسيسها، يشبه رقم الهوية الشخصية. وكنا خلال تحليلنا قد احتفظنا برابط المجموعة ورقمها التعريفي (https://www.facebook.com/groups/1338614929882350/about).
يشار إلى أن محامي قاتل طالبة المنصورة أحمد حمد، الذي عمل سابقاً مع المحامي الشهير فريد الديب، عضو في المجموعة السابقة، مع عضويته في المجموعات الأخرى المرتبطة بتبني الرواية المضادة.
برغم أن العدد الأكبر ممن يروجون للرواية المضادة موجودون في مجموعة رامي الكتالوني، كان لافتاً أن بعضهم أراد التنافس ونيل المزيد من الضوء بتأسيس مجموعات أخرى تتبنى الخطاب ذاته.
ليس الخطاب فقط، لكن نسبة من مروجي هذه الرواية تقريباً مشتركون في المجموعات ذاتها، وتختلف أدوارهم بحسب تاريخ انضمامهم إلى المجموعات.
على سبيل المثال، لاحظنا وجود حساب يحمل اسم “نسرين حسين”، وهي سورية تعيش في مدينة طرطوس الساحلية، وهي عضوة نشيطة في مجموعتي “لا لإعدام محمد عادل (تم إغلاقها تماماً)، صوت الرأي العام أقوى من أي كلام”، بينما هي من مديري مجموعات “ظلم محمد عادل قاتل نيرة اشرف تخفيف الحكم”، التي كانت مفتوحة وأصبحت خاصة مُغلقة.
عبر حسابها الشخصي تشيد نسرين بـ”العلويين” وتتابع صفحات الأخبار الخفيفة وأخرى سياسية تؤيد رئيس النظام السوري بشار الأسد.
كما يحتمل أن تكون عضوة في مجموعة رابعة، المجموعة الأم لرامي الكتالوني، وفقا لتدوينة لها في “الكروب البديل”.
* اقرأ آخر سطر من التدوينة
ومثلها حساب اسمه بالعربية “مارلين مونرو”، العضو في مجموعات نسرين حسين: “لا لإعدام محمد عادل، ظلم محمد عادل قاتل نيرة اشرف تخفيف الحكم، صوت الرأي العام أقوى من أي كلام”.
خلال تتبع وسم #محمد_عادل_ضحية_مش_مجرم عند ظهوره الأول في “تويتر” مساء يوم 1 تموز، فكرنا إذا ما كانت هناك نقاط انطلاق من “فيسبوك”.
حين عثرنا على المجموعات السابقة، حاولنا أن نبحث عن كلمة “تويتر” داخلها للتأكد مما إذا كان هناك ترابط وتسابق بين توقيت انطلاق الهاشتاغ بين موقعي التواصل، فكانت هناك تدوينات منشورة في مجموعة “صوت الرأي العام أقوى من أي كلام”.
قبل نشر هذه التدوينات بوقت قصير، كانت هناك واحدة من أولى التغريدات، على الهاشتاغ في “تويتر” أطلقها حساب يحمل اسم “نسرين”.
رابط التغريدة: