استغلّ مؤيدو الزعيم العراقي الشيعي، مقتدى الصدر، خدمة Twitter Blue عادة ما شاركت هذه الحسابات في حملات إلكترونية دعائية للتيار الصدري وأخرى تنتقد خصومه عبر الشبكات الاجتماعية.
رصد “مجتمع التحقق العربي” هذا الاتجاه الحثيث لدى أنصار الصدر من خلال متابعته عدداً من قنوات التيار في تطبيق “تيليغرام”. ويوضح تقريرنا من يقدّم خدمة العلامة الزرقاء وطبيعة الحسابات المستفيدة والمحتوى الذي تبثّه، وما خطورة ذلك.
في أيار/ مايو 2021، أعادت شركة “تويتر” خدمة التحقق للحصول على علامة التوثيق الزرقاء لمصلحة الحسابات “الأصلية والمميزة والنشطة”، بعد توقّف دام ثلاث سنوات عقب غموض ارتبط بمدى دلالة الشارة، وارتبط ذلك وقتها بالجدل حول توثيق حساب شخص متعصّب للعرق الأبيض.
لزيادة الإيرادات من دون الاكتفاء بعوائد الإعلانات، طرحت الشركة تدريجياً خدمة Twitter Blue المدفوعة، وذلك بقيمة 2.99 دولار شهرياً مقابل الحصول على ميزات إضافية تشمل تجربة منتجات الشركة قبل إطلاقها رسمياً.
وبعد أيام من استحواذ رجل الأعمال إيلون ماسك على الشبكة رسمياً، أتاحت الشبكة نسختها المحدثة من “تويتر بلو” في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، مُتضمّنة إمكان طلب الحصول على العلامة الزرقاء للتوثيق مقابل 8 دولارات.
تسبّبت الخدمة في حدوث أضرار فادحة لمشاهير وشركات كبيرة نتيجة إساءة استخدام الخدمة في انتحال صفة جهات أو شخصيات عامة.
في 12 كانون الأول/ ديسمبر، أعاد ماسك إطلاق الخدمة بعد وعده بتوفير آليات تمنع عدم انتحال الشخصيات.
منذ ظهور “تويتر”، شكّل الحصول على علامة التوثيق الزرقاء أهمية كبيرة لمستخدمي الشبكة، التي تعتبر مصدراً حيوياً لمعرفة تطورات الأحداث حول العالم وأداة مهمة لمشاركة الأفكار وجمع الأخبار.
لاحظ Arabi Facts Hub تدوينات متوالية في إحدى قنوات التيار الصدري على “تيليغرام” تزف البشرى لأعضائها، بعد حصول حسابات بارزة مؤيدة للصدر على علامة التوثيق.
تتولى هذه العملية قناة “نداء تويتر”، وهي إحدى نقاط “الحشد” والتعبئة الإلكترونية لمناصري مقتدى الصدر، ومنها تُنسَّق وتُطلق النشاطات والحملات الإلكترونية التابعة للتيار الصدري على مواقع التواصل الاجتماعي.
تقول القناة، التي يشترك فيها أكثر من 25 ألف شخص، إنها تفعّل الحسابات “لمن يريد نصرة السيد مقتدى الصدر”، ضمن حزمة خدمات تتضمن زيادة عدد متابعي الحسابات على “تويتر” ودعمها بإعادة التغريد واستعادة الحسابات المتوقفة.
كان الإعلان الأول عن إتمام توثيق حساب في 22 كانون الأول، أي بعد 10 أيام من إعلان ماسك عودة الخدمة. في حين كانت آخر محاولاته الناجحة في 11 كانون الثاني/ يناير 2023.
بدأت قناة “نداء تويتر” بنفسها بإعلان توثيق حسابها في “تويتر” “المخصص لدعم هاشتاغات السيد مقتدى الصدر” ، عبر خدمة “تويتر بلو”. وأحصى Arabi Facts Hub 15 حساباً تابعاً للتيار الصدري مُنحت العلامة الزرقاء، في غضون 22 يوماً.
“هذا الحساب مُوثق لأنه مشترك في تويتر بلو”، تظهر هذه العبارة عند الضغط على العلامة الزرقاء للحسابات المشتركة في الخدمة الجديدة المدفوعة، وهو ما وجدناه مع كل حساب في “تويتر” لأنصار الصدر يتم الإعلان على تيليغرام عن توثيقه.
عندما دققنا النظر في طبيعة الحسابات الحاصلة على العلامة الزرقاء من طريق “نداء تويتر”، لاحظنا أن أصحابها يشاركون في دعم التيار الصدري، وفي الحملات الداعمة له عبر “تويتر”.
وجوه إعلامية ومسؤولون سابقون كانوا بين هؤلاء، إضافة إلى أشخاص معروفين بنشاطهم في الحملات الإلكترونية للتيار.
على سبيل المثال أحمد الربيعي، عضو التيار الصدري، وهو وجه مألوف على محطات تلفزيونية، وكان شارك أيضاً في حملات إلكترونية داعمة للتيار.
في 10 كانون الثاني، قالت قناة “نداء تويتر” إنه “تم توثيق حساب الأخ علي التميمي بالعلامة الزرقاء تابعوا لطفاً”. كان التميمي عضواً في البرلمان وشغل منصب محافظ بغداد السابق في 2013.
كان حسابا عقاب البياتي وسجاد البكري، اللذين يتراوح عدد متابعيهما بين 2500 إلى 2700، من بين آخر الحسابات التي أعلنت “نداء تويتر” حصولها على العلامة الزرقاء.
إلى جانب عدد المتابعين القليل، تمكن ملاحظة أن “هاندل” أحدهما مكتوب بطريقة غير مميزة لا تحمل دلالة على الاسم. وسبق للحسابين المشاركة في حملات إلكترونية، منها الحملة التي دشنها مقتدى الصدر في مطلع كانون الأول الماضي ضد مجتمع الميم.
وكذلك الحملة الأخيرة للتيار الصدري التي استخدمت هاشتاغ “#صدر_العراق_لا_يخضع” ضمن حملة لمواجهة انتقادات أنصار الفصائل العراقية المدعومة من إيران، الموجّهة الى مقتدى الصدر بعد استخدامه مصطلح “الخليج العربي” في أحد بياناته.
بعض الحسابات الصدرية الموثقة بخدمة “تويتر بلو”، كانت تشير إلى نفسها على أنها “مؤثر اجتماعي”، وأخرى تحدّد مكانها في الولايات المتحدة.
يقول حيدر الساعدي إنه يعيش في الولايات المتحدة. ويشارك في حملات التغريد التي يطلقها “نداء تويتر” بغرض رفعها إلى ترند الموضوعات الأكثر تداولاً.
لدى حيدر 1744 متابعاً فقط على “تويتر”، ما يجعله أصغر الحسابات الصدرية من حيث عدد المتابعين حصولاً على التوثيق.
وأفادت صحيفة “نيويورك تايمز” في تشرين الثاني الماضي، بأن تحليلاً أجراه مطور البرامج في برلين، ترافيس براون، أظهر أن الحسابات النموذجية التي تحصل على علامة التحقق الزرقاء، كان لديها 560 متابعاً.
وأوضحت صحيفة نيويورك تايمز، أن براون أجرى تحليله على أكثر من 137 ألف حساب اشترك في “تويتر بلو” للحصول على العلامة الزرقاء بين 10 و15 تشرين الثاني فقط.
الرقم السابق يعتبر حصيلة ضخمة في وقت قياسي مدته 5 أيام فقط، بخاصة عندما نعلم أنه حتى أيار/ مايو 2021، كان إجمالي عدد الحسابات الموثقة في “تويتر” 360 ألف حساب، أي نحو 2.0 في المئة فقط من إجمالي حسابات موقع التدوين المصغر.
شاركت الحسابات العراقية الموثقة من طريق “تويتر بلو” في حملات تابعة للتيار الصدري، استخدمت هاشتاغات في مناسبات مختلفة.
بعض هذه الهاشتاغات كانت جزءاً من تصفية حسابات ومعارك إلكترونية مع فصائل شيعية عراقية أخرى، وبعضها ارتبط بقضايا اجتماعية مثل حملة انتقاد المثلية الجنسية، التي دشنها مقتدى الصدر، على هامش الجدل الذي صاحب دفاع منتخبات أوروبية مشاركة في كأس العالم في قطر، عن حقوق المثليين.
من هذه الوسوم: ” #ثاركم_جوه_فراش_السفيرة، #ائتلاف_دعارة_الدولة، #انبطاح_المقاولة، #الميم_تفكك_للأسرة_والمجتمع، #الفطرة_ترفض_المجتمع_الميمي، #محاكمة_الزبوگ_ابو_صرة، #استمروا_على_الاصلاح، #اطار_التبعيه_يقتل_الشعب، #المغرب_أمل_لإنتصار_العروبة، #تطبيع_حكومة_الاطار_لن_يمر”.
في تقريرها المشار إليه سلفاً، سألت “نيويورك تايمز” عمن يدفع مثل هذه التكلفة من أجل العلامة الزرقاء، واتضح لها أن عدداً كبيراً من الحسابات يرتبط باليمين المتطرف ومن يتحدثون عن تزوير الانتخابات، إضافة إلى منتحلي صفة الشخصيات المشهورة، والحسابات الجنسية.
في العراق، يمتلك كل فصيل تكتلات تنظم نفسها في مجموعات عبر الشبكات الاجتماعية، بحيث تضمن نشاطاً متناسقاً مع أهداف نشاطاتها الإلكترونية، لا سيما وقت التناحر بين الفصائل المختلفة وإظهار الغلبة أمام جمهور المتابعين من طريق التفاخر بالوصول إلى قائمة الترند، باعتبارها العتبة المقدسة للشعبية “الافتراضية”.
لا يجادل أحد في الانطباعات التي نشعر بها عند ملاحظة العلامة الزرقاء مقرونة بحساب ما، فأول ما تتم ترجمته أنه حساب يمكن الوثوق به وفي ما ينشره وربما يحظى بمكانة وتأثير ما.
بدأ “التيار الصدري” توثيق حسابات أنصاره منذ كانون الأول الماضي، وما زال مستمراً في هذا الاتجاه. وهو ما يمهد لنقل التنافس بين الفصائل العراقية في الفضاء الافتراضي إلى مرحلة جديدة، ستدفع بقية الفصائل- فصائل تكتل الإطار التنسيقي الشيعي المدعومة من إيران- إلى اتباع النسق ذاته.
بطبيعة الحال، الاستفادة من هذه التباينات والنزاعات ستدرّ مزيداً من المال في محفظة إيرادات “تويتر”، لكنها تضع مزيداً من الصعوبات على عاتق مُدققي الحقائق ومناخ استهلاك الأخبار، وترجح وقوع مزيد من الأشخاص العاديين في فخ المعلومات المضللة أو الانخداع في هوية حسابات تزعم أنها شخصيات عامة على سبيل المثال.
السؤال التالي الذي يقفز إلى الذهن هو، من يدفع المال من أجل العلامة الزرقاء؟ فالثمانية دولارات قيمة الخدمة تُدفع شهرياً ولا تدفع حتى مرة واحدة.
عندما أوقف “تويتر” خدمته المدفوعة بعد ساعات من طرحها في تشرين الثاني الماضي، كان الأمر مرتبطاً بردود الفعل الغاضبة نتيجة ظهور حسابات زائفة عدة، منها حساب استخدم الاسم والهوية البصرية لشركة الأدوية الأميركية Eli Lilly، وكبّدها خسائر بقيمة 15 مليار دولار من قيمتها السوقية، بعدما أعلن عن توزيع الشركة الإنسولين مجاناً.
لاحقاً، أعاد “تويتر” الخدمة في كانون الأول، قائلاً إنه أصلح الأخطاء المرتبطة بالتحقق من انتحال الشخصية، وهو ما بيّن كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست”، جيوفري فاولر، عدم صحته من خلال قيامه بتجربة انتحال صفة السيناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ إدوارد جيه ماركي.
وثّق فاولر أحد الحسابات عند طُرحت الخدمة للمرة الأولى في تشرين الثاني، ودخل في اشتباك كلامي مع إيلون ماسك بسبب سهولة تزييف هوية الحسابات. وعندما عادت الخدمة مجدداً، أجرى فاولر التجربة نفسها من حساب آخر، ونجح في توثيق حساب جديد باسم السيناتور إدوارد ماركي.
في تجربته الثانية، قال فاولر إنه لاحظ إضافة “تويتر” عقبتين إضافيتين يمكن أن تساعدا على عرقلة الأشخاص والروبوتات في التقليد والانتحال. وأوضح أنه كان بحاجة إلى حساب في “تويتر” لا يقل عمره عن 90 يوماً، فالحسابات حديثة الإنشاء أصبحت غير مؤهلة للحصول مباشرة على العلامة الزرقاء.
وضرب فاولر مثالاً بأنه استعار حساباً من أحد زملائه لم يستخدمه منذ سنوات، لاستعماله في التجربة، وقال: “بعدما غيّرنا اسم الحساب إلى سيناتور إد ماركي، جعلنا تويتر ننتظر 7 أيام قبل أن نتمكن من الاشتراك في الخدمة”.
أما العقبة الثانية، وفق فاولر، فهي ضرورة ربط الحساب برقم هاتف قبل الاشتراك في خدمة “تويتر بلو”، للقيام بذلك، زار فاولر متجر شركة T-Mobile، وحصل على رقم موقت لمدة شهر واحد مقابل 15 دولاراً – من دون اسم أو هوية مطلوبة.
“بمجرد أن أضع هذه القطع كلها في مكانها، اشتركت في Twitter Blue على الويب، وأدفع ببطاقة ائتمان. في تلك المرحلة، كنت أتوقع أن يطلب تويتر مني إثبات هويتي، مثل تحميل لقطة من رخصة القيادة. اعتقدت أن تويتر قد يكون مرتاباً لأن الحساب كان مملوكاً لعنوان جي ميل عشوائي، وليس عنواناً ينتهي بـ senate.gov. افترضت أن نظام التحقق الخاص به قد يجدني بعد البحث عن كلمة “سيناتور” أو ربما حتى أسماء الأشخاص البارزين الذين لديهم حالة التحقق القديمة”.
وأضاف فاولر: “لكن لا. بعد 7 أيام، ظهرت علامة اختيار زرقاء على الحساب… من دون طرح أي أسئلة”.
حساب السيناتور الديمقراطي إدوراد ماركي الحقيقي على اليسار والحساب المزيف الموثق بخدمة “بلو” على اليمين