أعادت عملية عسكرية، سمّتها هيئة تحرير الشام وفصائل مسلحة متحالفة معها “ردع العدوان”، الحرب الأهلية السورية إلى دائرة الضوء، بعد سنوات من الهدوء النسبي. لا يزال الوضع متقلباً في حلب ومناطق في حماة، فيما اشتدت الضربات الجوية الروسية والسورية لعرقلة تقدّم المعارضة.
في هذه الأثناء، تصاعد نشاط وسوم عدة على الشبكات الاجتماعية تدعو الحكومة السورية إلى استخدام البراميل المتفجرة لوقف هجوم فصائل المعارضة.
وتعد البراميل المتفجرة من أبرز الأسلحة التي استخدمها نظام بشار الأسد مع تحوّل الثورة السلمية في البلاد إلى صراع مسلح منذ عام 2011، إذ ارتبط استخدامها بدمار واسع النطاق وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين.
“
بعض هذه الوسوم جديدة والأخرى كانت موجودة منذ عقد من الزمن على الأقل؛ مثل: #البراميل_المقدسة #البرميل_المقدس، و#لن_تسبى_زينب_مرتين، و#إدلب_معقل_الارهاب، و#سوريا_تسحق_الارهاب، ونشطت هذه الوسوم بدفعة من 3821 تدوينة، في الفترة بين 27 تشرين الثاني/نوفمبر و3 كانون الأول/ديسمبر 2024، تزامناً مع التحركات العسكرية في شمال سوريا.
شُوهدت التدوينات المنشورة في الوسم 544 ألف مرة على الأقل، وساهمت في توليد 16471 حالة تفاعل (إعجاب، إعادة مشاركة، ردود وتعليقات)، وفقاً لأداة Meltwater الرائدة في تحليل مواقع التواصل الاجتماعي.
وبلغ إجمالي نسبة التدوينات في صورة ردود ومنشورات مُعاد مشاركتها 84.7 في المئة، وهي معدلات قياسية مقارنة بنسبة 11.7 في المئة فقط للتدوينات الصادرة مباشرة من الحسابات.
طبيعة المنشورات على الوسوم – Meltwater
تحريض ومحتوى مُكرّر ومعلومات مضلّلة
“
وفقاً لتحليل المشاعر باستخدام منصة Meltwater، أظهرت النتائج أن 76.6 في المئة من إجمالي منشورات الوسوم كانت ذات نبرة سلبية، بما يعادل نحو 2700 تدوينة. هذه النبرة السلبية تجلت بوضوح في محتوى الوسوم، الذي تضمن عبارات تحريضية تدعو صراحة إلى استخدام البراميل المتفجرة.
على مدار الأيام الأخيرة، نفذت طائرات روسية وسورية ضربات جوية على شمال غربي البلاد، بخاصة إدلب، المعقل الرئيسي للمعارضة السورية، حيث نزح ملايين الفارين من الحرب.
حتى 3 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بسقوط 602 قتيل نتيجة المعارك التي اندلعت منذ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، من بينهم 104 مدنيين.
اتجاهات المشاعر على الوسوم – Meltwater
وكانت منشورات الوسوم تحرض القوات الحكومية السورية على مواصلة استخدام البراميل المتفجرة، وتتفاخر بلقطات مصورة للحظة إسقاط البراميل على مدن سورية أثناء الصراع.
وتوعّد أحد المنشورات بالقول: “ستحرق مدنكم ويقتل أطفالكم ونساؤكم وتهدم منازلكم ويذل رجالكم”، ودعا آخر “لا تنسون #البراميل_المقدسة على رؤوس أبناء البغايا، #البراميل_المقدسة دك حصون أبناء البغايا دكاً دكاً، إرهابيي جبهة النصرة والدواعش في إدلب صاروا كباب”.
بعض التدوينات على وسم #البراميل_المقدسة و#سوريا_تسحق_الإرهاب على منصة إكس
وروّجت الحملة لروايات تتهم المتمردين السوريين بأنهم “عملاء ومرتزقة ينفذون المخطط الصهيوني الأمريكي”، و”لإضعاف وإشغال الدول والشعوب عن نصرة أهل فلسطين وغزة”، وأن التطورات في شمال سوريا “محاولة لفتح جبهة أخرى لشّل حركة المقاومة”.
مع تدوينات دعائية للدور الإيراني في سوريا والمنطقة، وترديد التصريحات السورية الرسمية بأن #سوريا_تسحق_الإرهاب وأن #إدلب_معقل_الارهاب.
بعض التدوينات على وسم #البراميل_المقدسة و#سوريا_تسحق_الإرهاب على منصة إكس
إلى جانب تكرار نشر صورة تعبيرية تتضمن براميل، مصحوبة بعبارات تقول: “وما أنزلناه إلا رحمة للعالمين”، في اقتباس من الآية القرآنية “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
بعض التدوينات على وسم #البراميل_المقدسة و#سوريا_تسحق_الإرهاب على منصة إكس
واحتوت منشورات على معلومات مضللة قائمة على مقاطع فيديو قديمة باعتبارها من الأحداث الأخيرة من سوريا، مثلما نرى في الصورة أدناه، حيث نشر حساب @bas_irra مقطع فيديو مع تعليق ورموز تعبيرية ساخرة تعبر عن السعادة بانفجارات تظهر في الفيديو.
التحقق من الفيديو يقود إلى أنه نشر في آب/ أغسطس 2024، وكان قد صور في حي المنصورة بمدينة عدن في اليمن. يُظهر الفيديو الانفجارات القوية التي وقعت في محطة وقود هناك، والتي أسفرت حينها عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة ستة آخرين.
ونُشرت صورة تم التلاعب فيها لتُظهر جنوداً إسرائيليين وكأنهم يحملون العلم الإسرائيلي مع علم تنظيم داعش. نشرت الصورة في حساب alfars5555555@، الذي يضع إعلام إيران وسوريا ولبنان والعراق واليمن؛ وهي ممارسة شائعة من الحسابات المرتبطة بميليشيات تابعة لإيران.
كان الهدف من الصورة التي ظهرت في وسم #البراميل_المتفجرة، الإسقاط على صلة إسرائيل بتنظيم داعش، الذي استولى على أجزاء كبيرة من شمال العراق وشرق سوريا بين عامي 2014 و2019.
في الماضي، كانت هيئة تحرير الشام (التي كانت تعرف سابقاً بـ”جبهة النصرة”) على علاقة بتنظيم داعش، إذ كانت جزءاً من الجماعات المتشددة التي نشأت في سياق الحرب السورية. ولكن منذ 2017، حاولت الهيئة تغيير صورتها وتقديم نفسها كحركة قومية إسلامية تركز نشاطها على سوريا فقط.
وتعود الصورة التي تم التلاعب بها -في الواقع- إلى مناورات الأسد الأفريقي التي أُقيمت في المغرب في حزيران/ يونيو 2024. هذه المناورات التي شاركت فيها كتيبة إسرائيلية، كانت قد نُشرت في حساب الجيش الإسرائيلي آنذاك.
الصورة المتلاعب بها على اليمين والصورة الأصلية على اليسار – منصة إكس
وزعمت حسابات مشاركة في الحملة مقتل زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، بنشر صورة خضعت للتعديل أيضاً، في حين اتضح أن الصورة لأحد مقاتلي تنظيم داعش (أردني الجنسية)، الذي قتل في ريف حمص في أيلول/ سبتمبر 2015، بحسب صفحة “الحرس الجمهوري السوري الالكتروني اللواء 105″، التي نشرت الصورة الأصلية.
وعلى هامش ذلك، انتشرت صور ومقاطع فيديو قديمة غير واضحة السياق، يزعم ناشروها دخول عشرات الآلاف من مقاتلي الفصائل العراقية الشيعية إلى سوريا، لمساندة القوات الحكومية في صد التحركات العسكرية للمعارضة.
وذكرت تدوينات أن عناصر من ميليشيا الحشد الشعبي بين العناصر التي ستدخل إلى سوريا، وهو ما دفع السلطات العراقية إلى نفي ذلك، ووصف المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، مقداد ميري، ما يقال إنه “كلام إنشائي” متداول عبر “فيسبوك”، مُعتبراً أنها “محاولات… تشويه الحقائق وإطلاق الشائعات حول تهديد أمن العراق وعدم تأمين الحدود بشكل كامل”.
ونفى رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، دخول عناصره إلى سوريا، وقال إن الحشد “قوة رسمية تأتمر بأمرة القائد العام للقوات المسلحة”، و”لا يعمل خارج العراق والخطوط الدفاعية مع سوريا حصينة”.
في حين أوردت وكالة رويترز، نقلاً عن مصادر سورية وعراقية، أن مئات مقاتلي حركتي بدر والنجباء وصلوا سوريا بالفعل، على الرغم من النفي الرسمي العراقي.
منشورات تدعي تدخل الحشد الشعبي في التصعيد الأخير سوريا – منصة إكس
من يؤثر في الموجة؟
وفقاً لـ Meltwater، تصدرت العراق واليمن وإيران المراتب الثلاث الأولى في النطاقات الجغرافية التي شهدت أكبر عدد من التدوينات عبر الوسوم النشطة المتعلقة بتطورات هجوم حلب.
في المقابل، رُصدت 2500 تدوينة صادرة من حسابات غير معروف موقعها؛ ما يشكل أكثر من نصف إجمالي التدوينات المنشورة عبر الوسوم المتعلقة بتطورات هجوم حلب، قد يشير ذلك إلى نشاط منسق تشارك فيه حسابات وهمية. فغالباً ما تكون الحسابات الطبيعية تحتوي على مكان محدد في مساحاتها التعريفية.
البلاد الصادرة منها الوسوم- Meltwater
وبلغ إجمالي الحسابات المشاركة في الموجة 2391 حساباً، سبق أن شارك عدد كبير منها في حملات إلكترونية منسقة. وكان لافتاً أن بعضها يضع في مساحاتها التعريفية صوراً لشخصيات بارزة في المجموعات المسلحة المرتبطة بإيران؛ مثل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وحسن نصرالله، الأمين العام السابق لحزب الله، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي شبه العسكرية – اللذان قتلا في غارة أميركية في بغداد في 3 كانون الثاني/ يناير 2020 – والأمين العام لحركة المقاومة الإسلامية العراقية (عصائب أهل الحق)، فضلاً عن المرشد الإيراني علي خامنئي، وشعارات لحركة النجباء العراقية.
وكان حساب نورس مهاجر @bas_irra من بين الحسابات البارزة في الوسوم، والأكثر نشاطاً عليها بمجموع 62 تدوينة نشرها وحده.
يُظهر غلاف الحساب صورة سليماني وأبو مهدي المهندس، ويعرف نفسه بأنه مؤثر اجتماعي يتابعه أكثر من 40 ألف متابع.
يمكن تعريفه بأنه أحد أنشط الحسابات في الماكينة الدعائية لإيران والفصائل العراقية الموالية لها. وسبق أن علقت منصة إكس حسابات له، بسبب نشاطه المريب، وتورطه في حملات تحريضية ضد قوى عراقية أخرى ودول في المنطقة على خلاف مع طهران.
وتتابعه حسابات إيرانية معروفة بنشاطها الدعائي أيضاً، وتورطها في نشر مواد تحريضية ومعلومات مضللة؛ مثل حساب يعرف نفسه باسم “الدكتورة الإعلامية شهلاء”، @DShhla، التي تتبادل التفاعل مع “النورس”.
العلاقة بين حسابي “نورس المهاجر” و”سهلاء الإيرانية” على منصة إكس
في الوسوم، لاحظنا حضور مقاتلي فصائل عراقية سبق أن شاركوا في القتال منذ الشهور الأولى للحرب الأهلية في سوريا؛ مثل حساب أبو نمر الصافي A313ll@، الذي يعرف نفسه بأنه كان آمر كتيبة، ونشط على وسمي #لبيك_يازينب و#سوريا_تسحق_الإرهاب، بنشره مقطع فيديو له خلال إطلاقه النار.
في 13 كانون الثاني/ يناير 2023، نشر الصافي مقطع فيديو منخفض الجودة، قال إنه يُظهره وهو يقاتل في محيط منطقة السيدة زينب في دمشق في سوريا في عام 2012.
ضمن سياق الحملة نفسها، حضرت حسابات يمنية تعبر منشوراتها عن دعم مواقف جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، من بينها حساب عبد الرحمن السلمي mohmd10780@، الذي نشر تدوينات عدة؛ منها صورة لبرميل، في إشارة إلى البراميل المتفجرة. وفي تدوينة أخرى، نشر صورة منتجة عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لتصوّر أحد مقاتلي المعارضة السورية وجندياً إسرائيلياً.
ولاحظنا أن حساب السلمي أعاد مشاركة لتدوينة ظهر فيها هاشتاغ #فرسان_الإعلام، وهو وسم ينشط عليه الحشد الإلكتروني لأنصار الحوثي على منصة “إكس”.
من خلال استخدام الهاشتاغ، كان حساب ansaralah11111@ يكتب في تدويناته هاشتاغات أخرى مثل #التوجيه_المعنوي و #جبهة_الإعلام، وهي وسوم ترتبط بشكل واضح بالقوى اليمنية المؤيدة للحوثيين.
نشاط حسابات يمنية على وسوم الحملة – منصة إكس
وانتقل زخم الحديث عن التطورات الجارية في سوريا إلى قنوات تلغرام التابعة لقوى عراقية شيعية، سواء التيار الصدري أو المجموعات الموالية لإيران.
عادةً ما تكون هذه القنوات محطة أساسية لأنشطة التعبئة الافتراضية، إذ تنطلق منها الحملات الإلكترونية إلى منصات اجتماعية أخرى. ورغم أن القنوات التي قمنا بمراجعتها لم تحتوِ على وسوم محددة تتعلق بسوريا، إلا أن النقاشات التي أُجريت فيها غالباً ما كانت ذات طابع إخباري يتبنى الرواية الرسمية السورية، ويهاجم المعارضة.
من بين هذه القنوات، قناة “واحد بغداد” التابعة لأنصار التيار الصدري، ويشترك فيها 17332 مشتركاً. وقناة “شهد الياسري”، المرتبطة بالفصائل الشيعية المؤيدة لإيران، وتضم 17492 مشتركاً. تنشر القناة تحديثات يومية بشأن أوضاع الفصائل، وسبق أن شاركت في الحشد لحملات إلكترونية داعمة لمصالح القوى الشيعية.
قنوات تلغرام التابعة للقوى الشيعية في العراق تتداول أخبار عن التصعيد العسكري في حلب