نشرت منصة “صحيح مصر” تقريراً بشأن رسو “كاثرين” في الرصيف الحربي لميناء الإسكندرية في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بعد فشلها في الرسو في موانئ دول عدة منذ انطلاقها من ميناء هاي فونج في فيتنام، في 21 تموز/ يوليو 2024.
أثار التقرير موجة من الجدل، واستدعى ردود فعل متباينة على ما أوردته “صحيح مصر”، بشأن وجود 60 حاوية من مادة الـ TNT المتفجرة على متن السفينة، يُزعم أنها كانت في طريقها إلى إسرائيل.
في ما بعد، نشرت “صحيح مصر” تقريراً إضافياً كشفت فيه أن السفينة أفرغت جزءاً من شحنتها في ميناء ألباني، قبل أن تتابع إبحارها نحو الإسكندرية، من دون تحديد الوجهة النهائية للسفينة أو مصير بقية الشحنة.
على هامش هذا الجدل، انطلقت حملة تصيّد ضد ناشطين وسياسيين مصريين؛ من بينهم حمدين صباحي وأحمد دومة، وذلك على خلفية تدوينات انتقدت الدور المصري في الحرب على غزة، واعترضت على رسو السفينة في ميناء الإسكندرية.
في الفترة بين 30 تشرين الأول/ أكتوبر إلى 8 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، نشط عدد من الوسوم؛ منها #حاكموا_دومة_وصباحي، الذي احتوى على أكثر من 2000 تدوينة، شُوهدت نحو 223 ألف مرة، وساهمت في توليد 6183 حالة تفاعل (إعجاب، إعادة مشاركة، ردود).
ووفقاً لإحصاءات شركة Meltwater، الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية، وصلت تلك المنشورات إلى نطاق رؤية يقارب الثلاثة ملايين حساب.
ووصل الوسم ذروة انتشاره في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، مدفوعاً بـ 906 تدوينات، ويعد الارتفاع المفاجئ في عدد التدوينات على الوسم، إحدى العلامات الرئيسية للتعرف على وجود نشاط غير تلقائي محتمل.
فترات نشاط وسم #حاكموا_دومة_وصباحي – Meltwater
الـ50 تدوينة الأولى
شاركت 716 حساباً في تفعيل الوسم، في حين لعبت حسابات معروفة بتاريخ طويل من الانخراط في الدعاية السياسية المؤيدة للحكومة المصرية وشن حملات تصيّد ضد منتقديها، دوراً مؤثراً في إطلاق هاشتاغ #حاكموا_دومة_وصباحي وترويجه.
بعض من هذه الحسابات يحظى بمتابعة عشرات الآلاف، ويضع صوراً للرئيس عبد الفتاح السيسي، وأعلام مصر، وشعارات قومية.
سجّلت Meltwater وجود 76 تدوينة أصيلة فقط على الوسم؛ أي كُتبت مباشرة من حسابات على الوسم، ولم تأتِ في صورة تدوينات مُعاد نشرها.
عند التدقيق في الوسم، لاحظنا صدور 51 تدوينة أصيلة في الساعات الخمس الأولى من انطلاقه، وظهرت التدوينة الأولى عليه عن طريق حساب hany20el@ في الساعة الـ 11:06 من مساء يوم 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
أُنشئ الحساب في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وبثّ منذ ذلك الحين أكثر من ألفي تدوينة، تُظهر مطالعتها أن الحساب يبدو جزءاً من جهد منسق، فغالبية منشوراته عبارة عن “ريتويت” وتصبّ في اتجاهات بعينها.
بعد 10 دقائق من التدوينة الأولى، ظهر في الوسم حساب “المايسترو” أو باسم المصري، وفي تعريف آخر باسم بخيت، أحد منسقي الحملات الدعائية المنظمة في مصر.
ويمتلك باسم حسابات عدة على شبكات التواصل، وعندما تتعرض الشبكة للتعطيل أو التوقيف المؤقت، يلجأ إلى حساباته الأخرى لمواصلة نشاطه.
يتابع حسابه الأساسي (@bassembekhitt) ما يزيد عن 92 ألف متابع، وبث من خلاله 129 تدوينة على الوسم، وعادة ما تكون تدويناته ضربة البداية للحملات الإلكترونية.
ورغم أن البداية هذه المرة جاءت من حساب hany20el@، لكنْ هناك روابط واضحة بين الحسابين في تنسيق الحملات، وفقاً لما تكشفه التفاعلات المتبادلة بينهما.
لقطة شاشة من التفاعل بين حسابي المايسترو وهاني الشاذلي تعليقاً على خبر السفينة
انطباعات سلبيّة سائدة
شكّلت الردود على المنشورات نسبة 48 في المئة من إجمالي المحتوى المنشور، بما يعادل 964 تدوينة، في حين بلغت نسبة التدوينات المعاد مشاركتها 40.2 في المئة، بمقدار 807 تدوينات. وبذلك، بلغ إجمالي الردود وإعادة التغريد معاً أكثر من 88 في المئة، وهي نسبة مرتفعة تُعد مؤشراً إلى وجود نشاط منسق، مقارنة بـ 3.8 في المئة فقط للتدوينات الأصيلة.
ويكشف تحليل الانطباعات المرتبطة بمحتوى الوسم عن دفع قوي في اتجاه بعينه، وكانت النبرة السلبية السائدة بنسبة 85.5 في المئة؛ أي نحو 1720 تدوينة على الأقل، وفقاً لـMeltwater.
دعوات تحريض… من الإنترنت إلى بلاغات النيابة والتحقيق
في تدوينته الأولى على الوسم، نشر باسم صورة قديمة للناشط أحمد دومة وهو يحمل بندقية إلى جانب أحد المقاتلين في غزة. كانت الصورة مصحوبة بعبارات تحريضية تدعو أجهزة الأمن إلى القبض على الناشط، بدعوى “ترويج شائعات”، بسبب منشوراته على مواقع التواصل عن السفينة كاثرين.
كتب باسم: “هو في إيه‼️ إزاي الناس ديه مسكوت عليها يا (وزارة الـ) داخلية لازم توجيه تهمة ترويج شائعات بهدف البلبلة للناس ديه!”.
يشار إلى أن صورة أحمد دومة تعود إلى زيارة سابقة برفقة عدد من ناشطين وصحافيين وسياسيين مصريين إلى غزة، في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، عندما كان القطاع يتعرض لضربات إسرائيلية كثيفة.
في آب/ أغسطس 2023، صدر عفو رئاسي عن دومة، بعدما أمضى عشر سنوات في السجن، على خلفية قضية “أحداث مجلس الوزراء” التي تعود إلى عام 2011.
لقطة شاشة من حساب المايسترو على “إكس” تظهر ما كتبه في حق دومة وصباحي
ومن حساب difrawy150277@ صدرت تدوينة أخرى بالنبرة التحريضية نفسها، ويلاحظ أنه خلال فترة زمنية قصيرة، تمكّن الحساب من نشر عدد كبير من التدوينات بلغ أكثر من 175 ألف تدوينة، وذلك رغم حداثة إنشائه في تموز/ يوليو 2023.
وجد “مجتمع التحقق العربي” حسابين آخرين يستخدمان الصورة التعريفية نفسها، ويشاركان النوعية ذاتها من التدوينات والحملات، ويدوران أيضاً في الدائرة المشتركة لحسابات “المايسترو”. أقدم نسخة من الحسابات كانت منشأة في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وأحدثها في أيلول/ سبتمبر 2023.
عبر الوسم، امتد الهجوم إلى ناشطين آخرين؛ من بينهم الناشط علاء عبدالفتاح، ووالدته الدكتورة ليلى سويف، والناشط وائل غنيم.
على سبيل المثال، كتب حساب بنت مصر bntmy4540@ على الوسم: “من 14 سنة الشباب المصري كان مقتنع أن الأشكال دي هما (الورد اللي فتح في جناين مصر) هو ليه دايماً العفن مرتبط باليسار، يعني لو استحميت هتزول عنك أثار المعارضة ولا إيه؟ عرفت أنا ليه ماسكة في السيسي والجيش بأيدي وسناني ومش هتخلى عنهم غير بطلوع روحي”.
منشور ضد المعارضين المصريين على حساب “بنت مصر” على منصة “إكس”
دخلت وسائل إعلام تابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التي تسيطر على غالبية وسائل الإعلام في مصر، على خط الهجوم، ووجهت انتقادات إلى أحمد دومة، والسياسي والمرشح الرئاسي الأسبق حمدين صباحي، والكاتب الصحافي بلال فضل.
وهاجم الإعلامي في قناة TEN نشأت الديهي، دومة وحمدين وغيرهما من المنتقدين لرسو السفينة كاثرين، قائلاً: “روحوا اسألوا الفلسطينيين ماذا تقدّم مصر للفصائل والشعب والدولة الفلسطينية؟”، ووصف ما قالوه بـ”التدليس”.
بعد يوم من ظهور الوسم، قدّمت دينا المقدم عضوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بلاغاً إلى النائب العام ضد دومة، تتّهمه فيه بـ”نشر شائعات تهدد استقرار الأمن العام وتبث الخوف بين المواطنين، ما قد يلحق ضرراً بالمصلحة العامة”، داعية إلى “تشديد العقوبة… نظراً إلى ارتكاب الجريمة في زمن الحرب”، حسب قولها.
عقب تقديم البلاغ، استدعت نيابة أمن الدولة العليا أحمد دومة، من دون توضيح سبب الاستدعاء، قبل أن يتم إخلاء سبيله بكفالة قدرها 20 ألف جنيه. ووفقاً للمحامي الحقوقي خالد علي، وُجهت لدومة تهم تتعلق بنشر أخبار كاذبة بشأن معلومات حول السفينة “كاثرين” في ميناء الإسكندرية، بالإضافة إلى السفينة الحربية الإسرائيلية التي عبرت قناة السويس.