مجتمع التحقق العربيهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها
تصريحات وزير الخارجيّة الإيراني تثير حملة يمنيّة – سعوديّة منسّقة
AFH | Nov. 05, 2024
أثارت تصريحات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، حول دعم بلاده “حل الدولة الواحدة” أنشطة غير أصيلة عبر الشبكات الاجتماعية، تشكّك في موقف طهران السياسي من القضية الفلسطينية.
في حواره المنشور في صحيفة “المصري اليوم“، يوم 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، قال وزير الخارجية الإيراني إن حل الدولتين “سيؤدي إلى استمرار التوترات بين الدولتين المحتملتين، وبالتالي استمرار الصراع”، معتبراً أن الحل يطرح نموذجاً لـ “بلدية فلسطينية” أو دويلة صغيرة من دون سيادة أو جيش.
وأوضح: “لذا علينا أن نعول على حل الدولة الواحدة الديمقراطية (على الأراضي الفلسطينية)، بديلاً عن التسليم بحل الدولتين، ولكن في النهاية نحن ندعم أي قرار يتخذه الفلسطينيون بأنفسهم، فقط نطرح رؤيتنا”.
وتعقيباً على تصريحات عراقجي، ظهر وسم #إيران_باعت_فلسطين، الذي تضمن منشورات تشكك في موقف إيران من فلسطين.
ونُشر على الوسم عبر منصة “إكس” أكثر من 17 ألف تدوينة، شُوهدت خمسة ملايين و435 ألف مرة، ونتجت منها 62,230 ألف حالة تفاعل (إعجاب، ردود وتعليقات، إعادة مشاركة)، بحسب أداة Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.
ووصل الوسم إلى ذروة نشاطه في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، مدفوعاً بـ 8786 تدوينة.
فترات نشاط وسم #إيران_باعت_فلسطين – Meltwater
ضربة البداية يمنيّة
شهد وسم #إيران_باعت_فلسطين تفاعلاً من 10,251 حساباً، وكانت الحسابات اليمنية من أوائل المشاركين، إذ نشرت 971 تدوينة على هذا الوسم.
يوضح فحصنا لمحتوى الحسابات صاحبة المشاركات الأولية، أن منشوراتها تعبر عن خليط من التوجهات، فهناك تصريحات إيجابية عن السعودية والإمارات، وأخرى سلبية ضد جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، وبعضها داعم بشكل ملحوظ لانفصال الجنوب اليمني.
وتبرز في بعض هذه الحسابات شعارات الجمهورية اليمنية والجنوب اليمني، إلى جانب كثافة النشر لصور رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي.
استناداً إلى قاعدة كبيرة من المتابعين، شكّل إعلاميون وناشطون وشخصيات سياسية طليعة الحسابات اليمنية المشاركة في الحملة، وغالبيتهم معروفون بانخراطهم في حملات تأثير منسقة كجزء من حرب المعلومات المستمرة في بلد تمزقه الحرب وتتعدد فيه أطراف الصراع.
وقد عرّفت شخصيات بارزة عدة في الحملة نفسها بمناصب ومسميات قريبة من دوائر صنع القرار، ولوحظ وجود أعضاء في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومشاورات الرياض، بالإضافة إلى اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم خلال عهد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح)، ومستشارين إعلاميين عملوا سابقاً لصالح عدد من الوزارات في الحكومة اليمنية.
في تمام الساعة 07:02 مساءً بتوقيت اليمن، يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، نشر الإعلامي والمحلل السياسي اليمني عبدالملك اليوسفي أول تدوينة على وسم #ايران_باعت_فلسطين، كتب فيها: “تساقطت الأقنعة ومن تغدى بكذبة ما تعشى بها. وزير خارجية إيران يدعو لتسليم غزة والضفة الغربية لإسرائيل كمقدمة لمبادرة الدولة الواحدة التي تسعى من خلالها إيران لامتصاص الضغوط وتفادي مخاطر محدقة تهدد بقاء النظام في طهران”.
وأضاف اليوسفي تدوينة ثانية على الوسم، احتوت لقطة شاشة لمقتطفات نشرتها صحيفة “المصري اليوم” من حوارها مع عراقجي، قائلاً فيها: “مقابل الحفاظ على النظام من المخاطر المحدقة نتيجة التصعيد”.
ويعدّ اليوسفي ضيفاً دائماً على شاشات الإعلام السعودي، ويضع صورة شخصية لحسابه تظهره خلال مداخلة مع قناة “العربية الحدث”. كما ينشط في دعم وتضخيم الحملات الإلكترونية، كان آخرها حملة ضد إيران عبر وسم #ايران_تفخخ_اليمن، الذي ضم نحو ستة آلاف تدوينة، والذي ظهر أخيراً تزامناً مع إعلان الحوثيين عن مركبات بحرية عسكرية مسيّرة.
وشاركت على الوسم شبكات إعلامية يمنية؛ مثل شبكة إيجاز، التي تدار حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي من مصر واليمن والإمارات، بحسب بيانات خاصية الشفافية في “فيسبوك”.
وسبق أن نشطت شبكة إيجاز بشكل لافت في حملة ضد رئيس لجنة اعتصام المهرة، علي سالم الحريزي، وفق تقرير لـ “مجتمع التحقق العربي”.
وامتد نشاط الوسم إلى منصات اجتماعية أخرى مثل فيسبوك، حيث ساهمت الحسابات نفسها في تضخيمه، إلى جانب مجموعات تضم عشرات الآلاف من الأعضاء، مثل مجموعة “وحدة الدعم الإلكتروني حراس الجمهورية” و”تابعني أتابعك لتعارف ودعم وتنشيط الحسابات”.
محتوى متكرّر وحسابات وهميّة
كما كان اليمن ساحة لصراع القوى الإقليمية لسنوات طويلة، أصبحت ساحته الافتراضية مسرحاً للعراك وتصفية الخلافات، والتعبير عن المواقف السياسية لهذه القوى والتكتلات المحلية المرتبطة بها، حتى خلال فترات الهدوء النسبي للأزمة.
وشكلت حملات المعلومات والتصيد إحدى الأدوات الرئيسية لتحقيق ذلك، من خلال التعبئة والحشد والتضخيم الإلكتروني للروايات والخطابات المراد ترويجها.
وحمل وسم #إيران_باعت_فلسطين، مؤشرات إلى التلاعب بسياسات النشر عبر منصة “إكس”، التي تحظر الأنشطة المنسقة، وتضخيم المحتوى بطرق غير طبيعية.
من بين هذه المؤشرات، تكرار محتوى المنشورات في الوسم، إذ أعادت حسابات عدة نشر ملصقات صحيفة “المصري اليوم”، التي تضمنت مقتطفات من تصريحات وزير الخارجية الإيراني.
وتكرّر نشر نصوص معينة على الوسم؛ منها ما كان يعبر عن نظرة إيجابية إلى المملكة العربية السعودية، مقابل توجيه انتقادات إلى إيران في المنشورات نفسها.
يمكنك التأكد من ذلك إذا حاولت القيام بعملية بحث عن هذه العبارات المتكررة على “إكس”: “الموقف العروبي المشرف الذي تتبناه المملكة العربية السعودية لدعم القضية”، و”تزعمت إيران محور الشر من أجل مصالحها استخدمت ذيولها لتنفيذ مشروعها بشعار القدس وغزة”، وكذا “إيران لا تعرف الوفاء والحوثيون الضحية القادمة”.
ولاحظنا نشاطاً على الوسم من حسابات تشير طبيعة نشاطها إلى أنها وهمية أو تدار بشكل آلي، مثل الحسابين rreyyue66889@ و Wajd523400841@.
تُظهر هذه الحسابات نشاطاً مركزاً على الوضع في اليمن، إذ تشارك في وسوم منسقة ذات صلة باليمن، وتضخ عدداً كبيراً من التدوينات عليها. على سبيل المثال، حساب rreyyue66889@ الذي يتابعه سبعة حسابات فقط، ولا يتابع أي حسابات أخرى.
نشر على هذا الحساب 1104 تدوينات منذ إنشائه في أيار/ مايو 2022، وكان آخر الوسوم التي نشط عليها هو #ايران_تفخخ_اليمن.
وعند محاولة الاطلاع على الحساب، لفت الانتباه أن منصة “إكس” وضعت إشارة تفيد بأن الحساب مُقيد بشكل مؤقت بسبب نشاط غير معتاد؛ وهي ممارسة شائعة لدى المنصة قد يكون أحد أسبابها وجود أنشطة منسقة غير تلقائية.
ومثل ذلك، حساب Wajd523400841@، الذي أُنشئ في أيلول/ سبتمبر 2022، ويضم 6072 تدوينة. وتكرر في منشوراته إلقاء الضوء على الجهود السعودية، ومساعدات مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلى اليمن.
حسابات سعوديّة
دخلت حسابات سعودية مؤثرة على خط النقاشات الدائرة حول تصريحات وزير الخارجية الإيراني، سواء بالتدوين على الوسم أو عن طريق إعادة مشاركة ما قاله عباس عراقجي.
بإجمالي 2550 تدوينة على الأقل، تصدرت السعودية النطاقات الجغرافية التي نشرت منها تدوينات على وسم #إيران_باعت_فلسطين، مع الأخذ في الاعتبار وجود جالية يمنية كبيرة في المملكة. وجاء اليمن في المرتبة الثانية بألف تدوينة على الأقل.
في المقابل، بلغت التدوينات غير المعروف مكان صدورها نحو 12 ألف تدوينة، أي ما يقارب ثلثي المنشورات على الوسم؛ وهو ما قد يشير إلى نشاط منسق وانتشار للحسابات الوهمية المتفاعلة على الوسم.
حسب التصريحات الأخيرة الصادرة عن مسؤولين سعوديين، فإن المملكة لن توافق على عقد اتفاق لإقامة علاقات رسمية بينها وبين إسرائيل، إلا بوجود مسار يسمح بإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يتناقض مع منشورات سابقة لبعض الحسابات المشاركة في الحملة.
وسبق أن شاركت هذه الحسابات في وسم #فلسطين_ليست_قضيتي، الذي ظل نشطاً في الفضاء الافتراضي السعودي لفترات طويلة، بخاصة مع التقارير حول تطبيع محتمل بين المملكة وإسرائيل، قبل اندلاع الحرب في غزة.
,من هذه الحسابات، الردع السعودي (s_hm2030@)، العضو في تجمع الصقور الرقمية السعودية المعني بحملات الدعاية السياسية للمملكة، وهاني صنيتان (hanisunitan@)، وآخرون اعتادوا المشاركة في حملات تدافع عن موقف المسؤولين السعوديين.