مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

العراق: القوى الشيعية تطلق حملة الكترونية تاييدا لقانون زواج القاصرات

العراق: القوى الشيعية تطلق حملة الكترونية تاييدا لقانون زواج القاصرات

العراق: القوى الشيعية تطلق حملة الكترونية تاييدا لقانون زواج القاصرات

أثارت مساعي البرلمان العراقي لتعديل قانون الأحوال الشخصية، جدلاً واسع النطاق، وسط رفض من ناشطات ومنظمات المجتمع المدني، فيما تضغط لصالح إقراره قوى سياسية شيعية مرتبطة بإيران. على هامش الجدل الدائر، ظهرت أنشطة منسقة وغير أصيلة تهدف إلى تضخيم الرواية المؤيدة للتعديلات على القانون، مستندة إلى حسابات وهمية لتشويه معارضي التعديلات.


أثارت مساعي البرلمان العراقي لتعديل قانون الأحوال الشخصية، جدلاً واسع النطاق، وسط رفض من ناشطات ومنظمات المجتمع المدني، فيما تضغط لصالح إقراره قوى سياسية شيعية مرتبطة بإيران.

على هامش الجدل الدائر، ظهرت أنشطة منسقة وغير أصيلة تهدف إلى تضخيم الرواية المؤيدة للتعديلات على القانون، مستندة إلى حسابات وهمية لتشويه معارضي التعديلات.

قدّم النائب في مجلس النواب، رائد المالكي، أخيراً مقترحاً لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959، يتضمن ثلاث مواد رئيسة؛ من بينها إلغاء تجريم عقد الزواج خارج المحكمة، وتوسيع نطاق تصديق المحكمة على عقود الزواج. يدعم المقترحات أنصار المذهب الجعفري الشيعي، الذين يرون أنها ستساهم في تقليل معدلات الطلاق والعنوسة وحماية الأسرة. 

في المقابل، يرى معارضو المقترح أنه قد يحرم المرأة من الميراث، ويخشون أن يؤدي – في حال إقراره – إلى زيادة زواج القاصرات وتوسيع سيطرة الرجال على حساب تراجع حقوق المرأة والأطفال، بخاصة في قضايا الطلاق والأمومة وحضانة الأطفال.

بينما وصل عدد التدوينات الرافضة للمقترح إلى 1600 تغريدة عبر وسم #لا_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية، وتخطى إجمالي المنشورات المؤيدة للمقترح 34 ألف منشور عبر وسمَي #تعديل_قانون_الأحوال_مطلبنا و #نعم_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية. شُوهدت تدوينات الوسمين الأخيرين مليوني مرة، وساهمت في توليد نحو 88,300 حالة تفاعل (إعجابات، إعادة مشاركة، تعليقات)، وفقاً لإحصاءات شركة Meltwater، الرائدة في تحليل محتوى الإنترنت والشبكات الاجتماعية.

شهد الوسمان الكثير من فترات الذروة منذ عودة النقاش حول القانون في تموز/ يوليو وحتى أيلول/ سبتمبر 2024، إلا أن أعلى قفزة في عدد التدوينات عليهما كانت في 2  أيلول 2024، إذ نُشرت 17,640 تدوينة في ذلك اليوم وحده؛ وهي عادةً ما تكون علامة على حدوث نشاط إلكتروني غير تلقائي.

فترات نشاط وسم #تعديل_قانون_الأحوال_مطلبنا و #نعم_لتعديل_قانون_الاحوال_الشخصية – Meltwater


من يؤثر في الموجة؟


شارك نحو 3300 حساب في حملة تأييد مقترح تعديل القانون، في حين ساهمت حسابات مرتبطة بمصالح القوى السياسية الشيعية المدعومة من إيران في تضخيم وسمَي #تعديل_قانون_الأحوال_مطلبنا و#نعم_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية.

تحظى هذه الحسابات بعشرات الآلاف من المتابعين. وتظهر في مساحاتها التعريفية صور شخصية، إلى جانب صور للمرشد الإيراني علي خامنئي، والقائد السابق لفيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بالإضافة إلى شعارات القوى الشيعية؛ مثل الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق.

وشارك بعض حسابات الحملة في حملات تأثير وتصيّد سابقة، والانخراط في حملات لدعم قوانين أشد محافظة، فضلاً عن التعبير عن أجندة القوى الموالية لإيران. 


شبكة وهميّة وصور مولّدة بالذكاء الصناعي  


أظهر الوسمان محلّ التحليل مؤشرات إلى جهد منظّم وتلاعب منسق لتضخيم خطاب الحملة الداعية الى تعديل قانون الأحوال الشخصية. كما استخدمت مختلف آليات التعبئة الإلكترونية لدعم التغييرات المقترحة.

أولى هذه الآليات تتمثل في اعتماد الحملة على شبكة من الحسابات الوهمية ذات عدد المتابعين المنخفض. وتركز نشاط هذه الحسابات على نشر وإعادة مشاركة المحتوى الصادر من الحسابات الكبرى، بالإضافة إلى تولي مهمة الردود والتعليق بعبارات متكررة على الحسابات الأخرى.

ولاحظت “إكس” الأنشطة غير التلقائية لبعض هذه الحسابات، وقيّدت سهولة الوصول المباشر إلى محتواها؛ مثل حساب hawraa650@، الذي أُنشئ في أيار/ مايو 2023، ولديه أكثر من 71 ألف تدوينة، وهو معدل نشر غير مألوف للحسابات البشرية، لكنه نسق شائع بين الحسابات الآلية.



الآلية الثانية، وهي تكرار نشر المحتوى نفسه بكثافة على “إكس”، سواء عبر حسابات مختلفة أو من الحسابات نفسها عند ردها على مستخدمين يعلقون على التعديلات. ولوحظ تكرار المنشورات التالية على نطاق واسع:

– الدستور العراقي ضمن حق الرجوع إلى المذهب الذي يعتقد فيه الشخص، ولذلك من حق الشيعة أن يكون لهم قانون أحوال شخصية خاص بهم، يستند إلى تعاليم الإمام الصادق عليه السلام.

– “إني كشيعية وأنتمي للمذهب الجعفري ما مجبورة اني وأهلي وأطفالي نتبع فتاوى وقوانين لمذاهب ثانية من حرفة تخالف القرآن والعترة الطاهرة..!! ومستعدة أتنازل عن امتيازات ظالمة تخالف ديني ومذهبي، طاعة لله وشريعة رسول اللهﷺ”

إلى جانب كون الحسابات وهمية، هناك مؤشرات أخرى تدل على أن هذه الحملة غير تلقائية؛ منها صدور 25,200 تدوينة من حسابات غير معروفة الموقع الجغرافي. وبالنسبة الى الحسابات التي تذكر موقعها الجغرافي، حلّ العراق في المركز الأول بـ6400 ألف تدوينة، يليه لبنان (419)، ثم إيران (294) وأميركا (216).

في ما يتعلق بنوع التدوينات، بلغت نسبة إعادة المشاركة (الريتويت/ الريبوست) والردود نحو 73 في المئة من إجمالي التدوينات، وهو معدل غير طبيعي يدل على أنشطة منسّقة. في المقابل، كانت نسبة التدوينات الأصلية؛ أي الصادرة مباشرة من الحسابات، 25.5 في المئة فقط، وفقاً لإحصاءات Meltwater.


وطوّعت هذه الحملة سلاح الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنتاج مواد مصوّرة تظهر تظاهرات مؤيدة للتعديلات. قد يبدو بعض هذه الصور طبيعياً للوهلة الأولى، إلا أن مظهر الألوان، وتفاصيل الشخصيات، والطول المبالغ فيه للأعلام العراقية تكشف عن عدم أصالتها. وعلى رغم خروج تظاهرات مؤيدة لتعديل القانون، إلا أن الصور المرفقة ببعض التدوينات على الوسمين لم تُلتقط خلال تلك التظاهرات.

في ما يبدو، أنه تمت تغذية تقنيات الذكاء الاصطناعي بعبارات وشخصيات وأوصاف محدّدة لإنتاج هذه الصور، وقد لاحظنا تكرار نشرها في حسابات وهمية وحقيقية. على سبيل المثال، تكرر ظهور صورة المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، مرفقة بعبارة “تعديل قانون الأحوال مطلبنا” في الكثير من التدوينات.

ورافقت الصور المنشورة في التدوينات كتابات نصية تدافع عن المذهب الجعفري، وهو مذهب منسوب إلى الإمام جعفر الصادق، الإمام السادس من بين 12 إماماً معصوماً عند الشيعة. وبموجب المذهب الجعفري، لا ترث المرأة من الأرض أو العقار، إلا في حالات استثنائية.

تقول إحدى التدوينات إن “القانون الجعفري هو فخر للطائفة الشيعية، لأنه مستند إلى تعاليم الإمام المعصوم الصادق عليه السلام. ويجب علينا أن ندافع عن هذا القانون الذي يحمي حقوقنا الشخصية وفقًا لمعتقداتنا الدينية”.  

دافعت تدوينات أخرى عن التعديلات، زاعمة أن بقاء قانون الأحوال الشخصية على وضعه الحالي يعد “تمييزاً ضد الغالبية الشيعية”، ورأت أن التعديل المقترح “مقتبس من الشريعة الإسلامية”. كما تضمنت الدعوات “الوقوف بحزم ضد كل من يحاول الانحراف بالأسرة العراقية؛ مثل المنظمة النسوية التي تروج للأفكار السلبية والمؤيدة لما يسمى باتفاقية سيداو”.

وانضمّ العراق إلى اتفاقية سيداو في عام 1986، والتي تنصّ على أن تمنح الدول الموقعة عليها المرأة حقوقاً مساوية لحقوق الرجل.


تحريض وخطاب كراهية

احتوت منشورات الحملة على تحريض وخطاب كراهية ضد منظمات المجتمع المدني والمؤسسات النسوية والناشطات في مجال حقوق المرأة، وبخاصة أولئك الرافضين تعديل قانون الأحوال الشخصية.

واستخدمت في معرض الهجوم على مؤيدات القانون، كلمات وتعابير تنم عن كراهية وتحريض؛ مثل: “سافلات، فاسقات، بنت تشرين القذرة، بنت السفارة، منظمات الانحلال المدني العلماني، ابن السفارات التشريني، نحن حماة الأرض والعرض، عاهرات تشرين، هذه المنظمات النسوية جماعة السفارات”.



ونشرت حسابات مشاركة في الحملة صوراً ومقاطع فيديو مصحوبة بعبارات تهدف إلى التشويه وبث خطاب معادٍ لمنتقدي تعديل القانون؛ بمن في ذلك المحامية البارزة زينب جواد، والناشطتان ينار محمد ولينا علي، إضافة إلى أعضاء “تحالف 188” المدني.


وذهب بعض التدوينات إلى الطعن في “شرف” الناشطات، بدعوى أن “الشريفة العفيفة لا تخاف من تعديل قانون الأحوال الشخصية”، وفق ما كتبه نائب آمر لواء الخدمة الحسينية في بابل، علي الحسيني.


إلى جانب اتهام بعض الناشطات بمخالفة القوانين والتحريض على ملاحقتهن قضائياً وإغلاق مؤسساتهن، مثلما هوجمت المدافعة الحقوقية ينار محمد بدعوى أن مؤسستها تدافع عن حقوق المرأة والمثلية الجنسية، التي باتت مجرّمة قانونياً في البلاد. كما تم التعرض لحياتهن الشخصية بمعلومات غير موثوقة.


وتعرضت المحامية زينب جواد لموجة انتقادات، تضمنت رسوماً ساخرة، بعد استعادة مقطع فيديو سابق لها تبدو فيه وكأنها تدعو سيدة الى الحصول على الطلاق من زوجها. 

وفي إحدى التدوينات المنشورة على الوسمين، اتهمها حساب نورس مهاجر bas_irra@ -الذي أوقفت “إكس” حسابات عدة له سابقاً، بسبب تورطه في الحملات الإلكترونية- بأنها تحرّض النساء على الطلاق.

ورد حساب DShhla@ (الإعلامية د.ش الإيرانية)، على هذه التدوينة بأن صوّر زينب موجودة “في السفارة الأميركية هي بنت السفارة وبنت تشرين القذرة”، حسب وصفها.

وانتشر ضمن تدوينات الحملة فيديو لرجل الدين الشيعي المعروف رشيد الحسيني، وهو يهاجم المعترضين على التعديل قائلاً: “مجموعة فاسدات وفاسدين لا قيمة لهم ولا دين يردون يعلمونا نحن المتدينين كيف نرتب قوانينا”.

وهدّد الحسيني بأن “صبرنا له حدود”، داعياً نواب البرلمان: “احذروا واكملوا القراءة الثانية وصوتوا لا يصير النا (حتى لا يصبح لنا) كلام آخر”.


من التحريض إلى الاعتداء ومحاولات الاغتيال

على مدار شهر آب/ أغسطس 2024، خرجت تظاهرات نسائية في بغداد وغيرها من المحافظات، للتعبير عن رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية، والدعوة إلى عدم تمريره في البرلمان.

في المقابل، قاد “رجال دين” تظاهرات مؤيدة للتعديل، بحسب قناة “السومرية”، فيما فُضت تظاهرات نسائية في النجف على يد “مواطنين”، بحسب وسائل إعلام محلية، على رغم اتهامات للقوى الشيعية الداعمة للمقترح بالوقوف وراء الاعتداءات.  

في حديثها إلى “مجتمع التحقق العربي”، روت المدافعة الحقوقية العراقية، لوديا ريمون، كيف يمكن أن تتحول دعوات التحريض الإلكتروني إلى أعمال عنف ومحاولات اغتيال ضد النساء العراقيات، في سياق تعليقها على التحريض الموجود على الشبكات الاجتماعية، ضد رافضي تعديل قانون الأحوال الشخصية.

وقالت ريمون، التي نجت من محاولة اغتيال في عام 2020: “هذا التحريض وهذه التهديدات لا يمكننا اعتبارها مجرد كلام أو عنف لفظي. نحن نعلم أنها قد تتحول إلى مسار آخر”.

قبيل محاولة اغتيالها، تم التلاعب بمقطع فيديو للمحامية الحقوقية، وتزييفه ليظهرها وكأنها تتحدث كفتاة ليل، مع مزاعم بأنها تحشد المشاركين في التظاهرات.

تتذكر ريمون تعرّضها “لأبشع تشويه سمعة حدث لي، لأن الناس لا تملك الوعي الكافي لتفهم أن الفيديو مفبرك. كان هذا أصعب شيء واجهته”.

عند محاولة اغتيال ريمون، ظهرت تهديدات عبر منشورات وتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي. ثم تحوّلت هذه التهديدات الإلكترونية إلى أرض الواقع، وانتهت بإطلاق النار عليها أمام منزلها. وعلى رغم أنها نجت بأعجوبة، إلا أن رصاصة أصابتها في قدمها.

وأشارت ريمون، واحدة من قادة التظاهرات النسائية خلال احتجاجات “ثورة تشرين”، إلى أن ما تواجهه الناشطات حالياً هو نفسه ما تعرضت له المشاركات في تظاهرات عام 2019، مضيفةً: “التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى”.

وقالت إن موجة التحريض الإلكترونية الحالية تعود إلى “أشخاص مرتبطين بجهات سياسية، مسيطرين على الحكومة ومفاصل الدولة… وبعض الحسابات كان لرجال دين يحرضون على النساء، وهؤلاء تابعون لأحزاب إسلامية… من أبرزهم رشيد الحسني الذي لا يزال ينشر في صفحته الشخصية تحريضاً عنيفاً ضد النساء”.