مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

الإمارات أنتجته والسعودية حذفته…حملة معلومات مضللة منسقة تهاجم “حياة الماعز”

الإمارات أنتجته والسعودية حذفته…حملة معلومات مضللة منسقة تهاجم “حياة الماعز”

ثار عرض الفيلم الهندي “حياة الماعز” حملة إلكترونية سعودية منسقة، مصحوبة بنشر معلومات مضللة، هدفت إلى تبييض سمعة المملكة في تعاملها مع العمالة الأجنبية، وشنّت هجوماً مضاداً على صناع الفيلم، متضمنةً خطاب كراهية ضد الهنود.

 

بثت منصة “نتفلكس” فيلم “حياة الماعز” في آب/ أغسطس 2024، بعد شهور من عرضه في الهند في مارس/آذار من العام نفسه، ليثير حالة من الجدل واسعة النطاق، لا سيما في السعودية ودول الخليج. 

الفيلم يحمل الاسم نفسه لرواية نُشرت في عام 2008، ويقول منتجوه إنه مبني على قصة حقيقية عن مهاجر هندي تعرض إلى ظروف قاسية في السعودية، وعمل راعياً للماعز بعد خطفه عقب وصوله إلى البلاد.

لم تعلق السعودية بشكل رسمي على الفيلم، إلا أن مجموعات افتراضية غير رسمية تولّت مهمة تنسيق الرد، الذي انطوى على معلومات مضللة، وخطاب كراهية موجه خاصة ضد الهنود.

وظهرت وسوم منظمة عديدة عبر الشبكات الاجتماعية؛ مثل: #عبيد_البقر، #السعودية_خط_احمر، #السعودية_ثاني_افضل_دولة_بالعالم_للمغتربين، واحتوت هذه الوسوم على نحو خمسة آلاف تدوينة في منصة “إكس”، شُوهدت مليون و295 ألف مرة. ونتج عن المنشورات 14.4 ألف حالة تفاعل (إعجاب، إعادة مشاركة -ريتويت، ردود) حسب إحصاءات أداة Meltwater المتخصصة في تحليل محتوى الوسائط الاجتماعية.

توقيت ظهور وسم #عبيد_البقر – Meltwater

الأكثر تأثيراً

شارك 3204 حسابات في تغذية موجة التدوين عبر الوسوم الثلاثة موقع التحليل، كما ساهمت حسابات سعودية تتمتع بمتابعة مئات الآلاف في زيادة انتشار هذه الحملة.

واستنفر فيلم “حياة الماعز” حسابات ومجموعات سعودية معروفة بإطلاق حملات التأثير والدعاية السياسية للمملكة، حيث لعبت دوراً كبيراً في مسار ردة الفعل الافتراضية تجاه العمل السينمائي. 

وتضع غالبية هذه الحسابات صوراً للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتستغل مساحاتها التعريفية وساحة النشر لكتابة عبارات ووسوم ذات طابع قومي دعائي.

من بين هذه الحسابات، يبرز حساب يحمل اسم “كولومبوس @Columbuos”، الذي كان مملوكاً لفتاة يمنية معارضة للوجود السعودي في اليمن عند ظهوره الأول على منصة “إكس” في عام 2015. ولكن بعد ذلك، تحول فجأة إلى “كولومبوس” المروج لخطاب قومي ودعائي للمملكة، ومطلق لحملات تصيد وموضوعات جدلية تثير الانقسامات بين السعوديين وغيرهم من الشعوب العربية، وفقاً لتحليل سابق أجريناه حول هذا الحساب.

يتابع هذا الحساب أكثر من 600 ألف متابع، ويعرف نفسه بأنه “مؤثر اجتماعي” أو “انفلونسر”. ويُظهر بحثنا، أن “كولومبوس” كان أول من أعطى صافرة إعادة تنشيط وسم #عبيد_البقر، بتدوينة مُقتبسة كان يرد فيها على حساب آخر كان يشيد بالفنان العُماني طالب البلوشي، أحد أبطال الفيلم. يشار إلى أن الوسم ظهر على فترات متباينة خلال السنوات العشر الماضية، في مناسبات مختلفة.  

في هذه التدوينة الصادرة في الرابعة من صباح 23 آب/ أغسطس، رد “كولومبوس” على الحساب المدافع عن الفنان العُماني، قائلا “مبروك، راح عليكم وسم #عبيد_البقر”، واستحوذ هذا الوسم وحده على 1746 تدوينة من إجمالي تدوينات الحملة. 

دعاية ومحتوى مُكرر ومعلومات مضللة

في الساعة الأولى من إطلاق الوسم، استخدم حساب “كولومبوس” في مهاجمة منتقدي الحكومة السعودية ومعارضيها. وقد نشر العديد من التدوينات، إحداها تضمنت صورة مُجمعة لتدويناتهم عن فيلم “حياة الماعز”، وظهرت في خلفيتها لقطة ساخرة لرجل هندوسي يمجد بقرة.

وصف “كولومبوس” معارضي الحكومة السعودية بأنهم “خونة الأوطان”، وأن “فرحتهم بالفيلم…تثبت أن جميع ما يقومون به مع قطيعهم هي حرب على الوطن والشعب والحكومة وعلى ثقافتهم وهويتهم”.

وقال إن “#عبيد_البقر الجدد لم يفتشوا عن أوضاع المضطهدين المسلمين في الهند وحياتهم، وانشغلوا ب #حياة_الماعز”.

لاحقاً، لاحظنا أن الصورة المنشورة في حساب “كولومبوس” تم تداولها بشكل واسع من قبل العديد من الحسابات عبر الوسم، بعضهم نشرها من دون أي تعليق. تشير هذه الممارسات إلى وجود حشد ونشاط منسق.

إلى جانب السخرية من الشعائر الدينية الهندوسية، انطوت العديد من منشورات الوسم على خطاب كراهية موجه ضد الهنود بشكل عام، مع استخدام ألفاظ سبّ؛ مثل “عديمي الكرامة ومنزوعي المروءة”، كما يظهر في “سحابة الكلمات” الأكثر تكراراً على الوسم.

هاجمت الحسابات المشاركة عبر الوسوم الفيلم، معتبرةً أنه لا يعكس الوضع الحقيقي للعمالة في السعودية، كما شنت هجوماً على الممثلين المشاركين فيه، بمن فيهم طالب البلوشي، واصفةً إياه بـ”السفيه” و”الصعلوك” الباحث عن الشهرة.

كما روجت بعض الحسابات رواية مغايرة لما حدث مع المواطن الهندي الذي استند إليه الفيلم، مستشهدة بمقطع فيديو قديم من قناة “المجد“، يظهر فيه القاص السعودي عبدالرحمن الدعيلج، وهو يذكر أن الرجل الهندي لم يتعرض للإساءة بل على العكس، وذلك في محاولة لدحض مزاعم الفيلم.

رافق ذلك حملة تشكيك في حبكة الفيلم، مع اتهامات لصاحب الرواية ومخرج الفيلم بـ”التحريف والتزوير”، بزعم أنهم يستهدفون الإسلام والعرب.

في المقابل، انتشرت مزاعم تفيد بأن الحملات السعودية على الشبكات الاجتماعية أدت إلى حذف فيلم “حياة الماعز” من منصة “نتفلكس”، وهو ما لم يثبت حدوثه، حيث لا يزال الفيلم متاحاً للمشاهدة. كما تم تداول ادعاءات مضللة تزعم أن وزير الترفيه السعودي تركي آل الشيخ، قد اشترى منصة “نتفلكس” بهدف حذف الفيلم، وهي ادعاءات لم تثبت صحتها.

كان أحد الحسابات المروجة لمزاعم حذف الفيلم هو الحساب @sapp897، الذي يضع صورة ولي العهد السعودي كصورة شخصية، ويعرّف نفسه بأنه “بنت سلمان وأخت محمد”. جاءت تدوينة الحساب موقعة بعدة وسوم تتعلق بالموضوع نفسه، لكن اللافت كان وجود وسم #الجيش_السلماني_الإلكتروني، على الحساب، وهو تكتل إلكتروني يُقدر عدد أعضائه بالآلاف، ويُعرف بإطلاق حملات الدعاية والتصيد. سبق أن أظهرنا دوره في تحليلات سابقة كأحد أبرز الفاعلين في هذا النوع من الأنشطة.

كما لجأ بعض الحسابات إلى نشر تدوينات دعائية تسلط الضوء على وضع الوافدين في السعودية، مستندة إلى نتائج بحوث مثل تقرير “بزنس إنسايدر” الذي صنف المملكة كثاني أفضل دولة للمغتربين. وتم تداول وسم #السعودية_ثاني_افضل_دولة_بالعالم_للمغتربين في 1767 تدوينة. كما عرضت هذه الحسابات نماذج إيجابية للعلاقة بين الهنود وأرباب عملهم السعوديين، في مقابل تسليط الضوء على نماذج سلبية لسلوكيات بعض الهنود في بلادهم، والتركيز على الإساءة التي يتعرض لها المسلمون في الهند.

وبالوتيرة نفسها، اهتمت وسائل إعلام سعودية؛ من ضمنها قناة “العربية” وصحيفتا “عكاظ” و”المدينة”، بنشر مواد ومقالات رأي تنتقد الفيلم بشدة، واصفةً إياه بـ”حيلة العاجز”، ومؤكدةً أنه يحتوي على “أكاذيب وتضخيم وتهويل”.

في جانب من أحد المقالات المنشورة، ورد أنه “يمكن أن تنتقد قانون الكفيل كما تشاء، ويمكن أن تصور حالة فردية إجرامية موجودة في المجتمع السعودي كما في كل المجتمعات، ولكن الأكذوبة الكبرى والجناية التي قام بها الفيلم هو تصويره مؤسسات إنفاذ القانون”. 

ودافع المقال عن الدولة السعودية، قائلاً إنها “دولة قانون، يطبّق فيها القانون على الوزير والغفير والأمير، وتاريخ القضاء السعودي يشهد أن حد القصاص؛ وهو العقوبة القصوى التي يحاول الجميع تجنّبها عبر الوساطات القبلية والوجاهات الاجتماعية، ومع ذلك لم تستثنِ أحداً حتى شخصيات وازنة في المجتمع السعودي”.

اشتباكات كلامية بين حسابات سعودية وإماراتية 

على هامش الجدل المحتدم حول الفيلم، اندلعت معارك كلامية بين حسابات سعودية وإماراتية بسبب مزاعم بأن الإمارات مولت إنتاجه، وبرغم نفي مخرج الفيلم صحة هذه الادعاءات، اشتعل الفضاء الافتراضي في البلدين بانتقادات وشتائم متبادلة.

وهاجمت حسابات سعودية شخصيات إماراتية مثل الشيخ نهيان بن مبارك وزير الثقافة السابق، من خلال تداول صورة تم التلاعب بها ليبدو وكأنه يحمل علامة هندوسية على وجهه.

واستحضرت الحسابات السعودية المهاجمة للإمارات حدث افتتاح معبد هندوسي في دبي، في شباط/ فبراير 2024، لاستخدامه في مهاجمة الإمارات واتهامها بمساندة الهنود، وردت حسابات إماراتية بانتقادات مماثلة.

وتعد المناوشات الكلامية بين الحسابات السعودية والإماراتية أمراً معتاداً، لا سيما حين يتعلق الأمر بسياسات البلدين ومواقفهما، وغالباً ما يتخللها التفاخر والنزعة القومية. 

وانتهت المناوشات بين الطرفين بإلقاء اللائمة على “الذباب الإلكتروني”، حيث أكدت شخصيات إماراتية وسعودية على متانة علاقات البلدين، ودعا رئيس المكتب الوطني للإعلام (الإماراتي) عبد الله بن محمد بن بطي آل حامد، إلى “حظر” هذه الحسابات، ومع ذلك احتفلت حسابات سعودية بانتصارها المزعوم في المعركة الكلامية عبر وسوم؛ مثل: #معركة_ذات_البلوك، و#السعوديين_ملوك_الإعلام، و#المغرد_السعودي.