ساد الاحتقان الطائفي مواقع التواصل الاجتماعي، على خلفية اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية طهران نهاية تموز/ يوليو 2024، وتوعُّد إيران بالرد “غير المسبوق” على حادثة الاغتيال.
ساهم في زيادة الاحتقان الطائفي ظهور وسوم منسقة من نطاقات جغرافية عدة، تهاجم المذهب الشيعي وتتّهم إيران وحزب الله باغتيال هنية.
أبرز الوسوم ذات الصلة المنشورة على منصة “إكس”:
#الشيعي_ليس_أخي، #الشيعي_عدو_الإسلام_والمسلمين، #لاصفوي_ولاصهيوني، #الشيعة_الرافضة_مشركين، #الشيعه_اغتالو_اسماعيل_هنيه، #الشيعي_قتل_أخوتي_السنة، m#الشيعة_ليسوا_مسلمين، #الشيعةالرفضة_هم_العدو_فاحذرهم
خلال الفترة بين 30 تموز و9 آب/ أغسطس، جمعت عشرة وسوم ذات صلة 4735 تدوينة، نتجت منها 13 ألف حالة تفاعل، وشُوهدت 438,863 ألف مرة، مع نطاق رؤية إضافي محتمل يقدّر بمليونين و777 ألفاً، بحسب إحصاءات أداة Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.
في المقابل، نشرت تكتلات إلكترونية موالية لإيران دعايات عن أن “الشيعة فقط هم القادرون على التصدّي لإسرائيل”، وردد بعضها أن الدول العربية والسنية تخلّت عن فلسطين ودعمت إسرائيل في حربها على غزة.
أبرز الوسوم المتداولة وتوقيت نشاطها وحجم التدوينات – Meltwater
من يؤثّر على الموجة؟
ساهمت 1590 حساباً في موجة التدوين على الوسوم العشرة الناقدة للشيعة. وتصدّرت أميركا والسعودية وسوريا واليمن ولبنان، قائمة الدول الأكثر نشراً على الوسوم، في حين صدرت أكثر من 3700 تدوينة من أماكن غير معروفة، وهو معدل قياسي مقارنة بالعدد الإجمالي للتدوينات (4735)؛ ما قد يعد مؤشراً إلى أن أنشطة التدوين على الوسوم منسّقة.
وأطلق حساب يدعى شاضومة shadoumeh@، وسمي #الشيعي_ليس_أخي و#الشيعي_قاتلي، ونُشرت على الوسمين 504 تدوينات؛ منها 406 تدوينات صدرت من 180 حساباً، بحسب أداة Meltwater. ونتيجة لحملته القوية عبر الوسمين، تعطل الحساب لمدة يومين، قبل أن يعاود التدوين.
أنشئ الحساب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ويحظى بمتابعة 630 شخصاً فقط، فيما تخطت منشوراته الـ 13 ألف تدوينة. وتؤيد غالبية منشوراته الثورة السورية، وتهاجم إيران وحزب الله؛ لما لهما من دور في قمع الثورة ومساندة الرئيس السوري بشار الأسد.
ولعبت حسابات يمنية دوراً مؤثراً في انتشار وسمي #الشيعه_اغتالو_اسماعيل_هنيه و#الشيعي_عدو_الاسلام_والمسلمين، اللذين ولّدا 2029 تدوينة من إجمالي التدوينات المنشورة على الوسوم موضع التحليل.
وأظهر تتبّعنا أن الحسابات المؤثّرة في الوسمين مرتبطة بـ “الجبهة الإعلامية الوطنية”؛ وهو تكتل يبث دعاية سياسية مؤيدة لعائلة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.
ويحظى أبناء علي عبدالله صالح بدعم من الإمارات، التي ساهمت جهودها مع السعودية في صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بإزالة اسم نجل صالح، أحمد عبدالله صالح، من قائمة العقوبات المفروضة عليه منذ نحو عشرة أعوام، بعد تحالف العائلة مع الحوثيين للاستيلاء على صنعاء في عام 2014، قبل أن تنقلب الجماعة المدعومة من إيران على صالح، وتقتله في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017.
يعد إطلاق الحملات الإلكترونية أحد أنشطة “الجبهة الإعلامية الوطنية”، والتي تملك ما يُسمى بـ “بنك تغريدات”؛ وهي إحدى الآليات الشائعة في اليمن التي تستخدم في شن حملات إلكترونية منسقة. وتقوم فكرة “بنك التغريدات” على وجود تدوينات “جاهزة” للبث، بعد تحضيرها بشكل مُسبق، قبل استخدامها في تغذية أنشطة الحسابات المشاركة في الحملات، سواء كانت مملوكة لأشخاص حقيقيين أو مجرد حسابات وهمية.
اكتشفنا نشاط الجبهة عندما لاحظنا تدوينة على وسمَي #الشيعه_اغتالو_اسماعيل_هنيه و#الشيعي_عدو_الاسلام_والمسلمين، نشرها حساب أبو عفاش @abwfash51075589، الذي يتخذ من صورة الرئيس اليمني السابق، صورة تعريفية للحساب، ويعرّف صاحب الحساب نفسه بأنه “ناشط سياسي”.
قادنا حساب أبو عفاش إلى أمين سر “الجبهة الإعلامية الوطنية”، هديل أحمد، والتي أدرجت حساب “أبو عفاش” ضمن قائمة حسابات وصفتها بـ “أرقى الشخصيات والإعلاميين والمتفاعلين والمؤثرين على منصة X”، كما أدرج “أبو عفاش” في قائمة أخرى نشرها حساب يدعى “بنك التغريدات”
محتوى الوسوم
ساد الخطاب السلبي نسبة 88.6 في المئة من إجمالي تدوينات الوسوم؛ أي ما يوازي أربعة آلاف تدوينة على الأقل. بينما بلغ عدد التدوينات الإيجابية 148 فقط، بحسب تحليل أداة Meltwater. واستهدفت جُل التدوينات المذهب الشيعي بالانتقاد والذم، مع استخدام كلمات وأوصاف تدخل في نطاق “خطاب كراهية”.
طبيعة العواطف الرائجة على الوسوم – Meltwater
كما أخذت الحسابات المشاركة على الوسوم من حادثة اغتيال إسماعيل هنية، نقطة انطلاق لمهاجمة المذهب الشيعي. وراجت على الوسوم تدوينات من حسابات سعودية وسورية ولبنانية، تحذّر من “خطورة الشيعة على المسلمين السنّة”.
وردّد البعض سردية أن إيران متورّطة في حادثة اغتيال هنية. واحتوى مقطع فيديو منشور على الوسوم على مزاعم بقتل إيران أعداداً كبيرة من الفلسطينيين؛ وهي المزاعم التي لم تثبت صحتها. كما شاركت حسابات سورية مواد مصوّرة عن تحريض منسوب الى عناصر حزب الله ضد السنّة في سوريا.
وأعاد حساب كولومبوس Columbuos@ الذي يدار من السعودية، تداول الزعم الذي نقلته قناة “العربية” عن صحيفة Jewish Chronicle، بأن عناصر من الحرس الثوري الإيراني زرعوا قنبلة في غرفة إسماعيل هنية بدار الضيافة في طهران. ويعرّف حساب كولومبس نفسه بأنه “شخصية تحب الاكتشاف بتسليط مجهرها على الإعلام المضاد واكتشاف الحقيقة المغيبة على الشعوب، لننشر الوعي ونُنزه أمتنا المجيدة”. وينشط هذا الحساب في الحملات الإلكترونية السعودية غير الأصيلة.
وتفاعلت حسابات جزائرية وسعودية على وسم #الشيعة الرفضة_هم_العدو_فاحذرهم، واصفة أتباع المذهب الشيعي بـ “العدو” و”المجوس”، ومحذّرة من التعاون معهم.
دعوات للوحدة بين السنة والشيعة
في المقابل، ظهرت حملات شيعية تدعو إلى الوحدة بين الطائفتين تارة، وتهاجم المذهب السني طوراً.
وأطلقت حسابات يمنية وسم #لاسني_لا_شيعي_انا_مسلم، الذي احتوى على 20,700 تدوينة، شُوهدت 3.7 مليون مرة. وصدرت 14,600 ألف تدوينة من حسابات غير محدد موقعها الجغرافي الذي تنشط منه، وهو معدل قياسي مرتفع يحمل دلالة على وجود نشاط منسق.
واحتلت السعودية المرتبة الأولى في قائمة أكثر الدول المعروفة تدويناً على الوسم، تلاها اليمن والعراق والولايات المتحدة ومصر.
وجاء الكاتب الصحافي اليمني أنيس منصور، في صدارة من استخدموا الوسم. ويعد منصور واحداً من أبرز منسقي الأنشطة الإلكترونية غير الأصيلة المؤيدة للحوثيين.
في المقابل، أتت غالبية التدوينات الرائجة على الوسم من حسابات سعودية تنتقد مطلقي الوسم وتسخر من مضمونه. واتخذت بعض هذه الحسابات من صور قادة السعودية وأعلام المملكة وشعاراتها، صوراً تعريفية لها.
اتهامات شيعيّة
وتبنت حسابات يبدو أن أصحابها يتبعون المذهب الشيعي، خطاباً أكثر حدة، يدعي أن الشيعة هم القوة القادرة على مجابهة إسرائيل، في ظل صمت أنظمة الحكم في بلاد غالبية سكانها من السنّة.
وعدد حساب @MorganAshref القوى الشيعية التي “تحارب إسرائيل وتدافع عن غزة”، مقابل انتقاده موقف “أهل السنة”.
و
نشر حساب الإعلامية د.ش الإيرانية، DShhla@، تدوينات عدة ذات صبغة طائفية، تحتفي إحداها بـ”مساندة إيران لمحور المقاومة”، وتقول أخرى إن “أكثر من مليار مسلم سني ينتظرون قائدين شيعيين للأخذ بثأر قائد مقاوم مسلم سني”.
ونشر الحساب الذي دأب على نشر دعاية لصالح إيران، صورة مُنتجة باستخدام تقنيات الذكاء الصناعي، تظهر جنوداً إيرانيين وهم يعتقلون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وفي خلفية الصورة علم إيران.
كما رددت حسابات يمنية وعراقية سردية أن الشيعة يتوعدون بالرد على إسرائيل، في حين يتوعد “حكام سنة بصد الرد”، وفق ما كتبه حساب “شهيد آل ناجي”، الذي يضع شعار الحوثيين خلفية لحسابه.
وسار على النهج نفسه حساب “أبو عباس” الذي نشط خلال الأيام التي تلت اغتيال هنية، في ترويج محتوى ذي صبغة طائفية، يمجد الشيعة مقابل مهاجمته “الحكام السنة”، بخاصة في دول الخليج العربي.