مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

حملات خليجية ومصرية منسقة تشمت بمقتل “هنية”

حملات خليجية ومصرية منسقة تشمت بمقتل “هنية”

بمجرد الإعلان عن مقتل هنية في طهران، أُطلقت حملات خليجية ومصرية منسقة، تشمت بمقتله وتروج معلومات مضللة بشأن حركة “حماس”.

 

في وقت مبكر من صباح الأربعاء، 31 تموز/ يوليو 2024، قٌتل إسماعيل هنية وحارسه الشخصي في العاصمة الإيرانية، طهران، وتباينت الروايات حول الحادثة بين حديث عن غارة، أو “مقذوف جوي” استهدف مقر إقامته، ورواية أخرى نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” تدعي أن قنبلة ناسفة وُضعت في غرفته في مجمع كبير شمالي شرق طهران، قبل قرابة شهرين. 

وقعت حادثة الاغتيال بعد وقت قصير من حضور هنية حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، ولقائه مع المرشد الإيراني علي خامنئي.

بمجرد إعلان مقتل هنية، جمع وسم #إسماعيل_هنية الناطق بالعربية أكثر من مليون تدوينة، نشرها أكثر من 293 ألف حساب في منصة “إكس” (تويتر سابقاً)، وشوهدت نحو 262 مليون مرة، بحسب إحصاءات أداة Meltwater الرائدة في تحليلات الشبكات الاجتماعية.

فيما، ورد اسم هنية في مليون و614 ألف تدوينة مكتوبة باللغة الإنجليزية، نشرها 534 ألف حساب، وشوهدت 421 مليون مرة.

فترات نشاط هاشتاج #إسماعيل_هنية – Melt water

تلاعب خليجي

وفي خضم الحديث عن اغتيال هنية، تلاعبت حسابات خليجية، في سياسات الاستخدام الخاصة بمنصة “إكس”؛ بالعمل على التضخيم غير الأصيل لوسوم شامتة بمقتل القيادي في “حماس”، ونشط التفاعل على هذه الوسوم في وقت قياسي قصير في عدد من الدول الخليجية؛ على رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. 

أعلن الحرس الثوري الإيراني مقتل إسماعيل هنية، بعد أربع ساعات من حادثة الاغتيال، التي وقعت قرابة الثانية من صباح الأربعاء بتوقيت طهران.

أعقب ذلك بساعتين ظهور وسم #شهيد_الفنادق، واحتوى الوسم على نحو 28 ألف تدوينة، شُوهدت ثمانية ملايين و666 ألف مرة، وأسهمت بتوليد 75161 حالة تفاعل (إعجابات، إعادة مشاركة، تعليقات، ردود مقتبسة) خلال الفترة ما بين 31 تموز/ يوليو و2 آب/ أغسطس، بحسب أداة Meltwater.

شهد الوسم قفزة تصاعدية شبه عمودية في الأول من آب/ أغسطس 2024، مدفوعاً بـ 15868 ألف تدوينة في هذا اليوم وحده، وهو معدل قياسي يعكس نشاطاً غير طبيعي على الوسم.

فترة نشاط وسم #شهيد_الفنادق – Meltwater

صدرت أول تغريدة على الوسم في الساعة 07:09 بتوقيت الرياض، وذلك من حساب sfh1444@، الذي كتب الوسم مصحوباً برموز تعبيرية ضاحكة، في تعليقه على تدوينة لشبكة “الجزيرة” بشأن الحادثة.

في تدوينات لاحقة، عبّر الحساب عن سعادته بموت هنية، وكتب متهكماً أن عملية الاغتيال حولته إلى “كباب إيراني”، وسخر من تدوينة رثاء نشرتها ابنة هنية.  

لا يحظى الحساب بمتابعة أحد، ولا يُوضح من أي مكان ينشط، لكن طبيعة تفاعلاته تشير إلى انخراطه في الدفاع عن مصالح النظام السعودي، ودأبه على مهاجمة “حماس”، كما تفاعل الحساب مع تدوينات سعودية مبتهجة هي الأخرى بمقتل هنية.

وصدرت التدوينات الأولى على الوسم من حسابات غالبيتها تضع شعارات ووسوماً سعودية، وتتخذ صور الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، صوراً للحسابات.

ووصفت بعض هذه الحسابات نفسها بأنها “مؤثر اجتماعي”؛ مثل: راجح الشهري والردع السعودي، ويشير تحليلنا إلى أن 30 حساباً من المشاركين في حملة الشماتة بمقتل هنية، سبق وأن أطلقوا حملات غير تلقائية ضد معارضي السعودية.

وانعكاساً للاحتفاء بمقتل هنية، ساد الخطاب السلبي نسبة 53.2 في المئة من منشورات الوسم، واستخدمت على هذه المنشورات، شتائم واتهامات في حق هنية وحركة “حماس”، مع التركيز على ادعاء أن هنية يدين بالولاء لإيران، مقابل معارضته لنظام الحكم السعودي.

أمثلة على بعض التدوينات المنشورة على الوسم: 

– ضحى إسماعيل هنية بشعب غزة وقدمه قرباناً لإسرائيل، في سبيل إرضاء إيران، وها هي إيران تضحي به في يوم تنصيب الرئيس الإيراني، في سبيل إرضاء إسرائيل. 

– بعد أن قضى حياته عميلاً مخلصاً لأعداء الدين، وبعد أن انتهى دوره كعميل، واحترقت أوراقه، تمت تصفية #إسماعيل_هنية في الفنادق نفسها، التي كان يدير منها الكثير من عمليات الغدر والخيانة.

– يتاجر بدماء الضعفاء يضحي بأرواح الفلسطينيين فداء لإيران!! ويتطاولون على السعودية والدعاء على حكامها، وردّ الله كيده إلى نحره وبعقر دار أوليائه وأحبابه (وماكانَ ربُكَ نَسِيَّا) وإلى جهنم وبئس المصير.

سحابة لأكثر الكلمات السلبية المتداولة على الوسم – Meltwater

وأظهر مسح Meltwater، أن 5500 تدوينة من تدوينات الوسم نُشرت من السعودية؛ لتحتل بهذا المرتبة الأولى في قائمة البلدان الأكثر تدويناً على الوسم.

بينما صدرت 19.8 ألف تدوينة من حسابات غير معروف مكانها؛ وهو أحد المؤشرات على وجود نشاط غير تلقائي.

وشكلت نسبة التدوينات المعاد نشرها (ريبوست/ ريتويت) 65.5 في المئة من إجمالي منشورات الوسم، بما يساوي 18.6 ألف تدوينة، في حين شكلت الردود على التدوينات نسبة 23.4 في المئة (6.6 آلاف تدوينة) وذلك مقابل 2300 تدوينة أصلية (2.3%). 

وتعد الإحصاءات السابقة مؤشراً آخر على أن النشاط على الوسم منسق، وجرى تضخيمه بشكل غير تلقائي.

مصر على الموجة

بينما دانت مصر رسمياً مقتل إسماعيل هنية، انتشرت اتهامات غير موثوقة لحركة “حماس” بتورطها في مقتل جنود مصريين، ولم يكن رواج هذه الاتهامات أمراً تلقائياً؛ فقد وقف وراء ظهورها حشد منظم شاركت فيه شخصيات عامة، وحسابات معروفة بدعايتها للحكومة المصرية.

وركزت هذه المنشورات على نشر ادعاءات عن تورط “حماس” في مقتل 16 جندياً مصرياً في 2012، ومسؤوليتها عن مقتل الضابط المصري الشهير أحمد المنسي، وعلى النقيض من هذا، لم تتهم السلطات المصرية حينها “حماس” بمقتل الجنود أو المنسي، كما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن مقتل الجنود المصريين، فيما أعلن “تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية سيناء” مسؤوليته عن تنفيذ “هجوم البرث” الذي راح ضحيته المنسي.


ولوحظ رواج معلومات أخرى غير صحيحة؛ منها تصريحات منسوبة لإسماعيل هنية، قيل إنه أدلى بها تزامناً مع مظاهرات 30 حزيران/ يونيو 2013، واعتصام ميدان رابعة العدوية المناصر لمرسي، وزُعم أن هنية هدد وقتها باحتلال مصر، وهي مزاعم منتشرة منذ عام 2014، لكنها غير صحيحة أيضاً.

وجرى تضخيم هذه الاتهامات والمزاعم وترويجها على نطاق واسع، بدعم من حسابات وتجمعات، اعتادت تنظيم حملات تدعم النظام المصري، وتهاجم منتقديه. 

كما نُشرت هذه الاتهامات على حسابات شخصيات عامة؛ منهم الإعلامي أحمد موسى، ولاعب الكرة السابق أحمد حسام ميدو.

كما نشرت الكاتبة الصحفية سحر الجعارة صورة غلاف مزيف لمجلة “فوربس”، مكتوب عليه أن هنية يملك أربعة مليارات دولار، وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد نشرت هذه الصورة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، ضمن حربها الدعائية المضادة لحركة “حماس” وقادتها.

على الموجة نفسها، ظهر حساب باسم بخيت المصري، المعروف باسم المايسترو؛ وهو أحد أبرز مطلقي حملات التصيد والدعاية للحكومة، ونشر المصري تدوينات تسخر من رد الفعل الإيراني على مقتل هنية. 

مجموعات الدعاية على “فيسبوك” 

وفي النطاق الافتراضي المصري، امتد رواج المعلومات المضللة حول إسماعيل هنية إلى شبكات اجتماعية أخرى.

وعبر “فيسبوك”، لعبت المجموعات المؤيدة للحكومة دوراً كبيراً، في انتشار المعلومات المضللة عن تورط “حماس” في مقتل الـ 16 جندياً،وروج لهذا الادعاء أكثر من 160 منشوراً، غالبيتها صدرت من المجموعات المؤيدة للحكومة، ونتج عن هذه المنشورات ما يزيد عن 21 ألف حالة تفاعل، بحسب أداة Crowd Tangle المتخصصة في تحليل المنشورات على “فيسبوك”. 

تحمل بعض المجموعات أسماء توضح علاقتها بالنظام المصري؛ مثل: “مصر لن تركع، الجيش المصري رجال، أبطال الصاعقة المصرية، كتيبة 16 إعلام، شرفاء مصر، التحالف المصري لإعلام السوشيال ميديا”، وكلها تكتلات دعائية معنية بترويج خطاب شعبوي، وإطلاق حملات إلكترونية مؤيدة للنظام المصري، والمشاركة فيها، ودُعي بعض القائمين على هذه المجموعات إلى مناسبات حضرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ مثل حفل الإفطار السنوي في رمضان، وسبق أن حلل مجتمع التحقق العربي حملات إلكترونية شاركت فيها هذه المجموعات.