منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، نشط حزب الله عبر الحدود اللبنانية مع إسرائيل عسكرياً، منفذاً ضربات صاروخية وأخرى بطائرات مسيّرة لأهداف إسرائيلية.
وبينما تتصاعد المطالب وتكثر المبادرات لوقف الحرب في غزة، تشتعل جبهة الحدود اللبنانية مع إسرائيل، مدفوعة بتوسّع نطاق الضربات المتبادلة، التي كان آخرها ضربة حزب الله المزعومة على بلدة مجدل شمس في الجولان المحتلّ واغتيال إسرائيل القائد في حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت.
في هذه الأثناء، ظهرت وسوم عدة منسقة تدفع نحو وقف التصعيد؛ منها وسم #الشيعة_ضد_الحرب، الذي نشطت عليه حسابات مستخدمين سعوديين وإماراتيين ولبنانيين ينتمون الى أحزاب مسيحية.
بلغ إجمالي تدوينات الوسم على منصة إكس (تويتر سابقاً) 1231 تدوينة، ساهمت في توليد 8122 حالة تفاعل (إعجابات وإعادة مشاركة وتعليقات). شُوهدت التدوينات 138 ألف مرة، مع معدل وصول محتمل قوامه أكثر من 400 ألف مشاهدة إضافية، بحسب إحصاءات أداة Meltwater المعنية بتحليل وسائل التواصل الاجتماعي.
شهد الوسم قفزات على فترات زمنية متفرقة منذ ظهوره في كانون الأول/ ديسمبر 2023، وعاد النشاط إليه في الأيام الأخيرة، في ظل تنامي المخاوف من اندلاع الحرب في لبنان. وارتبط هذا الوسم بهاشتاغ #لبنان_لا_يريد_الحرب، الذي حصد 167 ألف تدوينة، مسجلاً أعلى ذروة له يوم 29 تموز/ يوليو 2024، في أعقاب ضربة بلدة مجدل شمس، وما تبعها من تهديدات إسرائيلية بشنّ هجوم على لبنان.
فترات نشاط وسم #الشيعة_ضد_الحرب – Meltwater
الأكثر نشاطاً وتأثيراً
حتى حزيران/ يونيو 2024، أظهر إحصاء لوكالة فرانس برس مقتل 469 شخصاً على الأقل في لبنان، 307 منهم من حزب الله و90 مدنياً، فيما سجل عدد القتلى الإسرائيليين 15عسكرياً و11 مدنياً.
على رغم وجود أصوات لبنانية حقيقية وملموسة؛ منها أصوات شيعية، ترى أن ذهاب البلاد إلى حرب جديدة مع إسرائيل لا يصبّ في صالحها، نشطت لجان إلكترونية للترويج لهذه السردية بشكل منسق وغير تلقائي على وسوم عدة، أشهرها “الشيعة ضد الحرب”.
وظهر الوسم قبل وقت قصير من ظهور حسابات تحمل اسمه على الشبكات الاجتماعية؛ إذ رصد تقرير لموقع “المدن” تدشين صفحة على “فيسبوك” باسم “الشيعة ضد الحرب”، في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
أوضح موقع “المدن”، في تقريره، أن صفحة “فيسبوك” بثت 14 إعلاناً على الأقل منذ الأول من كانون الأول/ ديسمبر؛ أي قبل أيام من ظهور الوسم. بلغت تكلفة الإعلانات 6 آلاف و300 دولار، وهي أرقام قياسية بالنسبة الى بلد مثل لبنان.
لاحقاً، حُذفت صفحة “الشيعة ضد الحرب” من “فيسبوك”، بينما لا تزال حساباتها على منصة إكس ويوتيوب نشطة.
بالعودة إلى تاريخ إنشاء حساب إكس، وجدنا أنه دشن في شباط/ فبراير 2017، ويبلغ عدد منشوراته 833 تدوينة؛ وهو رقم منخفض بالمقارنة بتاريخ الإنشاء، ما يرجح أن القائمين على الحساب أزالوا محتواه القديم لاستخدامه في الحملة الحالية.
وساهمت تدوينات حساب المجموعة Shi3aDodelharb@ في منصة إكس على الوسم، في توليد 1045 تدوينة مرتبطة بها.
تنتج مجموعة “الشيعة ضد الحرب” مواد مصوّرة، تظهر فيها رايات حمراء تحمل اسم المجموعة. وتركز المجموعة في خطابها على الآراء الناقدة لحزب الله، مع خطاب يعتمد على الشحن العاطفي.
بالإضافة إلى الحسابات، أُطلق موقع إلكتروني للمجموعة في 17 آذار/ مارس 2024. وتعرّف المجموعة نفسها على الموقع بأنها “حركة اعتراض شيعية من أجل لبنان في وجه الثنائي الذي يصادر قرار وتمثيل الطائفة الشيعية الكريمة، ويحتكر تمثيلها في البرلمان والحكومات، وحتى بالوظائف الدنيا في الدولة اللبنانية وإداراتها”.
وتضيف المجموعة في موقعها: “سياسة الحروب وإقحام لبنان فيها تشكّل ضرباً صارخاً لسلامة اللبنانيين وأمنهم واستقرارهم، من هنا وجوب التزام الحكمة والتروّي ومراعاة كل بنود دستورنا اللبناني لعدم ترك فرصة سانحة للعدو للتعدي على حدود أرضنا، والتأكد من عدم القيام بمغامرات غير محسوبة على حساب الوطن”.
ويضم التصميم، الذي يظهر في صدر الموقع، صورة لرجل الدين الشيعي اللبناني علي الأمين، مصحوباً بكلمة “يمثلني”.
يعد الأمين واحداً من الشخصيات الدينية البارزة في لبنان، وقريباً من جماعة “14 آذار” وأحد أبرز الخصوم الشيعة لحزب الله، وهو عضو في مجلس حكماء المسلمين الذي يرأسه شيخ الأزهر.
حسابات مرتبطة بحزبي القوات والكتائب
ساهم 400 حساب على الأقل في تنشيط هاشتاغ #الشيعة_ضد_الحرب. وفي حين كان يتم الحشد والترويج للوسم باعتباره لسان حال شيعة لا يؤيدون الحرب، إلا أن نسبة لا بأس بها من الحسابات النشطة مرتبطة بمؤيدين لحزبي القوات والكتائب. كذلك، سجلت حسابات سعودية حضوراً كثيفاً على الوسم.
يتركز محتوى هذه الحسابات على الدعاية للقوى اللبنانية المسيحية وانتقاد حزب الله. على سبيل المثال، كان حساب فايز ناهد أو نهاد fayezjnahed@ من بين الحسابات البارزة على الهاشتاغ. وعند مراجعة منشوراته، لاحظنا أنه في ما يبدو عضو نشط في حزب الكتائب اللبنانية؛ فقد اتخذ لحسابه صورة تحمل شعار الحزب، فضلاً عن منشوراته الدعائية للحزب.
وانخرطت حسابات أخرى في إعادة نشر ما يبثّه حساب “الشيعة ضد الحرب” وما تنشره حسابات أخرى مناهضة لحزب الله وتسخر من الفصائل الفلسطينية في غزة، إضافة إلى التفاعل مع حسابات سعودية، كما فعل حساب@malahoussaine.
كما تفاعلت حسابات سعودية مع المنشورات على وسم #الشيعة_ضد_الحرب، وذلك بإعادة التغريد “الريتويت/الريبوست”؛ من بينها حسابا althunyan_fahad@ و omar7000@، اللذان يتّخذان من صور الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، صوراً تعريفية لهما.
ولا يعد ظهور الحسابات السعودية على هذا الوسم مصادفة، فقد نشرت من السعودية نحو خمسة آلاف تدوينة على وسم “لبنان لا يريد الحرب”.
مثلها، تفاعلت حسابات إماراتية مع منشورات حساب “الشيعة ضد الحرب”؛ مثل حساب UaeAlteneiji@، الذي شارك تدوينة احتوت على تصريحات هادي مراد، العضو المؤسس في حركة “تحرر” الشيعية المعارضة.
ويشار إلى أنه على رغم نفي حركة “تحرر” أية صلة لها بنشاط مجموعة “الشيعة ضد الحرب”، اعتادت المجموعة الاحتفاء بتصريحات مسؤولي الحركة.
علامات على نشاط منسّق
ارتبط الوسم بوسوم أخرى؛ منها #لبنان_لا_يريد_الحرب، الذي جمع منذ اندلاع الحرب في غزة، 258 ألف تدوينة على الأقل، و#حزب_الله_إرهابي، الذي حصد 18700 ألف تدوينة، و #١٧٠١_الآن و #لبنان_اولاً. واحتوى الوسمان الأخيران على 15 ألف تدوينة لكل منهما على الأقل.
توضح طبيعة التفاعلات على الوسم حالة من الحشد المفتعل غير التلقائي؛ فنسبة 69.5 في المئة من التدوينات مُعاد مشاركتها (ريتويت/ ريبوست)، أي ما يساوي 855 من إجمالي التدوينات. في حين تشكل نسبة التغريدات الأصيلة 12.8 في المئة فقط.
في العادة، يشير ارتفاع معدل إعادة النشر إلى وجود تلاعب ونشاط منسق للحشد أو التضخيم في اتجاه معين. إلى جانب صدور 639 تدوينة من حسابات غير معروف موقعها الجغرافي.
طبيعة التفاعلات على وسم #الشيعة_ضد_الحرب – Meltwater