يتتبع تقرير من جزءين الأنشطة الإلكترونية غير الأصيلة لأطراف الحرب في السودان وأنصارهم، وبينما تناول الجزء الأول الحملة الدعائية لعبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق ورئيس “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية ـ تقدم”، وما اتصل بها من حملة تأييد وترويج لدور الإمارات في السودان، ويفكك الجزء الثاني شبكة الحسابات الداعمة للجيش السوداني، التي دأبت على شن حملات مضادة على منتقديه.
تزامناً مع عملنا على الجزء الأول، والتلاسن الكلامي الذي دار بين مندوبي الإمارات والسودان في مجلس الأمن في يونيو/ حزيران 2021، ظهرت أنشطة إلكترونية داعمة للجيش السوداني، تتهم الإمارات بالتورط في قتل السودانيين؛ بمد “قوات الدعم السريع” بالمال والسلاح، لمواصلة الحرب، وهو اتهام نفاه مسؤولون إماراتيون.
ولوحظ استعادة النشاط على وسوم عدة، تنتشر بشكل منسق على منصتي التواصل الاجتماعي “إكس” و”فيسبوك”، احتوت بعض المنشورات على اتهامات للإمارات و”قوات الدعم السريع”؛ وهو ما يُعد جزءاً من صراع يهدف إلى فرض سردية للحرب، تدين طرفاً على حساب طرف آخر، في حين أن تقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية مستقلة، تُحمل كلا الطرفين -الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع”- مسؤولية ارتكاب انتهاكات خلال الحرب الدائرة منذ أبريل/ نيسان 2023.
ما السياق؟
تصاعد التوتر بين السودان والإمارات على خلفية اتهام الخرطوم أبوظبي بدعم “قوات الدعم السريع”، التي تشكلت في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، من مليشيات عربية في دارفور؛ لمساعدة الجيش السوداني في القضاء على التمرد، الذي نشب في الإقليم ضد نظام عمر البشير.
ظلت الاتهامات غير مباشرة على مدار شهور منذ اندلاع الحرب، لكنها اتخذت نهجاً علنياً للمرة الأولى في نهايات نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما اتهم الفريق أول ركن ياسر العطا نائب قائد الجيش عبدالفتاح البرهان الإمارات، بإرسال طائرات تحمل إمدادات عسكرية إلى “الدعم السريع” عبر دول إفريقية؛ مثل: تشاد، وأوغندا، وجمهورية أفريقيا الوسطى.
تجدّدت الاشتباكات الكلامية بين مسؤولي البلدين في مجلس الأمن في 18 يونيو/ حزيران 2024، عندما دعا مندوب السودان المجلس إلى إدانة الإمارات بدعوى دعمها “للدعم السريع”، واعتبر الحارث إدريس أن “دولة الإمارات مدانة والمدان لا يكون شريكاً في السلام”.
رد ممثل الإمارات محمد أبو شهاب على نظيره السوداني، واصفاً ما قاله بـ “الاتهامات السخيفة والزائفة”، ورآها “انتهاكاً معيباً من أحد الأطراف المتحاربة في السودان لهذا المجلس”، واستغلالاً للمجلس في “نشر اتهامات زائفة ضد الإمارات العربية المتحدة؛ لتشتيت الانتباه عن الانتهاكات الخطيرة التي تحدث على الأرض”.
وقع التلاسن بعد وقت قصير من إعلان توقيع اتفاق نيروبي، بين حمدوك وزعيمي “الحركة الشعبية – شمال” عبد العزيز الحلو، وقائد “حركة تحرير السودان” عبد الواحد نور، وما رافق ذلك من حملة دعائية لحمدوك، نشطت على هامشها حملة أخرى دعائية للإمارات، ومناهضة للجيش السوداني.
في المقابل، عاد نشاط الوسوم المناهضة للإمارات، التي تزامن ظهورها مع اندلاع الحرب؛ مثل: #الامارات_تقتل_السودانيين، #الامارات_ترعى_الارهاب، #الامارات_تسلح_مليشيا_الدعم_السريع.
وفي حزيران/ يونيو 2024، سجلت أعداد التفاعل على الوسوم الثلاثة قفزات مفاجئة؛ إذ انتشر على الوسوم الثلاثة أكثر من 100 ألف تدوينة، شُوهدت 16 مليون مرة، وولّدت نحو 318 ألف حالة تفاعل، بحسب إحصاءات أداة Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.
فترات نشاط الوسوم الثلاثة خلال يونيو/ حزيران 2023 – Meltwater
الأكثر تأثيراً وتفاعلاً
شارك 36,753 ألف حساب في تنشيط الوسوم الثلاثة، لكن اللافت أن حسابات بعينها مؤيدة للجيش السوداني، وتتمتع بكثافة متابعيها، هي التي أسهمت في اتساع انتشار الوسوم.
تنخرط بعض حسابات الحملة منذ بداية الحرب، في حملات إلكترونية، تحشد لصالح رواية الجيش السوداني عن النزاع، وتنشر محتوى مناصراً له؛ مثل: @Bit_Khalifa1417, @YASIR_MOS91, @yasin123ah, @AbbasMo77873890.
جاء حساب @Bit_Khalifa1417 في مقدمة الحسابات الأكثر تدويناً على الوسوم، وتفاعل مع منشوراته 4651 حساباً، ولد 10,471 تدوينة، أتت في صورة ردود وتعليقات.
قبل اندلاع الحرب، كانت الدكتورة جميلة قاسم مالكة الحساب، ناشطة في مجال التعليم، وكان “هاندل” حسابها، Bit_Batoul1417@، نسبة إلى اسم والدتها “البتول”، قبل أن تغيره إلى “الهاندل” الحالي، حسب ما أظهر بحثنا.
رغم أن الحساب أُنشئ في 2015، إلا أنه لا يحتوي إلا على منشورات حديثة؛ ما قد يشير إلى حذف التدوينات القديمة من الحساب.
وينشط هذا الحساب -في العادة- على الوسوم الداعمة للجيش السوداني، وتُنشر عليه لقطات مصورة للأحداث الجارية على الأرض، كما يطلق مساحات صوتية لمناقشة التطورات في السودان.
إلى جانب الظهور في المساحات الصوتية السودانية، نشطت حسابات يمنية على الوسوم المناهضة للإمارات؛ مثل حساب الناشط اليمني أنيس منصور anesmansory@، أحد أبرز مُطلقي الحملات الإلكترونية المناهضة للإمارات في اليمن.
ونشطت حسابات أخرى على الوسوم؛ مثل حساب “إمارات ليكس”، الذي يقدم نفسه على أنه “منصة إعلامية متخصصة في نشر فضائح الإمارات وجرائمها”.
حرص هذا الحساب على استخدام الوسوم المناهضة للإمارات في المنشورات، التي يروج فيها لموضوعات صحافية منشورة على موقعه الإلكتروني، وهو ما أسهم في زيادة التفاعل على الوسوم.
وأُنشئ هذا الحساب على منصة “إكس” في يوليو/ تموز 2021، في حين أتت انطلاقة الموقع الإلكتروني لـ “إمارات ليكس” في الأول من فبراير/ شباط 2018؛ أي بعد أشهر قليلة من اندلاع الأزمة الخليجية مع قطر، وفي 21 سبتمبر/ أيلول 2018، ظهرت صفحة للموقع على “فيسبوك”.
ورغم أنه لا يمكن تحديد الجهة التي أطلقت موقع “إمارات ليكس”، إلا أن محتوى الموقع دأب على انتقاد الإمارات، في حين يُظهر الموقع تأييداً واضحاً لقطر ومواقفها السياسية.
ماذا تحتوي الوسوم؟
تمكنت مراكز بحثية ووسائل إعلام عالمية، من تحليل الدور الإماراتي في الحرب السودانية، بالاعتماد على تقنيات التحقق والمصادر المفتوحة، ورصدت منصات إعلامية حركة طائرات شحن ضخمة تابعة للإمارات، متجهة إلى الدول المجاورة للسودان مثل تشاد وأوغندا، ويُتشبه في أن هذه الطائرات نقلت أسلحة إلى “الدعم السريع”، كما تم توثيق ظهور أسلحة إماراتية في يد “قوات الدعم السريع”.
غير أن بعض منشورات الوسوم؛ موضع التحقيق، روجت مزاعم غير موثقة، أطلقها مسؤولو السودان بشأن العثور على أسلحة، وجوازات سفر، وأجهزة اتصالات إماراتية في حوزة “قوات الدعم السريع”.
وبجانب مهاجمة الإمارات ورئيسها محمد بن زايد، انتقدت منشورات الحملة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، و”تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية”، واصفة إياهم بـ “الأذرع السياسية لقوات الدعم السريع”.
ورغم اعتياد الكثير من السودانيين على نشر محتوى إلكتروني أصيل ينتقد دور الإمارات في الحرب، ويهاجم “قوات الدعم السريع”، إلا أن حسابات الحملة تُظهر نمطاً متكرراً في عملها؛ يتمثل في الترويج للجيش السوداني، ومحاولة فرض سرديته عن الحرب.
جروبات فيسبوك
امتد نطاق انتشار الوسوم إلى شبكات اجتماعية أخرى غير منصة “إكس”، منها “فيسبوك”، ولعبت “جروبات” أو مجموعات سودانية دوراً في رواج هذه “الهاشتاجات”.
تُعتبر هذه المجموعات مؤثرة، كون بعضها يضم مئات الآلاف من الحسابات، ويُديرها سودانيون داعمون للجيش.
ومنذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، انتشر على وسم #الامارات_تقتل_السودانيين، 2593 محتوى، صدر عن “جروبات” عامة مفتوحة، حصدت هذه المنشورات أكثر من 18 ألف حالة تفاعل، ما بين إعجاب وتعليق وإعادة مشاركة، بحسب إحصاءات أداة Crowd Tangle المتخصصة في تحليل المحتوى على “فيسبوك”.
تحمل أبرز هذه المجموعات أسماءً تشير إلى دعم الجيش السوداني أو مناهضة “الدعم السريع”؛ مثل: الجيش السوداني (جروب غير رسمي) القوات المسلحة (غير رسمي) قوات العمل الخاص وهيئة العمليات (غير رسمي) القوات المسلحة السودانية هي القوات الشرعية للبلاد قانوناً ودستوراً (غير رسمي) دعم الجيش السوداني، الانصرافي، السودان مقبرة الجنجويد، دا أمن يا جن، حل الأحزاب السياسية في السودان، مساعد محمد علي عبد المجيد.
تضمنت المجموعات منشورات مشابهة لتلك الموجودة في منصة “إكس”؛ يحمل بعضها ادعاءات متكررة وغير مؤكدة حول وفاة ضابط إماراتي خلال الحرب في السودان، بالإضافة إلى تضخيم التصريحات الرسمية حول “أدلة” قدمها السودان إلى مجلس الأمن “تُدين تورط الإمارات في النزاع”.