مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

الاعتراف بفلسطين … حملة دعاية خليجية منسقة واشتباكات بين حسابات سعودية وإماراتية

الاعتراف بفلسطين … حملة دعاية خليجية منسقة واشتباكات بين حسابات سعودية وإماراتية

نشطت حملات دعاية سعودية وإماراتية بعد إعلان ثلاث دول أوروبية عزمها الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، وتأييد 143 دولة بالأمم المتحدة حصولها على العضوية الكاملة، وحاولت ترويج سردية أن هذه الخطوة جاءت نتيجة لضغوط مارستها الدولتان. دفعت حسابات سعودية الدفة نحو المملكة لتضخيم النقاش حول دور المملكة في القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية، فيما نشطت حسابات إماراتية نسبت الفضل في هذا الاعتراف لجهود الإمارات، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى اشتباك الحسابات المؤيدة لموقف البلدين.


أثار إعلان دول النرويج وإسبانيا وإيرلندا، في 22 مايو/أيار، عزمها الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين، ردود فعل عربية مُرحبة، وأخرى رافضة صادرة من إسرائيل وألمانيا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى. في هذه الأثناء، ظهرت مؤشرات تدلل على وجود حشد إلكتروني يعمل على تضخيم دور السعودية والإمارات في اتخاذ الدول الأوروبية لهذا القرار.  

وظهر الوسم السعودي #السعودية_تنتصر_لفلسطين، متضمناً تعليقات دعائية عن دور المملكة، واحتوى هذا الوسم على 174 ألف تدوينة، شُوهدت نحو 51 مليون و352 ألف مرة، مع نطاق رؤية إضافي محتمل، قوامه 227 مليون مرة مشاهدة، ولّدت التدوينات أكثر من 529 ألف حالة تفاعل، بحسب أداة Meltwater، الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.

شكلت التدوينات التي أعيد نشرها (ريتويت/ريبوست) نسبة 66.2% من إجمالي التدوينات على الوسم، بما يساوي 114 ألف تدوينة، وهو عدد مقارب لعدد التدوينات الصادرة من حسابات لا تكشف عن موقعها الجغرافي.

بينما شكلت التدوينات الأصلية الصادرة مباشرة من الحسابات نسبة 4.8%، بما يساوي 8.3 ألف تدوينة، وهي من مؤشرات النشاط المنسق غير التلقائي.

A graph of a line graph Description automatically generated with medium confidence
توقيتات نشاط هاشتاغ  #السعودية_تنتصر_لفلسطين وطبيعة التدوينات – Meltwater

 

وسم أطلقه مؤيد ل_”حركة فتح”


ظهر وسم  #السعودية_تنتصر_لفلسطين للمرة الأولى قبل اندلاع الحرب في غزة بنحو ثلاثة أشهر، قبل أن تروجه حسابات سعودية في شهر مايو/أيار.في 15 أغسطس/آب 2023، نشر حساب AhmadGhaben13@ الذي يعبر عن مصالح حركة “فتح” على منصة أكس (تويتر سابقاً) أول تدوينة على الوسم. 

يضع الحساب المُنشأ في يوليو/تموز 2022، علمي فلسطين والسعودية وهاشتاغ saudivision2030# في المساحة التعريفية له، مع صورة لأبراج الرياض.  

A screenshot of a social media post Description automatically generated


ينشر الحساب تدوينات عن السعودية، وتطورات الحرب في غزة، مع منشورات تهاجم حركة “حماس”، كما تشير ترشيحات منصة أكس إلى حسابات شبيهة بهذا الحساب، تتضمن منشوراتها رموزاً لحركة “فتح”، ودعاية لها. 

A person with a beard wearing glasses Description automatically generated


من ضمن هذه الحسابات الشبيهة، حساب (Nimr_Hs@) الذي تروج منشوراته للمخابرات العامة في السلطة الفلسطينية. 

وسبق أن نشطت هذه الحسابات على وسم #فليسقط_الانقلاب الذي ظهر في منصة أكس الصيف الماضي؛ للتنديد بذكرى استيلاء “حماس” على السلطة الفلسطينية في غزة في 14 يونيو/حزيران عام 2007، وعبره لوحظت حسابات تتبنى خطاباً دعائياً لصالح السلطة الفلسطينية.


وحرص  حساب AhmadGhaben13@، الذي أطلق أولى التدوينات على الوسم، على مشاركة مضمون التدوينة مع حسابات سعودية رسمية، وحسابات أخرى مؤيدة لحركة “فتح”؛ مثل حساب Amaal56574300@، الذي يضع صورة تجمع بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، صورة لغلاف الحساب.

“بعد ضغط سعودي” وحسابات “مؤثرة”


أخذ الوسم زخمه الحقيقي في مايو/أيار 2024، بعد تصويت 143 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين، وإعلان إسبانيا والنرويج وإيرلندا اتجاهها للاعتراف رسمياً بالدولة الفلسطينية.

وأسهم في رواج الوسم حسابات انخرطت في حملات إلكترونية لدعم مصالح السعودية، بالإضافة إلى حسابات مؤثرين وصانعي محتوى على الشبكات الاجتماعية، يتابعهم مئات الآلاف.

بالاستناد إلى قاعدتهم الكبيرة من المتابعين، أسهمت حسابات هؤلاء المؤثرين في تضخيم انتشار الوسم وزيادته،من ضمن هذه الحسابات، حساب “تاريخ آل سعود” – Alsaud_History@، الذي بث تدوينتين فقط على الوسم، لكنهما أسهما في توليد 622 تدوينة مرتبطة بهما.



ويتابع هذا الحساب السعودي 542 ألف حساب على منصة أكس، ويقول صاحب الحساب إنه “غير تابع لأي جهة حكومية سعودية، وله حسابات على مختلف منصات التواصل، من ضمنها حساب على يوتيوب، ينشط من السعودية”.

اللافت للنظر، أن بعض الحسابات التي روجت لدور السعودية في الاعتراف دولياً بدولة فلسطين، سبق وأن شاركت في وسوم هاجمت القضية الفلسطينية؛ مثل: وسم #فلسطين_ليست_قضيتي. 

ينطبق هذا مثلاً على حساب المؤثر سلمان بن حثلين، الذي ولدت تدويناته 8130 تدوينة مرتبطة، شوهدت 525 ألف مرة. يصف صاحب الحساب نفسه بأنه “مُرخّص إعلامي”، ويتابعه 450 ألف حساب على منصة أكس، وأكثر من مليون حساب على تطبيق سناب شات، وتزامن تاريخ تأسيس هذا الحساب مع اندلاع الأزمة القطرية الخليجية في يونيو/حزيران 2017. 



وشاركت حسابات مرتبطة بما يسمى “الجيش السلماني الإلكتروني“، في ترويج وسم #السعودية_تنتصر_لفلسطين؛ من بينها حسابا “إدارة الترند والجيش السلماني” و”عزيز المطيري”. 

وسبق أن كشف “مجتمع التحقق العربي” في تحقيقات سابقة، دور هذا التكتل الإلكتروني في إطلاق حملات إلكترونية غير أصيلة على مواقع التواصل الاجتماعي. 

يملك “الجيش السلماني الإلكتروني” نحو 20 فريقاً متنوع المهام؛ على رأسها: “فريق الترند”، وفرق أخرى مسؤولة عن الاستيلاء على الحسابات أو إغلاقها، ويركز بعضها على التنسيق مع “الإعلاميين”. 


“ضغط سعودي” وتغطية إعلامية


في 22 مايو/أيار، وصل التفاعل على وسم #السعودية_تنتصر_لفلسطين إلى ذروته، بمعدل نشر بلغ 57 ألف تدوينة، سبق هذا، ارتفاع معدل التدوين على هذا الوسم في الحادي عشر من الشهر نفسه، عندما صوتت 143 دولة في الأمم المتحدة لصالح منح فلسطين العضوية الكاملة. 

رافق ظهور الوسم صعود كلمتي “ضغط سعودي” في قائمة الأكثر تداولاً على منصة أكس؛ وهما جزء من عبارة “بعد ضغط سعودي… “، التي نشرت على حساب “الأحداث الأميركية” – NewsNow4USA@.

لم ينشر الحساب أي تدوينة على الوسم، لكن التدوينات التي حملت هذه العبارة، ولدّت 164 تدوينة مرتبطة بالهاشتاغ.

ونشرت حسابات أخرى لقطات شاشة مأخوذة من حساب “الأحداث الأميركية”؛ ما يشير إلى أن ارتباط الحملة الدعائية بتدوينة الحساب الأخير، إذ تكرر نشر هذه التدوينة منفردة أو مقرونة بصورة ولي العهد السعودي أو الملك سلمان بن عبدالعزيز، مع وسم #زعيم_الشرق_الاوسط.

وتأسس حساب “الأحداث الأميركية” في يوليو/تموز 2020، قبل شهور قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، ويعرف الحساب نفسه بأنه “المنصة العربية الأولى لتغطية الأخبار الأميركية أولاً بأول من شبكة الأحداث الإعلامية”، ويُدار الحساب من ولاية تكساس، بحسب بيانات الحساب التعريفية. 

ومع ذلك، تظهر في بعض التدوينات علاقة الحساب بالسعودية؛ إذ إن أول تدوينة نشرت في الحساب في 17 أغسطس/آب 2020، تقول: “حمدالله على نعمة السعودية بلدي العظيم”.


A screenshot of a social media post Description automatically generated

واستخدمت وسائل إعلام سعودية الوسم في تدويناتها؛ مثل حساب برنامج “هنا الرياض” المُذاع على قناة “الإخبارية” الرسمية، التي أعادت هي الأخرى نشر التدوينة.

وأفردت وسائل الإعلام السعودية مساحة لإبراز “جهود السعودية للاعتراف بفلسطين” باستخدام عناوين متكررة ومتشابهة.

بين من صنعها ومن أنقذها.. تلاسن بين حسابات سعودية وإماراتية


على هامش موجة الحشد السعودي من أجل إحداث تضخيم في الفضاء الافتراضي لدور المملكة، نشب تلاسن افتراضي، بعد أن حاولت حسابات إماراتية أيضاً، الترويج لدور الإمارات في القضية الفلسطينية، وتبادلت حسابات إماراتية وسعودية استخدام طرق وعبارات الترويج نفسها، مع إجراء تغييرات طفيفة. 

من أبرز الحسابات المشاركة في الاشتباك، حساب الإعلامي حسين الغاوي، وحساب فيصل بن ناصر (الكعام) السعودي، وحسابات إماراتية تضع علم الإمارات أو صورة الشيخ زايد بن سلطان، مؤسس دولة الإمارات.

وعندما قالت حسابات سعودية: “فتحها عمر، حررها صلاح الدين، حمتها السعودية، بصناعة دولة فلسطينية”، ردت حسابات إماراتية بالقول: “فتحها عمر وحررها صلاح الدين وأنقذتها الإمارات”، وكتبت أيضاً: “الحلم أصبح واقعاً بعد نجاح جهود الإمارات السياسة والدبلوماسية في الأمم المتحدة”.

وتطورت الاشتباكات الكلامية بين الحسابات السعودية والإماراتية إلى حد السخرية من مسؤولين؛ مثل سخرية حسابات سعودية من حذاء وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، الذي ظهر به في طهران أثناء تقديم العزاء بوفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.


A person wearing white shoes Description automatically generated



إلى جانب التهكم على قضايا معينة؛ مثل قضية الجزر الإماراتية الثلاثة التي تحتلها إيران “طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى”. 

بهذا؛ فإن إعلان بعض الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين، أطلق شرارة حملتي دعاية سعودية وإماراتية عن دور كل من الدولتين في هذا الاعتراف؛ ما أدى -في الأخير- إلى نشوب تلاسن إلكتروني بين مطلقي الحملتين.