منذ اندلاع الحرب في غزة، تصاعدت وتيرة الجدل بشأن إبراهيم العرجاني، زعيم “اتحاد قبائل سيناء” شبه العسكري، الذي تشكل في عام 2014؛ لمساندة عمليات الجيش ضد مسلحي تنظيم داعش في شبه جزيرة سيناء.
“العرجاني وهلا كمان.. انتوا عملاء للكيان”، دوى الهتاف خلال وقفة احتجاجية على سلم نقابة الصحفيين في القاهرة، في ربط لمعاناة الفلسطينيين اليائسين الذين يريدون الخروج من غزة، بالدور الذي تؤديه إحدى شركات العرجاني، هلا للاستشارات والخدمات السياحية، المتخصصة بـ”خدمات التنسيق الأمني” المدفوعة، التي تسمح بخروج المتواجدين في غزة من معبر رفح نحو مصر.
لدى شركة هلا، التي تأسست عام 2019، مقر في غزة ومصر. وتعدُ عملاءها بـ”تسهيل الإجراءات وإنهائها في ثلاثة أيام للسفر بأسرع وقت”، بعكس فترات الانتظار الطويلة الممتدة لشهور للمسافرين العاديين. وتقول الشركة في أحد منشوراتها على فيسبوك، إنها توفر “صالة VIP لجميع مسافرينا في معبر رفح”.
بعد ساعات قليلة من الوقفة الاحتجاجية، اعتقلت أجهزة الأمن عدداً من المشاركين، ما أدى إلى ظهور تعليقات سلبية حول نفوذ الرجل الذي اعتقلته السلطات المصرية إبان فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، قبل أن يتحول إلى حليفها خلال الحرب ضد الجماعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء.
حتى 29 أبريل/نيسان، ورد اسم “إبراهيم العرجاني” في 15092 تدوينة، شُوهدت أربعة ملايين و580 ألف مرة، بحسب إحصاءات أداة Meltwater لتحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.
شهد يوم 4 أبريل/نيسان أعلى فترات التدوين عن العرجاني، بإجمالي تدوينات بلغ 5149 تدوينة. تزامن هذا مع شن السلطات حملة اعتقالات لبعض المشاركين في الوقفة الاحتجاجية.
فترات التدوين باسم إبراهيم العرجاني خلال شهر أبريل/نيسان 2024 – Meltwater
شخصية مثيرة للجدل ومؤثرون اجتماعيون
على مدار أيام الحرب الإسرائيلية على غزة، لا سيما في يناير/كانون الثاني الماضي، شارك فلسطينيون في غزة شهادات متواترة عبر الشبكات الاجتماعية عن المبالغ التي تحصّلها شركات التنسيق الأمني مقابل تسهيل خروجهم عبر معبر رفح.
آنذاك، كشف تحقيق “ثمن النجاة” الذي أجري بالشراكة بين موقع “صحيح مصر” ومشروع الإبلاغ عن الفساد والجريمة المنظمة OCCRP، ونشرته صحيفة لوموند الفرنسية، تفاصيل “تجارة شركات التنسيق الأمني للمرور من معبر رفح”، يأتي على رأس هذه الشركات”هلا” المملوكة للعرجاني.
حسب التحقيق، ارتفعت رسوم التصاريح المُباعة لشركات التنسيق منذ اندلاع الحرب، لتسجل ما بين 4500 و10 آلاف دولار للفلسطينيين، و650 و1200 دولار لحاملي الجنسية المصرية المتواجدين في غزة.
الجدل بشأن العرجاني سبق وأن اشتعل في واقعة طائرة خاصة قادمة من القاهرة أوقفتها السلطات في زامبيا في أغسطس/آب الماضي؛ ودار الحديث عن وجود ملايين الدولارات وكميات من الذهب على متنها.
زاد الجدل بشأن العرجاني الذي يعد الراعي الرسمي الجديد للنادي الأهلي، بعد بث حملة إعلانات تلفزيونية خلال شهر رمضان الماضي، للترويج لـ”مجموعة العرجاني التي تعد أكبر كيان اقتصادي في الجمهورية الجديدة”، مكون من 16 شركة على الأقل.
نظرة أوسع على الفترات التي دار فيها الحديث عن إبراهيم العرجاني منذ بداية عام 2024 – Meltwater
هدأ الزخم قليلًا بشأن العرجاني، قبل أن يعيده إلى النور الهتاف الموجه ضده من المتضامنين مع غزة على سلم نقابة الصحفيين. حينها، ظهر يوتيوبرز ومؤثرون اجتماعيون معروفون بمشاركتهم في حملات التصيد والبروباغندا السياسية؛ للدفاع عن العرجاني، رداً على الوقفة الاحتجاجية.
انخرط هؤلاء المؤثرون في الدفاع عن العرجاني، وظهروا في مقاطع فيديو، وبثوا تدوينات تهاجم منتقديه. من بين هؤلاء محمد نور، الذي يتابع صفحته “الوعي نور” على فيسبوك مليون شخص، و24700 شخص على منصة إكس (تويتر سابقاً).
يعتمد نور على البث المباشر ومقاطع الفيديو بشكل كبير في حملاته الإلكترونية، ويستخدم عناوين “الشراك الخداعية – Click bait”؛ لجذب متابعيه لمشاهدة محتواه.
في دفاعه عن العرجاني، ساق نور رواية ذات خطاب شعبوي وغير موثوقة، زاعماً أن “إبراهيم العرجاني تلقى عروضاً من الموساد في 2013 وما بعدها، واستمرت العروض فترة امتدت لسنوات عشان يقدروا يجندوه لصالحهم ويبقى زعيم التنظيمات الإرهابية في سيناء ويخلوه زعيم ولاية سيناء”.
استخدم نور عبارات؛ مثل “شوية صيع، فشلة، سناكيح، الشلة الواطية”، في سياق مهاجمته لمرددي الهتافات المناهضة للعرجاني.
في صباح 4 أبريل/نيسان، كتب لؤي الخطيب، أحد مروجي الدعاية لسياسات السيسي، تدوينة عن حق “الشيخ إبراهيم العرجاني” في ملاحقة المشاركين في الوقفة قضائياً، وانتقد الهتاف ضد السفارة الإسرائيلية في مصر.
مساء اليوم نفسه، كرّر نور مهاجمته لمن اعتقلتهم السلطات، قائلًا: “حرضوا على قتل وحرق السفارة الإسرائيلية اللي أكيد كلنا نفسنا ربنا ينتقم منهم لكن أكيد مفيش حاجة اسمها أول مطلب للجماهير حرق سفارة وقتل سفير، أنت عارف إن ده معناه إن إنك عايز تعمل عملية إرهابية ينتج عنها إدانة دولية لمصر وللأمن المصري؟”
في 13 أبريل/نيسان، روج الإعلامي المعارض أسامة جاويش لمعلومات غير صحيحة، وهو ما دفع مؤثرين آخرين من مؤيدي الرئيس؛ مثل: أحمد مبارك ومحمود طلبة، إضافة إلى محمد نور، للظهور بشكل متزامن؛ دفاعاً عن شركة هلا والعرجاني، مُستندين إلى لقطات مصورة استخدمها جاويش مأخوذة من صفحة منسوبة لـ “شركة هلا”.
لاحقا، اعتذر جاويش عن الفيديو السابق، إذ تبين أن “السكرين شوت” غير مرتبطة بالشركة. وقال جاويش إنه حذف الفيديو، قبل أن يؤكد أن ذلك لا يلغي الشهادات عن تورط العرجاني في تجارة عبور معبر رفح مقابل ملايين الدولارات، حسب قوله.
يجمع بين المؤثرين المدافعين عن العرجاني ميول سياسية مؤيدة لنظام السيسي؛ فقد سبق أن شاركوا في حملات داعمة للرئيس المصري، وظهروا في عدد من جولاته، وكانوا موضع تقارير سابقة لمجتمع التحقق العربي، أوضحنا فيها دورهم في عدد من هذه الحملات؛ منها حملة تفويض السيسي. كما حضروا إفطار الأسرة المصرية (إفطار الرئيس) في رمضان الماضي.
حسابات وهمية متقدمة
في النصف الثاني من نيسان/أبريل، أخذت حملة العرجاني منحناً جديداً عبر الاستعانة بحسابات وهمية سبق تورطها في حملات دعائية للحكومة، وأخرى عابرة للحدود، آخرها كان مرتبط بالضربات الإيرانية على إسرائيل، التي حقق فيها مجتمع التحقق العربي.
تطرح الحسابات الوهمية المُستخدمة في الحملة مثالًا على مدى تطور عملها، وكيفية استدعائها للمشاركة في حملات إلكترونية في مصر.
يعكس محتوى الحملة الدعاية للعرجاني اهتماماً واضحاً من مديري الحسابات الوهمية بطبيعة محتواها؛ من ناحية تنوعه وعدم تكراره ونبرة الخطاب المستخدم فيه.
لا تعمل هذه النوعية من الحسابات بالطريقة الكلاسيكية؛ فلا يتم تغذيتها بنصوص متكررة، وهي ممارسة معتادة منذ سنوات بعيدة، تسهل على المتابعين اكتشاف الحملات الإلكترونية.
بالتالي، لا تنشر الحسابات المحتوى نفسه، ولا تبث الكثير من التدوينات حول الموضوع ذاته، وهو ما يتم تعويضه باستخدام الكثير من الحسابات؛ ليتم تضخيم الوسوم والموضوعات المطلوب دفعها للترند أو دائرة الضوء.
لإضفاء طبقات من المصداقية، وإظهار الحسابات كأنها مملوكة لأشخاص حقيقيين، تُنشر تدوينات كثيرة عن موضوعات متفرقة؛ بعضها ترفيهي ورياضي وديني، وتحتوي على اقتباسات ومقولات مأثورة.
ومن آن لآخر تظهر التدوينات السياسية المنسقة المنظمة في ثنايا تدوينات عن موضوعات أخرى، ما يضفي لمسة “حقيقية” على الحسابات، ويبعدها عن دائرة الشبهات. ومن أبرز الوسوم التي انخرطت في الحملة: ” #مصر_صمام_امان_المنطقة، #الفرصة_الأخيرة، #لا_للتصعيد_بالمنطقه، #١٠٠مليون_معاك_ياسيسي، #تنصيب_الرئيس_السيسي”.
أنشأت أغلبية الحسابات منذ عام 2023، وبعضها يعود إلى أعوام سابقة؛ مثل 2013 و2017،وذكر بعضها موقعه الجغرافي في البيانات التعريفية؛ لإعطائها مزيد من المصداقية، و للإيحاء بأنها مملوكة لأشخاص حقيقيين.
وسمت منصة إكس عدداً من هذه الحسابات، قائلة إنها حجّمت مقدار الوصول إلى محتواها، بسبب نشاطها غير الطبيعي. ويأتي الانخراط في أنشطة منظمة غير أصيلة في إطار حملات إلكترونية من بين الحالات، التي تتخذ فيها المنصة هذا الإجراء المُقيد.
تتبادل هذه الحسابات مهمتي إعادة مشاركة المنشورات (ريتويت/ريبوست) والردود بهدف التضخيم، والإيحاء بوجود آراء كثيرة تدعم الموقف من قضية أو شخصية معينة، وهذا ما تؤكده إحصاءات Meltwater أيضاً، التي توضح أن 89.3% من التدوينات المنشورة عن العرجاني خلال شهر نيسان/أبريل تعد إعادة مشاركة “ريتويت”، بينما اقتصرت المنشورات الأصلية على نسبة 2.4% فقط من إجمالي التدوينات.
فيديو لعادل إمام مُنتج بالذكاء الاصطناعي
على هامش حملة الدعاية للعرجاني، أسهمت الحسابات الوهمية السابقة في زيادة انتشار مقطع فيديو زائف مُنتج باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.
لم تكن هناك نسخ كثيرة من الفيديو نفسه على حسابات أخرى، عدا النسخة المنشورة في حساب equeen2020@، الذي يعرف عن نفسه بـ”مؤثر اجتماعي”. ما قد يشير إلى دور ما أكبر يلعبه هذا الحساب الذي يستخدم صورة تعريفية مأخوذة من أرشيف الإنترنت.
أظهر الفيديو شخصية تقارب في مظهرها الفنان عادل إمام، تدافع عن إبراهيم العرجاني. ربما استخدم منتجو الفيديو تقنيات متقدمة لمحاولة مطابقة مظهر الشخصية غير الحقيقية بعادل إمام، لكن عند التدقيق في الفيديو يمكن ملاحظة عدم تناسق حركة الشفاه مع ما يتم سماعه خلال المقطع، ووجود أخطاء في شكل العين اليسرى، وكذلك نبرة الصوت.
الفيديو، الذي أعادت نشره وتضخيمه شبكة الحسابات الوهمية نفسها، شوهد أكثر من مليون و200 ألف مرة على منصة إكس. وتفاعلت الحسابات الوهمية مع حساب equeen2020@ بتعليقات على الفيديو للإيحاء بأن الفيديو حقيقي.