مطلع نيسان الماضي، خرجت حرب الظل إلى العلن عندما قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق، ما أدى إلى سقوط قتلى؛ بينهم قادة بارزون في فيلق القدس. وردت طهران بإطلاق مسيّرات وصواريخ اعترضت غالبيتها دفاعات إسرائيل وحلفاؤها الغربيون، إضافة إلى الأردن. لاحقاً، اتهمت طهران تل أبيب بقصف قاعدة في مدينة أصفهان، وألقى الحشد الشعبي العراقي باللوم على إسرائيل في قصف قاعدة “كالسو” العسكرية.
آنذاك، امتلأت الشبكات الاجتماعية بوسوم تروّج للقصف الإيراني، وتنتقد مشاركة الأردن في اعتراض “أجسام جوية”. في المقابل، وصفت هاشتاغات ضربة طهران بـ”المسرحية”، وحمّلتها مسؤولية التصعيد.
من بين هذه الوسوم: “#انتقام_سخت، #إسرائيل_مسخرة #الوعد_الصادق، #ملك_البندورة، #إيران_تؤدب_الصهاينة، #مسرحية_حفظ_ماء_الوجه، #المجوس_العرب، #لا_للتصعيد_بالمنطقه”.
نُشرت على هذه الوسوم 501 ألف تدوينة، ولّدت ثلاثة ملايين و269 ألف حالة تفاعل، وشُوهدت 184 مليون مرة، بحسب إحصاءات Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.
في 13 و14 نيسان، وصلت ذروة التدوين على هذه الوسوم كافة، بإجمالي 556 ألف تدوينة.
صدرت على هذه الوسوم 571 ألف تدوينة من حسابات غير معروف مكانها.
نشاط الوسوم المرتبطة بالضربة الإيرانية والوسائل التي استخدمتها – Meltwater
الحسابات الأكثر تأثيراً
شارك في موجة التدوين على الوسوم أكثر من 133 ألف حساب، فيما شاركتها حسابات معروفة بنشاطها في الحملات الإلكترونية.
وكشفت تحقيقات عدة لمجتمع التحقق العربي عن دور بعض هذه الحسابات في التلاعب بسياسات استخدام الشبكات الاجتماعية، وتوظيفها في أنشطة غير أصيلة؛ تنوعت ما بين حملات دعائية معبرة عن المواقف الرسمية لدول وفصائل مسلحة، وأخرى هدفت الى التصيد وتشويه المعارضين.
ويضع عدد من الحسابات في بياناته التعريفية أعلام إيران ولبنان والعراق واليمن والسعودية ومصر، إضافة إلى صور لشخصيات مثل: المرشد الإيراني علي خامنئي، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وزعيم جماعة أنصار الله الحوثي عبدالملك الحوثي، فضلاً عن صورة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
على سبيل المثال، ساهمت تدوينات حساب iraninarabic_ir@ في ظهور 12851 تدوينة جديدة صدرت من جانب 8401 حساب آخر، وشوهدت 563 ألف مرة.
برز الحساب بمشاركته على هاشتاغ #الوعد_الصادق – الاسم الذي أطلقته طهران على ضرباتها ضد إسرائيل. جمع هذا الوسم وحده 243 ألف تدوينة بمشاركة 71 ألف حساب على الأقل.
إلى جانب مشاركاته على الوسم الناطق باللغة الفارسية #انتقام_سخت؛ أي الانتقام القاسي، أحد أبرز الوسوم التي عاودت نشاطها مع الضربات، وجمع أكثر من 197 ألف تدوينة.
وكانت للحساب تدوينتان في الوسم الفارسي أديا إلى توليد 2435 تدوينة مرتبطة بهما، بواسطة 2111 حساباً.
حساب “إيران بالعربية”، المُنشأ في منصة “إكس” (تويتر سابقاً) في شباط/ فبراير 2020 ويتابعه 393 ألف حساب، لا يقدم نفسه باعتباره أحد المنافذ الرسمية التي تديرها الدولة في إيران، لكنه يعرف نفسه بأنه “صوت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العالم العربي”. ويظهر أرشيف محتواه اعتياده نشر محتوى دعائي للرواية الإيرانية الرسمية في كل الأحداث المرتبطة بها.
وظهر جواد نصر الله، نجل حسن نصرالله، في قائمة متابعي الحساب، مع الصحافي حسين مرتضى، أحد أبرز الأصوات الإعلامية والدعائية للقوى المرتبطة بإيران.
إلى جانب نشره 26 تدوينة على #الوعد_الصادق، نشر حسين مرتضى 15 تدوينة على وسم #إسرائيل_مسخرة، على نحو أسهم في زيادة رواجه، إذ يتابعه 631 ألف شخص.
سبق أن أوضحنا في تحقيقاتنا، طبيعة انخراط الإعلامي اللبناني في حملات دعائية لحزب الله والحكومة السورية، وأخرى لتصيّد المعارضين ومنتقدي الحزب.
على وسم #إسرائيل_مسخرة، نشط أيضاً المؤثر الاجتماعي علي أكبر رائفي بور، الذي سبق منعه من مغادرة السعودية في عام 2023 بعد تعليقات سلبية عن المملكة خلال موسم الحج.
يعد رائفي بور من المؤثرين الإيرانيين المثيرين للجدل، ومعروف بمحاضراته حول الطائفية والماسونية ونظريات المؤامرة.
في حين لعبت حسابات سعودية دوراً في نشر هاشتاغات ذات نبرة سلبية ترى أن الضربات الإيرانية على إسرائيل كانت مجرد #مسرحية_حفظ_ماء_الوجه، وأن من يدعمها هم من #المجوس_العرب.
وأثارت ثلاث تدوينات من حساب الردع السعودي s_hm2030@ على وسم #مسرحية_حفظ_ماء_الوجه، 1239 تدوينة جديدة على التدوينات نفسها من جانب 1162 حساباً. يتابع الحساب مليون و400 ألف حساب، وعادة ما تتبنى تدويناته المواقف السعودية الرسمية.
تدوينات عابرة للشبكات الاجتماعية
ظهرت تدوينات متطابقة عابرة للشبكات الاجتماعية، ما يشير إلى جهد جماعي حثيث ومنسق لتضخيم وزيادة وسوم الضربات الإيرانية والإسرائيلية، وسط محاولات لتعزيز روايات الأطراف المختلفة بشأنها.
كانت تلك سمة مميزة للمجموعات الموالية لإيران في العالم العربي، وهي ممارسة معتادة من جانب هذه القوى. ففي العادة، تبدأ حملة إلكترونية من تطبيق تلغرام -على سبيل المثال- قبل أن يتردد صداها في منصات أخرى مثل “إكس”.
خلال التوترات الأخيرة، بثّت قناة “صابرين نيوز” في تلغرام -المقربة من المقاومة الإسلامية في العراق- لقطة من خبر يقول إن مبعوثاً أميركياً طلب من وزراء خارجية في الشرق الأوسط أن يطلبوا من إيران التهدئة، وذلك قبيل ضرباتها على إسرائيل.
تلقفت حسابات عراقية في “إكس” القصة، وأعادت نشر التدوينة كما أوردتها “صابرين نيوز” في تلغرام.
“شهد الياسري”، قناة عراقية أخرى في تلغرام لديها أكثر من 120 ألف مشترك، وهي إحدى القنوات الدعائية المؤثرة للفصائل المدعومة من إيران. لدى “شهد”، التي تعرف نفسها بـ”أخت الحشد” الشعبي، حسابات في منصات أخرى باستخدام الاسم نفسه.
قبيل الضربات وتزامناً معها، نشرت القناة عشرات المنشورات التي تحتوي وسمي #انتقام_سخت و#الوعد_الصادق، وتتضمن مواعيد مختلفة لـ”الانتقام”. وكان لافتاً وجود تدوينات متكررة مُطابقة لمنشوراتها في موقع إكس.
لاحقاً، وصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الضربات التي استهدفت مدينة أصفهان (340 جنوب طهران)، بأنها “مسخرة”، وفسرت تقارير صحافية وصفه هذا بأنه يعبر عن اعتراضه على طريقة رد إسرائيل على ضربات إيران، باستخدام طائرات من دون طيار.
آنذاك، ظهر وسم جديد باسم #إسرائيل_مسخرة أطلقته مجموعة “ملتقى الإعلام المقاوم – سيميا”، المسؤولة عن الأنشطة الإلكترونية لحزب الله، والتي عطلت “إكس” نشاط حساباتها مرات عدة.
ظهر الوسم في البداية في قناة المجموعة عبر تلغرام، بالتزامن مع “إكس”، وذلك في صورة مقاطع مصورة ومنشورات تسخر من الرد الإسرائيلي، ثم أعادت حسابات لبنانية تضع صورة حسن نصر الله – رفقة أخرى إيرانية – نشر المحتوى نفسه الذي يحمل شعار “سيميا”.
شاركت في تنشيط الهاشتاغ 5883 حساباً. وضمّ 16945 تدوينة؛ منها 11800 تدوينة أطلقت من حسابات أماكنها مجهولة.
تكررت الممارسة نفسها من جانب قنوات حوثية على تلغرام؛ مثل “شبكة سديد” و”الإعلام الشعبي اليمني”، المعروفتين بانخراطهما في الدعاية لجماعة الحوثي. نشرت المجموعتان 140 منشوراً على الأقل، ولعبتا دوراً في تضخيم وسم #إيران_تؤدب_الصهاينة، الذي احتوى على 21741 تدوينة، منها 15 ألف تدوينة صادرة من حسابات غير معروف مكانها، فيما صدرت خمسة آلاف تدوينة من اليمن.
صور مولّدة عن طريق الذكاء الاصطناعي
شغلت الصور المُولّدة عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي حيزاً من محتوى الوسوم، إذ وُظّفت في زيادة الزخم، وتوجيه الرسائل، والحشد العاطفي.
ظهرت هذه النوعية من الصور في حسابات إيرانية وباكستانية؛ بخاصة على هاشتاغات #انتقام_سخت، و#إسرائيل_مسخرة، و الحرب العالمية الثالثة، و#الجيش_السلماني_الإلكتروني.
أحد منتجي هذه الصورة كان سعيد بامرام BamaramSaeed@، الذي كتب تعليقاً على “إكس” بشأن صورته المتداولة، قائلاً: “سألت الذكاء الصناعي أن يحاكي هجوماً إسرائيلياً على أصفهان وهذا ما أعطاه لي”.
أنتج بامرام الصورة لتظهر مسيرة صغيرة الحجم تشير هويتها إلى إسرائيل، فيما تشاهدها بسخرية مجموعة من الأشخاص، ضمن حزمة مواد أرشيفية مأخوذة من شبكة الإنترنت استُخدمت للسخرية من الضربات الإسرائيلية الأخيرة على أصفهان.
في حين روجت حسابات صوراً منتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي مع تعليقات بالإنكليزية تقول إن سكان غزة يشعرون بالسعادة للمرة الأولى منذ ستة أشهر، في إسقاط على الضربات الإيرانية.
واحتوى وسم #مسرحية_حفظ_ماء_الوجه على نماذج مماثلة لرواية مغايرة لدعاية الضربات الإيرانية، تعتمد على نظرية المؤامرة. قدمت اللقطات غير الحقيقية محاكاة لاجتماعات ولقاءات تخيلية بين مسؤولي إيران وأميركا وإسرائيل.
اللقطات جاءت متّسقة مع رسالة المنشورات الأخرى المشككة في ضربات طهران، واحتوى وسم #مسرحية_حفظ_ماء_الوجه 39462 تدوينة؛ منها 25 ألف تدوينة مجهول مكان نشرها، فيما حلت السعودية في صدارة الدول الأكثر تدويناً على الهاشتاغ.
تكرر نشر اللقطات المُولّدة في حسابات مصرية وسعودية، بعضها على صلة بما يسمى بـ “الجيش السلماني الإلكتروني”، أحد أبرز التكتلات السعودية التي تطلق حملات إلكترونية تستهدف معارضين ودولاً ليست على وفاق مع المملكة. وسبق لمجتمع التحقق العربي أن كشف طبيعة دور الجيش السلماني الإلكتروني.
شبكة حسابات وهمية مصرية
بعد نحو أسبوع من الضربات الإيرانية، تعرضت قاعدة “كالسو” المشتركة بين الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي في شمال بابل، للقصف، وسط اتهامات لإسرائيل بتنفيذ القصف الصاروخي الذي أدى إلى مقتل عنصر واحد على الأقل من الحشد الشعبي وإصابة ثمانية آخرين.
بعد ساعات قليلة من الضربات، ظهر وسم #لا_للتصعيد_بالمنطقة بمشاركة 1348 حساباً نشرت 6722 تدوينة، منها 5300 تدوينة غير معروف مكان الحسابات التي نشرتها، وهو عدد التدوينات نفسه تقريباً، التي جاءت في صورة “ريتويت/ريبوست”، بما يوازي 83.3 في المئة من إجمالي التدوينات، وهو معدل قياسي يشير إلى وجود نشاط منسق، في حين بلغ عدد التدوينات الأصلية 578 تدوينة فقط.
روجّ الوسم لنظرية المؤامرة التي ترى الضربات ناتجة من مخطط إيراني – أميركي – إسرائيلي لتدمير العراق، في معرض التعليق على الضربات الأخيرة على معسكر كالسو.
قادت موجة التدوين على الوسم شبكة حسابات وهمية مصرية متقدمة، سبق انخراط بعضها في حملة ظهرت بعد تعليقات لحفيد الرئيس المصري السابق حسني مبارك على الوضع الاقتصادي في مصر في كانون الثاني/ يناير الماضي.
على سبيل المثال، حساب Agj_779@ الذي كان مشاركاً في الحملة ضد مبارك وحفيده، ظهر أيضاً في وسم “لا للتصعيد”.
وعلى رغم تصدّر السعودية قائمة الدول الأكثر تدويناً، تتبع الحسابات المُسجل مكانها بأنها في السعودية الشبكة الوهمية نفسها التي تركز على الأحداث المصرية. وتتعمد بعض الحسابات الوهمية إضافة مناطق جغرافية متنوعة في حساباتها، للإسراع بدفع الوسوم إلى قائمة “الترند”.
طبيعة التدوينات وأكثر الدول مشاركة في وسم #لا_للتصعيد_بالمنطقة – Meltwater
استخدمت الحسابات الوهمية صوراً أرشيفية من الإنترنت، قد يكون بعضها مسروقاً من أصحابها الحقيقيين. مثلاً، حساب bello2oO@، المُنشأ في نيسان 2023، ويقدم نفسه باسم “براء فتحي” التي تعيش في الإسماعيلية، اتضح أن صورته مسروقة من مؤثرة اجتماعية مصرية اسمها ابتهال محمد، التي تعيش في مدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية بدلتا مصر، حسبما أكدت عملية بحثنا عن صاحبة الصورة الحقيقية.