بالتزامن مع حربها الدائرة على الأرض في غزة، شنّت إسرائيل حملة متواصلة ضد الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). المفوض العام للأونروا حذّر مراراً من خطة إسرائيل الرامية إلى تفكيك عمل الوكالة القائمة منذ كانون الأول/ ديسمبر 1949، والمسؤولة عن تقديم خدمات صحّية وتعليمية للاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ودول عدة.
دعت الحملة التي قادتها وزارة الخارجية الإسرائيلية، إلى وقف تمويل الوكالة، لتأتي متّسقة مع تصريحات مسؤولي حكومة بنيامين نتانياهو حول رغبته في تفكيك الوكالة، وبالتزامن مع قصف مستمر على منشآت للأونروا، وصدور قرار محكمة العدل الدولية بفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل؛ لمنع انتهاك اتفاقية الإبادة الجماعية.
أوقفت دول غربية عدة مساعداتها للوكالة الإنسانية الرئيسية العاملة في غزة، نتيجة للحملة التي استندت إلى حملة إسرائيلية تتّهم موظفين بالأونروا بالمشاركة في هجمات حماس، وما ترافق معها من حملات موازية تهاجم الوكالة التابعة للأمم المتحدة.
كيف بدأت الحملة
في نهايات كانون الثاني/ يناير، أعلنت دول عدة؛ على رأسها الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وهولندا وأستراليا، وقف تمويل وكالة الأونروا، بعد مزاعم إسرائيلية بارتباط عدد من موظفي الوكالة بهجوم حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. المزاعم جاءت مصحوبة بحملة واسعة النطاق ضد الأونروا، انتشرت باستخدام عدد من الوسوم على موقع التواصل الاجتماعي “أكس” (تويتر سابقاً)، أبرزها:
#DefundUNRWA, #UNRWAisHamas, #DismantleUNRWA
أكثر هذه الوسوم من حيث التفاعل كان DefundUNRWA#، وتضمن 372 ألف تدوينة، شُوهدت نحو 46 مليون مرة، مع نطاق رؤية إضافي محتمل قوامه 36 مليون مرة مشاهدة. ولّدت التدوينات أكثر من مليون و555 ألف حالة تفاعل.
شكّلت التدوينات التي أعيد نشرها (ريتويت/ريبوست) الهامش الأكبر من محتوى الوسم بنسبة نحو 57 في المئة، أي نحو 212 ألف تدوينة من إجمالي المنشورات، بينما كانت نسبة 1.3 في المئة فقط لصالح التدوينات الأصلية الصادرة مباشرة من الحسابات؛ بما يساوي 4.7 ألف تدوينة.
ظهر الوسم للمرة الأولى في نهايات تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لكنه قفز إلى ذروة انتشاره في فترات زمنية مختلفة على مدار الأشهر الثلاثة الأخيرة.
أوقات نشاط وسم DefundUNRWA# وطبيعة التفاعلات عليه – Meltwater
مُروّجون للأخبار المُضلّلة بين الأكثر تأثيراً
شاركت في تنشيط الوسم الداعي إلى وقف تمويل الأونروا، 111 ألفاً و901 حساب، إلا أن 100 حساب -على الأقل- لعبت دوراً بارزاً في رواج الهاشتاغ، مستفيدة من عدد متابعيها الهائل المقدّر بعشرات الآلاف على الأقل.
ساهم حساب @visegrad24، الذي يتابعه أكثر من 900 ألف حساب عبر منصة “إكس”، في زيادة انتشار الوسم المضاد للأونروا. عُرف الحساب بنشره معلومات مضللة منذ إنشائه في عام 2020، واعتاد نشر محتوى مضلل ومشحون عاطفياً خلال الحرب بين إسرائيل وحماس.
ظهر حساب Visegrád 24 على يد مجموعة يمينية في بولندا، واكتسب المزيد من الشعبية مع الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وأشارت تقارير -غير رسمية- إلى أنه يحظى بدعم الحكومة البولندية.
كما ساعد المؤثر الإسرائيلي حنانيا نفتالي، الذي يتابعه 400 ألف متابع، في تضخيم التفاعل على الوسم، زاعماً انتماء موظفي الأمم المتحدة لحركة حماس. ينشط نفاتلي في نشر الرواية الإسرائيلية الرسمية والترويج لها في مختلف وقائع الحرب.
في 17 تشرين الأول، عندما استُهدف مستشفى الأهلي المعمداني الذي راح ضحيته المئات، قال نفتالي إن القوات الجوية الإسرائيلية قصفت أهدافاً لحماس داخل المستشفى، وإن عدداً من “الإرهابيين قُتلوا”، إلا إنه سرعان ما حذف تدوينته، بعدما أعلنت إسرائيل رواية أخرى تقول إن صاروخاً أطلقته حركة الجهاد أصاب المستشفى بالخطأ، ما أدى الى وقوع الحادثة، وهي مزاعم لم تثبت صحّتها، وفق تحقيق للنيويورك تايمز وتحقيقات صحافية أخرى.
تحريض وسخرية ومحتوى متكرّر
حمل الوسم نبرة سخرية من الأونروا وتحريض عليها، واستخدمت الحسابات المشاركة في الوسم رسوماً ساخرة وميمز (Memes) تروّج لمعلومات مضلّلة عن كيفية تعيين سكان غزة في الوكالة الأممية.
وساهم المحتوى المكرّر في تضخيم التفاعل على الوسم، والدفع بالرواية الإسرائيلية المضادة لوكالة الأونروا إلى مساحات انتشار أكبر عبر الشبكات الاجتماعية.
تكرر نشر عبارات نصية تصف المنظمة بأنها “إرهابية جهادية”، وأنها “أداة للقتل”، وتتّهمها بـ”إشعال النزاع”.
في إحدى الصور المُكرّر نشرها على الوسم، ظهرت بنادق وأسلحة منسوبة إلى مقاتلي حماس، وفي جانب منها ظهرت صدرية واقية من الرصاص زرقاء اللون وتحمل اسم الأمم المتحدة. جاءت اللقطة المنشورة مصحوبة بتعليق ثابت يزعم مشاركة 12 من موظفي الأونروا في هجوم حماس على غلاف غزة في 7 تشرين الأول.
اللافت بالنسبة إلينا، أن الواقي من الرصاص كان شديد النظافة ويبدو جديداً، ولم يتم ارتداؤه سابقاً، بينما كانت بجانبه حقيبة سوداء متّسخة بالتراب، ما قد يشير إلى أن الواقي أُضيف إلى بقية عناصر الصورة.
واستدعت حسابات أخرى لغة الابتزاز وممارسة الضغط على مموّلي الوكالة؛ مثل حساب ساخر يحمل اسم الموساد TheMossadIL@ الذي واصل نشر قوائم مستمرة للدول التي علّقت تمويلها للأونروا وتلك الرافضة لذلك، مع تعليقات تهاجم الأخيرة.
كان الحساب من بين أبرز الحسابات التي قامت بعملية حشد وتعبئة للحفاظ على بقاء الوسم في قائمة الموضوعات الأكثر تداولاً على “إكس”.
الخارجيّة الإسرائيليّة تقود الهجوم
وصل وسم DefundUNRWA# إلى حالة الذروة مرات عدة، إحداها تزامنت مع صدور حكم محكمة العدل الدولية بحق إسرائيل في 26 كانون الثاني، تلاه سريعاً إعلان دول غربية تعليق تمويل الأونروا.
آنذاك، أعلنت الأونروا إنهاء عقود عدد من موظّفيها تتّهمهم إسرائيل بالمشاركة في هجوم حماس.
في هذه الأثناء، كانت ماكينة الحشد الإسرائيلية الرسمية تعمل بكامل طاقتها في الفضاء الافتراضي؛ لتشويه سمعة الوكالة. وقادت وزارة الخارجية الهجوم مُستخدمة الوسم الداعي الى وقف تمويل الأونروا، مع الخطاب نفسه الذي روّجت له حسابات الحملة.
وظهرت حسابات خارجية @IsraelMFA, @IsraelinSpanish, @Israel وسفراء وسفارات إسرائيل، لا سيما في الهند ودول أميركا اللاتينية، في قائمة الجهات الأكثر اجتذاباً للتفاعل عبر الوسم.
في تصريحات بالأمم المتحدة في نيويورك مطلع آذار/ مارس، قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، إن هناك حملة متعمّدة ومنسّقة ضد الأونروا، مبنيّة على أخبار مضلّلة لتقويض عمليات الوكالة وإنهائها، مؤكداً: “لم أرَ أي أدلة جوهرية على الادعاءات”.
في تقرير صادر في شباط/ فبراير الماضي، قالت الأونروا إن موظفيها تعرضوا للتهديد والإكراه والضغوط من جانب السلطات الإسرائيلية في أثناء احتجازهم؛ ليدلوا بأقوال كاذبة بوجود صلات بين الوكالة وحماس، والزعم أن بعضهم شارك في هجمات الحركة.
وظهرت الموجة الأخيرة من الحملة بعد يوم من الضجة التي أثارها تعرض مركز تدريب الأونروا في منطقة المواصي في خان يونس، لقصف إسرائيلي راح ضحيته 13 شخصاً على الأقل، في 25 كانون الثاني.
وقال لازاريني، في تصريحات أخرى، إن إسرائيل تعمل على تشويه سمعة الوكالة بالتزامن مع تدمير منشآت الوكالة في غزة، التي يقيم فيها قرابة 1.4 مليون نازح.
حتى شباط، تعرضت 155 منشأة تابعة للأونروا لأضرار بالغة جراء القصف الإسرائيلي -حسب الوكالة- إلى جانب مقتل 158 من موظّفي المنظّمة.
ويعمل لدى الأونروا أكثر من 30 ألف موظف، معظمهم لاجئون فلسطينيون. وهناك أكثر من 13 ألف موظف للوكالة في قطاع غزة.