حاولت الحملة تشويه سمعة الطالبة بالترويج لمعلومات مضلّلة، لكن أدى إعلان النيابة العامة عزمها التحقيق في نشر أخبار كاذبة حول الواقعة، إلى حجب الحسابات المشاركة في الحملة، فيما اختفى البعض الآخر.
كانت نيرة الزغبي (19 عاماً)، طالبة في كلية الطب البيطري بجامعة العريش، وتعيش أسرتها في محافظة الدقهلية بدلتا مصر. وفي نهاية شباط/ فبراير الماضي، لفظت الفتاة أنفاسها الأخيرة في مستشفى العريش الذي نقلت إليه وهي في حالة إعياء شديد. أشعلت أنباء وفاتها الرأي العام، الذي دار حول طبيعة الوفاة التي أعلنت النيابة العامة التحقيق فيها.
رفضت أسرة نيرة مزاعم انتحارها بـ”حبة غلة سامة”، وطلبت تشريح جثّتها. وقال محامي الأسرة إنها تعرضت “للتسمم”، بيد أن بيان النيابة العامة تضمّن أنها اشترت بالفعل “3 حبات غلة”، لكنه لم يوضح ما إذا كانت تناولتها، لا سيما مع عدم إعلان نتائج تقرير الطب الشرعي بعد.
صباح 28 شباط، ظهر وسم #حق_طالبة_العريش في قائمة الموضوعات الأكثر رواجاً، ترافقه لقطات من مراسلات في إحدى المجموعات الطلابية على واتسآب. احتوت هذه المراسلات على ما يمكن وصفه بابتزاز وتهديدات صادرة من فتاة وشاب ومواعيد مقترحة للتصويت عليها لنشر صور خاصة بالطالبة.
لاحقاً، أمرت النيابة بحبس طالبة – والدها ضابط بالشرطة أوقفته وزارة الداخلية عن العمل مؤقتاً – وطالب آخر على صلة بها، ووجهت إليهما تهمة “التهديد بإفشاء أمور تتعلق بالحياة الخاصة للمجني عليها (جناية)، والاعتداء على حرمة الحياة الخاصة بالمجني عليها (جنحة)”. وقالت النيابة إن نيرة تعرضت إلى “ضغوط نفسية” قبل وفاتها.
في الأثناء، ظهر وسم #زملاء_نيرة_يكشفون_حقيقتها، الذي احتوى في بداية ظهوره على 600 تدوينة على الأقل، شُوهدت 116 ألف مرة على الأقل حتى السابعة من صباح يوم 3 آذار/ مارس. وجاءت 52.1 في المئة من التدوينات في صورة ريتويت أو ريبوست، وفقاً لـ Meltwater الرائدة في تحليل نشاط الشبكات الاجتماعية.
مشهد وطبيعة التفاعلات على وسم #زملاء_نيرة_يكشفون_حقيقتها – Meltwater
منشور غامض.. ماذا يقول محتوى الحملة؟
تتبع حملات التصيد والتشويه نسقاً متشابهاً، أبرزه الاستناد إلى لقطات شاشة (سكرين شوت) لمنشورات من حسابات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو الاستعانة بلقطة لخبر منشور في موقع إلكتروني عن الشخصية أو الجهة موضع الهجوم – قد يكون الموقع جزءاً من الحملة إذا كانت على نطاق واسع.
يكون الهدف عادةً، التظاهر بوجود رأي آخر يحظى بانتشار وقبول أو إضفاء مصداقية على المحتوى المنشور، وإحداث حالة من التشويش على الرواية السائدة.
ظهر النسق الأول خلال حملة التشويه ضد نيرة، باستخدام حسابات مشاركة في الحملة للقطة واحدة من منشور غامض، يبدو أنه قد نُشر بشكل مؤقت من حساب على “فيسبوك”، الى حين الحصول على اللقطة المُهندسة، قبل حذفه أو إخفائه. لا تُظهر اللقطة اسم صاحب المنشور، لكن رسالته عبرت من “فيسبوك” إلى منصة “إكس”، وضُخِّمت، وبُنيت حملة التشويه المضادة عليها.
احتوى المنشور على معلومات مضللة عن الطالبة، وروّج إلى أنها “انتحرت”، وزعم أن هناك محادثات دارت في ما بينها وبين عامل دليفري، وأن السلطات اعتقلت العامل، فيما لم تعلن أي من السلطات القبض على عامل دليفري والتحقيق معه ضمن القضية. كما نفت أسرة نيرة وجود محادثات مع هذا الشخص.
بعد رواج وسم الحملة المضادة، أصدرت النيابة بياناً عن فتح التحقيق في “وقائع نشر أخبارٍ كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلقاء الرعب بين الناس”. بعد البيان، اختفى محتوى الحسابات المشاركة في الحملة سريعاً من على وسم #زملاء_نيرة_يكشفون_حقيقتها، لكننا تمكنا من الحصول على نسخ تمت أرشفتها على Meltwater من التدوينات، وتحديد أكثرها حصولاً على التفاعل.
عبر محاولة محاكاة الأشخاص الحقيقيين، انخرطت حسابات في الدفاع عن زميلة نيرة في السكن الجامعي المتّهمة في القضية. تقول المنشورات: “الموضوع طلع مالوش علاقة بصاحبتها”، “عايزين الناس تقول الحقيقة يا جماعة عشان النيابة تظهرهالنا”، “نيرة انتحرت علشان… صحبها وملوش دعوة بصحبتها”، “الكل يشارك يا جماعة علشان نوصل الحقيقة للنيابة ونرفع الظلم والحقيقة تظهر”، “لازم يا جماعة زمايلها في الجامعة يقولوا الحقيقة”، “يا ريت الطلبة بتوع جامعة العريش اللي يعرفوا الحقيقة يتكلموا كفاية ظلم”.
رصيد من حملات التصيّد
وثّق Arabi Facts Hub وجود 100 حساب وهمي على الأقل شاركت في الساعات الأولى من ظهور وسم #زملاء_نيرة_يكشفون_حقيقتها على “إكس”. ونحتفظ بقاعدة بيانات بمعرفات والهاندل الخاصة بهذه الحسابات.
أُنشئت الحسابات في أعوام 2021 و2022، و2023، وبعضها حديث الإنشاء في كانون الثاني/ يناير الماضي. وتضع الحسابات صوراً لأشخاص من شبكة الإنترنت.
تظهر الطوابع الزمنية لنشاط الحسابات على الوسم تقارباً لافتاً في توقيت نشر التدوينات، وهو ما يعتبر مؤشراً قوياً إلى وجود ماكينة أو نظام آلي يدير الحسابات ويجدولها ويغذيها بالرسائل.
قائمة قصيرة للحسابات الوهمية المشاركة في حملة تشويه طالبة العريش – Meltwater
مع صدور بيان النيابة بالسماح بتشريح جثة الطالبة، وصدور بيانات لاحقة تُحذر من “نشر أخبار كاذبة” حول الواقعة، وأنها تعتزم التحقيق في ذلك، حجبت الحسابات محتواها عن رؤية الجمهور العام، ما أدى إلى اختفاء محتوى الوسم. كما اختفت بعض الحسابات.
وجدنا أثناء محاولة التنقيب عن نشاطات هذه الحسابات، أنها سبق أن شاركت في حملات إلكترونية دعائية لصالح الرئيس السيسي، وتهاجم منتقدي الحكومة، فضلًا عن تركيزها اللافت على الدعاية للشرطة المصرية، وانتقاد ثورة 25 يناير لعام 2011. ومن بين الوسوم التي شاركت فيها: “#معاك_يا_سيسي، #كلنا_الشرطة_المصرية، #الشرطة_المصرية_بر_الامان”.
شاركت بعض الحسابات في حملات سبق لـ Arabi Facts Hub أن حقّق في نشاطها؛ مثل حملة #حسام_بدراوي_تاجر_الأعضاء، التي أُطلقت لمهاجمة السياسي حسام بدراوي، بعد حوار أجراه في صيف 2023، تضمّن انتقادات للنظام، ودعا خلاله إلى عدم ترشح السيسي في الانتخابات الرئاسية.
كما شاركت هذه الحسابات في الحملة المطلقة عبر وسم #جزيرة_الوراق_ضد_الإخوان، الذي ظهر حين اندلاع اشتباكات بين قوات الأمن وأهالي جزيرة الوراق، التي تريد الحكومة إخلاءها من سكانها لتنفيذ مشروعات عليها. وعلى الوتيرة ذاتها، حملة #بلطجه_باسم_القانون، التي ظهرت لمهاجمة المحامين في كانون الأول/ ديسمبر 2022، بعد احتجاجهم على منظومة الفاتورة الإلكترونية.
آنذاك، قاد الحملة ضد المحامين حساب كان ينشر محتوى جنسياً، وبعدما كشفنا نشاطه حذف الصور والمقاطع الجنسية، وعدّل اسمه ليصبح “ندى صالح – Nada96saleh@”، مستخدماً صورة فتاة محجبة مأخوذة من الإنترنت، بدلًا من اسم الحساب القديم “بسنت البسبوسة – albsbwsh@” الذي استخدم صورة فتاة لاتينية.
وظهر حساب “ندى صالح” المريب مرة أخرى في وسم الحملة المضادة لطالبة العريش، والوسم المطالب بتحقيق العدالة لها، لكن في صورة تدوينات غامضة تنتقد “عبيد الترند” و”الناس اللي بتحاول تركب الترند بالكذب والتدليس”.
كما برز حساب eldarddery@ الذي حجب محتواه هو الآخر، في الحملة ضد نيرة. والحساب معروف بنشاطه الكثيف في حملات التصيد، والتحرش الإلكتروني بوسائل الإعلام والصحافيين والمحامين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان.