مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

حملة إسرائيليّة منظّمة تستهدف صحافيَّي الجزيرة في غزة بعد استهدافهما بطائرة مسيّرة

حملة إسرائيليّة منظّمة تستهدف صحافيَّي الجزيرة في غزة بعد استهدافهما بطائرة مسيّرة

حملة إسرائيليّة منظّمة تستهدف صحافيَّي الجزيرة في غزة بعد استهدافهما بطائرة مسيّرة

فقد مراسل الجزيرة إسماعيل أبو عمر، ساقه بعد إصابته ومصور الشبكة أحمد مطر بصاروخ أطلقته طائرة من دون طيار إسرائيلية عندما كانا ينهيان مهمة “تغطية استهداف عدد من النازحين بالقصف في منطقة ميراج شمال مدينة رفح، جنوب قطاع غزة”.


انتشرت بعد الضربة التي استهدفت اسماعيل أبو عمر وأحمد مطر، تدوينات ذات نسق منظم، لتصف “أبو عمر” بأنه “إرهابي” يتبع حركة حماس، مصحوباً بحملة من وزارة الخارجية والجيش الإسرائيليين روجت لمزاعم مضادة، وتصف صحافي الجزيرة بأنه “إرهابي”. شاركت في الحملة حسابات متورطة في تضخيم الرواية الإسرائيلية لتطورات الحرب في غزة، والمشاركة في حملات المعلومات المضللة. كما كانت حملات ضغط على وسائل إعلام بسبب تغطيتها الحرب في غزة.

حتى منتصف شباط/ فبراير، قٌتل 77 صحافياً وإعلامياً في غزة – من أصل 99 قُتلوا حول العالم في عام 2023 – منذ أن شنت إسرائيل حملتها العسكرية على القطاع في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، حسب حصيلة سنوية نشرتها لجنة حماية الصحافيين.


رواية إسرائيليّة مضادة


كان إسماعيل أبو عمر وأحمد مطر بين آخر الصحافيين الذين طاولتهم ضربات إسرائيلية مباشرة. وأمام تناقل مقاطع فيديو وسرد من الجزيرة للمسيرة المهنية للاثنين، وتفاصيل ما حدث لهما إبان الهجوم، بدأت حسابات إسرائيلية سريعاً في نشر رواية مضادة لتشويه مراسل ومصور الشبكة، وتبرير “الاستهداف المباشر” في “منطقة آمنة” حدّدتها إسرائيل سابقاً، وتعرض فيها نازحون لهجمات مماثلة بطائرات مسيرة في يوم الهجوم نفسه. 

قبيل إصابته في الهجوم، رصد إسماعيل طائرة مسيرة تحلّق في الأجواء، بحسب مقطع فيديو بثته الجزيرة. لاحقاً، أصبحت “حالته حرجة جداً”، بعد خضوعه لثلاث عمليات جراحية، وفقاً للدكتور محمد الفار رئيس الوفد الطبي الأميركي إلى غزة، ما أثار دعوات لتسهيل خروجه من غزة لتلقي العلاج في الخارج.

تضخيم وتحرّش إلكتروني وترويج للدعاية الإسرائيليّة 


حظي الهجوم على صحافيي الجزيرة باهتمام واسع النطاق، فيما ورد ذكر اسم إسماعيل أبو عمر نحو 40 ألف مرة – حتى 19 شباط – على الشبكات الاجتماعية، لا سيما مواقع إكس (تويتر سابقاً) وريديت وبنترست. ولّدت التدوينات أكثر من 305 آلاف حالة تفاعل على تويتر بمتوسط يومي قوامه 21800 ألف حالة تفاعل. 

إلى جانب مواقع أخبار (1400 قصة إخبارية) ومدونات ومنتديات على شبكة الإنترنت، حسب إحصاءات Meltwater الرائدة في تحليل مواقع التواصل الاجتماعي. 

وكان معدل إعادة نشر التدوينات في موقع إكس وحده (الريتويت) نحو 91.7 في المئة، وهو مؤشر مرتفع للغاية يؤكد وجود نشاط منسق غير طبيعي، مع تلاعب بسياسات استخدام موقع إكس. بينما كان عدد التدوينات الأصيلة 721 تدوينة فقط.


في موقع إكس وحده، كان هناك أكثر من 38600 ألف تدوينة ناطقة بلغات مختلفة، غالبيتها بالإنكليزية. وصدرت من أكثر من 30 ألف حساب، تمت مشاهدتها 6 ملايين و600 ألف مرة على الأقل. وكانت التدوينات في نطاق رؤية محتمل نحو 95 مليون مرة.

من بين عشرات الآلاف من التدوينات في موقع إكس، نشرت 3300 ألف حساب 3800 ألف تدوينة على الأقل على كلمة Terrorist أو إرهابي بالإنكليزية، التي جاءت مقرونة باسم إسماعيل. أكثر من ألفي تدوينة منها كانت صادرة من حسابات غير معروف موقعها الجغرافي.

كان هناك فيديو ظهر خلاله إسماعيل في السابع تشرين الأول/ أكتوبر، تزامناً مع اجتياز مقاتلي حركة حماس حدود غزة. آنذاك، كان إسماعيل يقدم تغطية للوضع على الأرض عبر حساباته على الشبكات الاجتماعية. 

وبعد الهجوم على إسماعيل ومطر، أعادت حسابات إسرائيلية استخدام الفيديو وكرّرت نشره بزعم أنه “إرهابي”، وأنه كان مشاركاً في هجمات حماس.   

وتظهر سحابة كلامية للتعليقات السلبية الواردة في هذه التدوينات، تكرار تداول كلمات فيها، مثل: “الإرهابيون الفلسطينيون، أكاذيب، لسان حال حماس، دعاية حماس، سترة (واقية) إرهابية، مذبحة حماس”.


كان بين الحسابات المروِّجة لهذه النوعية من الحسابات، جنود سابقون بالجيش الإسرائيلي وحسابات تحمل علامة التوثيق الزرقاء في موقع إكس، وأخرى يظهر نشاطها أنها تعمل في ماكينة ترويج وتضخيم الرواية الإسرائيلية عن الحرب في غزة. توافقت هذه الحسابات على تكرار نشر الدعاية الإسرائيلية، متضمنة منشورات كثيرة نُشرت على نطاق واسع منذ اندلاع الحرب، وتبين في نهاية الأمر أنها مضلِّلة.

تركزت غالبية نشاط الحسابات، التي يتابعها العشرات فقط وبعضها حديث النشأة، على “الريتويت” خلال الانخراط في حملات تشويه وتحرش إلكتروني طالت صحافيين فلسطينيين، إضافة إلى الأمم المتحدة ووكالتها للإغاثة في غزة (الأونروا) ومشرعين بريطانيين مناصرين للقضية الفلسطينية. إلى جانب استخدام مشاهد انتهاكات الجيش الإسرائيلي، في السخرية من الوقائع المأسوية في غزة، ووصفها بأنها Pallywood.


مع تصاعد نبرة الإدانة والانتقادات بعد استهداف صحافيي الجزيرة، ظهرت حملة رسمية للجيش ووزارة الخارجية الإسرائيليين عبر الشبكات الاجتماعية، تدفع بالمزاعم نفسها، واتهام إسماعيل بأنه “إرهابي”، وأنه “شغل وظيفة نائب قائد سرية تابعة لكتيبة خان يونس الشرقية لدى منظمة حماس الإرهابية. بل وصوّر أبو عمر نفسه وهو يشارك في المجزرة الدموية في نير عوز في 7/10، ونشر ذلك على شبكات التواصل الاجتماعي”. وهي مزاعم غير صحيحة ولا تدعمها أدلة.

إلى جانب ممارسة بعض موظفي وزارة الخارجية الإسرائيلية ضغوطاً على وسائل الإعلام العالمية التي كتبت عن تعرض إسماعيل للهجوم، مثل ما فعلته إيلنا لنك، المتحدثة ورئيسة الدبلوماسية العامة في الوزارة، عندما انتقدت تغطية صحيفة “سيدني مورنينغ هيرالد” الأسترالية، ووصفت إسماعيل أبو عمر بأنه “هدف عسكري”.

رافق ذلك هجوم من منظمة Honest Reporting على”الجزيرة” التي وصفتها بأنها ناطقة باسم حركة حماس، وشبهت مراسليها في قطاع غزة بـ”خنزير لا يمكنك وضع أحمر شفاه عليه”، في معرض محاولتها الترويج لـ”أنهم إرهابيون”.  اعتادت هذه المنظمة مراقبة أداء وسائل الإعلام حول العالم وتمارس الضغوط عليها وتلاحقها قضائياً إذا اعتبرت أن تغطيتها منحازة ضد إسرائيل.