مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

حسابات ميليشيات عراقية: “الأردن سيدفع الثمن”

حسابات ميليشيات عراقية: “الأردن سيدفع الثمن”

حملة مُنسقة قادتها حسابات داعمة للحشد الشعبي والمليشيات العراقية حملت العديد من الرسائل الموجهة إلى الأردن والولايات المتحدة، تحت هاشتاج “الأردن سيدفع الثمن”.

 

هاجمت في مساء 28 يناير/كانون الثاني طائرة مسيرة قاعدة أمريكية تقع عند التقاء حدود الأردن مع سوريا والعراق شمالي شرق المملكة، تعرف باسم (البرج 22)، أدت إلى مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة العشرات. 

بعد نحو أسبوع، اتهمت الولايات المتحدة “المقاومة الإسلامية في العراق”، التي تنضوي تحتها مليشيات مثل كتائب حزب الله، بالوقوف وراء الهجوم. ونفذت واشنطن ضربات عكسية لاحقة ممتدة على مدار أيام ضد مواقع في العراق وسوريا.  

بعد ساعات من الرد الأمريكي، قفز وسم #الأردن_سيدفع_الثمن إلى تايم لاين منصة إكس (تويتر سابقًا)، حاصدًا 10 آلاف و929 تدوينة عبر منصة إكس (تويتر سابقًا)، شُوهدت أكثر من مليون و44 ألف مرة، مع نطاق رؤية محتمل يزيد عن 3.5 مليون مرة إضافية، حسب إحصاءات Meltwater الرائدة في تحليل محتوى الشبكات الاجتماعية.

بلغ الوسم قمة ذروته في يومي 3 و4 فبراير/شباط، مدفوعة بآلاف التدوينات المتزامنة، منها نسبة 57.3% (6.2 ألف تدوينة) كانت مُعاد نشرها (ريتويت/ ريبوست)، وهو أحد المؤشرات على وجود نشاط منسق.  

المحرضون هم الأكثر حصولا على التفاعل

لعبتْ عشرات الحسابات دوراً هاماً في رواج الهاشتاج وانتشاره عبر منصة إكس، وجمعت في الوقت نفسه أعلى التفاعلات مع تدويناتها. يعبر العديد من الحسابات البارزة على وسم #الأردن_سيدفع_الثمن عن أفكار مؤيدة لقوات الحشد الشعبي العراقي والمليشيات المدعومة من إيران، إضافة إلى حسابات يمنية حوثية.

أبرز هذه الحسابات، ذاك التابع ، لزهير القاسم، الذي يسمي نفسه إعلامي مستقل، في حين أنه ضيف على منصات إعلام الحشد الشعبي، وسبق أن أقام شكوى قضائية ضد رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي بتهمة التواطؤ في اقتحام مجلس النواب من قبل مؤيدي التيار الصدري في صيف 2022.

كتب القاسم عبر حسابه (@pres_iq) على الهاشتاج: “الأردن التي تعيش على خيرات العراق تتنصل عن مسؤوليتها ومشاركتها في القصف الأمريكي على العراق وذلك بعد علو صوت الشرفاء بمقاطعة الأردن، لكن ليعلم (كلمة مسيئة)… الأردني بأنه سيدفع ثمن حماقته وأن #الاردن_ستدفع_الثمن عاجلاً أم آجلاً”. 

أشاد القاسم بتحرك النائب البرلماني، مصطفى جبار سند، لجمع توقيعات برلمانية من أجل صدور قرار بـ”ايقاف بيع النفط الخام المدعوم بدل السعر التجاري الساند الى الأردن نتيجة مشاركتها في الاعتداءات الأخيرة ضد العراق”. إذ يشتري الأردن النفط العراقي بأسعار أقل من السوق العالمية بنحو 16 دولاراً للبرميل. وارتفع المعدل من 10 آلاف إلى 15 ألف برميل نفط خام بداية من أغسطس/ آب 2023.

شارك في الوسم الشاعر أحمد عبد السادة المثير للجدل (@ahmadabdulsada)، الذي تقول مواقع إخبارية عراقية إنه حرض على قتل المفكر هشام الهاشمي قبل اغتياله في يوليو/ تموز 2020، ونقل تهديدات ائتلاف الفتح المرتبط بالحشد الشعبي بقصف الإمارات بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية اعتراضًا على نتائج الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وقال السادة: “بمشاركتها في العدوان على العراق وسوريا، ورطت الأردن نفسها في مواجهة أكبر من حجمها، ولهذا عليها تحمل النتائج، وحينها لن تنفعها أمريكا”.

شبكة حسابات وهمية

بلغ العدد الإجمالي للحسابات المشاركة في التدوين على الهاشتاج 3580 حسابًا، فيما كان الموقع الجغرافي مجهولا لأكثر من 8.4 ألف تدوينة (من أصل 10.9 ألف تدوينة)، دون معرفة من أي مكان صدرت. وهو ما يحمل معه مؤشرًا على محاولة للتلاعب بسياسات منصة تويتر.

للمساعدة في تضخيم الوسم بطريقة غير تلقائية، استعان من أطلقوه بشبكة من الحسابات الوهمية تتبع الطريقة الكلاسيكية لترويج رسائل الهاشتاج، عن طريق تدوينات متسقة المحتوى – بما في ذلك نفس الأخطاء الإملائية – وجاهزة للنشر في توقيت زمني متقارب. 

في الصورتين أدناه، يمكن ملاحظة تكرار عبارتي “الرد سيكون مزلزل وقاسي جدًا”، و”دماء الشهداء ستكون نهاية كاملة لتواجد أمريكا في العراق والمنطقة…”.

يوضح نشاط الحسابات الجهة المحتملة وراء إطلاق الوسم، واحتوت بعض التدوينات على كلمة “حشداوي”، مع عبارات تشيد بالحشد الشعبي، وتكرار نشر صور قائدها فالح الفياض.

إلى جانب رسائل أخرى موجهة إلى الأردن والولايات المتحدة، تقول تدوينات مكررة إن “الأردن التي كانت تقدم الموآى (المأوى) الامن للبعثيين والارهابيين اليوم هي تشارك في قصف العراق، هم (الأردن) يتخذون النفط مجاني من عدنه وهم يدزون طيارات تقصفنه، لقد ذاقو بأسنا وشاهدو ضراوة نارنا وسوف يشهدون انتقامنا، سنرد الصاع صاعين وهذا وعد منا”.

لُوحظ احتواء تدوينات لحروف وأرقام، ربما تكون عبارة عن كود يعطيها تصنيفاً أو ترتيباً ما في النشر أو مجرد حيلة للإفلات من اكتشاف المنصة، وهي ممارسة شائعة للحسابات الوهمية النشطة في وقت المعارك السياسية أو التسويق الرقمي “الرخيص” للمنتجات في المنطقة، لا سيما في العراق ومصر والسعودية.

حسابات الحملة الوهمية، المُنشأ غالبيتها في عامي 2022 و2023، نشطت في حملات سابقة داعمة للمجموعات شبه العسكرية المدعومة من إيران في الشرق الأوسط ومهاجمة مصطفى الكاظمي والتيار الصدري، وأخرى ضد الوجود الأمريكي بالبلاد، أحدثها وسم #لا_مهادنة_مع_القاتل، الذي ضخت فيه 9 آلاف تدوينة على الأقل، ردًا على اغتيال قيادي “كتائب حزب الله” في العراق وسام الساعدي في ضربة أمريكية، في 7 فبراير/ شباط.  

على هامش الوسم، حاولت حسابات دعائية روسية ناطقة بالعربية، مثل حساب “الإعلامية الروسية”، استخدام الوسمين للاستفادة من رواجهما.  كما برز اسم حساب “ميدان منصة الإعلام المقاوم” – @group_meydan1 – الذي لديه أيضاً قناة على تلغرام، حدد أهدافها في “إطلاق ودعم هاشتاكات جميع الفرق المقاومة”.   

يكشف التحليل عن حملة منسقة تقودها حسابات اعتادت الترويج الدعائي لخطاب الحشد الشعبي والمليشيات العراقية المدعومة من إيران، الذي حمل  العديد من الرسائل الموجهة إلى الأردن والولايات المتحدة. روّج هاشتاج “الأردن سيدفع الثمن” لمزاعم مشاركة الأردن في الضربات الأمريكية بالعراق، وهو ما دفع الجيش الأردني في نهاية الأمر لإصدار بيان رسمي لنفي هذه الرواية.

تورطت شبكة حسابات وهمية في حملات منظمة سابقة ضمن الماكينة الدعائية للمجموعات الموالية لإيران، فهناك مؤشرات على التلاعب بسياسات منصة إكس، سواء من حيث صدور غالبية التدوينات من حسابات غير معروف موقعها الجغرافي أو ارتفاع معدلات “الريتويت”.