مجتمع التحقق العربي هو منظمة بحثية غير ربحية معنية بدراسة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة باللغة العربية على الانترنت، وتقديم الحلول الرائدة والمبتكرة لرصدها

إرشادات لتدقيق المحتوى المحرض ضد اللاجئين

إرشادات لتدقيق المحتوى المحرض ضد اللاجئين

يبلغ عدد اللاجئين في العالم أكثر من 43 مليوناً، يصنفون على أنهم فئات هشة؛ لما يتعرضون له من حملات تحريض وخطاب كراهية يتخلله معلومات مضللة، في ظلّ صعود تيارات متطرفة، والجنوح إلى النزعات القومية.  

ويسّرت الأدوات الرقمية إنشاء المحتوى المضلل الذي يستهدف اللاجئين والمهاجرين، وعقدت -في الوقت نفسه- من عملية الكشف عنه. يضاف إلى ذلك، ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي من فضاءات إلكترونية، من شأنها أن تُستغل لشن حملات منسقة وخفية ضد اللاجئين. 

وتشكل الأقليات ثلاثة أرباع ضحايا خطاب الكراهية عبر الإنترنت، في العديد من البلدان. كما أنّ النساء المنتميات إلى هذه الفئات مستهدفات بشكل أكثر، بحسب التقرير الصادر عن المنتدى الثالث عشر لقضايا الأقليات. 

في هذا المقال، نستعرض منهجية كشف المعلومات المضللة التي تستهدف اللاجئين، وأبرز الأدوات المستخدمة في التحقق، ونقدم -من واقع خبرتنا في تحليل الحملات التحريضية ضد اللاجئين- نصائح لمدققي المعلومات عند الشروع في تحليل الحملات الإلكترونية الموجهة ضد اللاجئين. 

خطاب الكراهية ضد اللاجئين والمهاجرين 

أولاً، يجب على المدققين الإلمام بالمصطلحات؛ فليس كل إساءة موجهة ضد فرد أو جماعة تصنف على أنها خطاب كراهية؛ إذ يجب أن يرتكز الخطاب المزدري على أساس الهوية؛ فالأمم المتحدة تعرف خطاب الكراهية بأنه أي نوع من التواصل -الشفهي أو الكتابي أو السلوكي- الذي يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية إزاء شخص أو مجموعة على أساس الهوية أو على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية؛ مما يهدد السلم الاجتماعي. 

كما يختلف تعريف المهاجر أو الوافد عن اللاجئ، فبينما خرج الأخير من بلاده قسراً، توجه المهاجرون إلى العيش في بلد آخر طواعية. ويؤدي الخلط بين "اللاجئ" و"المهاجر" إلى انتشار معلومات خاطئة تستند إلى تضخيم أعدادهم، ما يؤجج من خطاب الكراهية ضدهم، خصوصًا في ظل تدهور الاقتصاد في الدول المستضيفة. وسبق أن فندت منصة "متصدقش" في تقرير لها، تصريحات تدعي أن أعداد اللاجئين تصل إلى تسعة ملايين في مصر، موضحة أن هذا هو عدد المهاجرين، في حين تبلغ أعداد اللاجئين في مصر نحو 575 ألف شخص. 

ثانياً، يلعب "حجم الوحش" دوراً أساسياً في مختلف الأشكال الصحفية. ويطلق هذا المصطلح على مدى انتشار المشكلة وتفشيها، وبالتالي عدد المتأثرين بها. هنا يجب على المدقق أن يرصد إذا ما كان الخطاب التحريضي يقتصر على منشور واحد لا يحدث صدى واسعاً بين الجمهور، أم تُشن حملة مُنسقة ومنتشرة على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام التقليدية تستهدف اللاجئين؛ وهو ما يطلق عليه حملات "الذباب الإلكتروني" أو البوتات، وغيرها من المسميات، التي تصف الحملات التي تطلق باستخدام حسابات مبرمجة للتأثير في الرأي العام. 

ورصد مجتمع التحقق العربي في أحد تقاريره وجود حملة منسقة ضد اللاجئين في مصر، تحتوي على كلمات وتعبيرات تنطوي على خطاب الكراهية؛ بعضها يُقلل من قدر اللاجئين ويجردهم من الإنسانية، فيما يُحرض البعض الآخر ضدهم. 

ثالثاً، يستهدف مدققو المعلومات الكشف عن المعلومات المضللة التي تتخلّل حملات الكراهية؛ إذ يقترن خطاب الكراهية -في كثير من الأحيان- بالتضليل المعتمد على الأدوات الرقمية؛ مثل: أدوات تعديل الصور والفيديوهات. 

وكشفت منصة "مسبار" صوراً مضللة، ادعى مروجوها أنها توثق ترحيل الحكومة الجزائرية لعدد كبير من المهاجرين، بالتزامن مع استضافتها القمة العربية في 2022. 

أدوات كشف الحملات المُضللة ضد اللاجئين 

  • أدوات تحليل الوسوم على منصات التواصل الاجتماعي 

تُستخدم هذه الأدوات في الكشف عن التفاعل على الوسوم والمدى الزمني لنشاطها. وتظهر هذه الأدوات البلاد الأكثر نشراً على الوسوم، وأكثر الكلمات المستخدمة في هذه المنشورات؛ وهو ما يسمى بـ"سحابة الكلمات". والخاصية الأخيرة تلعب دوراً مهماً في تحليل الخطاب المنتشر على الوسوم، وإذا ما كان يروج لخطاب كراهية أو لتحريض ضد اللاجئين. 

أدوات تحليل النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي

واعتماداً على بعض من هذه الأدوات، كشف تقرير لـ"مجتمع التحقق العربي"، عن إطلاق بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي في مصر حملة جديدة ضد اللاجئين. واستخدمت أداة Meltwater في التعرف على "سحابة الكلمات" الأكثر شيوعاً على الوسوم. وعبر تحليل هذه الكلمات، وجدنا أنها تحمل خطاباً تحريضياً وعنيفاً ضد اللاجئين. 

  • البحث العكسي عن أصل المقاطع والصور المنتشرة 

تستخدم تقنيات البحث العكسي للوصول إلى أصل الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة، وتفيد هذه التقنيات في الكشف عن التلاعب في المقاطع، أو وضعها في سياق مختلف عن سياقها الأصلي؛ ومن هذه التقنيات: 

وتتميز الأداة الأخيرة بخاصية تحليل معالم الوجه، للتعرف على الأشخاص الظاهرين في الصورة.  

ويفضل الاستعانة بأكثر من أداة، لضمان الوصول إلى نتائج موثوقة؛ إذ إن الأدوات -خصوصًا المجانية منها- تنفرد بخاصيات معينة ونقاط قوة، وكل أداة هي مكملة للأخرى، ولا تغني عنها.  

وسبق أن وظفت منصة "متصدقش" عدة أدوات رقمية، للتحقق من فيديو متداول يظهر جريمة سرقة، زعم مروجوه أنه يوثق سرقة بعض السودانيين لمحال في العاصمة المصرية، القاهرة. وعلقت بعض الحسابات على الفيديو باستخدام كلمات تحريضية، تنم عن الكراهية ضد اللاجئين عامة، والسودانيين منهم خاصة. وتوصل فريق "متصدقش" إلى أن الفيديو التقط في كولومبيا. كما كشفت المنصة المختصة في تدقيق المعلومات عن استخدام أدوات للتلاعب في الفيديو، إذ أضيفت موسيقى للتشويش على الصوت الأصلي، وحُذف جزء منه تظهر فيه الشرطة الكولومبية بزي مختلف عن الزي الرسمي للشرطة المصرية. 

  • التحقق من البيانات الوصفية للوسائط البصرية 

تحتوي الصور والفيديوهات، على بيانات وصفية؛ مثل موقع التقاطها، ونوع الهاتف الذي استخدم لالتقاطها، وزمن وتاريخ المقاطع المصورة. وتفيد هذه البيانات في عملية التحقق؛ ومن هذه الأدوات: 

على من تقع مسؤولية حماية اللاجئين؟ 

تدخل "المحاسبة والمساءلة" ضمن وظائف الصحافة الأساسية، ولكن كثيراً ما نغفل عن أداء هذا الدور في تقارير تدقيق المعلومات، أو نحصره في الصحافة الاستقصائية. وفيما يخص رصد الحملات المضللة وخطاب الكراهية ضد اللاجئين، يجب الإشارة عن من المسؤول عن حمايتهم.  

تقع مسؤولية توفير الحماية للاجئين وطالبي اللجوء -في المقام الأول- على الدول المُضيفة وفق المعاهدات الدولية والاتفاقيات. وتقتضي حقوق اللاجئين وطالبي اللجوء المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين ومعاهدات حقوق الإنسان، أن توفر هذه الدول الحماية للاجئين؛ المتمثلة في توفير بيئة آمنة لهم، ومنع أو التخفيف من الآثار المباشرة لنمط معيّن من الإساءة والتمييز الذي قد يتعرضون له. 

كما تلتزم منصات التواصل الاجتماعي بمناهضة خطاب الكراهية الذي يمكن أن يتسع مدى انتشاره، ويتحول من الواقع الافتراضي إلى ممارسات عنف فعلية ضد اللاجئين. ونشرت منصة "بيم ريبورتس" السودانية تقريراً عن أن خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى تشكيل مجتمعات افتراضية متشددة، تتبادل الأفكار المتطرفة والعنيفة. كما أن المنصات تتيح للفرد العادي الوصول إلى جمهور واسع من دون رقابة تُذكر. 

وتستهدف سياسات فيسبوك لمكافحة خطاب الكراهية الحفاظ على بيئة آمنة للمستخدمين، وتقوم بحذف المحتوى المحرض على كراهية، وصولاً إلى حظر الحساب بعد إنذاره، على النهج نفسه، تحظر "إكس" خطاب الكراهية، إذ "لا تجوز مهاجمة الأشخاص الآخرين بصورة مباشرة على أساس العِرق، أو الإثنية، أو الأصل القومي، أو الطائفة، أو التوجّه الجنسي، أو النوع، أو الهوية الجنسية، أو الانتماء الديني، أو السن، أو الإعاقة، أو المرض الخطير". 

ورغم هذه السياسات المعلنة، كشف "مجتمع التحقق العربي" في تقرير له أنّ منصات التواصل الاجتماعي لم تضطلع بدورها بحذف المنشورات التحريضية ضد اللاجئين في مصر؛ ما أدى إلى اتساع مدى انتشارها، وتصاعد خطاب الكراهية الموجهة ضد اللاجئين في مصر على مر الوقت.  

وبالتالي، تتجاوز حملات الكراهية المُنسقة المقترنة بنشر معلومات مضللة عن اللاجئين والمهاجرين حدود الفضاء الإلكتروني، وتشكل خطراً مجتمعياً على أرض الواقع؛ وهو ما يستدعي اهتماماً خاصاً من من الصحفيين ومدققي معلومات.

ينشر هذا المقال بالتعاون مع شبكة الصحفيين الدوليين Ijnet